على أراض يونانية خلابة أتت عليها حرائق الغابات بالقرب من الحدود مع تركيا، رقدت مجموعة من الجثث المتفحمة بين الرماد، فيما كان ذات يوم غابة خضراء توفر للمهاجرين الغطاء المثالي للعبور إلى الاتحاد الأوروبي.
وعُثر على جثث ما يفترض أنهم مجموعة مهاجرين بالقرب من قرية، أفانتاس، في شمال شرق اليونان، التي اجتاحها الحريق القوي الذي امتد بسرعة مدمرة، وعدّ واحدا من مئات الحرائق التي اشتعلت في شتى أنحاء البلاد، وتؤججها درجات الحرارة المرتفعة والرياح العاتية.
وعُثر على مجموعة مكونة من سبع أو ثماني جثث مجتمعة، وبدا أن أصحابها كانوا يحتضنون بعضهم البعض للمرة الأخيرة. ودُفن آخرون تحت أنقاض ملجأ دمرته النيران.
وقال بافلوس بافليديس الطبيب الشرعي الذي استدعته السلطات إلى المكان، الثلاثاء، لفحص الجثث التي احترقت لدرجة يصعب معها التعرف على هوية أصحابها "أدركوا في اللحظة الأخيرة أن النهاية قادمة.. كانت محاولة يائسة لحماية أنفسهم".
وبعدما يزيد قليلا عن شهرين من غرق مئات المهاجرين في البحر قبالة اليونان، في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا من ليبيا، توقفت رحلة مجموعة أخرى سلكت ما بدا أنه طريق أكثر أمانا.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية قبل حرائق الغابات وبعدها الدمار الذي حدث على طول طريق يقبل عليه المهاجرون من الشرق الأوسط وآسيا.
وتحولت مساحات من المناطق الخضراء إلى أرض قاحلة، والأشجار إلى أعواد من الفحم. كما تحول الزرع الذي كان من المفترض أن يوفر الحماية للمهاجرين خلال هربهم من الشرطة اليونانية إلى فخ مميت.
والشيء الملون الوحيد الذي عُثر عليه في المنطقة حيث وجدت الجثث كان قفازان طبيان لونهما أزرق تركهما المحققون خلفهم.
وفي الأيام الأولى للحريق، قال جورج هاتزيجورجيو، رئيس مجتمع "أفانتاس"، إنه رصد ثلاث مجموعات من المهاجرين في المنطقة.
وأردف قائلا "كانت هناك امرأة مع طفل، وكانت المرأة ترتدي الحجاب، والنار كانت على بعد 100 متر".
وأضاف "توسلتُ إليهم باللغة الإنجليزية أن يذهبوا إلى ساحة القرية. وظلوا يرددون "الشرطة، الشرطة"، كانوا خائفين من القبض عليهم.. قلت لهم من الأفضل أن تذهبوا إلى الساحة ويُقبض عليكم بدلا من أن تُحرقوا وأنتم أحياء".
ويُعتقد أن الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الغابة من الآلاف الذين يعبرون من تركيا إلى اليونان كل عام، عبر نهر إيفروس، الذي يرسم جزءا كبيرا من الحدود البرية بين البلدين.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن من بين 18700 شخص وصلوا إلى اليونان، العام الماضي، جاء ثلثهم عن طريق البر.
وعبر نحو أربعة آلاف شخص النهر هذا العام، وتقول الشرطة اليونانية إن عددهم زاد بشكل طفيف في أغسطس آب.
وقال هاتزيجورجيو، إنه كثيرا ما عثر على حقائب يد وظهر تحتوي على مبالغ بالليرة التركية أو عبوات أدوية مكتوب عليها باللغة التركية، ملقاة في أنحاء القرية بعدما تخلص منها المهاجرون خلال رحلتهم.
وأضاف "نرى هؤلاء الناس منذ سنوات عديدة، يوميا تقريبا... وجدت المئات من هذه الأشياء".
وتتهم جماعات حقوق الإنسان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليونان، بإساءة معاملة الأشخاص الموجودين على الحدود، وبإعادتهم قسرا أحيانا إلى تركيا، وهي ممارسة غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وقالت، أدريانا تيدونا، الباحثة في شؤون الهجرة بمنظمة العفو الدولية في بيان، بعد اكتشاف الجثث إن السلطات "ترد بشكل منهجي بعمليات إعادة قسرية غير قانونية على الحدود، وبالحرمان من الحق في طلب اللجوء وبممارسة العنف".
وتنفي اليونان هذه الاتهامات، وتقول إن سياسة الهجرة "الصارمة والعادلة" التي تنتهجها تحمي حدود الاتحاد الأوروبي.
وجمع بافليديس عينات من الحمض النووي من الجثث في المشرحة، وهي الطريقة الوحيدة التي سيتم بها التعرف على هويات أصحابها.
وقال "لا يمكنك رؤية وجوههم، ولا يمكنك رؤية أي شيء"، لم يتبق مع الجثث سوى ساعتين وخاتمين.
ولا تزال الحرائق مشتعلة في المنطقة، ويخشى هاتزيجورجيو من العثور على جثث أخرى في الغابة.
وأضاف "بالنسبة لي، هذا أمر شبه مؤكد".