اليوم العالمي للمرأة يوافق الثامن من مارس
اليوم العالمي للمرأة يوافق الثامن من مارس

يوافق الثامن من مارس من كل عام "اليوم العالمي للمرأة"، وفي هذا اليوم تنظم الفعاليات والأحداث حول العالم تكريما لإنجازات المرأة، ورفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضاياها.

وتخرج في العديد من المدن مسيرات وتجمعات ومظاهرات، وتمتلئ الشوارع في بعض هذه المدن باللون الأرجواني الذي يرتبط بحقوق المرأة.

القصة والمسيرة التاريخية

يمثل هذا اليوم رمزا لكافح المرأة الطويل منذ أكثر من قرن، عندما خرجت النساء العاملات عبر أميركا الشمالية وأوروبا للمطالبة بتحسين أوضاعهن. 

وتعود أول مبادرة لتخصيص يوم من أجل قضايا النساء إلى عام 1909، وكان يقف وراءها الحزب الاشتراكي الأميركي، الذي أقر 28 فبراير يوما للاحتفال باليوم الوطني للمرأة في الولايات المتحدة، تكريما لإضراب عاملات الملابس عام 1908 في نيويورك، اللواتي خرجن في مسيرة احتجاجية للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات.

وفي 1910، طالب المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات، الذي عقد في كوبنهاغن بالدنمارك، بتحديد يوم دولي للمرأة من دون أن يحدد موعدا.

وبدأت أولى مراحل الاحتفال بيوم للمرأة في 19 مارس من عام 1911. في ذلك اليوم تم الخروج في مسيرات للمطالبة  بحق المرأة في العمل والتدريب المهني ووضع حد للتمييز  ضدها.

وفي 8 مارس من عام 1914، نظمت النساء مسيرات في عدة مدن أوروبية للمطالبة بحق الاقتراع للنساء والاحتجاج على الحرب العالمية.

وفي 1917 في روسيا، اختارت النساء آخر يوم أحد من شهر فبراير للاحتجاج والإضراب تحت شعار "الخبز والسلام"، وقد أدت حركتهن في نهاية المطاف إلى سن حق المرأة في التصويت.

مسيرة طويلة لكفاح المرأة

وبعد الحرب العالمية الثانية، استمر الاحتفال بهذا اليوم في 8 مارس في عدد من البلدان. 

وفي عام 1975، بدأت الأمم المتحدة الاحتفال بيوم 8 مارس باعتباره اليوم العالمي للمرأة. وبعد ذلك بعامين، وفي ديسمبر 1977، تبنت الجمعية العامة قرارا بإعلانه يوم الأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام الدولي.

ومنذ ذلك التاريخ يتم الاحتفال به سنويا ويتم اختيار موضوع كل عام.

ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار  تحت عنوان "الرقمنة للجميع: الابتكار والتقنية من أجل المساواة بين الجنسين".

هدف "بعيد المنال"

وفي كلمة أمام مجلس الأمن بمناسبة يوم المرأة هذا العام، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن عقودا من التقدم العالمي في مجال حقوق المرأة "تتلاشى أمام أعيننا"، مع تراجع حصول المرأة على الفرص التعليمية والوظيفية وتراجع حقوقها الإنجابية، وهو ما دفعه ليقول إن إمكانية تحقيق هدف المساواة بين الجنسين قد يحدث "بعد 300 عام".

وتشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن تمثيل المرأة في الحكومات لايزال ضئيلا، مشيرة إلى أنه حتى يناير الماضي، كانت المرأة تترأس الحكومة أو الدولة في 31 دولة فقط، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة، التي قالت إن البيانات أظهرت أن المرأة "ممثلة تمثيلا ناقصا على جميع مستويات صنع القرار في جميع أنحاء العالم وأن تحقيق التكافؤ بين الجنسين في الحياة السياسية بعيد المنال".

وفي الإشارة إلى موضوع هذا العام، وهو "الرقمنة للجميع: الابتكار والتقنية من أجل المساواة بين الجنسين"، تقول الامم المتحدة إن الفجوة المستمرة بين الجنسين في مجال الوصول الرقمي تحول دون إطلاق النساء العنان للإمكانات الكاملة للتقنية.

بالأرقام

ويأتي استبعاد النساء من العالم الرقمي بتكاليف باهظة للجميع، إذ حصد بالفعل تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في العقد الماضي، وهي خسارة يُتوقّع أن ترتفع إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2025، وفق الأمم المتحدة.

وأكد الأمين العام للمنظمة في رسالته للاحتفال باليوم أن "النساء يُشكلن حاليا أقل من ثلث القوة العاملة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات. وعندما يكون تمثيل المرأة ناقصا في تطوير تقنيات جديدة، قد يُضمن التمييز بين الجنسين من البداية". 

وتقول الأمم المتحدة إن 37 في المئة من النساء لا يستخدمن الإنترنت، فعدد المستخدمات للإنترنت يقل بـ259 مليون امرأة عن عدد الرجال (63 في المئة من النساء استخدمن الإنترنت في عام 2022 مقارنة بـ69 في المائة من الرجال)، مع أنهن يمثلن ما يقرب من نصف سكان العالم. 

مسيرات في باريس

وإذا كانت النساء عاجزات عن الحصول على خدمة الإنترنت، فإنهن بالتالي عاجزات عن تطوير المهارات الرقمية اللازمة للمشاركة في المساحات الرقمية، مما يقلل من فرصهن في الحصول على الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وكشفت دراسة، أُجريت في 51 دولة، أن 38 في المئة من النساء تعرضن للعنف على الإنترنت.

تقدم متفاوت في الدول العربية

في فبراير الماضي، قدمت الأمم المتحدة تقارير جديدة عن العدالة بين الجنسين في المنطقة، ووجدت تقدما على صعيد الأهلية القانونية للمرأة، لكنها دعت إلى إصلاحات في مجال العنف المنزلي، وتعزيز المشاركة السياسية، والصحة، والحقوق الجنسية والإنجابية.

وقالت إن تقدم البلدان العربية في مسيرتها نحو مواءمة قوانينها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي تضمن المساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز ضد المرأة متفاوت ومتباين.

وتظهر التقارير أنه توجد في جميع أنحاء المنطقة تدابير إيجابية تواكب المعايير الدولية في مجال الأهلية القانونية، فاليوم، تتمتع المرأة بحقوق متساوية في 17 دولة رصدتها المنظمة في ما يتعلق بالحق في الحصول على بطاقة هوية وطنية، وطلب جواز سفر، وإبرام العقود، وامتلاك الأصول، وتسجيل الأعمال التجارية، وبدء الإجراءات القانونية في المسائل المدنية.

وبالمثل في مجال التوظيف والاستحقاقات والمزايا الاقتصادية، يحمي القانون حقوق المرأة في الحصول على أجر متساوٍ (16 بلدا) وكذلك هناك قدر من الحماية بموجب القانون من التحرش الجنسي في مكان العمل (8 بلدان)، وإن كان لدى بلدان فقط، هما البحرين والسعودية، بعض الأحكام التي تسمح بالدعاوى المدنية وسبل الانتصاف من التحرش الجنسي في مكان العمل.

وهناك نظام الحصص المخصصة للمرأة في البرلمانات الوطنية (الكوتا) في 10 دول، وأربعة بلدان فقط، هي الصومال والسودان وتونس والإمارات، لديها كوتا تسمح بنسبة 30 في المئة على الأقل كنسبة المقاعد البرلمانية المخصصة للنساء.

ولم تسن سوى تونس قانونا يجرم صراحة العنف ضد المرأة في الانتخابات والنشاط السياسي.

وسنت ثمانية بلدان قوانين للحماية من العنف المنزلي. وفي السودان، تم تمرير قانون جديد يجرم الختان، وأجريت في مصر تعديلات على القوانين الحالية توفر حماية أكبر لضحايا الختان.

وتظهر التقارير أن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية لا تزال تمثل تحديا رئيسيا في المنطقة، وطالبت الأمم المتحدة باعتماد حصص أكبر للنساء في المؤسسات السياسية، وتعزيز القوانين التي تجرم العنف ضد المرأة في السياسة.

ولاتزال نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في المنطقة الأدنى في العالم، وهناك قدر من عدم المساواة بين الجنسين داخل الأسرة، وانتشار للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة.

المرأة والصراعات

وفي جلسة بمجلس الأمن الدولي، الاثنين، دعت سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى إحداث "تغيير حقيقي" في حماية المرأة وضمان مشاركتها في عمليات السلام.

وقالت في جلسة بعنوان "على الطريق نحو الذكرى الخامسة والعشرين لاعتماد القرار 1325 حول المرأة والسلم والأمن" إننا "لم نحدث تغييرا كبيرا على تشكيلة طاولات المفاوضات حول السلام، أو الإفلات من العقاب الذي يتمتع به من يرتكبون فظائع ضد النساء والفتيات".

وأشارت سيما بحوث إلى حدوث عدد من الانقلابات العسكرية في دول متأثرة بالصراعات، من منطقة الساحل إلى السودان وميانمار، مما أدى إلى تقليص الفضاء المدني بشكل حاد أمام منظمات المرأة والمدافعين عن حقوقها أو إغلاقها بشكل كامل.

صحيفة واشنطن ألقت أيضا في تقريرها نظرة على أهم الأحداث التي برزت فيها المرأة خلال العام الماضي.

حركة النساء في إيران

أطلق مقتل الشابة الإيرانية، مهسا أميني أثناء احتجازها، موجة من الاحتجاجات تحت شعار "المرأة ، الحياة، الحرية" للتعبير ليس فقط عن السخط من قوانين فرض الحجاب، ولكن من النظام الحاكم نفسه، ومع ذلك دفع المتظاهرون من الجنسين ثمنا باهظا، حيث قُتل ما لا يقل عن 530 شخصا واعتقل أكثر من 19 ألف شخص حتى 21 فبراير، وفق تقارير حقوقية.

مسيرة داعمة لاحتجاجات إيران في ألمانيا

وخلال الأسابيع الماضية، وقعت حوادث تسمم غامضة في مدارس فتيات، ليس من الواضح من يقف وراءها أو ما إذا كانت مرتبطة بالاحتجاجات. وبشكل عام، ليست تلك المرة الأولى التي تخرج فيها النساء إلى الشوارع في إيران، فللمراة الإيرانية دور تاريخي في النشاط السياسي.

تدهور في أفغانستان

عندما سيطرت طالبان على أفغانستان، وعد قادتها الذين كانوا يسعون للحصول على اعتراف دولي باحترام حقوق المرأة، لكن سرعات ما أصدرت الحركة أوامر بارتداء البرقع في الأماكن العامة، ومنعت النساء والفتيات من الالتحاق بالجامعات، ومنعت النساء من العمل في المنظمات الدولية والوطنية. 

هذه القرارات قوبلت بانتقادات لاذعة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في بيان: "لا يمكن لطالبان أن تتوقع أن تكون عضوا شرعيا في المجتمع الدولي حتى تحترم حقوق الجميع في أفغانستان. هذا القرار سيعود على طالبان بعواقب".

وتقول واشنطن بوست إن الوضع تدهور بشكل كبير، خلال العام الماضي، مشيرة إلى تحذير مسؤول في الأمم المتحدة من أن معاملة المجموعة للنساء والفتيات "قد ترقى إلى مرتبة الاضطهاد الجنسي، وهي جريمة ضد الإنسانية".

وجاءت إجراءات طالبان ضد المرأة لتزيد الضغط على بلد يعاني بالفعل بشدة من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج أكثر من 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.

وحذرت الأمم المتحدة من أنه سيكون للحظر آثار كارثية على عشرات الملايين من الأفغان المحتاجين للمساعدات الإنسانية، وخاصة النساء والأطفال.

ودعت سيما بحوث، مجلس الأمن، الذي يعقد جلسة الأربعاء بشأن أفغانستان، إلى الحديث والعمل بشكل قوي ضد الفصل بين الجنسين وإيجاد الطرق لدعم النساء والفتيات الأفغانيات في أحلك أوقاتهن.

ومن المقرر أن تكرم واشنطن الأفغانية، زكيرة حكمت، التي أكملت دراستها سرا أثناء حكم طالبان وأًصبحت طبيبة. وخلال دراستها، تطوعت مع منظمات لمساعدة اللاجئين.

First lady Jill Biden addresses the 16th annual International Women of Courage (IWOC) Awards virtual ceremony at the State…
واشنطن تكرم "شجاعات العالم".. وامرأة عربية ضمن القائمة
أعلن البيت الأبيض، الاثنين، استضافته للحفل السنوي لجائزة المرأة الدولية للشجاعة للعام ٢٠٢٣، الأربعاء ٨ مارس المقبل، بحضور كل من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، والسيدة الأولى، جيل بايدن.

وذكرت الخارجية الأميركية على موقعها أنها "ستمنح الجوائز لـ11 امرأة مميزة من جميع أنحاء العالم يعملن على بناء مستقبل أكثر إشراقًا للجميع". وفازت من المنطقة العربية الناشطة الحقوقية الأردنية، هديل عبدالعزيز.

أوكرانيا.. أكبر أزمة 

وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في معاناة شديدة للشعب الأوكراني، إذ أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين ودمر البنية التحتية المدنية، وأدى لوقوع أكبر أزمة لجوء في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

ودفعت المرأة، على وجه الخصوص، الثمن، إذ زاد الاتجار ، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وفقدت سبل العيش الأساسية، وارتفعت مستويات الفقر.

وفي كلمة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أشاد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، بالنساء لدورهن الأساسي في الدفاع عن بلدهن ضد الغزو الروسي. وشكر "جميع النساء اللواتي يعملن، ويعلمن، وينقذن، ويشفين، ويقاتلن".

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".