بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها تستضيف العاصمة المصرية القاهرة الاجتماع الأول لـ"لجنة الاتصال الوزارية العربية" الخاصة بمواصلة الحوار مع النظام السوري، ومن المقرر أن يلتقي وزراء خارجية سوريا والسعودية والأردن والعراق ومصر ولبنان، الثلاثاء، حسب ما ذكرت وسائل إعلام سورية شبه رسمية.
وأوضحت صحيفة "الوطن" أن وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، سيتوجه، مساء الاثنين، إلى القاهرة للانضمام إلى اجتماع اللجنة الأول، وأن معاونه، أيمن سوسان، توجه قبله إلى الأردن، الأحد، للتمهيد والتحضير لهذه الخطوات، من دون أي تفاصيل إضافية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي عربي لم تسمه أن "هناك أجواء إيجابية تسبق الاجتماع، حيث تريد البلدان العربية المشاركة أن يكون تحركها جماعيا وليس فرديا، بحيث تتمكن من إيصال رسائل إيجابية للغرب بضرورة الإسراع في معالجة الأزمة السورية، ورفع العقوبات".
لكن مراقبين من سوريا وبلدان عربية يشيرون في حديثهم لموقع "الحرة" إلى أن الاجتماع الأول للجنة الوزارية يأتي في ظروف تخالف المعلومات التي أوردتها الصحيفة السورية، قاصدين "الأجواء الإيجابية".
وأوضحوا أن الأشهر الثلاثة الماضية من الانفتاح العربي على النظام السوري لم تشهد أي خطوات على صعيد القضايا التي رسمت مسار العلاقة المستجدة للعواصم العربية مع دمشق، وفي مقدمتها "تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون"، "ضرورة عودة اللاجئين"، دفع مسار الحل السياسي الخاص بسوريا إلى الأمام.
"معطيات عن لا اختراق"
ومنذ شهر مايو الماضي، تسير الدول العربية بعلاقاتها المستجدة مع النظام السوري على مبدأ "خطوة مقابل خطوة". ويشمل ذلك كل من السعودية التي استضافت القمة العربية واجتماع "جدة التشاوري" بشأن سوريا، إضافة إلى الأردن التي عقدت اجتماعا تشاوريا في عمّان، ومصر.
ويقوم المبدأ المذكور على ضرورة تقديم خطوات من جانب العواصم العربية وفي مقابلها من جانب النظام السوري، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التي تم التأكيد عليها مرارا، وهي "تهريب الكبتاغون"، "عودة اللاجئين"، والانخراط في مسارات الحل السياسي.
وما تزال قضية "تهريب المخدرات" من سوريا إلى الأردن ودول الخليج قائمة حتى الآن، فيما لم تشهد "عودة اللاجئين" أي بادرة إيجابية من النظام السوري، وأيضا فيما يتعلق بمسارات الحل السياسي، وأبرزها "مسار اللجنة الدستورية السورية".
وأكدت كلمات للأسد قبل أيام غياب التقدم في الملفات الثلاثة، إذ أطلقها خلال حوار تلفزيوني مع قناة "سكاي نيوز عربية"، وقال إن "العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكلية، والجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي".
وناور الأسد على أكثر من مسار، وبينما تنصل من "قضية تهريب الكبتاغون"، رغم التقارير الغربية التي تؤكد ضلوع قوات "الفرقة الرابعة" فيها اعتبر أن "عدم عودة اللاجئين" يعيقها سوء الأحوال المعيشية. في غضون ذلك أضاف رئيس النظام السوري أن "المعارضة التي يعترف بها هي المعارضة المصنّعة محليا لا المصنعة خارجيا"، ضاربا بعرض الحائط تأكيدات الدول العربية والغربية على ضرورة التقدم بالحل السياسي، والذي تشارك فيه بعدة مسارات أطراف من المعارضة تقيم في معظمها خارج البلاد.
ومن غير المرجح أن يحقق اجتماع لجنة الاتصال العربية المشكلة بقرار من القمة العربية أية اختراقات تذكر فيما يخص الاستجابة السورية للمقاربة التي تبنتها القمة العربية، حسب ما يقول مدير "الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية" في الأردن، عمر الرداد.
"المقاربة العربية جاءت في إطار ما يعرف بخطوة مقابل خطوة".
ويوضح الرداد لموقع "الحرة" أنه "وإذا قيمنا اتجاهات سياسة القيادة السورية خلال الشهور الثلاثة الماضية فقد تواصلت عمليات تهريب المخدرات للأردن، فيما لم تبد أية إشارات حول التسوية السياسية، أو تسهيل إعادة اللاجئين السوريين".
على العكس يرى الباحث الأردني أن النظام السوري "عزز علاقته مع إيران، وصدّر مواقف من مصادر ناطقة باسمه تتضمن إعادة إنتاج إعادة تفسير المبادرة العربية باتجاهات جديدة".
وتشي تصريحات الأسد الأخيرة بأن "دمشق لن تلتزم بمقاربة خطوة مقابل خطوة"، حسب ذات المتحدث.
وكان المقداد الذي سيصل إلى القاهرة، مساء الاثنين، قد أشار إلى عدم الالتزام بالمقاربة بقوله، في يونيو الماضي، إن "سوريا سارت مئات الخطوات فيما يتعلق بما هو مطلوب منه، في حين لم يتلق أي خطوة من الأطراف الأخرى".
ويتصور الباحث السياسي المصري، كرم سعيد أن "الاجتماع الأول للجنة الوزارية لن يسفر عن أي اختراق، سواء بالأزمة السورية أو إدارة مشهد العلاقات العربية مع دمشق".
إذ أنه و"رغم الانفتاح العربي إلا أن النظام السوري لم يتخذ خطوات كافية، ولا يزال مرهونا بتحالفه مع إيران".
ويعتقد الباحث المصري في حديثه لموقع "الحرة" أن "دمشق لا تستطيع أن تتحرك قيد أنملة دون التنسيق مع إيران، أو أن تتخذ خطوات بعيدا عن ضوء أخضر أو رؤية من طهران".
"عبارات دبلوماسية"
في غضون ذلك يشير رئيس لجنة العلاقات الخارجية والعربية بمجلس الشعب السوري، بطرس مرجانة إلى أن "وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي هو الذي أوكل بمهمة متابعة الأمور مع الحكومة السورية".
ويقول مرجانة: "من خلال الزيارات المتواصلة والمتكررة لوزير خارجية الأردن فإنه ينسق العملية بين اللجنة الوزارية ودمشق".
وكان الصفدي قد وصل إلى دمشق، في الثالث من شهر يوليو الماضي، وبعد لقائه الأسد أوضح أنه "بعد اجتماعي جدة وعمان اتفقنا على خريطة طريق للتقدم والتدرج نحو حل الأزمة السورية ومعالجة تبعاتها". وأشار إلى أن "الأزمة السورية كان لها تبعات كثيرة ولن تحل كل الأمور بين يوم وليلة، لكن بدأنا مسارا عربيا جادا يستهدف حل الأزمة السورية وفق الخطوة مقابل خطوة، التي تنسجم مع القرار الأممي 2254". وأكد الصفدي أنهم "يريدون الإعداد من أجل اجتماع لجنة الاتصال العربية التي كانت قد أقرتها الجامعة العربية، بحيث يكون هناك مخرجات عملية تسهم في معالجة تبعات الأزمة السورية، ونأمل انعقادها في أغسطس".
ويرى الكاتب والناشط السياسي السوري، حسن النيفي، أنه "ثمة معطيات تشير إلى نوع من الانكفاء العربي في الخطوات اتجاه النظام السوري".
ومع ذلك يوضح الكاتب لموقع "الحرة" أن هناك عدة "حقائق" لا يجب الابتعاد عن قرائتها، أولها أن الأسد وعندما أعيد إلى الجامعة العربية "لم يعط وعودا قطعية بأنه سيتخذ خطوات لحل القضية السورية أو الحد من تجارة الكبتاغون".
وفي كلمته بقمة جدة "لم ينم حديث الأسد عن أي شعور بحسن النية"، وكذلك حديث وزير خارجيته المقداد عندما سؤل في مؤتمر عمان عما ستقدمه دمشق مقابل الخطوات العربية، فقال: "نحن تقدما بمئات الخطوات".
ويعتقد الكاتب النيفي أن "الاجتماع الأول للجنة الوزارية لن يختلف عن المواقف السابقة"، و"من الواضح أن "المقداد سيعيد تكرار الحديث المتعلق بمئات الخطوات، فيما سيجدد المطالبة بالأموال والمزيد من الابتزاز".
لكن المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف يرى الواقع مغايرا لذلك، ويقول لموقع "الحرة" إن وزير الخارجية السوري "سيضع النقاط على الحروف في الاجتماع الأول للجنة الوزارية".
ويوضح يوسف لموقع "الحرة" أن "هناك بعض الأمور التي تزعج سوريا والعرب مثل الكبتاغون والإرهاب واللاجئين. سيشهد الاجتماع صراحة والتأكيد على ضرورة الحل لكن دون إملاءات".
ويضيف: " أتوقع حصول تفاهمات جديدة وتسريع خطوات التطبيع".
في المقابل "لا يرجح من اجتماع اللجنة الوزارية أن يتجاوز العبارات الدبلوماسية التي تؤكد على الوحدة العربية"، ويستبعد الباحث الأردني الرداد أن "تغير القيادة السورية سياساتها بعد الاجتماع، في ظل ارتهان قرارها لموسكو وطهران".
ويضيف الكاتب السوري النيفي أن "التطبيع العربي بالمجمل لن يؤدي إلى نتيجة، لأن بنية النظام السوري يشوبها العقم. وهي حالة لا تسمح له بالتقدم ولو بخطوة واحدة إلى الأمام"، حسب تعبيره.