على مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية "دولة مخدرات"
على مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية "دولة مخدرات"

توجه العقوبات الأميركية – البريطانية المزدوجة التي استهدفت، الثلاثاء، شبكات الكبتاغون والمخدرات التابعة للنظام السوري رسالة باتجاهين، بحسب ما يقول خبراء ومراقبين لموقع "الحرة"، الأولى تتعلق بالتحديد بمسار هذه التجارة التي باتت تدر مليارات الدولارات على عائلة الأسد، والثانية ترتبط بما يشهده المحيط العربي اتجاه دمشق، من "مباحثات تطبيع وإعادة تعويم".

وكان لافتا في هذا الإجراء أنه جاء في توقيت واحد من جانب واشنطن والمملكة المتحدة، فيما استهدف شخصيات وكيانات ضالعة في تجارة "الكبتاغون"، ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان، ليلاحق من يمررون الشحنات عبر الحدود، من أبناء عمومة رأس النظام السوري، وصولا إلى الجنوب مع الأردن، عبر قياديين سابقين في فصائل المعارضة، وانضما مؤخرا إلى شعبة المخابرات العسكرية.

 وعزت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على مرتبطين بالنظام السوري، شملت كيانين و6 أشخاص، بينهم لبنانيان، إلى علاقة هؤلاء الكيانات والأشخاص بتجارة مخدرات تدر عوائد هائلة على النظام السوري، وذكرت أن التقديرات تشير إلى أن تجارة الكبتاغون، وهي من المنشطات الخطرة، أصبحت تدر مليار دولار على الأخير.

واعتبرت "الخزانة الأميركية" أن هذه العقوبات تسلط الضوء على الدور المهم لمهربي المخدرات اللبنانيين، الذين يحتفظ بعضهم بعلاقات مع "حزب الله"، لتسهيل تصدير الكبتاغون، فيما أبرزت "هيمنة عائلة الأسد على الاتجار غير المشروع بالكبتاغون وتمويل عمليات القمع في البلاد"، إذ شملت القائمة سامر كمال الأسد، ووسيم بديع الأسد، وخالد قدور الشخصية الواجهة لشقيق رئيس النظام، ماهر الأسد.

وفي غضون ذلك فرضت المملكة المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين عن تجارة "الكبتاجون" غير المشروعة في سوريا، مقدرة قيمتها بما يصل إلى 57 مليار دولار لصالح النظام، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات الإجمالية للعصابات المكسيكية.

وقالت الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، إن 80 بالمئة من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج.

ماذا تعني العقوبات؟

يوضح الباحث الأول في "البرنامج السوري للتطوير القانوني" ومقره لندن، إياد حميد، أن العقوبات الأميركية على مصنعي وتجار الكبتاجون في سوريا ولبنان صدرت تحت عدة قوانين.

ومنها الأوامر التنفيذية، التي جرت العادة أن تصدر الإجراءات بموجبها، مثل 13572 و 13582، إضافة إلى 13886 والخاص بمكافحة الإرهاب.

لكن اللافت للانتباه ضمن قائمة الأسماء المستهدفة هو إدراج كل من سامر الأسد وخالد قدور بموجب "قيصر"، إذ يقول حميد لموقع "الحرة" إن القانون لم يستخدم ضد الأفراد إلا في حالات قليلة جدا (أربعة أسماء في صيف 2020 وعدد من الشركات المرتبطة بهم).

ويضيف أن العقوبات الأميركية لم تصدر بموجب قانون "الكبتاغون"، الذي حصل على توقيع الرئيس الأميركي في ديسمبر الماضي، ولكنه "بانتظار استراتيجية متكاملة من الدوائر المعنية في الحكومة الأميركية، والتي يتوقع أن تتم بحلول يونيو المقبل".

وفي غضون ذلك تأتي قائمة العقوبات البريطانية بموجب قانون العقوبات الخاص بسوريا، وتشمل أسماء إضافية، كانت ذكرت في تحقيقات صحفية مرتبطة بضبط شحنات الكبتاغون في أوروبا.

ويشير حميد إلى أن العقوبات الحالية جاءت نتيجة لجهد متواصل على مدى العامين الماضيين على الأقل، منذ تبين حجم التجارة، وإلى أنه "هناك عدد من الباحثين السوريين وغير السوريين ممن بذلوا جهودا كبيرة في التحقيقات التي سلطت الضوء على المشكلة". 

وتعتقد المحللة السياسية في مركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، كارولين روز، أن "العقوبات سيكون لها تأثير كافٍ في كبح العناصر التي يرعاها النظام في تجارة الكبتاغون، بالنظر إلى مدى إنتاج الحبوب في المناطق التي يسيطر عليها".

وتقول المحللة لموقع "الحرة": "القوائم المستهدفة واسعة النطاق تشير إلى الدور المتنامي للفرقة الرابعة السورية، والمسؤولين ورجال الأعمال المتحالفين مع النظام، وحزب الله والميليشيات المدعومة من إيران".

وفي حين لا تتوقع روز أي عقوبات إضافية في المستقبل القريب، ترى أنه و"مع ظهور المزيد من الأدلة التي تحدد جهود تهريب الكابتاغون ستكون هناك أسبقية لفرض عقوبات".

"رسالة باتجاهين"

وعلى مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية "دولة مخدرات"، وارتبط ذلك بكم الشحنات الكبيرة التي خرجت منها، وعبرت الحدود لتصل إلى مصر والسعودية والأردن ودول أبعد، كإيطاليا واليونان ورومانيا. 

وتنوعت هذه الشحنات ما بين "حبوب الكبتاغون" و"أكف الحشيش"، بينما اختلفت طرق تهريبها. تارة بعلب الحليب وأوراق الشاي، وأخرى ضمن لفافات الورق المقوّى وأطباق البيض وحبات الفواكه.

وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى "مكسب تجاري كبير"، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى "حزب الله" اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.

وبينما لم تتوقف الشحنات تارة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون ووقع عليه الرئيس بايدن، في سبتمبر العام الماضي لـ"تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها".

ويهدف القانون، بحسب بنوده، إلى تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات المرتبطة برئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وحتى الآن لا تعرف الآليات التي قد تترجم بناء على التشريع المذكور.

كما من غير الواضح الأثر الذي ستشكله العقوبات الأميركية – البريطانية على صعيد التجارة العابرة للحدود، وخاصة أن من يقودها "أناس خارجون عن القانون".

وبدورها تشير المحللة السياسية كارولين روز إلى أن "العقوبات الأخيرة توجه رسالة بشكل ساحق إلى النظام السوري بأن العالم يراقبه، وبالتالي يحذره مع مسؤوليه".

وبالإضافة إلى ذلك "فإن توقيت هذه العقوبات ملحوظ وسط موجة جهود التطبيع بين اللاعبين الإقليميين"، لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، حسب ما تقول روز.

وكانت الأسابيع الماضية شهدت تحركات عدة من جانب دول عربية لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، ورغم أن ذلك حصل في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر، إلا أن مراقبين وتصريحات مسؤولين أشارت إلى موقف مستجد قد يطوي صفحة العواصم العربية مع الأسد.

وارتبطت هذه التحركات بدولة الإمارات ومصر وسلطنة عمان والأردن، وصولا إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الأكثر تضررا من تجارة الكبتاغون، ولطالما أعلنت عن ضبط شحنات مصدرها سوريا ولبنان.

ويعتبر الدكتور في الاقتصاد والزميل الأول في "نيو لاينز" كرم شعار أن "العقوبات أثرها محدود لكنه إيجابي"، بينما "ترسل رسائل واضحة للدول الساعية باتجاه التطبيع مع النظام السوري وللمنتجيين الحاليين والمحتملين للمخدرات".

ومفاد هذه الرسالة، وفق ما يقول شعار لموقع "الحرة" أن "الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة على وعي كامل بدرجة انتشار المخدرات ودور النظام السوري المحوري فيها".

من جانب آخر يشير الباحث إلى "أهمية رمزية أكثر من أهمية على أرض الواقع"، ويوضح أنه "وعند النظر على مشكلة من هذا النوع يتم تقسيمها لشقين الأول له علاقة بعرض المخدرات والثاني بالطلب".

"التأثير على الطلب صعب نظرا لمسار وتبعات الإدمان"، ولذلك تتوجه السياسات على نحو أكبر للتعامل مع العرض بشكل أنجح، سواء بالقوة أو بالترغيب، حسب ذات المتحدث.

من جهته يرى الباحث القانوني، إياد حميد، أن العقوبات المفروضة "تعكس تطور الاستراتيجية الأميركية لمكافحة تجارة الكبتاغون وجديتها، وخاصة بعد إصدار القانون الخاص بها نهاية العام الماضي".

ويضاف إلى ذلك "الضغوط السياسية المتواصلة في واشنطن والتصريحات من قبل النواب الجمهوريين المطالبة بتحريك قوانين العقوبات ضد نظام الأسد، وخاصة قانون قيصر".

وتصاعدت هذه المطالب، وفق حميد، في الفترة الأخيرة أيضا، بعد موجة التطبيع الآتية من الدول العربية في الشهرين الماضيين.

ولكن استهداف أفراد منخرطين في شبكات التهريب وتصنيع الكبتاغون يشدد على محورية التجارة في العقوبات الصادرة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.

وبينما لا يزال من غير الواضح الأثر الذي قد تشكّله العقوبات، وكيف ستستطيع أن تشمل أنشطة غير قانونية ولا تمر عبر الأطر التجارية والمالية القانونية، ويشير الباحث حميد إلى أنها "رسالة واضحة للأطراف المعنية داخل سوريا وفي المنطقة بعدم الرضا عن هذه التجارة".

واعتبر أنه يفترض بأن تكون استراتيجية واشنطن لمكافحة الكبتاغون شاملة وتحمل خطوات أبعد من العقوبات فقط، منها على سبيل المثال تعزيز العمل الدبلوماسي والتنسيق الأمني مع حلفاء واشنطن في مكافحة هذه التجارة، فيما يظل الحل الأنجع هو تطبيق حل سياسي في البلاد.

إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة في لبنان
إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة في لبنان | Source: افيخاي ادرعي

تنذر الحرب المستعرة بين إسرائيل وحزب الله باستمرار المعارك بين الجانبين لفترة طويلة، وذلك رغم التأكيدات الرسمية في إسرائيل على أنها ترغب فقط في شن عملية "محدودة"، تستهدف البنية التحتية للتنظيم.

وجاء في تحليل لصحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل استعدت منذ حرب عام 2006 لخوض معركة جديدة ضد حزب الله، لكن المشكلة تكمن في أن إنهاء هذه الحرب قد يكون صعبا.

واستخلصت إسرائيل الدروس من حربها "الفاشلة" في 2006، وبعد نحو 20 عاما شنت هجوما جديدا محققة "سلسة من النجاحات"، أهمها قتل قادة الحزب، وشل شبكة اتصالاته، واستهداف مخابئ أسلحته.

وجاء ذلك نتيجة مباشرة لاستعدادات إسرائيل لمعركة مستقبلية مع حزب الله بعد "الأداء المتعثر عام 2006"، وفق خبراء أمن إسرائيليين.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي التقى جنودا الأحد: "أنا هنا مع جنود الجيش على الحدود الشمالية، وعلى بعد أمتار قليلة من هنا يوجد أصدقاؤهم عبر الحدود، يقومون بتفكيك البنية التحتية التي أعدها حزب الله لمهاجمة بلداتنا".

وأضاف نتانياهو، عشية الذكرى الأولى لهجوم السابع من أكتوبر: "قبل عام، تعرضنا لضربة رهيبة. في الأشهر الـ 12 الماضية، قمنا بتغيير الواقع. العالم كله يندهش من الضربات التي توجهونها لأعدائنا وأنا أحييكم وأقول لكم: أنتم جيل النصر".

ورغم هذا التفاؤل، تشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه مع توغل القوات الإسرائيلية في عمق لبنان برا، ستواجه هذه القوات مخاطر كبيرة من أهمها مواجهة الأسلحة المتطورة التي يستخدمها حزب الله.

وإذا فشلت الحكومة الإسرائيلية في وضع استراتيجية خروج واضحة، مثلما حدث في غزة، فقد يضطر الجيش الإسرائيلي إلى خوض حرب مطولة، تستنزف موارده إلى أقصى حد، وفق الصحيفة.

وتقول نيويورك تايمز إن الاحتفالات في إسرائيل "بنجاحاتها الأخيرة قد تكون سابقة لأوانها"، وقد دفعت إسرائيل "ثمنًا باهظا بالفعل" لتوغلها الأخير في لبنان.

والأربعاء، قتل حزب الله تسعة جنود إسرائيليين خلال المعارك الأولى بين الجانبين منذ بدء التوغل. وقال الجيش إن جنديين آخرين قُتلا، الجمعة، في مرتفعات الجولان، التي تسيطر عليها إسرائيل.

وقال الجنرال يعقوب عميدرور، الذي شغل من قبل منصب مستشار الأمن القومي "إن الغزو البري سيكون أكثر صعوبة بكثير. نحن نتحدث عن منظمة أكثر خطورة واستعدادا وتسليحا من حماس".

وتقول شبكة "سي أن أن" إن حزب الله هو الأكثر تسليحا في العالم بين التنظيمات المماثلة، فهو يمتلك من الصواريخ والقذائف ما يصل عدده إلى ما بين 120و200 ألفا، واستمر في تخزين الصواريخ والقذائف منذ صراعه الأخير مع إسرائيل في عام 2006.

ورغم الانتكاسات الأخيرة، أصبح حزب الله أيضا أكثر استعدادا لخوض حرب مع إسرائيل مقارنة بالمرة السابقة، بعد أن بنى ترسانة من الصواريخ، ودرب عشرات الآلاف من المسلحين، ودرس قادته إسرائيل بعناية، وفق نيويورك تايمز.

ويمتك مسلحو التنظيم أيضا خبرة عملية اكتسبوها خلال الحرب الأهلية في سوريا. ولدى التنظيم صواريخ موجهة مضادة للدبابات، مما يشكل تحديا آخر للجنود الإسرائيليين.

وتقول صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن العديد من قدامي المحاربين الإسرائيليين يعلمون أن "لبنان أرض لا ترحم فهي منطقة جبلية، وقد تحصن حزب الله هناك منذ فترة طويلة. وجنوب لبنان أكبر كثيراً من غزة، حيث تخوض إسرائيل حربا صعبة منذ عام".

وتشير فورين بوليسي إلى أن "حزب الله أكثر قوة اليوم، حتى لو تكبد خسائر أكبر مما يعتقد أنه قادر على تحمله، فإن الجزء الأكبر من قواته قد ينسحب من منطقة الحدود ويعود ببساطة عندما تنسحب إسرائيل، أو يشن هجمات حرب عصابات منتظمة في الوقت الذي يختاره إذا بقيت القوات الإسرائيلية".

وتشير "تايمز أوف إسرائيل" إلى احتمالات الاستياء داخل المجتمع الإسرائيلي من خوض حرب جديدة في لبنان، بعد إرسال مئات الآلاف من الجنود إلى قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر. وهؤلاء الجنود قضوا بالفعل شهورا بعيدا عن عائلاتهم وأعمالهم.

وما يقلق معظم خبراء الأمن الإسرائيليين، وفق نيويورك تايمز، أنه ليس واضحا ما إذا كانت إسرائيل لديها استراتيجية خروج واضحة من لبنان، مما يثير مخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يتورط في حرب استنزاف.

وقال هؤلاء الخبراء إن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ترجمة الإنجازات العسكرية للجيش إلى نجاح سياسي من خلال إبرام اتفاق دبلوماسي يعيد الأمن إلى شمال إسرائيل.

وقالوا إنه في غياب مثل هذه الصفقة، فمن غير الواضح متى سيتمكن نحو 60 ألف نازح من العودة إلى ديارهم.

وكان عضو في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لم يرد على سؤال بمقابلة إذاعية عما إذا كانت إسرائيل ستحتل أراضي لبنانية بعد العملية الأخيرة، وهو ما يجعل الاحتمالات مفتوحة إزاء إمكانية بقاء عدد من الجنود ربما داخل الأراضي اللبنانية.