قبل أيام قليلة ألقت واقعة حرق المصحف في العاصمة السويدية ستوكهولم، بظلالها على موافقة تركيا على انضمام الدولة الإسكندنافية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن خلال الساعات الأخيرة ظهرت تطورات إيجابية في هذا الملف بعد اجتماع ثلاثي جمع قادة الدولتين والأمين العام للحلف في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس.
وأصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الاثنين، بيانًا مشتركًا شهد الإعلان عن قرار أنقرة إحالة ملف انضمام السويد للناتو إلى البرلمان التركي في خطوة نحو المضي قدمًا في هذه القضية.
ورحبت دول غربية عدة بقرار تركيا وأحاديث بشأن شكل التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وترددت تصريحات إيجابية بشأن تزويد تركيا بمقاتلات أميركية، وتحسين العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وبروكسل.
لكن محللون اعتبروا أن تلك الخطوة ليست الأخيرة، وأن تركيا تنتظر تحركات على أرض الواقع لتلبية مطالبها، التي تتعلق بعضها بملفي الإرهاب والتعاون الاقتصادي.
البيان الثلاثي الصادر الاثنين، كشف أن السويد لن تدعم التنظيمات التي تصنفها أنقرة إرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وجماعة "غولن"، بجانب الالتزام "بمبدأ عدم وجود قيود أو عقبات أو عقوبات على التجارة والاستثمارات الدفاعية بين الحلفاء (..)".
إحالة للبرلمان
الرئيس التركي أحال ملف قبول أنقرة لانضمام السويد لحلف الناتو إلى البرلمان، وقال الأمين العام للحلف إن أردوغان أشار إلى أن إرسال الملف سيكون "بأسرع وقت ممكن".
وينهي البرلمان التركي دورته الحالية رسمياً في 18 يوليو، على أن يستأنف جلساته في سبتمبر المقبل، بحسب فرانس برس.
ومن جانبها قالت المجر، التي لم تصادق بدورها على انضمام السويد للحلف، على لسان وزير خارجيتها بيتر سيارتو، إن المصادقة "لم تعد الآن سوى مسألة تقنية". وبمجرد مصادقة البرلمان في كل من تركيا والمجر، ستبدأ عملية انضمام السويد إلى الحلف.
لكن الحكومة السويدية لا تزال حذرة بخصوص هذا الأمر، إذ اعتبر رئيس الوزراء كريسترسون، أن الاتفاق "يوم جيّد للسويد"، لكنه امتنع عن الاحتفال بالانتصار.
وهذا الحذر يتماشى مع تصريحات المحلل السياسي، بكير أتاجان، الذي قال إن "هذا الملف سيناقش في الأيام المقبلة لأنه ليس من السهل أن يوافق البرلمان بهذه السهولة على انضمام السويد".
وأضاف في تصريحات لموقع الحرة: "أعتقد أن تركيا سوف تثبت للدول الغربية وواشنطن بأن سياسة الخداع سوف تضرهم"، مشيرًا إلى أن "تركيا تلعب بنفس الورقة التي طالما لعبت بها الولايات المتحدة والدول الغربية وذلك عبر تحويل الملف إلى البرلمان".
بينما يرى المحلل فراس رضوان أوغلو أنه خلال وجود الملف في البرلمان "سيكون هناك فترة زمنية أظنها نوع من الاختبار من جانب تركيا، وحال تراجعت السويد (عن تعهداتها) بإمكان الحكومة وقف مشروع القرار".
وتابع في حديثه للحرة: "لو لم يحدث شيء فالأغلبية في البرلمان لصالح الحكومة وستمرر هذا القرار"، مضيفًا "أظن أن السويد تتخذ خطوات جدية نحو الأمام، ومن الواضح أنها قالت إنها ستدعم الملف التركي في الانضمام للاتحاد الأوروبي".
المقابل
جاء في البيان الثلاثي، وفق ما نقله موقع الأناضول التركي، أن السويد ستدعم "بشكل فعّال" جهود إحياء مسار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات.
وتابع البيان: "وعلى هذا الأساس، وفي سياق متطلبات الردع والدفاع في المنطقة الأوروبية الأطلسية، ستحيل تركيا بروتوكولات انضمام السويد إلى برلمانها، وستتعاون بشكل وثيق مع البرلمان لضمان المصادقة عليها".
كما نقلت رويترز، عن مسؤول تركي كبير، أن بلاده تتوقع إحياء مجموعة لإصلاح الاتحاد الأوروبي، مضيفًا أن أنقرة تتوقع أن يحقق الاتحاد الأوروبي تقدما ملموسا في قضايا مثل السفر من دون تأشيرة، وقال إن على الغرب دعم تركيا في احتياجاتها المالية.
لكن رضوان أوغلو أشار إلى أنه "لا يمكن ربط دخول السويد للناتو مقابل دخول تركيا للاتحاد الأوروبي لأن الخطوة الأخيرة أصعب بكثير"، مضيفًا أن هناك "خطوات ملموسة" بخصوص عودة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وعودة الاستثمارات، بجانب تسهيل منح التأشيرات.
لكنه أوضح أيضًا أن "الاتحاد الأوروبي يتراجع كثيرا عن وعوده، لكن إذا استطاعت تركيا أن تحصل على ما أرادته سابقا، أو جزء جيد منه، أظن أن الأمور ستسير للأمام".
وفيما يتعلق بمسألة التراجع، اعتبر أتاجان أن تركيا تعجلت في إعطاء الوعد دون الحصول على موافقة رسمية من الولايات المتحدة والدول الغربية، لأن من عاداتهم "الخداع سياسيا".
وتابع للحرة: "البرلمان التركي لن يوافق بهذه السهولة إلا لو حصلت على بعض المكاسب مثل الحصول على مقاتلات إف-16 وإف-35، والأهم من ذلك وقف دعم التنظيمات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني وجماعة غولن".
كما أشار إلى إن قول الرئيس التركي أردوغان "نحن على الأبواب لمدة 50 سنة، كان يشير إلى أن تركيا حصلت على وعود ولم تنفذ على مدار تلك السنوات، وليس حبًا أو رغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي كما تم تفسيرها من البعض".
وكانت الولايات المتحدة أكدت عبر مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، أن الرئيس جو بايدن يعتزم المضي قدما في نقل طائرات إف-16 إلى تركيا، بالتشاور مع الكونغرس.
العلاقة مع روسيا
أعلنت روسيا، الثلاثاء، أن انضمام السويد إلى "الناتو" سيكون له "تداعيات سلبية" على أمن روسيا، وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا ستتخذ إجراءات "مقررة ومخططا لها" ردا على ذلك.
كما اعتبر أن تركيا "عضو في حلف شمال الأطلسي ولديها التزامات خاصة للإيفاء بها"، مؤكدا أن موسكو "تتفهم الوضع بشكل جيد جدا".
وأقر بيسكوف بوجود "تباينات" بين روسيا وتركيا، مؤكدا أن البلدين "لا يخفيان ذلك. لكن جزءا من علاقتنا هو في صالح البلدين.. وهذا مهم بما فيه الكفاية" بالنسبة إلى الكرملين.
وبهذا الشأن، نقلت رويترز عن مسؤول تركي كبير أن "تحسن علاقات تركيا مع الغرب لن يضر بعلاقاتها مع روسيا".
كما أكد رضوان أوغلو للحرة، أنه "ربما هناك بعض الاختلافات، لكن هناك مصالح كبيرة جدا بين روسيا وتركيا، وبالنهاية الناتو حلف دفاعي وليس هجومي فطالما لم تهاجم روسيا لن يهاجمها، ولو حدث ذلك فإن تركيا سترفض ذلك الأمر، لأن ذلك يخالف قواعد الناتو".