في تحول لافت للسياسة الخارجية السعودية تجاه سوريا، تحدث وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن كون "الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما"، بينما يكشف خبراء تحدث معهم موقع "الحرة" عن سر توقيت تلك التصريحات ومآلاتها ومدى إمكانية عودة العلاقات بين البلدين لطبيعتها.
وفي تصريحات السبت، أكد وزير الخارجية السعودي، وجود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب "في وقت ما" حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين.
وخلال منتدى ميونيخ للأمن، قال الأمير فيصل "سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار".
وأضاف أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق "الأهداف القصوى" من أجل حل سياسي فإنه "بدأ يتشكل" نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا.
"ولذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك"، وفقا للوزير السعودي.
سر التوقيت؟
في السادس من فبراير الفائت، ضرب زلزال بلغت قوته 7,8 درجات، مناطق من سوريا وتركيا، وأسفر عن مقتل أكثر من 46 ألفا في البلدين حتى الآن، ولم تفصح أنقرة أو دمشق عن عدد المفقودين بعد الزلزال، حسب "رويترز".
ومن المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا، مع اعتبار الكثيرين في عداد المفقودين.
في أعقاب الزلزال المدمر، تعهدت السعودية بتقديم مساعدات إلى كافة المناطق المتضررة بسوريا بما فيها مناطق واقعة تحت سيطرة القوات الحكومية.
وأرسلت الرياض طائرات محملة بالمساعدات لمناطق منكوبة تسيطر عليها الحكومة السورية في إطار جهود الإغاثة من الكارثة، بعد أن أرسلت مساعدات في البداية فقط لشمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، وفقا لـ"رويترز".
وفي 14 فبراير، هبطت طائرة سعودية تحمل مساعدات إغاثية لمنكوبي الزلزال المدمر، في مطار حلب الدولي، وهي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع قبل أكثر من عشر سنوات، وفقا لـ"فرانس برس".
وحملت الطائرة السعودية، "35 طنا من المساعدات الغذائية"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا".
والجمعة، حذرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، من أن الزلزال قد يكون شرد 5,3 ملايين شخص في سوريا.
وتمثل التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي، السبت، "تغيرا في السياسة التي تم تبنيها المملكة"، في السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاما، وفقا لـ"رويترز".
ولذلك يرحب الكاتب والمحلل السياسي السوري، غسان يوسف، بتصريحات وزير الخارجية السعودي، ويصفها بـ"المبشرة والجيدة" بعدما أعقبت مساعدات سعودية "لافتة" لسوريا بعد الكارثة التي ضربت البلاد.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد أهمية "طي صفحة الخلافات بين دمشق والرياض"، وبدء صفحة جديدة من "الوئام"، خاصة أن سوريا مكلومة نتيجة الصراع الطويل والزلزال الأخير.
"ولا تمانع دمشق من الحوار مع أي دولة عربية وهي متجاوبة مع جميع الدول التي خاضت الحوار معها وأرسلت مبعوثين"، وفقا ليوسف.
ويرى أن "السعودية تعمل على حل الأمور العالقة مع سوريا"، معتبرا أن التصريحات الأخيرة جاءت لتهيئة المناخ لعودة العلاقات بين البلدين لطبيعتها.
ويتوقع يوسف "زيارة رسمية سعودية قريبة لدمشق لعودة الأمور بين البلدين إلى مجاريها".
لكن لدى سؤال وزير الخارجية السعودي عن تقارير أفادت بأنه قد يزور دمشق بعد أن زارها نظيراه الإماراتي والأردني في أعقاب الزلزال، قال الأمير فيصل إنه "لن يعلق على الشائعات"، حسب "رويترز".
"رسالة مبطنة"
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي، سعد الحامد، إن السعودية تقف منذ سنوات إلى جوار "الشعب السوري".
ويؤكد في حديثه لموقع "الحرة"، أن الدول العربية، ومنها السعودية، "لا تمانع من عودة سوريا إلى حاضنتها عندما يتفهم النظام تخوفات تلك الدول وتحفظاتها والتحديات التي تحيط بالمنطقة".
ويرى الحامد إن التصريحات تحمل "رسالة مبطنة" للنظام السوري كي يعود لحاضنته العربية ويبتعد عما يهدد أمن وسلامة المنطقة.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودية "حتى لا تترك سوريا وحدها فريسة للأطماع الإيرانية التي باتت تهدد كافة دول المنطقة"، وفقا لحديث الحامد.
ما دخل إيران؟
منذ عام 2011، تشهد سوريا نزاعا داميا تسبب بمقتل حوالي نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى تهجير ملايين السكّان داخل البلاد وخارجها.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا دعمت دول عربية من بينها السعودية جماعات من المعارضة المسلحة قاتلت ضد رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وفي عام 2012، قطعت السعودية علاقاتها مع نظام الأسد، وقدمت دعما بارزا للمعارضة في مراحل النزاع الأولى.
لكن على جانب آخر، تعد إيران داعما رئيسيا لدمشق، وقدمت لها منذ بدء النزاع في العام 2011 دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
وقد بادرت إيران في العام 2011 إلى فتح خط ائتماني لتأمين احتياجات سوريا من النفط بشكل خاص، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش السوري في معاركه، وقد ساهم هؤلاء في ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية على جبهات عدة.
وتمكن الأسد من استعادة السيطرة على أغلب مناطق سوريا بدعم من روسيا وإيران وجماعات شيعية تدعمها طهران، وفقا لـ"رويترز".
ولذلك يتحدث الحامد عن "التغول الإيراني داخل سوريا ما تسبب في معاناة كبيرة للشعب السوري وهدد أمن واستقرار دول الجوار".
ولوقف الخطر الإيراني كان يجب "فتح خط رجعة" مع النظام السوري، بعدما تحولت سوريا لـ"قنبلة موقوتة" قد تنفجر في أي لحظة نتيجة التدخلات الإيرانية، وفقا للحامد.
اشتراطات سعودية؟
لم يحدد وزير الخارجية السعودي موعدا للحوار مع دمشق، واكتفى خلال تصريحاته بالقول "في وقت ما".
وبشأن موعد الحوار بين دمشق والرياض، يقول يوسف إن "الكرة الآن في الملعب السعودي"، مشيرا إلى أن سوريا تفتح ذراعيها للحوار مع جميع الدول العربية.
لكن الحامد يقول إن تحديد موعد الحوار يتوقف على مدى استجابة النظام السوري للتخوفات العربية، وتغييره من سياساته الداخلية والابتعاد عن الاصطفاف مع إيران.
وقبل الحوار لابد للنظام السوري أن "يعيد حساباته" في عدة قضايا ومنها "انتشار المليشيات داخل سوريا وتهديدها لدول الجوار، وحل مشكلة الهيمنة الإيرانية على مفاصل الدولة، والعمل على مراعاة مصالح الدول العربية"، وفقا للحامد.
ويرى الحامد أن "النظام السوري يساهم حاليا في دعم المليشيات الإيرانية التي وصلت لحدود دول الجوار وباتت تهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها".
ويقول " لا نريد أن يكون لطهران ذراع داخل سوريا، يهدد مصالح الدول العربية كما هو الحال في اليمن والعراق".
وفي سوريا، تنتشر قوات إيرانية وأخرى عراقية ومجموعات موالية لطهران بينها حزب الله اللبناني في منطقة واسعة في ريف دير الزور الشرقي، وخصوصا بين مدينتي البوكمال والميادين، ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، عدد أفراد تلك المجموعات بنحو 15 ألف مقاتل.
وقبل الحوار، يجب على النظام السوري معالجة أوضاع النازحين السوريين في الداخل والخارج، ويجب أن تكون هناك حكومة تفرض سيطرتها على كامل التراب السوري وتتفهم "مطالب الشعب"، حسب رأي الحامد.
ولا تزال سوريا تعتبر "أضخم أزمة نزوح في العالم"، وبسبب الحرب اضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها، وفقا لـ"الأمم المتحدة"
لكن على جانب آخر، يؤكد يوسف أن "سوريا لن ترضى بوضع شروط مسبقة"، ويقول إن "العلاقة مع طهران ممتدة منذ عام 1979، وهناك تحالف سوري مع إيران ممتد منذ عقود".
وفي حال تحسن العلاقات بين السعودية وسوريا، فسيكون هناك تراجع في العلاقات السورية الإيرانية "بشكل تلقائي"، ولو كانت دول الخليج تدعم دمشق لما كانت علاقتها مع طهران "بهذه القوة"، وفقا لحديثه.
ويقول إن "الدولة تحاول أن تكون علاقتها متوازنة مع جميع دول المنطقة"، لكنه يشدد على أن "سوريا لن تكون مرهونة أبدا بأي دولة سواء إيران أو غيرها"، على حد تعبيره.
وشهدت السنوات الماضية خلافات بين السعودية وإيران، مع دعم كل جانب لأطراف متناحرة في "حروب بالوكالة" في أنحاء المنطقة، من اليمن إلى سوريا وأماكن أخرى.
هل تعود سوريا لجامعة الدول العربية؟
في عام 2012، علقت جامعة الدول العربية التي تضم 22 بلدا عضوية سوريا، وقطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق.
لكن مؤشرات انفتاح تجاه دمشق برزت خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع الإمارات التي أعادت فتحت سفارتها في سوريا عام 2018، قبل أن يزور الأسد أبوظبي في مارس الماضي، حسب "فرانس برس".
وكان الأردن من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها بالنظام السوري مع اتصالات محدودة، وتوقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة قبل أن تُستأنف في العام 2021.
وتوج التقارب السوري الأردني أول اتصال هاتفي منذ 2011 بين الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكتوبر 2021.
وفي أعقاب الزلزال المدمر، اتصل الملك الأردني بالرئيس السوري مرة ثانية بعد وقوع الزلزال.
وتلقى الأسد اتصالا من نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، هو الأول بين الرجلين منذ تولي السيسي السلطة في مصر العام 2014، رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود.
وتلقى الأسد اتصالا مماثلا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول منذ أكثر من عقد.
وبدا أن الأسد، الذي يتجنبه الغرب، يستمتع بفكرة تدفق الدعم من دول عربية طبّعت العلاقات مع بلاده في السنوات القليلة الماضية خاصة الإمارات التي تهدف لدعم النفوذ العربي في سوريا للتصدي للنفوذ الإيراني، لكن دولا عربية أخرى ما زالت قلقة، حسب "رويترز".
وقال وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم الصباح، لـ"رويترز "، في ميونيخ إن بلاده لا تتعامل مع دمشق وتقدم المساعدات عبر منظمات دولية وعبر تركيا.
ولدى سؤاله عما إذا كان هذا الموقف سيتغير قال الوزير الكويتي "لن نغير شيئا في الوقت الراهن".
لكن يوسف يشير إلى وجود "رغبة عربية حقيقة" في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
ويقول إن هناك عدة دول على رأسها "الإمارات ومصر والجزائر والأردن والعراق"، تدفع في اتجاه عودة سوريا إلى الجامعة قبل القمة العربية في دورتها الـ 32 والتي تحتضنها السعودية.
ومن المقرر أن تستضيف السعودية القمة العربية 2023، حسبما أعلن وزير الخارجية السعودي، في ختام أعمال الدورة الـ31 للقمة العربية التي انعقدت في الجزائر في ديسمبر 2022.
لكن الحامد يقول إن "عودة سوريا للجامعة العربية أو حضورها للقمة المقبلة ليس قرارا سعوديا فقط"، مشيرا إلى أن "جميع القرارات داخل الجامعة العربية تتم عبر التصويت".
وتريد السعودية عودة سوريا للجامعة العربية، لكن المملكة بالإضافة لعدد من الدول "لديهم تحفظات يجب على النظام السوري حلها قبل ذلك"، وفقا لحديث الحامد.