إيران تحتضن زعيم التنظيم الجديد للقاعدة سيف العدل. أرشيفية
إيران تحتضن زعيم التنظيم الجديد للقاعدة سيف العدل. أرشيفية

بعد أن أكدت وزارة الخارجية الأميركية، تقريرا للأمم المتحدة كشف أن إيران تحتضن المواطن المصري سيف العدل الذي أصبح زعيما لتنظيم القاعدة، نفت طهران ما وصفته بالاتهامات "المضللة".

وقالت الأمم المتحدة في تقرير الثلاثاء إن "الرأي السائد للدول الأعضاء هو أن العدل أصبح زعيم التنظيم الجهادي".

وأشارت إلى أن التنظيم لم يعلنه رسميا بعد "أميرا" له بسبب الحساسية إزاء مخاوف سلطات طالبان في أفغانستان والتي لم ترغب في الاعتراف بأن الظواهري قتل بصاروخ أميركي في منزل في كابول العام الماضي.

سيف العدل وإيران 

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية، الأربعاء، إن "تقييمنا يتوافق مع تقييم الأمم المتحدة أن الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة سيف العدل موجود في إيران".

ويلفت تقرير الأمم المتحدة إلى أن "مكان وجوده يثير تساؤلات لها تأثير على طموحات القاعدة لتأكيد قيادتها حركة عالمية في مواجهة تحديات تنظيم داعش" المنافس لها.

أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، صلاح أبو شريف الأحوازي قال إنه لا يستغرب الاتهامات الدولية لطهران باحتضان زعيم القاعدة الجديد. وأضاف "أن النظام الإيراني المتشدد له علاقات ممتدة مع الحركات الإسلامية المتطرفة الشيعية والسنية، بما فيها القاعدة وحتى تنظيم داعش".

وأوضح الأحوازي في حديث لموقع "الحرة" أن "إيران لطالما استخدمت وتعاونت مع ميليشيات وحركات مسلحة تستخدمها من أجل تهديد مصالح دول المنطقة والدول الغربية، ناهيك عن أن بعضها يخدم مشروع طهران التوسعي في مد أذرعها في المنطقة".

وأشار إلى أن "احتضان طهران قيادات القاعدة ليس بأمر جديد، إذ إن عائلة بن لادن تواجدت في إيران لفترة، وحتى أنها وفرت لهم مساحات من الأراضي استخدموها كمعسكرات للتدريب في أوقات معينة، لذلك ليس من المستبعد أن سيف العدل يتواجد هناك برفقة قياديين آخرين من القاعدة".

وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان نفى عبر حسابه في تويتر الخميس الاتهامات بأن زعيم تنظيم القاعدة موجود في إيران، وقال "أنصح مسؤولي البيت الأبيض بوقف لعبة رهاب إيران الفاشلة.. نشر أخبار عن زعيم القاعدة وربطه بإيران أمر مضحك".

المحلل السياسي الإيراني، هادي أفقهي يرى أن الاتهامات بوجود زعيم القاعدة ما هي إلا "تلفيقات أميركية، وإذا كانت واشنطن تمتلك معلومات موثقة بالدلائل عليها توفيرها للأمم المتحدة".

وأضاف أفقهي وهو دبلوماسي سابق، في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن هذه "الاتهامات الدولية بأن إيران حاضنة للإرهاب الدولي، لا تخدم المنطقة التي تمتلك فيها الولايات المتحدة الكثير من القواعد العسكرية".

واتهم أفقهي "الولايات المتحدة والدول الغربية بأنهم يريدون شيطنة إيران، لأسباب مختلفة قد تكون لفرض مزيد من العقوبات"، وزعم أن "واشنطن هي من كانت قد أوجدت التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وليس إيران، وهذا باعتراف مسؤولين أميركيين كبار" على حد قوله.

الباحث المتخصص بالحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، قال في حديث لموقع "الحرة" إن "إيران لطالما احتضنت قادة تنظيم القاعدة، وهذا الأمر ليس في الوقت الحالي فقط، إنما من وقت أحداث 11 سبتمبر".

وأكد أن "إيران احتضنت عادة قادة من القاعدة خاصة الذين يتماهون مع توجهاتها، فيما قامت بإبعاد بعضهم إلى سوريا ودول أخرى خلال السنوات الماضية"، مشيرا إلى أنها "لا تتوانى عن التعاون معهم بما يخدم أهدافها الاستراتيجية بضرب المصالح الأميركية".

الاتفاق النووي

ويعتقد الأحوازي أن ملف "إيران واحتضانها لقادة تنظيم إرهابي" سيؤثر على ملف الاتفاق النووي، ويدفع بها إلى مزيد من "العزلة أمام المجتمع الدولي، وحتى دول المنطقة".

ويرى أن إيران في الظرف الحالي تمر في أوقات صعبة "إذ إنها فشلت في إحياء الاتفاق النووي، واقتصادها منهار، وتشهد مدنها ثورة مستمرة منذ أكثر من خمسة شهور، وهي لا تزال تدعم ميليشيات وحركات مسلحة متشددة موجودة في المنطقة، ناهيك عن احتضانها لقادة تنظيمات إرهابية عالمية".

من هو سيف العدل؟

صورة لـ"سيف العدل" نشرها مكتب التحقيقات الفيدرالي في 2001

سيف العدل (62 عاما) هو ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية، وشخصية بارزة في الحرس القديم للقاعدة.

وساعد العدل في بناء القدرة العملياتية للتنظيم ودرب بعض الخاطفين الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وفق المنظمة الأميركية "مشروع مكافحة التطرف".

وكشف أحمد سلطان، وهو باحث متخصص بالحركات الإسلامية والإرهاب أن الأسم الكامل لسيف العدل هو "محمد صلاح عبدالحليم زيدان"، من محافظة المنوفية، ودرس تخصص التجارة في جامعة المنوفية، والتحق بعدها بالخدمة العسكرية المصرية الإلزامية وانتهت خدمته وهو برتبة "ملازم أول" في السبعينيات.

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أنه في "الثمانينيات ذهب للسعودية لأداء فريضة الحج، وبعد عودته ذهب إلى باكستان، ومنها انتقل إلى أفغانستان حيث انضم لمجموعة خليل الرحمن، ولكن لم يبق معها طويلا لينضم بعدها إلى تنظيم القاعدة".

ويوضح سلطان أن اختيار سيف العدل ليصبح زعيما للتنظيم لم يكن "أمرا عفويا" إذ كان "هناك اتفاق مسبق على تقديم البيعة له ضمن ترتيب هرمي"، وأشار إلى أن "البيعة في حال تعرض الظواهري للقتل كانت تذهب لصالح أبو الخير المصري الذي قتل في سوريا في 2017، وبعده أبو محمد المصري الذي قتل في طهران في أغسطس 2020، وبعد ذلك يأتي سيف العدل".

وبين أن "سيف العدل كان قد أعلن ضمنيا أنه تولى إمارة التنظيم في رسالة نشرها موقع أبو الوليد المصري (مصطفى حامد أبو الوليد) في نوفمبر 2022، والتي أعلن فيها أيضا أنه موجود في إيران وأنه قبل بزعامة تنظيم القاعدة".

وأكد سلطان أن "سيف العدل له علاقات قوية مع طالبان وخاصة مع شبكة حقاني المتشددة، وجزء من عدم الإعلان بشكل رسمي عن تزعمه للقاعدة من أجل عدم التسبب بمشاكل لطالبان".

ووفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان، شعرت حركة طالبان بالحرج من مقتل الظواهري في كابل بعد أن أعطت تأكيدات للولايات المتحدة وآخرين بأنها لن تؤوي أفرادا أو جماعات تهدد الغرب أو حلفاءه في الأراضي الأفغانية. إذ اظهر "وجود الظواهري وسط كابل... أظهر علاقة تعاون مستمرة بين القاعدة وطالبان".

علي سعيد مصطفى البكري في ملصق جمع قياديين آخرين في القاعدة
الكشف عن زعيم جديد لتنظيم القاعدة.. جندي سابق بالجيش المصري ويقيم في إيران
 ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الثلاثاء، أن تقريرا صادرا عن الأمم المتحدة يستند إلى معلومات استخبارية قدمتها الدول الأعضاء يؤكد أن "متطرفًا مصريًا يعتقد أنه مقيم في إيران هو الآن الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة الإرهابي".

المحقق السابق في مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، علي صوفان قال إن سيف العدل يقيم في إيران منذ 2002 أو 2003، حيث وضع في البداية رهن الإقامة الجبرية، لكنه صار حرا في ما بعد بما يكفي للقيام برحلات إلى باكستان.

وكتب صوفان في مقال نشر عام 2021 لمجلة "سي تي سي" الصادرة عن "مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب"، أن "سيف هو أحد أكثر المقاتلين المحترفين خبرة في الحركة الجهادية العالمية، وجسده يحمل ندوب المعركة"، بحسب تقرير نشرته فرانس برس.

وأضاف "عندما يتحرك، يفعل ذلك بكفاءة".

وينظر المسؤولون الغربيون إلى سيف العدل باعتباره مصدر تهديد كبير، خاصة مع التأكد من قدرته التنظيمية والتزامه وقدرته على كسب احترام واسع داخل الأوساط المتطرفة. وتمحور مهمة سيف العدل حاليا على توحيد التنظيم واستعادة هيبته وشكله القديم، وفقا "للغارديان".

البابا فرنسيس

في صباح مشمس من مارس 2021، وقف طفل ملوحا بعلم عراقي صغير، على حافة الرصيف في مدينة النجف، يتأمل موكبا رسميا لم يَعْهد له مثيلا من قبل. 

وسط الجموع، لمح الطفل الثوب الأبيض للزائر الغريب وهو يخطو على مهل داخل أزقة المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة.  لم يكن ذلك الطفل يعلم على الغالب أنه كان شاهدا على واحدة من الزيارات البابوية التي ستسجل في كتب التاريخ باعتبارها لحظة نادرة ومفصلية في علاقة الأديان في الشرق الأوسط. 

في تلك الزيارة التي وقّتها البابا مع بدء تعافي الكوكب من فايروس كورونا، وبدء تعافي العراق من "داعش"، زار البابا الراحل المناطق التي دمرها داعش في أور والموصل، وحمل معه للعراق عموماً وللمسيحيين خصوصاً رسالة أمل رمزية لكنها شديدة العمق: "السلام ممكن، حتى من قلب الألم". 

خلال لقائه بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في المدينة الشيعية المقدسة، بحث رأس الكنيسة الكاثوليكية مع رأس الحوزة "التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية"، وقد شكل ذلك اللقاء "فرصة للبابا ليشكر آية الله السيستاني لأنه رفع صوته ضد العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، بحسب بيان وزعه المكتب الصحفي للكرسي الرسولي بعد اللقاء.

منذ حمله لقب "صاحب القداسة" في العام ٢٠١٣، أولى البابا فرنسيس أهمية كبيرة للبقعة الجغرافية التي تتنازعها الحروب والنيران على طول خريطة الشرق الأوسط. والتفت البابا بعين دامعة، الى البشر الذين يُدفعون بسبب الحروب والمآسي إلى البحار هرباً من الموت على اليابسة. 

خرج صوت البابا من أروقة الفاتيكان، بخشوع وألم، ليعبر بنبرة أب قلق على أبنائه وبناته في تلك البقعة من العالم، من تمييز بينهم على أساس أديانهم أو طوائفهم. 

رفع البابا صوته وصلواته لضحايا الهجرة، ووقف على شاطئ المتوسط منادياً العالم: "أولئك الذين غرقوا في البحر لا يبحثون عن الرفاه، بل عن الحياة". وفي لقائه بلاجئين سوريين خلال زيارته إلى اليونان، طلب "ألا يتعامل العالم مع المهاجرين كأرقام، بل كوجوه وأرواح". 

لا يمكن الفصل بين رؤية البابا فرنسيس لقضايا الشرق الأوسط وبين خلفيته الآتية من أميركا اللاتينية، كما يشرح الباحث في العلاقات الإسلامية المسيحية روجيه أصفر لموقع "الحرة". 

يقول أصفر إن "المنطقة التي أتى منها البابا وشهدت صعود لاهوت التحرير وتعيش فيها الفئات المسحوقة والديكتاتوريات، لابد أن تخلق لديه حساسية تجاه قضايا شعوب الشرق الأوسط التي تعاني من نموذج مشابه من الديكتاتوريات". 

وايضاً يجب الأخذ بعين الاعتبار، بحسب أصفر، المعرفة العميقة لدى البابا بالإسلام، "ومع كل الاستقطاب الديني الذي نشهده في العالم، وصعود الإسلاموفوبيا، تمكن البابا من نسج علاقات جيدة بالعالم العربي والمرجعيات الدينية فيه وخصوصاً مع الأزهر وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعتبر متقدمة جداً في مجال الحوار بين الأديان".

جال البابا في زيارات مختلفة توزعت على دول عربية، وحط في العام ٢٠١٧ في مصر، بعد تفجيرات استهدفت الكنائس القبطية، والتقى حينها بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، وشارك في مؤتمر للسلام. هناك قال إن "الإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفعنا إلى محبة الآخرين، لا إلى كراهيتهم". 

بعدها بسنتين، زار الإمارات في زيارة تاريخية لأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ووقع مع شيخ الأزهر وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التاريخية، داعياً من قلب الخليج إلى "نبذ الحرب، والعنصرية، والتمييز الديني". كما ترأس قداساً حضره أكثر من 100 ألف شخص في استاد زايد، ليقول للعالم: "الإيمان يوحّد ولا يُفرّق".

ما فعله البابا هو "كسر الحواجز وتأسيس منطلقات نظرية لاهوتية وشرعية وفقهية مع الجانب المسلم والتعاون لتأسيس للعيش معاً بشكل أفضل"، يقول أصفر. ويتابع: "البابا انطلق في ذلك من سلطته المتأتية من صلاحية قوية جداً على رأس هرم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكبر جماعة مسيحية في العالم". 

حينما وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس من العام ٢٠٢٠، عبّر البابا فرنسيس عن تضامنه العميق مع الشعب اللبناني، ووصف لبنان بأنه "رسالة" في التعايش، داعيًا العالم لعدم التخلي عنه: "لبنان لا يمكن أن يُترك وحيدًا... هو كنزٌ يجب الحفاظ عليه". 

خصص صلوات كاملة لأجل "نهضة لبنان من الرماد"، وكان يخطط لزيارة بيروت قبل أن تؤجل الزيارة بسبب وضعه الصحي. وأبدى اهتماماً كبيراً بأزمة السودان، وتدهورها في السنوات الأخيرة إلى انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، فرفع الصلوات لسلام السودانيين ودعا إلى حماية المدنيين مما سماه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

كما عبّر البابا فرنسيس مراراً عن قلقه العميق من تدهور الأوضاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الشرق الأوسط وانسحاب الصراع إلى دول أخرى مثل لبنان. 

خلال زيارته لبيت لحم عام 2014، آتياً من الأردن، تحدث عن السلام وأهميته وعن حق الفلسطينيين كما الإسرائيليين بالأمان. 

وبعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أدان البابا فرنسيس بوضوح قتل المدنيين واختطاف الأبرياء، مع دعوة لوقف العنف من الجانبين: "أتابع بألم ما يحدث في إسرائيل وفلسطين... أدعو إلى الوقف الفوري للعنف الذي يحصد أرواحًا بريئة. الإرهاب والعنف لا يحققان السلام أبدًا".

ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات إنسانية لغزة، مؤكدًا أن "كل إنسان له الحق في العيش بكرامة، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً".

في العام ٢٠٢٢ شارك في "ملتقى البحرين للحوار"، في زيارة ثانية الى الخليج، كشفت عن اهتمامه بتلك البقعة من العالم، حيث دعا إلى احترام الحريات الدينية، والحوار بين المذاهب والأديان، مؤكدًا أن "الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى صراع".

لم يكن البابا الراحل فرنسيس يوماً زائراً غريباً عن المنطقة، وعن الشرق الأوسط، بل كان يحمل في قلبه الحب لجميع شعوب العالم، ويحمل بلسانه لغة الحوار والعدالة التي يفهمها الجميع بمعزل عن اختلاف لغاتهم. 

كان يعرف كيف يقارب الصراعات الحساسة بحسّ إنساني عال وبشجاعة ملحوظة، فيقف إلى جانب المدنيين دائما في الصراعات العسكرية، ويدعو المتحاربين إلى انهاء حروبهم وتجنيب المدنيين قسوة الحروب ومآسي القتل والدمار والتهجير.