تصاعدت في الأسابيع الماضية حدة المواجهات العسكرية بين الحكومة المركزية في مالي وما يعرف بتنسيقية حركات أزواد التي يقودها الطوارق، لتعيد النزاع في الدولة الأفريقية للواجهة مجددا بعد أعوام من الهدوء الهش.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أعلنت تنسيقية حركات أزواد أنها في حرب مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، الدولة الأفريقية التي تشهد اضطرابات.
وأعلنت تنسيقية حركات أزواد، وهي تحالف جماعات يهيمن عليها الطوارق، مسؤوليتها عن هجوم استهدف ثكنتين عسكريتين تابعتين للجيش المالي والسيطرة عليها الأحد، في ليري جنوب غرب تمبكتو مما أسفر عن مقتل 5 جنود.
وقال التحالف أيضا إنه أسقط طائرة تابعة للجيش المالي بعد أن أعلن، في بيان، سيطرته على بلدة بوريم الرئيسية الواقعة بين غاو وتمبكتو، بعد اشتباكات مع الجيش.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، إن تحركات الطوارق الأخيرة جاءت "في إطار احتدام الخلاف بين جبهة أزواد والحكومة المركزية" بسبب مسؤولية إدارة القواعد العسكرية في المناطق التي تدخل ضمن نطاق سيطرتهم.
وفي حديثه لموقع قناة "الحرة"، أوضح تورشين أن خروج القوات الفرنسية ومن ثم القوات الأممية ترك فراغا في المنشآت العسكرية التي كانت تهيمن عليها تلك القوات، مما أثار صراعا بين الطوارق والحكومة المركزية على إدارتها.
ودفع العسكريون الماليون القوة الفرنسية المكلفة بمحاربة التنظيمات المتطرفة إلى المغادرة في 2022 وبعثة الأمم المتحدة في 2023، وتقاربوا عسكريا وسياسيا مع روسيا واتخذوا من بسط السيادة شعارهم الرئيسي. إلا أن أجزاء كبيرة من البلاد هي خارج سيطرتهم.
من هم الطوارق؟
شعب الطوارق هم مجموعة عرقية كبيرة تستوطن الصحراء الكبرى في منطقة واسعة تمتد من أقصى جنوب غرب ليبيا إلى جنوب الجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو. وبحسب مجلة "الإيكونوميست"، فإن الطوارق هم مجموعة من قبائل البربر.
وتقول الأسطورة إنه في عهد ملكتهم الأولى، تينهينان، انتقلوا إلى الصحراء حوالي عام 400 بعد الميلاد. وخلال العصور الوسطى، سيطر الطوارق على طرق التجارة المربحة عبر الصحراء.
وتأسست مدينة تمبكتو الواقعة شمال مالي والمشهورة في جميع أنحاء العالم الإسلامي كمركز فكري، على يد عائلة من الطوارق في القرن الثاني عشر.
لكن ثروات الطوارق تراجعت بعد وصول الفرنسيين في القرن التاسع عشر، حيث تم حل اتحاداتهم التقليدية، بحسب المجلة البريطانية ذاتها.
وبعد استقلال شمال غرب أفريقيا في الستينيات، تم فصل الطوارق عن طريق حدود العديد من دول ما بعد الاستعمار.
وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي تعداد الطوارق الذين يعيشون في ليبيا ومالي والنيجر والجزائر وبوركينا فاسو، بنحو 1.2 مليون نسمة، بحسب مقال للمحاضر والباحث في دراسات الترجمة بجامعة طرابلس، مصطفى عبدالله بشير، ونشره مركز "كارينغي" للسلام الدولي.
وتفنن الرحالة والمستشرقون والمؤرخون في تسمية هذه القبائل، حيث أطلق بعضهم على الطوارق اسم "الرجال الزرق" بسبب ارتدائهم الملابس الزرقاء التي يستخدمون في صباغتها تقنية خاصة تؤدي لاصطباغ جلودهم باللون الأزرق، طبقا للمقال.
ويفضل الطوارق تسميتهم بـ "إيموهاغ" وهي تعني بالعربية "الرجال الشرفاء الأحرار"، كما كتب بشير في مقاله بعنوان "قبائل الطوارق: لغة وأدبا وثقافة".
ويتحدث الطوارق لغة خاصة بهم تندرج تحتها عدة لهجات مثل التماشق والتماجق والتماهق وهي لهجات يتباين استخدامها من قبيلة إلى أخرى.
وكتب بشير في مقاله: "قبائل الطوارق القديمة تستخدم أبجدية خاصة بها تسمى "تيفيناغ"، وقد أسهمت الاكتشافات الأثرية في جبال أكاكوس في ليبيا في استخدام تلك الأبجدية لكشف كثير من الحقائق عن تاريخ الطوارق".
وبالرغم من أن الأجيال الأكبر سنا لا تزال تستخدم حروف هذه اللغة الأصيلة والنادرة، إلا أن الأجيال الحديثة تجد صعوبة كبيرة في حفظ هذا الحرف وتميل لاستخدام الكتابة العربية في تسيير احتياجات الحياة اليومية، وفقا لبشير.
من جانبه، قال تورشين إن ملف الطوارق "معقد" على اعتبار أن هناك تباين كبير في مجموعاتهم المختلفة، مردفا أن "بعض الأصوات تطالب بحق تقرير المصير وهذه مجموعات طاغية داخل الأزواد".
وتابع: "هناك تيارات أخرى تدعو لحكم ذاتي بالمناطق الصحراوية في مالي وهذه مجموعات مدعومة من السلطات المركزية".
تاريخ الصراع في مالي
بعد عقود من جولات القتال المتكررة منذ عام 1962، بحسب فرانس برس، أفضى اتفاق سلام توسطت فيه الجزائر عام 2006 لإنهاء القتال الذي اشتد خلال تلك الفترة.
لكن ذلك الاتفاق سرعان ما انهار بعد فترة قصيرة بعد أن رفع فرع من التحالف يقوده، إبراهيم اغ بهانغا، السلاح ضد الحكومة المركزية عام 2009، قبل أن يهزم.
وفي 2012، عاودت هذه المجموعات حمل السلاح للمطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي، إذ أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، أكبر فصائل الطوارق في مالي، خلال العام ذاته "استقلال أزواد" شمال البلاد.
وبعد إبرام اتفاق لوقف النار في 2014، وقعت تنسيقية حركات أزواد في العام التالي اتفاق سلام جديد مع الحكومة والفصائل الموالية لها عرف بـ "اتفاق الجزائر".
وقال تورشين إن "تجدد الصراع العسكري" في الوقت الراهن يعني أن اتفاق الجزائر المبرم عام 2015 "انهار تماما ولا يمكن الحديث عنه إلا إذا تدخلت الجزائر لإيجاد توافق بين الطرفين وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في الماضي القريب".
وطبقا لاتفاق 2015، فإن التنسيقية حصلت خصوصا على "إدماج ذي طابع أولي لمقاتلي الحركات السياسية والعسكرية وخصوصا تنسيقية حركات أزواد ضمن قوات الدفاع والأمن المعاد تشكيلها ونشرها في الشمال".
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، إن سيطرة الجيش على القواعد العسكرية التي انسحبت منها القوات الأممية دون تنسيق مع الحركات الأزوادية المتمركزة في هذه المناطق يخالف اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2015.
وأشار في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن السلطات الانتقالية لم تلتزم باتفاق الجزائر، وهي بذلك "من أعلنت الحرب" على الطوارق.
وبرر ذلك بأن الاتفاق يشير إلى ضرورة "التنسيق مع الحركات الأزوادية المتمركزة في هذه المناطق وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية قبل نشرها في الإقليم وفقا للاتفاق".
وأضاف أن تنسيقية حركات أزواد تهدف من خلال تحركاتها العسكرية الأخيرة للتمسك باتفاق الجزائر.
وبعد انتفاضة 2012، مهد تمرد الطوارق الطريق أمام مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة للتمدد في جزء أساسي من مناطق شمال مالي، ما دفع فرنسا إلى التدخل عسكريا وأدخل منطقة الساحل الأفريقية في نزاع حصد الآلاف من القتلى.
"تعامل لا عقلاني" من الحكومات المتعاقبة
وتنشط "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة في قسم كبير من شمال مالي ووسطها وصولا إلى أطراف باماكو.
وتزامن النشاط العسكري المتجدد للانفصاليين مع وقوع سلسلة من الهجمات المنسوبة إلى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين". وقال إسماعيل إن الطوارق تعرضوا للاضطهاد جراء ربطهم بالجماعات المتطرفة.
وتابع: "لكن تحسن الأمر نوعا ما نتيجة الثورات التي يقومون بها وتحديدا في التسعينيات"، مردفا: "لا ننسى أسباب هذه الانتفاضات هي انعدام مقومات الحياة في إقليم أزواد وسوء إدارة التعددية الثقافية والأثنية من قبل الأنظمة المتعاقبة التي تركز كما هو الوضع اليوم على الحلول العسكرية بدلا من السياسية والتنموية باستثناء فترتي كوناري وتوري".
وعقب الانقلاب العسكري المزدوج في 2020 و2021، دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تنفذ مهاما ضد التنظيمات المتطرفة، إلى مغادرة البلاد في 2022، وبعدها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في 2023.
وقال إسماعيل إنه "منذ الانقلاب الثاني وفشل الوساطة الدولية في تقريب وجهات نظر بين الفرقاء الماليين، كان المتوقع أن تندلع المواجهات المسلحة في أزواد".
وتابع: "يبدو أن كل طرف يسعى لفرض أمر جديد، وخصوصا بماكو التي أصبحت أكثر تسليحا وتتمتع بدعم القوات الروسية".
من جهته، قال تورشين إن "إشكالية الطوارق في الشمال نابعة من مطالب سياسية وكذلك الأمر ينطبق على قبائل الفولان في شرق البلاد".
وتابع: "الإشكالية تمثل في أن الحكومات المالية المتعاقبة لم تتعامل بشكل منطقي وعقلاني لإدارة الخلافات، بل تعاملت معهم (الطوارق والفولان) على أنهم مجموعات إرهابية".
وقال تورشين إن "الأزواد مجموعة ذات أبعاد سياسية ولو نالت الحق فيما يتعلق في الحكم الذاتي، سيسهم ذلك بشكل أو بآخر في محاربة الجماعات الإرهابية بالساحل الأفريقي".