تسعى إدارة بايدن بهدوء لمساعدة المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو في محاربة تنظيمي القاعدة وداعش بمنطقة غرب إفريقيا، دون أن تتعارض خطواتها مع القوانين الأميركية التي تحظر تقديم مساعدات أمنية للأنظمة العسكرية، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وبعد الانقلابات التي عاش على وقعها هذا البلد الأفريقي، أوقفت الولايات المتحدة التدريبات التي كانت تشرف عليها القوات الأميركية الخاصة "القبعات الخضراء" لصالح الجنود المحليين، كما استبعدت مسؤولين بوركنابيين من المشاركة في تجمع دولي لقادة الدفاع.
وتدفع وزارة الخارجية الأميركية لمتعاقدين مدنيين لتدريب الشرطة والدرك في بوركينا فاسو للتصدي للجماعات المتشددة، وفقا للقوانين الأميركية، غير أن وزارة الدفاع لا تستطيع القيام بنفس الشيء مع القوات القتالية العسكرية، بحسب الصحيفة.
وتأمل الإدارة الإدارة الأميركية أن يكون هذا الدعم الأمني منخفض المستوى كافيا للمساعدة على احتواء انتشار الجماعات الجهادية في غرب أفريقيا، وأيضا إقناع حكام بوركينا فاسو العسكريين بعدم التعاقد مع مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية.
مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، تقول لصحيفة وول ستريت جورنال "إن اهتمامنا في بوركينا فاسو يتمثل في مساعدة البلد على صد واستعادة السيطرة الأمنية على المزيد من الأراضي، ودعم القوات في التزامها المعلن بإجراء انتخابات ديمقراطية في عام 2024".
ويقدر المسؤولون الأميركيون أن الإرهابيين يسيطرون على 60 بالمئة من أراضي الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة، الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي.
ومن بداية عام 2017 حتى حدود العام الماضي، قتلت عناصر تابعة للقاعدة وداعش، أكثر من 21 ألف شخصا في جميع أنحاء منطقة الساحل، معظمهم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بحسب بيانات حللها المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، التابع للبنتاغون.
وبحسب المصدر ذاته، شن الإرهابيون العام الماضي، 1470 هجوما في بوركينا فاسو، أسفر عن مقتل 3600 شخص.
وتهدد الجماعات المسلحة الجارة غانا، التي زارتها نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، الأسبوع الماضي، إلى جانب كوت ديفوار وبنين وتوغو على ساحل خليج غينيا.
وأطاح عسكريون محليون بالحكومة المنتخبة في البلاد، في يناير من العام الماضي، وأعقب ذلك انقلاب ثان بشهر سبتمبر.
وبسبب التمردين، فعّلت السلطات الأميركية المادة 7008 من قانون المساعدات الخارجية، الذي يحظر تقديم الدعم العسكري للأنظمة التي تصل إلى السلطة من خلال الانقلابات.
وتطبق واشنطن حاليا عقوبات المادة 7008 التي تم اعتمادها لأول مرة في الثمانينيات، على دول مالي وغينيا والسودان وميانمار وبوركينا فاسو.
واتهمت "هيومن رايتس ووتش"، الجماعات الإسلامية المسلحة في بوركينا فاسو بتنفيذ عمليات إعدام خارج القانون وعمليات اغتصاب ونهب على نطاق واسع، كما تتهم قوات الأمن في بوركينا فاسو بقتل مئات المدنيين، غير أن المنظمة الحقوقية الدولية أشادت بموافقة الحكومة في فبراير، على قانون لتحسين انضباط قواتها وحماية المعتقلين.
وينفي مؤسس فاغنر، رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، تورط مقاتليه في ارتكاب مذابح أو أي انتهاكات أخرى في أفريقيا.
ولم يستجب القائم بأعمال بوركينا فاسو في واشنطن ولا المتحدث باسم وزارة دفاعها لطلبات تعليق من صحيفة وول ستريت جورنال.
وكشف ضابط رفيع المستوى من بوركينا فاسو، يشارك في التعاون العسكري الدولي: "بالنظر إلى وضعنا الأمني الحالي، ما زلنا بحاجة إلى الولايات المتحدة"، مضيفا: "لدينا علاقة رائعة معهم."
وقبل الانقلابات، كانت العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وبوركينا فاسو متقدمة؛ وفي عام 2019، استضافت بوركينا فاسو تدريبات بقيادة الولايات المتحدة لـ 2000 كوماندوز من 32 جيشا أفريقيا وغربيا، وهي تدريبات تهدف إلى تحسين أداء القوات المحلية في ساحة المعركة ضد القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي عام 2020، درب الجيش الأميركي في واغادوغو حوالي 3000 جنديا من بوركينا فاسو، وخصصت سفارة واشنطن اعتمادات مالية لمساعدة السكان المحليين على كشف الفخاخ المتفجرة التي ينصبها المسلحون.
وفي يناير 2022، وصل فريق من القوات الأميركية الخاصة المعروفة بـ" القبعات الخضراء" إلى واغادوغو للعمل مع الكوماندوز المحليين، غير أنه بعد أيام قليلة فقط، انتفض عسكريون على الرئيس كريستيان كابوري، حيث قاموا باعتقاله بعد محاصرة قصره الرئاسي.
وسمحت إدارة بايدن لفريق القبعات الخضراء بمواصلة مهامها في واغادوغو، على الرغم من أن الجنود لا يستطيعون تدريب نظرائهم المحليين، وفقًا لمسؤولين أميركيين.
وكشف المسؤولون الأميركيون أن قوات القبعات الخضراء، تراقب الوضع الأمني المحلي، وتتوسط في مفاوضات بشأن إرسال قوات كوماندوز بوركينابية للتدريب في النيجر المجاورة.
وبحسب الصحيفة، يطغى على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة منافسة استراتيجية مع روسيا على النفوذ في إفريقيا، بعد أن استأجرت حكومات جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية، الذين يتهمهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ونهب الذهب والموارد الطبيعية الأخرى.
وأدى اتفاق مالي مع فاغنر إلى خلاف عميق مع روسيا، التي كانت تقود العمليات الغربية المضادة للمسلحين في مستعمراتها السابقة في غرب إفريقيا.
وتواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدات الإنسانية إلى مالي، لكنها تخلت تمامًا عن جيشها.
في هذا الجانب، تقول نولاند، إن الخيارات التي اتخذها القادة العسكريون في مالي "تجعل من المستحيل علينا دعم جيشهم بعد تعاونهم مع فاغنر".
وأفادت "وول ستريت جورنال" بأن بوركينا فاسو التي طردت أيضا القوات المقاتلة الفرنسية من أراضيها، تغازل مجموعة فاغنر.
واتهم رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، العام الماضي علنا نظام بوركينا فاسو باستخدام مرتزقة فاغنر لمحاربة الجماعات المتشددة.
ومع ذلك، يقول المسؤولون الأميركيون إن بوركينا فاسو لم توقع اتفاقا بعد ولا تزال تبحث خياراتها، وتكشف الصحيفة أن القادة العسكرييين في بوركينا فاسو أكدوا في محادثات خاصة مع المسؤولين الأميركيين، وفي تصريحات عامة، رغبتهم في خوض معاركهم بأنفسهم.