خسر زعيم مرتزقة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، حربه الشخصية ضد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، حتى قبل شن التمرد المسلح، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، الاثنين.
ولفتت الصحيفة إلى أن خصوم بريغوجين في وزارة الدفاع تمكنوا من استعادة سلطتهم مطلع العام الحالي، وذلك رغم مشاركة المرتزقة في حرب أوكرانيا بفعالية.
وفي تحد لم يسبق له مثيل لسلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زحف مقاتلو "فاغنر" صوب العاصمة موسكو، السبت، مطالبين بإقالة القيادة العسكرية بسبب ما يرون أنه سوء تعامل مع الحرب في أوكرانيا.
وأنهت المجموعة التمرد فجأة وعادت إلى ثكناتها بموجب اتفاق توسط فيه رئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو.
وقال بريغوجين، الاثنين، "أردنا محاسبة هؤلاء الذين ارتكبوا أخطاء خلال الحملة العسكرية".
لكن تمرد بريغوجين "لم يكن محاولة للسلطة أو محاولة للتغلب على الكرملين"، حسبما كتبت الزميلة البارزة بمركز كارينغي روسيا وأوراسيا، تاتيانا ستانوفايا.
وقالت ستانوفايا إن التمرد "نشأ من الشعور باليأس" بعد أن "أُجبر بريغوجين على الخروج من أوكرانيا ووجد نفسه غير قادر على دعم فاغنر بالطريقة التي كان يفعلها من قبل، بينما كانت آلة الدولة تنقلب ضده". وأضافت: "كان بوتين يتجاهله ويدعم علنا أخطر خصومه".
وتعرضت مجموعة "فاغنر" للتهميش، فيما باتت عقوده المربحة لخدمات المطاعم مهددة أيضا. كذلك، فقد أهم مصادر تجنيد المقاتلين: السجون الروسية.
وفي سبتمبر، ظهر بريغوجين للعامة لأول مرة باعتباره الرجل الذي يقف وراء "فاغنر" بعد سنوات من النفي الدائم لتأسيسه المجموعة شبه العسكرية. وجاء ذلك بعد أسابيع من دخول مرتزقة "فاغنر" الخطوط الأمامية للحرب في أوكرانيا.
وبعد نحو أسبوعين من اعترافه بصلته بـ "فاغنر"، عين بوتين الجنرال، سيرغي سوروفكين، لقيادة المجهود الحربي في أوكرانيا، وهو أمر إيجابي لزعيم المرتزقة الذي عمل مع الجنرال سويا في سوريا.
ووصف بريغوجين الجنرال الجديد بأنه شخصية أسطورية والقائد الأكثر قدرة في الجيش الروسي.
وكانت مكانة بريغوجين تتزايد أيضا، إذ بدا أن مقاتليه يحرزون تقدما في المعركة الطويلة للسيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية، بينما لم يكن لدى الجيش الروسي الكثير لفعله.
"خياراته تتضاءل"
لكن مع بداية هذا العام، بدأ خصوم بريغوجين في وزارة الدفاع بإعادة تأكيد سلطتهم.
ففي يناير، عين بوتين الجنرال فاليري جيراسيموف، ليحل محل الجنرال سوروفيكين قائدا أعلى للعمليات في أوكرانيا.
وكثيرا ما قلل بريغوجين من شأن جيراسيموف في رسائله الصوتية على تلغرام، مشيرا إلى أنه كان يخنق الجنود بالبيروقراطية.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه يبدو أن العداوة تعود على الأقل إلى تدخل موسكو بالحرب الأهلية في سوريا، عندما اشتبك مقاتلو "فاغنر" والجنود الروس النظاميون أحيانا أثناء تنافسهم على الموارد وغنائم الحرب، وفقا لمذكرات اثنين من قدامى المحاربين في "فاغنر".
وفي فبراير، اعترف بريغوجين بأن إمكانية وصوله إلى السجون الروسية للتجنيد قد تم وقفها.
وبدأت وزارة الدفاع فيما بعد في تجنيد السجناء هناك بنفسها، متبعة تكتيك زعيم المرتزقة.
وانفجر التوتر بين فاغنر والجيش الروسي - الذي ألمح إليه منذ فترة طويلة المدونون العسكريون الروس - إلى العلن.
بحلول نهاية فبراير، كان بريغوجين يتهم شويغو وجيراسيموف علانية بالخيانة، مدعيا أنهما تعمدا حجب الذخيرة والإمدادات من مقاتليه.
وفي نهاية فبراير، حاول بوتين تسوية الخلاف من خلال استدعاء بريغوجين وشويغو في اجتماع، وفقا لوثائق استخباراتية مسربة.
لكن التنافس استمر في التصاعد، إذ لم تعد "فاغنر" قادرة على تجنيد السجناء، واضطرت إلى الاعتماد بشكل متزايد على إمداداتها المحدودة من المقاتلين المخضرمين المهرة لمواصلة خوض المعركة في باخموت، وفقا لمسؤولين أوكرانيين وغربيين.
وبمعزل عن مركز السلطة في موسكو، لجأ بريغوجين بشكل متزايد إلى منبره: وسائل التواصل الاجتماعي. كما أصبحت رسائله ذات طابع سياسية أكثر، إذبدأ في مناشدة الشعب الروسي مباشرة. وبدأ يوجه انتقادات إلى أنه في بلد يملك قانونا ضد تشويه سمعة القوات المسلحة، إذ لم يجرؤ سوى قلة من الناس على ذلك.
وبعد نجاح "فاغنر" في السيطرة على باخموت في مايو، غادر مقاتلو المجموعة شبه العسكرية ساحة المعركة. بحلول يونيو وقد أصبحت عزلة بريغوجين واضحة.
وفي 10 يونيو، أعلن أحد نواب شويغو أن جميع التشكيلات التي تقاتل خارج الرتب الرسمية للجيش الروسي ستحتاج إلى توقيع عقد مع وزارة الدفاع الروسية بحلول الأول من يوليو.
وقال مدير الدراسات الروسية في معهد أبحاث "سي أن إيه" في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، مايكل كوفمان، "كان تمرد بريغوجين في النهاية عملا يائسا لشخص محاصر". وأضاف: "كانت خياراته تتضاءل مع اشتداد نزاعه المرير".