أعادت السعودية وإيران إحياء اتفاقيتين موقعتين بين البلدين قبل أكثر من عقدين، وذلك غداة الإعلان عن عودة العلاقات بين الجانبين بوساطة صينية، بعد نحو 7 سنوات من القطيعة.
وجاء في بيان مشترك صدر في ختام مباحثات وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين "أكد الجانبان حرصهما على بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين الموقعة في أبريل 2001 (...) والاتفاقية العامة للتعاون الموقعة في 1998 (..)"، فما هي أبرز بنود هاتين الاتفاقيتين وماذا يتضمنان؟
الاتفاق الأمني
اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين تم توقيعها في 17 أبريل عام 2001 بالعاصمة الإيرانية طهران. وقد قضت المادة التاسعة من الاتفاقية بتشكيل لجنة أمنية مشتركة برئاسة وزيري الداخلية في البلدين أو نائبين عنهما، وفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس".
ويشمل الاتفاق تعاونا بين البلدين في مجالات مكافحة الجريمة والإرهاب وغسيل الأموال ومراقبة الحدود والمياه الإقليمية، وتبادل المجرمين ومكافحة تجارة المخدرات.
ووقع الاتفاق، الذي نوقش لمدة عامين، وزير الداخلية السعودي (حينها) نايف بن عبد العزيز ونظيره الإيراني (حينها) عبد الواحد موسوي لاري.
وقال نايف بن عبد العزيز إن الاتفاق ليس له أي أبعاد عسكرية، وسيكون في مصلحة الأمن في المنطقة، واعتبر موسوي لاري أن الاتفاق دليل سلام وصداقة، وقال إن بلاده مدت يدها إلى جيرانها.
الاتفاقية العامة
الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، تم توقيعها في 27 مايو عام 1998، وفقا لواس.
وفي حالة الاتفاقية العامة مع إيران لعام 1998، وافق مجلس الشورى على مشروع الاتفاقية في 27 سبتمبر من ذلك العام، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن مجلس الوزراء صادق عليه رسميا في 10 نوفمبر، وفقا لـ"معهد واشنطن".
وارتفعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي مائة وخمسين مليون دولار في عام تسعة وتسعين، فيما بلغ عدد المشاريع المشتركة اثني عشر مشروعا استثماريا برأس مال قوامه حوالي مائتين وثمانين مليون دولار، وفقا لتقرير نشره موقع "سويس إنفو" في 18 أبريل عام 2001.
وذكر المعهد أنه "ومع ذلك، فمن اللافت للنظر أن المركز الوطني السعودي للوثائق والمحفوظات لم ينشر أي من هاتين المعاهدتين، في حين أنه يحتفظ بما لا يقل عن 900 اتفاقية دولية يعود تاريخها إلى عام 1961".
ويعد إقرار الاتفاقيتين السابقتين وتفعيلهما مؤشرا مهما على استعداد كل دولة للقيام بما هو أكثر من مجرد إعادة فتح السفارتين والخطوات الدبلوماسية الأولية الأخرى المذكورة في الإعلان الأخير.
ولكن في الرياض، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بعض الوزراء يعارضون التطبيع على مستوى أعمق مع إيران، حيث قد يكون البعض مشككا في الآفاق الطويلة الأمد للتعاون مع خصم إقليمي معاد في كثير من الأحيان، وفقا لمعهد واشنطن.
واتفق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، مع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، الخميس، على "إعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية خلال المدة المتفق عليها، والمضي قدما في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد، ومواصلة التنسيق بين الفرق الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرات العمرة"، وفقا لواس.
صعود وهبوط
واجتمع وزير الخارجية السعودي في بكين، الخميس، مع نظيره الإيراني في أول لقاء رسمي بين أرفع مسؤولين دبلوماسيين في البلدين منذ أكثر من سبعة أعوام، بعد اتفاق القوتين الإقليميتين على استئناف العلاقات.
وبعد عداء على مدى أعوام أشعل صراعات في أنحاء الشرق الأوسط، اتفقت الرياض وطهران على إنهاء خلافهما الدبلوماسي وإعادة فتح السفارات في اتفاق مهم توسطت به الصين الشهر الماضي.
وعرضت رويترز تسلسلا زمنيا للعلاقات العلاقات السعودية الإيرانية الذي وصفته بأنه "تاريخ من الصعود والهبوط".
1979.. حكام السعودية يراقبون في قلق شديد الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي على يد رجال دين شيعة ترى الرياض أنهم عازمون على تصدير ثورتهم الإسلامية.
1980-1988.. غضب إيراني من الدعم السعودي للعراق خلال الحرب العراقية الإيرانية من 1980 إلى 1988، والتي استخدمت فيها بغداد أسلحة كيماوية.
1987-1988.. توترت العلاقات بين السعودية وإيران بشدة في يوليو 1987 عندما لقي 402 من الحجاج، منهم 275 إيرانيا، حتفهم خلال اشتباكات في مكة. واحتل محتجون في طهران السفارة السعودية وأضرموا النار في السفارة الكويتية. ولقي دبلوماسي سعودي في طهران حتفه متأثرا بجروح أصيب بها عندما سقط من نافذة السفارة، واتهمت الرياض طهران بتأخير نقله إلى مستشفى في السعودية. وقطع الملك فهد العلاقات مع إيران عام 1988. ولم يتم استئناف العلاقات بين البلدين إلا في عام 1991.
1997.. ولي العهد السعودي (حينها) الأمير عبد الله يزور إيران لحضور قمة إسلامية في ديسمبر، ليصبح أكبر مسؤول سعودي يزور إيران منذ الثورة الإسلامية.
1999.. العاهل السعودي (حينها) الملك فهد يهنئ الرئيس الإيراني (حينها) محمد خاتمي بفوزه في الانتخابات عام 2001، قائلا إن ذلك بمثابة تأييد لسياسته الإصلاحية. كان خاتمي قد عمل من أجل التقارب مع الرياض بعد فوزه الساحق الأول في عام 1997. خاتمي يزور السعودية، وهي أول زيارة من نوعها منذ عام 1979. وتحسنت العلاقات مع التوصل إلى اتفاق أمني في أبريل 2001.
2011.. انتخب رجل الدين المعتدل حسن روحاني رئيسا لإيران في يونيو 2013 وحوَّل سياسة إيران الخارجية التي كانت تصادمية في اتجاه تصالحي. وأبرمت إيران اتفاقا مؤقتا مع القوى الكبرى في نوفمبر للحد من نشاطها النووي. وتحسنت العلاقات بين إيران ومعظم دول الخليج المجاورة.
دعا مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية في ديسمبر إلى علاقات حسن الجوار مع إيران على أساس "عدم التدخل في الشؤون الداخلية".
لكن بقيت العلاقات الإيرانية السعودية متجمدة، وانعكس صراع البلدين على النفوذ في المنطقة على الحرب الأهلية السورية. والرياض من أبرز الداعمين للمعارضة المسلحة لرئيس النظام السوري بشار الأسد حليف طهران المقرب.
في 2015، قادت السعودية تحالفا مدعوما من الغرب ضد جماعة الحوثي اليمنية بعد أن أطاحت الجماعة المتحالفة مع إيران بالحكومة المعترف بها دوليا من العاصمة صنعاء. ولم يشهد الوضع العسكري للحرب تغيرا منذ سنوات.
2016.. في الثاني من يناير 2016، أعدمت السعودية قرابة 50 شخصا بينهم رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر. واقتحم محتجون في طهران السفارة السعودية وتحدث المرشد الإيراني علي خامنئي عن "انتقام إلهي" لإعدام النمر.
في الثالث من يناير 2016، قطعت السعودية علاقاتها مع إيران.
في السابع من يناير 2016، اتهمت إيران السعودية بشن ضربات جوية على سفارتها في اليمن. ونفى المسؤولون السعوديون الاتهام ووصفوه بأنه دعاية.
في 29 مايو 2016، منعت إيران مواطنيها من أداء فريضة الحج واتهمت السعودية بالتقاعس في ضمان سلامة الحجاج.
من 2019 حتى يومنا هذا
في 14 سبتمبر 2019، حملت السعودية إيران المسؤولية عن هجمات استهدفت منشآتها النفطية وعطلت نصف إمدادات المملكة. ونفت إيران ذلك، فيما أعلنت جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع طهران مسؤوليتها عن الهجمات.
في الثالث من يناير 2020، قُتل قاسم سليماني القائد بالحرس الثوري الإيراني في ضربة أميركية بطائرة مسيرة في بغداد.
في التاسع من أبريل 2021، عقدت إيران والسعودية أول محادثات مباشرة بينهما منذ قطع العلاقات، واستضافتها بغداد. وعُقدت خلال الفترة بين أبريل وسبتمبر من عام 2022 أربع جولات من المحادثات استجابة لجهود وساطة بذل الجانب الأكبر منها العراق وسلطنة عمان.
في 13 مارس 2022، انسحبت إيران من المحادثات قبل جولة خامسة مقررة، بعد يوم من تنفيذ إعدامات جماعية في السعودية قال نشطاء إنها شملت 41 شيعيا.
في 21 أبريل 2022، عقدت إيران والسعودية جولة خامسة من المحادثات.
في 19 أكتوبر 2022، دعا كبير مستشاري الزعيم الإيراني خامنئي لإعادة فتح السفارتين السعودية والإيرانية.
في التاسع من ديسمبر 2022، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية وعقد محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
في 16 فبراير 2023، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين حيث التقى شي.
في 11 مارس 2023، اتفق البلدان بوساطة صينية على استئناف العلاقات بعد عداء دام سنوات.