الرئيس الصيني سبق أن كشف عن إصلاحات تهدف إلى تعميق الرقابة على القطاع الخاص
أجندة الأمن القومي الصينية ضيعت الكثير من فرص الاستثمارعلى عدة مدن

بينما وصفت بكين سنة 2023 بـ"عام الاستثمار في الصين"، تعاني عدة مناطق في البلاد من شح الاستثمارات، ولا سيما الغربية منها، بسبب سياسة الرئيس شي جين بينغ، التي تضيق على المستثمرين الغربيين.

وفي الوقت الذي يسعى مسؤولون محليون صينيون، لجلب الاستثمرارت من خلال جولات ترويجية في الخارج لجذب اهتمام رجال الأعمال، تضيق آليات وضعها الرئيس على عمل المستثمرين الغربيين.

التضييق الذي يعاني منه المستثمرون الأجانب، سببه، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" أجندة الأمن القومي الصينية، والتي تهدف لدرء التهديدات الخارجية، لكنها "تجعل من الصين حقل ألغام محتمل للشركات الأجنبية".

وهذا العام، تسببت الحملة التي يقودها شي، بعدة مداهمات لشركات أجنبية، وتحقيقات وحتى اعتقالات طالت مستثمرين ومستشارين إداريين غربيين ومراجعين لشركات أجنبية.

وزاد قانون مكافحة التجسس من قلق المديرين التنفيذيين الأجانب الذين أصبحوا يتخوفون من اتخاذ أي  إجراء روتيني مرتبط بأنشطتهم التجارية في الصين، مثل أبحاث السوق، التي يمكن أن تفسر على أنها تجسس.

هذا الوضع، يؤكد تقرير الصحيفة، خنق تدفق رأس المال في اقتصاد يعاني أصلا من ضعف الاستثمار الخاص والاستهلاك، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب.

وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام، مقارنة بـ 100 مليار دولار في الربع الأول من العام الماضي، وفقًا لتحليل للأرقام الحكومية أجراه المحلل مارك ويتزكي في شركة الأبحاث Rhodium Group.

ويعتمد نمو الصين، الذي كان مدفوعاً في العقود الأخيرة بانفتاح البلاد على الغرب، على الاستثمار الأجنبي لتعزيز الابتكار والإنتاجية.

وبالنسبة للقادة الصينيين، فإن الضغط على الشركات الأجنبية، بالموازاة مع حثهم على الاستثمار، قد يحرم البلاد من رأس المال والتقنيات والأفكار والمهارات الإدارية التي عززت صعود الصين لعقود.

مدن منكوبة

"لعبة شد الحبل" وفق تعبير "وول ستريت جورنال" تركت المدن والبلدات الصينية في وضع مترنح، حيث غرقت بعضها في الديون ومنها من يكافح مسؤولوها من أجل خلق وظائف بعد ثلاث سنوات من قيود وباء كورونا.

وأنفقت الحكومات المحلية العام الماضي أكثر من العام السابق، وفقا للإحصاءات الرسمية، ويرجع ذلك أساسا إلى قفزة بنسبة 18 ٪ في النفقات الصحية المستخدمة لتغطية اختبارات كورونا والتكاليف ذات الصلة. 

وفي الوقت نفسه، انخفض دخل تلك الحكومات، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض بنسبة 23٪ على أساس سنوي في الإيرادات من مبيعات الأراضي للمطورين، وهو مصدر تمويل اعتمدت عليه السلطات المحلية منذ فترة طويلة. 

واقترضت بعض الحكومات المحلية أكثر مما تستطيع تحمله، حيث بلغت الديون المستحقة عليها 120٪ من عائداتها، بينما يقول العديد من المسؤولين إن استراتيجياتهم التقليدية لجذب الاستثمار الأجنبي قد تعثرت.

وشرع مسؤول تجاري في تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان جنوب غرب البلاد، مؤخرًا في رحلة لترويج الاستثمار إلى أوروبا، لكنه عاد خالي الوفاض. 

وقال المسؤول: "خلال عشرين عامًا من محاولتي الحصول على استثمارات من أوروبا، كانت هذه هي المرة الأولى التي لم نتمكن فيها من توقيع مذكرة تفاهم واحدة".

وقال مسؤول كبير في إحدى مقاطعات غوانغدونغ الجنوبي، التي حددت في وقت سابق من هذا العام هدفًا لجذب ما يقرب من 300 مليار دولار من الاستثمارات في السنوات الخمس المقبلة، لمجموعة تجارية أميركية زائرة مؤخرًا، إن المقاطعة ستكافئ أي شركة أميركية تقرر الاستثمار بـ 10٪ من قيمة الصفقة الموعودة، بحسب مصادر مطلعة.

وقالت  المصادر إن المجموعة التجارية الأميركية رفضت عرض مسؤول المقاطعة، حيث يعتبر ذلك في الولايات المتحدة رشوة غير قانونية. 

ولم ترد حكومة غوانغدونغ على طلبات التعليق التي أرسلتها الصحيفة بالخصوص.

توقف العمل

أظهرت دراسات ميدانية أجرتها مجموعات أعمال في الصين، أن الشركات الأميركية والألمانية وغيرها من الشركات الأوروبية توقفت عن التوسع مؤقتا أو قللت من استثماراتها في الصين، بسبب التضييق الذي تمارسه الحكومة المركزية. 

مثال على ذلك، شركة "غرين" الأميركية لصناعة آلات البيع مثل الثلاجات التي توضع بالمؤسسات وتقدم عدة بضائع مثل القهوة والشاي وأشياء أخرى، والتي كانت تصنعها في الصين منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي قلصت بشكل حاد استثماراتها في البلاد بسبب عدم اليقين المتزايد في السياسة، وفقًا لأشخاص مقربين من الشركة.

ولم ترد الشركة، ومقرها ستامفورد بولاية كونيتيكت، على أسئلة كانت أرسلتها الصحيفة.

قال شون شتاين، رئيس غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي والقنصل الأميركي العام السابق في المدينة، إن الضغط الأخير على الشركات الاستشارية الأميركية يهدد وجود الشركات الأجنبية في الصين.

يذكر أن وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، اعترضت على معاملة الصين للشركات الأميركية عندما التقت بكبار المسؤولين في بكين الأسبوع الماضي. 

ومن المتوقع أيضا أن تثير وزيرة التجارة، جينا ريموندو، القضية في رحلتها القادمة إلى الصين.

في مدينة نينغبو الساحلية بمقاطعة تشجيانغ، عقد مسؤولون محليون منتدى "الاستثمار في تشجيانغ"، حيث طرحوا قائمة مراجعة بالمبادرات التي يمكنهم تقديمها للمستثمرين الأجانب، من بناء طرق أفضل، إلى تقديم حوافز ضريبية وإعانات للمشتريات ذات الأسعار المرتفعة.

قال كاميرون جونسون، الشريك في TidalWave Solutions ، وهو مستشار أميركي وواحد من عدد من الغربيين الذين حضروا الحدث في مايو: "الرسالة هي أننا منفتحون حقًا للأعمال".

وفي الوقت نفسه، تسبب عدم اليقين بشأن سياسات بكين في حدوث شلل في مجالس إدارة الشركات العالمية، على حد قوله.

"ما هو التركيز الحقيقي للحكومة؟" يتساءل جونسون، وهو أميركي قضى أكثر من عقدين في الصين. 

ثم يتابع "هل يمكن أن يكون هناك مزيد من الوضوح أو التوجيه بشأن السياسة حتى تتمكن الشركات الأجنبية من تطوير خارطة طريق للامتثال؟"

رسائل مختلطة

تم الترحيب بـشركة "بيكسل ووركس" الأميركية، المنتجة للرقائق المستخدمة في إنتاج مقاطع الفيديو وأجهزة العرض الإلكترونية الأخرى، بأذرع مفتوحة من قبل المسؤولين المحليين في شنغهاي، حيث يقع مقر عملياتها في الصين.

تود ديبونيس،  الرئيس التنفيذي للشركة، قال تعليقا على وضع مؤسسته هناك "إنهم يدعمون بشكل خاص الجهود التي نبذلها لإدراج الشركة الصينية التابعة لمؤسستنا في مجلس إدارة STAR في شنغهاي، وهو ما يعادل مؤشر "ناسداك" في البلاد.

وأضاف أن معظم مواهب "بيكسل ووركس" البحثية والتطويرية موجودة في الصين "وهذا هو المكان الذي تستمد فيه الشركة معظم إيراداتها".

لكن، وعلى الرغم من الدعم المحلي، تواجه الشركة ضغوطًا من الحكومة المركزية في الصين لإعادة تشكيل فرعها الصيني للتأكد من أنها مستقلة عن عمليات الشركة الأم الأميركية. 

ويقول مستشارو الأعمال والمحامون الذين يقدمون المشورة للشركات متعددة الجنسيات إن هذا نوع من المتطلبات المفروضة بشكل متزايد على الشركات الأجنبية كجزء من أجندة الأمن القومي لبكين.

واضطرت "بيكسل ووركس" على تقسيم نفسها إلى قسمين، مع فصل عمليتها في الصين عن شركتها الأم في الولايات المتحدة، للحصول على "رضا المنظمين الصينيين" والظفر بموافقتهم على طلب إدراج الشركة في المؤشر.

وطيلة العامين ونصف العام الماضيين، خضعت " بيكسل ووركس " لعملية شاقة تهدف إلى جعل شركتها الفرعية الصينية مستقلة عن الشركة الأم الأميركية. 

وكجزء من هذا الجهد، نقلت " بيكسل ووركس" الملكية الفكرية الخاصة بعملياتها في الصين من الشركة الأم الأميركية إلى فرعها الصيني وهي خطوة تهدف إلى ضمان أمن براءات الاختراع والعلامات التجارية ضد أي عقوبات أميركية محتملة قد تجعلها محظورة في أسواق الصين.

وللامتثال للمخاوف الأمنية الصينية أيضا، نقلت "بيكسل ووركس" مؤخرًا 15 موظفًا عملوا في مشاريع أميركية إلى طابق منفصل في برجها. 

هؤلاء الموظفون، رغم كونهم مواطنين صينيين، إلا أنه أصبح لديهم مكاتب خاصة منفصلة تمامًا عن عمليات " بيكسل ووركس" في الصين، حيث يقتصر عملهم على المشاريع الأميركية.

رغم كل ذلك، زار العديد من المسؤولين من وزارة التجارة الصينية في بكين في أواخر يونيو، مكاتب بيكسل ووركس "لفهم أفضل" لأعمالها.

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".