الولايات المتحدة قادت جهودا لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل - صورة أرشيفية.
الولايات المتحدة قادت جهودا لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل

"يجب أن نرى إلى أين سنصل"، بهذه العبارة أكّد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على تمسكه بـ"القضية الفلسطينية" كبند أساسي غير واضح المعالم بعد، في المفاوضات الجارية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

وخلال مقابلته مع "فوكس نيوز"، كانت القضية الفلسطينية إحدى النقاط التي ذكرها بن سلمان لدى سؤاله عما يتطلبه الأمر للتوصل لاتفاق تطبيع، حيث ذكر أنها "بالنسبة لنا مهمة للغاية. نحتاج لحل هذا الجزء... ولدينا استراتيجية مفاوضات جيدة تتواصل حتى الآن".

ويوضح مختصون لموقع "الحرة" ركائز تلك المباحثات والمعوقات التي تقف أمامها، ومدى إمكانية تقديم الجانبين لتنازلات بهذا الشأن.

وهناك مجموعة من القضايا الأخرى التي تعتبر أيضا من المطالب الرئيسية للسعودية، لكنها أكثر وضوحا، ومنها ضمانات أمنية أميركية والمساعدة في مجال الطاقة النووية التي تسعى إليها الرياض.

كيف تنظر السعودية للملف الفلسطيني؟

يؤكد المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن المفاوضات تسير بخطى "حثيثة"، وجميع الأطراف "راضية" عن مستوى المباحثات.

والسعودية "متمسكة" بمطالبها الوطنية ثم مطالبها العربية التي جاءت بعد "التنسيق مع الجانب الفلسطيني"، ومن ثم أصبحت مطالب الفلسطينيين تمثل المملكة، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".

وتتمثل تلك المطالب في تأسيس دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وهي نقطة "محورية ارتكازية" تتمسك بها السعودية، وتعول المملكة في الوقت ذاته على الولايات المتحدة لممارسة "ضغطا سياسيا" على الجانب الإسرائيلي ليبدي جدية في المفاوضات بهدف الوصول إلى "نتيجة" وحتى لا يستمر التفاوض دون سقف زمني أو نتائج مرجوة، حسبما يوضح آل عاتي.

ويشدد المحلل السياسي على أن "السعودية متمسكة بتحقيق تقدم يحسن حياة الفلسطينيين، ويجعلهم يقبلون بهذه الدولة"، لافتا إلى أهمية أن تكون الاتفاقية "مقبولة" من الجانب الفلسطيني.

ويشير إلى أن المبادرة العربية للسلام "ركيزة" أثناء المفاوضات، ولا تزال السعودية متمسكة بشرط تأسيس "الدولة الفلسطينية".

ويتفق معه، المستشار السعودي في تحكيم المنازعات الدولية، سعد عبدالله الحامد، الذي يؤكد أن المنطلق الأساسي للتفاوض بين السعودية وإسرائيل هو "إيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، والذي يرتكز على المبادرة العربية".

لكن هناك عدة عوائق قد تؤثر على مسار المفاوضات بين الجانبين، وأبرزها "عدم قبول الحكومة الإسرائيلية بتقديم تنازلات"، بسبب تخوفها من "تمدد بعض الفصائل داخل مناطق جديدة بالأراضي الفلسطينية"، وفقا لحديث الحامد لموقع "الحرة".

ويشير إلى وجود "تحالفات جديدة ومصالحات بمنطقة الشرق الأوسط"، ما يجعل السعودية "غير محتاجة للتطبيع إلا في حال اتخاذ إسرائيل خطوات عملية جادة تجاه القضية الفلسطينية".

"ملف جانبي" في المفاوضات؟

من جهته، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، شلومو غانور، أن الملف الفلسطيني "جانبي في الصفقة الثلاثية الأميركية الإسرائيلية السعودية".

ويشير غانور، في تصريحات لموقع "الحرة"، إلى أن "الملف الفلسطيني" مطروح على جدول أعمال التفاوض "لكنه ليس الأهم".

وحول إمكانية العمل ببنود مبادرة السلام العربية، يشدد غانور على أن الموقف الإسرائيلي الحالي والسابق هو "رفض حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية".

والمبادرة أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في "قمة بيروت" عام 2002، عندما كان حينها وليا للعهد، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان، مقابل السلام مع إسرائيل.

ويتحدث غانور عن وجود إجماع وطني إسرائيلي عبر جميع الحكومات السابقة والحكومة الحالية بـ"رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالضفة الغربية".

وإسرائيل تعتبر أن السلطة الفلسطينية "طرف ضمني" في المفاوضات، لكن "لا يمكن منحها حق النقض أو الفيتو" لعرقلة "الاتفاق العام أو الصفقة الثلاثية"، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.

لكن على جانب آخر، ينفي آل عاتي ذلك ويؤكد أن القضية الفلسطينية "محورا أساسيا ومنطلقا للتفاوض".

وتحرص السعودية على تحقيق "تقدما ونتائج ملموسة للجانب الفلسطيني"، وهي حريصة على أخد حقوق أشقائها مع حقوقها أثناء التفاوض، حسبما يقول المحلل السياسي السعودي.

كيف يرى الفلسطينيون "مباحثات التطبيع"؟

الإثنين، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إنه لن يكون هناك حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون دولة فلسطينية مستقلة.

وأضاف في تصريحات للتلفزيون الرسمي "الناس بدأت تفقد الأمل في حل الدولتين "الإسرائيلية-الفلسطينية" ونريد من خلال المجهودات إعادتها إلى الواجهة".

وقال بن سلمان، في مقابلة  فوكس نيوز، لدى سؤاله عن توصيفه للمحادثات التي تهدف إلى توصل المملكة لاتفاق مع إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية "كل يوم نقترب".

ولدى سؤاله عما يتطلبه الأمر للتوصل لاتفاق تطبيع، قال بالإنكليزية "يجب أن نرى إلى أين سنصل، نأمل أننا سنصل إلى مكان سيسهل حياة الفلسطينيين ويجعل إسرائيل لاعبا في الشرق الأوسط".

ولذلك يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة، أيمن الرقب، إلى التصريحين، ويرى فيهما "مراوغة دبلوماسية سعودية" تهدف للضغط على إسرائيل وتخفيف الضغط الأميركي على المملكة أثناء المفاوضات.

والمبادرة العربية للسلام هي في الأساس "سعودية" وافق عليها العرب ورفضها الإسرائيليين بشكل كامل، ويجب الانطلاق منها أثناء التفاوض بين إسرائيل والمملكة، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".

ويؤكد أن تسهيل حياة الفلسطينيين "لا يعني قيام دولة فلسطينية"، وهذا يذهب باتجاه أننا قد نشهد "إعلان مؤتمر دولي للسلام ومبادرة لإعادة الآمل لحل الدولتين ثم يكون هناك تطبيع بين السعودية وإسرائيل".

ونخشى فلسطينيا أن يكون هذا "ثمن التطبيع"، وبالتالي سيدفع الفلسطينيين الثمن كبير جدا، ويكون ذلك بمثابة "إنهاء حل الدولتين بشكل كامل"، حسبما يقول الرقب.

مخاوف إسرائيل

وعن الأسباب التي قد تدفع إسرائيل لرفض التنازل، يتحدث غانور عن التجربة الإسرائيلية من إخلاء قطاع غزة، ويقول إنها أثبتت أن " أي منطقة تخليها إسرائيل وتسلمها للفلسطينيين تتحول إلى قاعدة إرهابية"، على حد قوله.

ومنذ 2007 تسيطر حركة حماس على القطاع الذي يسكنه أكثر من 2.3 مليون نسمة غالبيتهم من اللاجئين الفقراء، وفق وكالة "فرانس برس".

ويقدر عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية بنحو 3.2 مليون، وفق وكالة "رويترز".

ومع التطورات الحالية يمكن أن تكون هناك " قاعدة إرهابية جديدة موالية لإيران"، وهذا ما تخشاه إسرائيل، حسبما يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي.

ويشير إلى ضرورة تعزيز وجود السلطة الفلسطينية الحالية "اقتصاديا"، لكن الحفاظ على الأمن بين البحر ونهر الأردن يجب أن يبقى "دائما في أيدي إسرائيل".

وحسب غانور فإن المساعدات التي يمكن لإسرائيل تقديمها للسلطة الفلسطينية تأتي انطلاقا من "الرغبة في إيجاد حل مستقبلي للموضوع"، لكن الحل الواقعي الحالي هو ما تتمسك به إسرائيل حاليا.

تنازلات سعودية؟ 

يرى آل عاتي أن السعودية ترتكز خلال المفاوضات مع إسرائيل على "أرضية صلبة ومقومات وملفات قوية"، ولذلك فهي "متمسكة بمطالبها ولن تتنازل عنها".

ويقول المحلل السياسي السعودي "إذا كانت إسرائيل جادة وتريد التوصل لاتفاق مع السعودية، فعليها أن تقدم المزيد من التنازلات".

وحسب حديثه فإن السعودية تدرك أن الجانب الإسرائيلي سوف "يرفض مبادرة السلام العربية"، ولذلك فإن اتفاق التطبيع مازال "قيد التفاوض".

من جانبه، يطالب المستشار السعودي في تحكيم المنازعات الدولية، الولايات المتحدة بالضغط بشكل أكبر على الجانب الإسرائيل لإنجاح "عملية التطبيع".

ويشير إلى أن "التطبيع السعودي الإسرائيلي" سوف يمثل "مكسبا كبيرا لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها"، مؤكدا على "التزام المملكة تجاه الجانب الفلسطيني لتحسين أوضاعهم وإعطائهم الحق في تقرير مصيرهم".

هل تقدم إسرائيل تنازلات؟

يعتقد غانور أن أقصى تنازلات قد تقدمها إسرائيل خلال التفاوض مع السعودية هي "الاستمرار بالتعهد بعدم ضم الضفة الغربية لإسرائيل لفترة إضافية جديدة أي حتى عام 2028".

ويشير كذلك إلى الدعم الإسرائيلي المرتقب للسلطة الفلسطينية بـ"القروض المالية"، والمحافظة على بقائها على رأس الحكم لإدارة شؤون الفلسطينيين.

ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي أن "تحسين مستوى حياة الفلسطينيين" هو المحور الأساسي الحالي للتفاوض حول الملف الفلسطيني".

والسعودية لا تضع الموضوع الفلسطيني على رأس قائمة اهتماماتها وهي تسعي لتحقيق مصالحها الوطنية، وفقا لغانور.

وحسب المحلل السياسي الإسرائيلي فإن الموضوع الفلسطيني هام لكنه "لا يعلو" على المصالح السعودية الذاتية المتعلقة بصد الخطر الإيراني، وكذلك التطلع لمستقبل اقتصادي ومناخي "أفضل".

ومن جانبه، يطالب الرقب "السعودية بعدم النظر لمصالحها فقط"، لأن فلسطين قضية العرب والمملكة هي الجدار الأخير للفلسطينيين".

ويشير المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن الفلسطينيين يطالبون السعودية بالتمسك بعدم القيام بالتطبيع قبل حل الدولتين وتنفيذ مبادرة السلام العربية.

وإذا تم "التطبيع السعودي الإسرائيلي" قبل قيام الدولة الفلسطينية، فلن تكون هناك "دولة مستقلة" خلال العشرين عاما القادمة على أقل تقدير، حسبما يؤكد الرقب.

بينما يشدد الحامد على أن السعودية سوف تستمر في "التأكيد على مطالبها الراسخة" خلال المفاوضات حتى تؤتي بثمارها.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

جويل الحج موسى أعدت تحقيقا لبرنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة.   

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟