توفي معاوية بن أبي سفيان في العام 680 ميلادي. أي قبل 1343 عاما من تصريح أطلقه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في شباط/ فبراير من العام 2023، يحذّر فيه من عرض مسلسل يتناول سيرة معاوية على قناة "أم بي سي" في رمضان المقبل.
أكثر من ثلاثة عشر قرنا على وفاة الرجل، ولا يزال طرح أي موضوع يتعلق بتلك الحقبة، وما شهدته من صراع على السلطة، يثير حساسيات بين السنّة والشيعة في المنطقة العربية. الصدر قال في بيانه إن معاوية "رأس الفتنة الطائفية وأول من سنّ سبّ الصحابة وأول من خرج عن إمام زمانه وشقّ صف الوحدة الإسلامية".
لا شكّ أن شخصية معاوية بن أبي سفيان تعتبر من أكثر الشخصيات إشكالية في التاريخ الإسلامي، ويختلف السنة والشيعة حول النظرة إليه وتقييمه، فغالبية الشيعة "يلعنونه" ويعتبرونه "رأس الفتنة" بحسب تعبير الصدر، وكثير من السنّة يذهبون إلى حدّ تقديسه.
"قبلنا أم لم نقبل، معاوية شخصية تاريخية، وهو جزء أساسي من التاريخ الإسلامي والذاكرة الاسلامية، وكان له إسهاماته المهمة في بناء البنية الإمبراطورية للدولة"، يقول الأكاديمي والباحث في الإسلاميات وجيه قانصوه: "إذا أردت أن تقرأ معاوية من منظار عقائدي، إما سيكون بالنسبة إلى فريق قديساً، أو سيكون بالنسبة لفريق آخر ملعوناً. هي شخصية لها ما لها وعليها ما عليها، وهي مثيرة للاهتمام وأنا كباحث كتبت في كتابي عنه، وحاولت أن لا أثير أي حساسيات". يجب بحسب قانصوه أثناء تناول شخصيات تاريخية إشكالية، "أن نتجرد من عواطفنا وميولنا وانحيازاتنا لنفهم هذه الشخصيات".
توصّل قانصوه، كما يقول لـ"ارفع صوتك" إلى نتيجة أن "الخلاف بين السنة والشيعة ليس خلافاً مذهبياً. أنا أرى أنهما يكادان أن يكونا دينين مختلفين، أكثر من كونهما مذهبين". ويقول إن الإشكال الأساسي "هو الفهم المختلف للتاريخ، وتطويعه لخدمة المشاريع السياسية".
يبدو أن موضوع السياسة هو الأساس، أيضاً بالنسبة إلى الباحث في الدراسات والفكر الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي، الذي يقول لموقعنا إن "تسييس الموضوع (الخلاف السني الشعي)، هو ما جعله يستمر كل هذه السنوات الطويلة. وما دام هذا التقسيم يؤدي وظائف سياسية، لهذا لا يزال يُستغل من كثير من السياسيين".
المسألة في العمق ترتبط بما يسميه رفيقي "الهزيمة الحضارية التي تعيشها المجتمعات المسلمة"، وإلى "النكسة التي أصابت المسلمين"، ويرى رفيقي أن "ترقية الفكر وتطويرها يؤدي بالضرورة إلى إنتاج قيم السلام والتعايش والتقدمية".
هذه الفكرة يعزّزها قانصوه، حينما يقول إن "تحرّر أوروبا المسيحية بعد أن صارت تتعاطى مع التاريخ كحدث بظروفه وشروطه الاجتماعية والثقافية، من دون تحديد موقف منه. في الإسلام، هناك قراءة عقائدية غير موضوعية للتاريخ".
أما رفيقي، فيقول إن "الإصلاح في أوروبا بدأ من الكنيسة، وبالنسبة إلى المسلمين، حتى مع اختلاف السياقات، المسلمون بحاجة إلى إصلاح ديني حقيقي وجذري، من دون هذا الإصلاح، لا أعتقد أن الأمور يمكن أن تتغير".
في رأي رفيقي، فإن "هذه القضية مرتبطة بالفن، والأعمال الفنية ينبعي أن يكون فيها حرية لصاحب العمل أو المؤلف بأن يترجم قراءته في عمل فني، أو تلفزيوني. وهذا كان رأيي في بعض الأعمال الفنية أو الأفلام التي أنتجها الشيعة وقامت قائمة السنة عليها، أنا استغرب ردود الفعل المتشنجة والمتوترة في هذا السياق".
ويتابع: "ليس من مصلحة مجتمعاتنا الدعوات إلى توقيف أو منع أي عمل فني طالما أن الحرية مكفولة لكل الأطراف بأن يعبروا عن أنفسهم بالفن أو غيره ضمن ما ترعاه حرية التعبير".
قانصوه ورفيقي يتفقان أن المشكلة موجودة عند الطرفين السني والشيعي، وإن تفاوتت حدّتها: "الوعي السني، أيضاً لا يتم التعامل مع تاريخ معاوية مثلاً، بطريقة نقدية، بل لا يزال ينظر إليه بنظرة تقديس. وغياب القراءة النقدية لدى الطرفين، هو ما يؤدي إلى سوء التفاهم الدائم، وزيادة العصبية والتوظيف السياسي للمضامين العقائدية التي تجعل الأمور تُفسَّر على غير حقيقتها"، يقول قانصوه.
هل هناك إمكانية لإنهاء هذا الصراع في المستقبل؟
رفيقي يرى أن الأمر ممكن طبعاً، لكنه يحتاج أولاً إلى "إصلاح ديني عميق وثورة فكرية حقيقية تجعل علاقة الطرفين قائمة على التعايش والتعددية والتكامل. من دون هذا الإصلاح الديني والثورة الفكرية، وإعادة قراءة النصوص بما يتناسب مع التغييرات اللتي يشهدها الزمن، من الصعب جدا الحديث عن تعايش حقيقي".