بايدن وولي العهد السعودي ورئيس وزراء الهند خلال "قمة العشرين" في نيودلهي
بايدن وولي العهد السعودي ورئيس وزراء الهند خلال "قمة العشرين" في نيودلهي

من نيودلهي أطلقت الولايات المتحدة والهند وأوروبا والسعودية والإمارات مبادرة الممر الإقتصادي التي تربط قارتي آسيا وأوروبا.. فهل يًشكل المشروع ضربة "لمبادرة الحزام والطريق" الصينية التي كبّلت الدول بالديون؟ وهل يُقرِّب المشروع بين السعودية وإسرائيل وسائر حلفاء واشنطن في الخليج والشرق الأوسط وأوروبا؟

برنامج "عاصمة القرار" من قناة "الحرة" ناقش هذه المسألة مع ضيفيه، سوراب غوبتا، كبير باحثين في "معهد دراسات الصين وأميركا" في واشنطن، وأكشوب جيريدهاراداس، باحث زائر في "مؤسسة أوبزرفر للأبحاث".

كما شارك في جزء من الحوار كل من: الكاتب السعودي مبارك العاتي، والمحلل السياسي الإسرائيلي أمير أورن، ومدير تحرير صحيفة "الدستور" المصرية محمد رفعت.

"الممر الاقتصادي".. مقابل " اتفاق الديون والمشنقة"

في خطاب إطلاق المشروع، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه "فخور بالاعلان عن توصلنا إلى اتفاق تاريخي من أجل إقامة ممر اقتصادي جديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. كجزء رئيسي من هذا الاتفاق، سنقوم بالاستثمار في السفن والسكك الحديدية من الهند إلى أوروبا مروراً بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، مما سيجمع الموانئ عبر قارتين، ويطلق العنان لفرص لا حصر لها، مما يساهم في شرق أوسط أكثر استقرارا وازدهارا وتكاملا".

وبموجب مذكرة التفاهم، تلتزم حكومات السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، بالعمل معا على إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. من المتوقع أن "يحفز هذا الممر التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الترابط والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا".

إلى ذلك، يُضيف آموس هوكستينن، كبير مستشاري الرئيس بايدن لشؤون أمن الطاقة العالمية: "فإننا نقدم نموذجا وعرضاً مختلفاً عمّا تقدمه الصين. هذا الممر الاقتصادي لا يُغرِق البلدان في الديون ، ويلتزم بأعلى المعايير. هذا هو العرض البديل الذي تقدمه الولايات المتحدة مع شركائنا".

وكتب النائب الديمقراطي فرانك بالون، أن الممر "سيفتح طرقا تجارية جديدة على طول الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأوروبا، في الوقت الذي سيقلل من الاعتماد على الصين".

ويقول أكشوب جيريدهاراداس إن المشروع الصيني (مبادرة الحزام والطريق) "تقوده شركات، وهو ليس شفافاً. بالمقابل فإن هدف الممر الاقتصادي جمع اقتصادات متنوعة مع بعضها. وإنشاء سلاسل إمدادات جديدة بدلا من تلك الصينية التي كشفت جائحة كورونا عن ضعفها. فمشروع الممر الاقتصادي الذي سيتكلف 47 تريليون دولار سيشكل نقلة نوعية في اقتصاد المنطقة والعالم، خاصة أنه ستكون هناك استثمارات أميركية ضخمة تفتح الأبواب لطرق تجارة جديدة. والأهم أنه لن تكون هناك دبلوماسية فخ الديون، كما يحصل مع مبادرة الحزام والطريق التي تديرها الصين".

ويعتقد سوراب غوبتا أنه "لا تنافس بين الممر الاقتصادي ومبادرة الحزام والطريق الصينية. فلكل دولة مشروعاتها. والرفاهية تؤدي إلى الاستقرار. وواشنطن تريد الاستمرار لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط عبر استراتيجية طموحة".

أهمية جيوسياسية أكثر منها اقتصادية

ويثني دينيس روس على أهمية الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. فمن "خلال الموانئ والسكك الحديدية وخطوط النقل والكابلات تحت الماء، فإن هذا الممر سيعزز التنمية عبر الاتصال المادي والرقمي. ومثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن الممر الاقتصادي سيدعم البنية التحتية، ولكن من دون المديونية الكبيرة التي تجلبها المبادرة الصينية".

ويشكك إيفان فايغنباوم، نائب رئيس "مؤسسة كارنيغي"، في جدوى المشروع إذ يرى أن خطة الممر الاقتصادي "مكلفة وغير مربحة اقتصادياً، وتبدو غير فعّالة. كما أن الممر يدخل إلى أوروبا عبر ميناء تديره الصين".

ويقول ميهير شارما على موقع بلومبرغ إن أهمية الممر الإقتصادي جيوسياسية أكثر منها اقتصادية. فهدفه إعطاء دول غرب آسيا، والهند، سبباً للبقاء على اتصال مع الولايات المتحدة، ومع بعضها البعض.

ويضيف أن الولايات المتحدة تأمل أن يؤدي ربط الاقتصادين الهندي والسعودي بشكل أوثق إلى منع السعوديين من الانجراف أكثر إلى مدار الصين، وأخذ بقية الخليج معهم.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الممر سيربط السعودية بإسرائيل، وهو ما يهم واشنطن كثيراً. ويخلص الكاتب إلى أن المشروع سيعزز نفوذ الولايات المتحدة لأنها شريك أمني رئيسي لكل طرف آخر في هذا المشروع الكبير، وباعتبار أن واشنطن هي الضامن الأساسي لهذه الاستثمارات الدولية الضخمة في منطقة تخضع لمخاطر جيوسياسية كبيرة .

واعتبر الخبير الاقتصادي محمد سليمان، على موقع المونيتور، أن ممر الهند الاقتصادي إلى أوروبا عبر السعودية والإمارات "يشكل انتصاراً للولايات المتحدة وغرب آسيا".

ويضيف أن إدارة بايدن "حققت نصراً دبلوماسيا في قمة دلهي، وذلك عبر تقديم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، كبديل عن مشروع الحزام والطريق الصيني". 

ويضيف الكاتب أن الممر الاقتصادي يوفر "قدرا أكبر من الاستقلالية للبلدان المشاركة فيه لتحقيق مصالحها الخاصة، والأهم من ذلك، لحماية سيادتها، وهذا ما يميز الممر الاقتصادي عن مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما يشكل هذا الممر مظهراً من مظاهر التكامل العميق بين الهند والسعودية والإمارات، والتقارب الجيوسياسي والاقتصادي الأوسع بين الشرق الأوسط وجنوب وغرب آسيا".

ويعتقد الكاتب الأميركي، بيتر زيهان، أن خطة الممر الاقتصادي "غبية، سواء جاءت عن طريق بايدن أو بوتين. فلا يمكن بناء نظام طرق وسكك حديدية من خلال استبعاد دولة أو أخرى. بايدن يريد استبعاد إيران، وروسيا كانت ستستبعد تركيا، والهند كانت ستستبعد باكستان. إنها مضيعة للوقت".

"الممر الاقتصادي" وقناة السويس

ويقول ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، "لا يوجد بديل لقناة السويس، ولا نعتقد أن هذا الممر الاقتصادي سيستبدل قناة السويس أو يحل محلها بأي شكل من الأشكال. لكننا نلاحظ أن هناك حداً أقصى للتنقل عبر قناة السويس كل يوم. سيحقق الممر الاقتصادي فوائد اقتصادية للمنطقة بأسرها".

ويعتقد أكشوب جيريدهاراداس أن الممر الاقتصادي " لن يحلّ محل قناة السويس بل يقدم فرصة جديدة".

 ويقول محمد رفعت، مدير تحرير جريدة الدستور المصرية، إن "الممر الاقتصادي  لن يؤثر على عمل قناة السويس ، التي هي الأفضل والأسرع في المنطقة والعالم".

هل يساهم في التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟

يعتقد الكاتب السعودي مبارك العاتي أن الممر الاقتصادي مهم جدا لبلده وللمنطقة لكن "الاقتصاد الأميركي لا يعتمد عليه"، مضيفا أن "ساعة التطبيع بين إسرائيل والسعودية لم تحن بعد، وذلك بسبب تملّص إسرائيل من إلتزاماتها تجاه الفلسطينيين".

ويوافقه في هذا الرأي المحلل السياسي الإسرائيلي، أمير أورون، الذي يعتقد أن "الممر الاقتصادي لن يسرّع التطبيع بين إسرائيل والسعودية، خاصة مع حكومة نتانياهو. لكن البناء على تقارب الرؤى بين البلدين تجاه بناء شرق أوسط مزدهر ومستقر، قد يؤتي ثماره مستقبلاً".

وفي الخلاصة، يتسائل خبراء أميركيون: هل تضع واشنطن ثقلها السياسي والاقتصادي في المتابعة لإنجاح مبادرة الممر الاقتصادي في ربط الشرق الأوسط والهند وأوروبا؟ وهل تختار الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط مصادر الاستثمار الغربية، وليس التدفقات النقدية الصينية التي تكبّلها بالديون؟

البابا فرنسيس

في صباح مشمس من مارس 2021، وقف طفل ملوحا بعلم عراقي صغير، على حافة الرصيف في مدينة النجف، يتأمل موكبا رسميا لم يَعْهد له مثيلا من قبل. 

وسط الجموع، لمح الطفل الثوب الأبيض للزائر الغريب وهو يخطو على مهل داخل أزقة المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة.  لم يكن ذلك الطفل يعلم على الغالب أنه كان شاهدا على واحدة من الزيارات البابوية التي ستسجل في كتب التاريخ باعتبارها لحظة نادرة ومفصلية في علاقة الأديان في الشرق الأوسط. 

في تلك الزيارة التي وقّتها البابا مع بدء تعافي الكوكب من فايروس كورونا، وبدء تعافي العراق من "داعش"، زار البابا الراحل المناطق التي دمرها داعش في أور والموصل، وحمل معه للعراق عموماً وللمسيحيين خصوصاً رسالة أمل رمزية لكنها شديدة العمق: "السلام ممكن، حتى من قلب الألم". 

خلال لقائه بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في المدينة الشيعية المقدسة، بحث رأس الكنيسة الكاثوليكية مع رأس الحوزة "التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية"، وقد شكل ذلك اللقاء "فرصة للبابا ليشكر آية الله السيستاني لأنه رفع صوته ضد العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، بحسب بيان وزعه المكتب الصحفي للكرسي الرسولي بعد اللقاء.

منذ حمله لقب "صاحب القداسة" في العام ٢٠١٣، أولى البابا فرنسيس أهمية كبيرة للبقعة الجغرافية التي تتنازعها الحروب والنيران على طول خريطة الشرق الأوسط. والتفت البابا بعين دامعة، الى البشر الذين يُدفعون بسبب الحروب والمآسي إلى البحار هرباً من الموت على اليابسة. 

خرج صوت البابا من أروقة الفاتيكان، بخشوع وألم، ليعبر بنبرة أب قلق على أبنائه وبناته في تلك البقعة من العالم، من تمييز بينهم على أساس أديانهم أو طوائفهم. 

رفع البابا صوته وصلواته لضحايا الهجرة، ووقف على شاطئ المتوسط منادياً العالم: "أولئك الذين غرقوا في البحر لا يبحثون عن الرفاه، بل عن الحياة". وفي لقائه بلاجئين سوريين خلال زيارته إلى اليونان، طلب "ألا يتعامل العالم مع المهاجرين كأرقام، بل كوجوه وأرواح". 

لا يمكن الفصل بين رؤية البابا فرنسيس لقضايا الشرق الأوسط وبين خلفيته الآتية من أميركا اللاتينية، كما يشرح الباحث في العلاقات الإسلامية المسيحية روجيه أصفر لموقع "الحرة". 

يقول أصفر إن "المنطقة التي أتى منها البابا وشهدت صعود لاهوت التحرير وتعيش فيها الفئات المسحوقة والديكتاتوريات، لابد أن تخلق لديه حساسية تجاه قضايا شعوب الشرق الأوسط التي تعاني من نموذج مشابه من الديكتاتوريات". 

وايضاً يجب الأخذ بعين الاعتبار، بحسب أصفر، المعرفة العميقة لدى البابا بالإسلام، "ومع كل الاستقطاب الديني الذي نشهده في العالم، وصعود الإسلاموفوبيا، تمكن البابا من نسج علاقات جيدة بالعالم العربي والمرجعيات الدينية فيه وخصوصاً مع الأزهر وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعتبر متقدمة جداً في مجال الحوار بين الأديان".

جال البابا في زيارات مختلفة توزعت على دول عربية، وحط في العام ٢٠١٧ في مصر، بعد تفجيرات استهدفت الكنائس القبطية، والتقى حينها بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، وشارك في مؤتمر للسلام. هناك قال إن "الإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفعنا إلى محبة الآخرين، لا إلى كراهيتهم". 

بعدها بسنتين، زار الإمارات في زيارة تاريخية لأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ووقع مع شيخ الأزهر وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التاريخية، داعياً من قلب الخليج إلى "نبذ الحرب، والعنصرية، والتمييز الديني". كما ترأس قداساً حضره أكثر من 100 ألف شخص في استاد زايد، ليقول للعالم: "الإيمان يوحّد ولا يُفرّق".

ما فعله البابا هو "كسر الحواجز وتأسيس منطلقات نظرية لاهوتية وشرعية وفقهية مع الجانب المسلم والتعاون لتأسيس للعيش معاً بشكل أفضل"، يقول أصفر. ويتابع: "البابا انطلق في ذلك من سلطته المتأتية من صلاحية قوية جداً على رأس هرم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكبر جماعة مسيحية في العالم". 

حينما وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس من العام ٢٠٢٠، عبّر البابا فرنسيس عن تضامنه العميق مع الشعب اللبناني، ووصف لبنان بأنه "رسالة" في التعايش، داعيًا العالم لعدم التخلي عنه: "لبنان لا يمكن أن يُترك وحيدًا... هو كنزٌ يجب الحفاظ عليه". 

خصص صلوات كاملة لأجل "نهضة لبنان من الرماد"، وكان يخطط لزيارة بيروت قبل أن تؤجل الزيارة بسبب وضعه الصحي. وأبدى اهتماماً كبيراً بأزمة السودان، وتدهورها في السنوات الأخيرة إلى انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، فرفع الصلوات لسلام السودانيين ودعا إلى حماية المدنيين مما سماه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

كما عبّر البابا فرنسيس مراراً عن قلقه العميق من تدهور الأوضاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الشرق الأوسط وانسحاب الصراع إلى دول أخرى مثل لبنان. 

خلال زيارته لبيت لحم عام 2014، آتياً من الأردن، تحدث عن السلام وأهميته وعن حق الفلسطينيين كما الإسرائيليين بالأمان. 

وبعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أدان البابا فرنسيس بوضوح قتل المدنيين واختطاف الأبرياء، مع دعوة لوقف العنف من الجانبين: "أتابع بألم ما يحدث في إسرائيل وفلسطين... أدعو إلى الوقف الفوري للعنف الذي يحصد أرواحًا بريئة. الإرهاب والعنف لا يحققان السلام أبدًا".

ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات إنسانية لغزة، مؤكدًا أن "كل إنسان له الحق في العيش بكرامة، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً".

في العام ٢٠٢٢ شارك في "ملتقى البحرين للحوار"، في زيارة ثانية الى الخليج، كشفت عن اهتمامه بتلك البقعة من العالم، حيث دعا إلى احترام الحريات الدينية، والحوار بين المذاهب والأديان، مؤكدًا أن "الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى صراع".

لم يكن البابا الراحل فرنسيس يوماً زائراً غريباً عن المنطقة، وعن الشرق الأوسط، بل كان يحمل في قلبه الحب لجميع شعوب العالم، ويحمل بلسانه لغة الحوار والعدالة التي يفهمها الجميع بمعزل عن اختلاف لغاتهم. 

كان يعرف كيف يقارب الصراعات الحساسة بحسّ إنساني عال وبشجاعة ملحوظة، فيقف إلى جانب المدنيين دائما في الصراعات العسكرية، ويدعو المتحاربين إلى انهاء حروبهم وتجنيب المدنيين قسوة الحروب ومآسي القتل والدمار والتهجير.