الرئيس الأميركي، جو بايدن، والوفد المرافق له التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في جدة
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة.. صورة أرشيفية

ما هي تفاصيل الصفقة الكبرى التي يعمل عليها فريق بايدن مع كل من السعودية وإسرائيل؟ وماذا بحث جيك ساليفان مع محمد بن سلمان في جدة مؤخرا؟ وهل ستصبح السعودية حليفاً رئيسياً لأميركا من خارج الناتو؟ وماذا عن النووي المدني السعودي؟ وما هي امكانيات التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟

برنامج "عاصمة القرار" من "الحرة" بحث في تفاصيل وإمكانيات وظروف الصفقة الكبرى مع ضيوفه: إيلان بيرمان، نائب رئيس "المجلس الأميركي للسياسة الخارجية"، وغيث العمري، كبير باحثين في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى". وشارك في جزء من الحوار المحلل السياسي السعودي محمد بن صالح الحربي.

تبدأ الحكاية مع ما كشفه توم فريدمان في نيويورك تايمز بشأن ما عرفه من الرئيس بايدن خلال لقائهما مؤخرا، أن الرئيس الأميركي يبحث بعمق في صفقة كبرى في الشرق الاوسط، تقوم على اتفاق أمني مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية، يتضمن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، شريطة أن تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حل الدولتين. ولهذا السبب أرسل الرئيس بايدن مستشاره جيك ساليفان وفريقه للاجتماع مع محمد بن سلمان ومعرفة ما إذا كانت الصفقة ممكنة وبأي ثمن.

فعلى ماذا تتفاوض واشنطن والرياض؟ حسب توماس فريدمان، يسعى السعوديون للحصول على ثلاثة أشياء رئيسية من واشنطن:

أولاً: معاهدة أمنية متبادلة على مستوى الناتو من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم (على الأرجح من قبل إيران).

ثانياً: برنامج نووي مدني تشرف عليه الولايات المتحدة الأميركية.

وثالثاً: القدرة على شراء أسلحة أميركية أكثر تقدمًا، مثل نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية (ثاد)، والذي يساعد السعوديين بشكل خاص في مواجهة ترسانة الصواريخ الإيرانية المتوسطة والطويلة المدى.

في المقابل من بين الأشياء التي تريدها الولايات المتحدة من السعودية:

أولاً: إنهاء القتال في اليمن.

ثانياً: تقديم حزمة مساعدات سعودية كبيرة وغير مسبوقة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية.

ثالثاً: وضع قيود كبيرة على العلاقات المتنامية بين السعودية والصين.

يشرح البيت الأبيض أن جيك ساليفان ناقش في جدة مع رئيس الوزراء وولي العهد محمد بن سلمان وكبار المسؤولين السعوديين، المسائل الثنائية والإقليمية، بما في ذلك "المبادرات الرامية إلى تعزيز رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً وازدهاراً واستقراراً وترابطاً مع العالم".

ويقول جون كيربي، منسق التواصل الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الأميركي، نعتقد أن "التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يكون جزءاً أساسياً من ذلك. وهكذا كانت محادثات السيد ساليفان استمراراً للمناقشات التي أجريناها منذ بدء عمل هذه الإدارة. بالتأكيد نود رؤية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكننا نتفهم ونحترم أن ذلك يجب أن يعود إلى هذين البلدين. نعتقد أن المنطقة ستكون أفضل بإندماج إسرائيل أكثر فيها، وبصراحة تامة ، فهذا أفضل لمصالح أمننا القومي".

لكن هل يستطيع الرئيس بايدن اقناع الكونغرس بهكذا اتفاق؟

يقول السناتور الديمقراطي كريس فان هولن إنه "سيكون من الصعب على الرئيس بايدن اقناع الكونغرس بصفقة من هذا القبيل. لكن يمكنني أن أؤكد أنه سيكون هناك نواة قوية للمعارضة الديمقراطية لأي اقتراح لا يتضمن أحكامًا هادفة، ومحددة بوضوح، وقابلة للتنفيذ، للحفاظ على خيار حل الدولتين، وتلبية مطلب الرئيس بايدن بأن يتمتع الفلسطينيون والإسرائيليون بتدابير متساوية من الحرية والكرامة. لان هذه العناصر ضرورية لأي سلام دائم في الشرق الأوسط".

أما السناتور الجمهوري بيل هاغرتي فيقول إن "اتفاقات إبراهيم كانت إنجازاً كبيراً لإدارة ترامب، انجازا يستحق جائزة نوبل للسلام. لكن إدارة بايدن تحاول تدمير هذا الإرث لأسباب سياسية داخلية. علينا أن نوسع اتفاقات إبراهيم، لكن إدارة بايدن لا تهتم بذلك". على حد تعبير المشرّع الجمهوري.

وفي واشنطن أيضاً، يستمر النقاش الديمقراطي – الجمهوري حول هذا الموضوع؛ يقول إيلان بيرمان إن "العلاقة مع السعودية تدخل في صميم السياسة الحزبية في واشنطن. والمطالب السعودية صعبة التنفيذ، وقد لا يوافق عليها الكونغرس، خاصة البرنامج النووي للمملكة، رغم أن الجمهوريين سيساعدون في تمرير الاتفاق في الكونغرس". أما غيث العمري فيقول "هناك صراع إيديولوجي في إدارة بايدن حول السعودية، التي يعاديها التقدميون في الحزب الديمقراطي. لكن بايدن أوصل العلاقة مع السعودية إلى نقطة أكثر عقلانية مما كانت عليها في بدايه عهده. وإن بايدن قادر على اقناع حزبه بتمرير الاتفاق في الكونغرس".

ويرفض الكاتب الأميركي فريد كابلان "الشروط المقرونة" بأي سلام سعودي إسرائيلي برعاية أميركية، كعقد اتفاق دفاعي مع المملكة يقضي بدفاع أميركا عنها في حال تعرضها لهجوم، كما هي الحال مع الدول الأعضاء في الناتو. ويحذر كابلان من مساعدة السعودية على "تطوير تكنولوجيا نووية، رغم الحديث عن كونها لأغراض سلمية، تفادياً لتكرار ما حصل مع البرامج النووية في الهند وإيران التي أطلقت في البداية تحت نفس المُبرر".

وفي واشنطن من يعتبر أن الاقتراح لا يستحق حتى التفكير به؛ تقول  الباحثة باربارا سلايفن: "إن الصفقة التي يتم الحديث عنها هي مجرد عملية غسيل دبلوماسي لمحمد بن سلمان، ولصرف الانتباه عن الكارثة المحلية التي تعرض لها نتنياهو،  وخدعة انتخابية من بايدن".

لكن، هل المشكلة في واشنطن فقط؟ يعتقد غيث العمري أن "المشكلة تكمن في عدم ثقة السعودية بجدّية إدارة بايدن، وفي انشغال إسرائيل بمشاكلها الداخلية، إضافة إلى وجود حكومة متطرفة فيها". فيما يعتقد إيلان بيرمان أن "تجاوز تحفظات إدارة بايدن على السعودية أمر صعب. إضافة إلى أن الوضع السياسي في إسرائيل غير مستقر حالياً". ويتفق العُمري وبيرمان على أن "بناء الثقة ضروري كي تتمكن هذه الإدارة من اقناع السعودية بالاتفاق".

يقول المحلل السياسي السعودي محمد بن صالح الحربي، إن "الطريق ما زال شاقاً وطويلاً أمام التطبيع مع إسرائيل خاصة مع حكومتها اليمينية المتطرفة.  لكن السعودية تعمل مع إدارة بايدن بجدية على تقوية الشراكة الاستراتيجية المتينة بين البلدين، وعلى كل قضايا المنطقة".

تبقى إيران "الغائب الحاضر في أي اتفاق"، على حد تعبير غيث العمري. والمطلوب "تقديم دعم للسعودية لحمايتها من التهديدات الإيرانية المستمرة" كما يقول إيلان بيرمان.

الاتفاق الذي سيفتح عهدا جديداً في منطقة مضطربة، دونه عقبات كثيرة، أولها الثقة الضعيفة بين أطرافه، والخوف من اتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا. رغم تأكيدات بايدن أن "الولايات المتحدة لن تترك المنطقة للصين وروسيا".

عام 1945 عقد الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت تحالفاً طويل الأمد مع مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود. واليوم "تدق ساعة التاريخ من جديد"، فهل ينجح بايدن باعطاء الحماية للسعودية والسلام لإسرائيل والشرق الأوسط عبر اتفاق كبير يبني على اتفاقات إبراهيم ويطورها؟

القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز
القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز

المواجهات التي اندلعت في اليومين الماضيين على حدود سوريا ولبنان، ليست الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد بل هي الثانية والأشد أيضا من حيث الخسائر التي خلفتها، وعلى مستوى نوعية السلاح الذي استخدمها الطرفان.

والاشتباكات بين قوات الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من حزب الله، ينشطون في عدة مواقع وقرى وبلدات حدودية، انتهت باتفاق بنص مقتضب بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية.

ورغم أن الاتفاق كان كفيلا بإيقاف الصواريخ والقذائف التي أطلقت من الجانب السوري باتجاه اللبناني وبالعكس، وتخفيف حدة التوتر التي عكستها تحركات وحشود القوات على الأرض، فإنه لا يمكن اعتباره "حلا شاملا ومستداما"، كما يقول خبراء ومراقبون.

لماذا قد لا يكون الاتفاق "حلا شاملا ومستداما"؟ لأن الأسباب التي تقف وراء اندلاع المواجهات للمرة الثانية على التوالي بعد سقوط الأسد لما هو أبعد من "حادثة اختطاف" أسفرت عن مقتل 3 جنود سوريين، واتهم "حزب الله" بالوقوف ورائها.

على العكس ترتبط الأسباب بالنوايا المرتبطة بفرض حالة من "الاستنزاف" على الأرض، كما يقول الباحث السوري، نوار شعبان، وبـ3 عوامل أشار إليها الخبير الاستراتيجي اللبناني، ناجي ملاعب، في حديثه لموقع "الحرة".

"عوامل واستنزاف"

ويعتقد شعبان، وهو باحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، أن "حزب الله" يحاول استنزاف قوات الإدارة السورية على طول الحدود السورية-اللبنانية، وهو الأمر الذي ينطبق على المواجهات الجديدة والتي سبقتها، في شهر فبراير.

كما تحاول الجماعة اللبنانية "جر وزارة الدفاع السورية إلى معارك مفتوحة"، بحسب حديث شعبان، في مسعى لاستنزافها واستغلالا من "حزب الله" للجبهات الأخرى المفتوحة ضد قوات إدارة أحمد الشرع. كالساحل مثلا.

ومن جهته، يشير الخبير الاستراتيجي اللبناني ملاعب إلى أنه لا يمكن فصل جولة المواجهات الجديدة بين القوات السورية و"حزب الله" عن التوقيت الذي جاءت فيه والمكان والسياق العام.

وأوضح لموقع "الحرة" أن "الإدارة السورية لاتزال تنظر إلى وجود السلاح بيد حزب الله على الحدود كعبء كبير يقتضي معالجته".

مسعى الإدارة السورية لمعالجة قضية سلاح الحزب الموجود على الحدود يأتي من منطلق المخاوف والمؤشرات التي تدلل على ضلوع الجماعة اللبنانية بما تشهده سوريا الداخلية من أحداث.

وكانت آخر هذه الأحداث عمليات التمرد التي جرت في مناطق عديدة بالساحل، فيما ردت عليها القوات السورية بحملة عسكرية تخللتها عمليات قتل ميداني استهدفت أفرد المكون العلوي.

ومن جانب آخر، لا يستبعد الخبير ملاعب أن تكون الجولة الجديدة من المواجهات مرتبطة بخصوصية المكان الذي جرت فيه وما قد يحتويه.

ويتابع حديثه: "لا يزال حزب الله يحتفظ بأسلحته في المكان الذي جرت فيه المواجهة".

وبالإضافة إلى ذلك لا يزال يعول ويتمسك بخطوط التهريب التي يعبر الحدود السورية-اللبنانية، منذ عقود، بحسب الخبير الاستراتيجي.

ماذا بعد؟

ويبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 300 كيلومتر. وكانت هذه الحدود في عهد نظام الأسد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك، خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها ما تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على المعابر غير الشرعية من جهة، بينما تقوم من جهة أخرى على عمل العصابات التي استخدمها "حزب الله" كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس "الاقتصاد الموازي" المرتبط به.

وقالت وزارة الدفاع اللبنانية، في بيان الاثنين، إن وزير الدفاع الوطني، ميشال منسى، أجرى اتصالا بنظيره السوري، مرهف أبو قصرة، وبحثا التطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية- السورية.

وأضاف البيان أنه جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين على أن يستمر التواصل بين مديرية في الجيش اللبناني، والمخابرات السورية.

ومن جهته، أكد المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع السورية اتفاق الجانبين على وقف إطلاق النار على الحدود، وتعزيز التنسيق والتعاون بينهما، بحسب ما نقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).

وكانت القوات السورية خاضت مواجهات حدودية مع "حزب الله"، في فبراير الماضي.

وبعد اشتباكات استمرت لأيام، حينها، وتركزت جهة مدينة القصير بريف حمص وسط البلاد،أعلنت وزارة الدفاع في دمشق أنها تمكنت من تأمين الحدود.

وأكد مدير التوجيه في الجيش اللبناني، العميد حسين غدار، في تلك الفترة لموقع "الحرة"، أن التنسيق بين الجيش اللبناني وهيئة الأركان السورية قائم لضبط الحدود "من خلال مكتب التعاون والتنسيق بين البلدين".

وقال غدار، إن "الجيش اللبناني يضبط الحدود ضمن الإمكانات المتوفرة لديه، وقد اتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك".

ويعتقد الخبير ملاعب أنه يوجد توجه رسمي على كافة المستويات في لبنان "يشدد على حصرية السلاح بالدولة اللبنانية. وكذلك الأمر بالنسبة لخيار السلم والحرب".

ويضيف: "وبالتالي انتقلنا من حالة الجيش اللبناني الذي كان يتماهى مع أعمال حزب الله في سوريا إلى الجيش الذي عاد إلى دوره الصحيح".

وفي حال لم تشهد المرحلة المقبلة دورا حقيقيا للجيش اللبناني ستكون نتائج أي مواجهة فردية على الحدود مع سوريا "كارثية"، وفق الخبير.

ولا تمتلك وزارة الدفاع السورية أي رفاهية لفتح أكثر من جبهة الآن، كما يقول الباحث السوري، شعبان.

وبينما يؤكد على ضرورة أن يتم التعاطي السوري مع هكذا نوع من أحداث "بمنطق الدولة" لا يستبعد الباحث أن يواصل "حزب الله" القيام بهجمات مماثلة، في مسعى منه لاستنزاف قوات الإدارة السورية في دمشق وولكي يحدث "بلبلة إعلامية" تعود عليها بالسلب.