قواعد الصراع المسلح المتفق عليها دوليا انبثقت من اتفاقيات جنيف لعام 1949 - صورة أرشيفية.
قواعد الصراع المسلح المتفق عليها دوليا انبثقت من اتفاقيات جنيف لعام 1949 - صورة أرشيفية.

استهداف مدنيين واحتجاز رهائن خطفوا على يد "حماس" في إسرائيل يقابله قصف الأخيرة لأحياء سكنية في قطاع غزة المحاصر، أفعال ثير تساؤلات حول القوانين التي تحكم الصراع ونطاق تطبيقها على أرض الواقع، بعيدا عن الأسباب التي أوصلت الأمور إلى حد الحديث عن جرائم حرب محتملة. 

ويعتمد القانون الدولي الإنساني على مبدأ أساسي في الحروب وهو أن "صوابية النزاع أو عدمها لا تنزع وجوبية الالتزام بمبادىء ونصوص القوانين مرعية الإجراء"، بحسب خبراء تحدثوا لموقع "الحرة".

ما القوانين التي تحكم حرب إسرائيل وغزة؟

تندرج الحرب بين إسرائيل وحماس تحت نظام عدالة دولي معقد نشأ منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب "رويترز".

وانبثقت قواعد الصراع المسلح المتفق عليها دوليا من اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي صادقت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتم استكمالها بأحكام أصدرتها محاكم دولية معنية بجرائم الحرب.

وتنظم سلسلة من المعاهدات معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب في نظام يعرف إجمالا باسم "قانون النزاعات المسلحة" أو "القانون الإنساني الدولي". 

وبغض النظر عما إذا كانت هناك أسباب مشروعة لاستخدام القوة، أم لا، فلا يزال من المتوقع من جميع أطراف النزاع اتباع القوانين الإنسانية التي تحكم سير الحرب نفسها، والمعروفة باسم "قانون الحرب"، وهو القانون الذي ينظم سير الأعمال العدائية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

والقانون الدولي الإنساني عبارة عن مجموعة من القواعد، إما منصوص عليها في معاهدات أو معترف بها من خلال العرف، وتحد من السلوك المسموح به لأطراف النزاع، وفق "منظمة العفو الدولية".

هل تخضع "حماس" للقانون الدولي؟

في تصريحات لموقع "الحرة"، يؤكد خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، أن "قانون النزاعات المسلحة" يطبق في كافة النزاعات المسلحة سواء الدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية أو غير دولية مثل الحرب بين إسرائيل وحماس.

ويطبق القانون الدولي فور اندلاع العمليات العدائية العسكرية المسلحة وبغض النظر عن شرعية النزاع المسلح من عدمه، وفق سلامة المساهم في التحديثات الأخيرة للجنة الدولية الصليب الأحمر بشأن اتفاقية أسري الحرب.

ينطبق القانون الدولي الإنساني على القوات الحكومية والجماعات المسلحة المنظمة، ومن بينهم مقاتلو حماس، وفق وكالة "رويترز".

ويشير سلامة إلى أن القانون الدولي يطبق على كافة أطراف النزاع المسلح سواء الدول ذات السيادة أو الفاعلين من غير الدول مثل "الحركات والجبهات المسلحة"، مثل حالة حماس والجهاد الإسلامي وأي تنظيمات وفصائل أخرى مسلحة داخل قطاع غزة.

وإذا كانت إسرائيل كطرف في النزاع المسلح مسؤولة "مسؤولية دولية تعويضية مدنية" حال ارتكاب جنودها وقواتها "جرائم ضد الإنسانية"، فالقانون الدولي يطبق على المجموعات والمليشيات المسلحة في حال ارتكابها جرائم أثناء النزاع المسلح، حسبما يوضح سلامة.

ومن جانبه،  يشير المحامي المتخصص في القانون العام، محمد صبرا، إلى أن "القانون الدولي العرفي بكل ما يتضمنه من قواعد مكتوبة أو شفهية هو الواجب التطبيق في الحرب الحالية وعلى إسرائيل وحماس".

والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف إضافة للبروتوكولين الملحقين بهذه الاتفاقيات تنص صراحة على أن قواعد القانون الدولي الإنساني تنطبق على الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، وفق تصريحات صبرا لموقع "الحرة".

واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية معاهدات دولية تضم أكثر القواعد أهمية للحد من "همجية الحروب"، وفق "اللجنة الدولية للصليب الأحمر".

ما موقف القانون من احتجاز الرهائن؟

شنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليه، عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في التاريخ الإسرائيلي والذي نفذته حماس، السبت الماضي.

وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وبلغ عدد الرهائن الذي اختطفتهم حركة حماس حوالى 150، وفقا لـ"فرانس برس".

واحتجاز هؤلاء "الرهائن" واستخدامهم المحتمل في مناطق النزاع لتجنب العمليات العسكرية "محظور" بموجب القانون الدولي.

ويؤكد سلامة أن تهديد حماس بإعدام هؤلاء "جريمة حرب"، سواء كانوا "معتقلين، مختطفين، رهائن"، وبمعزل عن أي تسمية أخرى.

ويشدد على أن التهديد بقتلهم يعد انتهاكا لاتفاقية جنيف الثالثة الصادرة في أغسطس 1949 عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويتفق معه صبرا الذي يؤكد أن أخذ الرهائن المدنيين وتعريضهم للخطر بوضعهم في أماكن للقتال "جريمة حرب"، بموجب اتفاقيات جنيف ولا سيما المادة الثالثة المشتركة وبموجب النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.

وتحظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة "اعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب" ضد الأشخاص "الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية". 

وتنص المادة 34 من اتفاقية جنيف الرابعة على وجه التحديد على أن "أخذ الرهائن محظور"، بينما تصفه المادة 147 بأنه "انتهاك جسيم" للاتفاقية. 

وكذلك ينص نظام روما الأساسي على أن "استغلال وجود مدني أو أي شخص آخر محمي لجعل نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة في مأمن من العمليات العسكرية" يعد جريمة حرب بحسب صبرا. 

هل يمكن استهداف المناطق السكنية لـ"وجود مجموعات مسلحة"؟

تقول إسرائيل إن غاراتها الجوية تستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس ومستودعات الأسلحة في غزة. 

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يشن ضربات دقيقة تستهدف قادة المتشددين أو مواقع العمليات، وإنه لا يستهدف المدنيين، لكنه أيضا يتحدث عن زرع المسلحين في المناطق المدنية في جميع أنحاء قطاع غزة، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".

واتهم المسؤولون بحماس والجماعات المسلحة الأخرى بالاختباء والعمل بين المدنيين في غزة، حيث يعيش حوالي مليوني شخص في منطقة تبلغ مساحتها حوالي ضعف مساحة واشنطن العاصمة.

قصف إسرائيلي مستمر لغزة منذ الهجوم الذي شنته حماس
وقود ينفد وأسر تكافح للنجاة.. كيف يواجه أهل غزة "ثنائية القصف والحصار"؟
على مدار الأيام الماضية شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية متواصلة على قطاع غزة، ردا على هجمات حركة حماس ضد بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، بجانب فرض حصار كامل تم فيه قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء عن القطاع المحاصر بالفعل منذ سنوات طويلة.

ويحاول القانون الإنساني الدولي الحد من نطاق وشدة العمليات العسكرية في المناطق المدنية، والتي تشمل معظم أنحاء غزة. 

وتحظر المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين الهجمات "العشوائية" على منطقة تضم عسكريين ومدنيين، نظرا لخطر أن الهجوم قد يلحق الضرر بهؤلاء.

وحسب سلامة، فإن قصف المناطق المدنية والسكنية "محظور" وفق "مبدأ التمييز" والذي يعد من المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني وهو يميز بين الأهداف المشروع استهدافها وغير المسموح استهدافها.

ويعني هذا المبدأ أنه "يتعين على أطراف النزاع التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، أي المدنيين، حتى لا يتضرر هؤلاء الذين لا ذنب لهم".

ويشير الخبير بالقانون الدولي إلى أن إسرائيل تقول إن الأهداف التي تستهدفها من أبراج ومباني سكنية "يتحصن بها" مقاتلي حماس، والضرورة العسكرية وفق القانون الدولي "ترخص" للجيش الإسرائيلي استهداف الأعيان المدنية نتيجة احتماء العناصر المحاربة بها.

وفي حالة لجوء أي من الطرف المحارب للأعيان المدنية واستخدامها والاحتماء بها ومباشرة العدائيات العسكرية أثناء النزاعات المسلحة، فلا يرخص القانون الدولي الإنساني للطرف المحارب المهاجم أن "يقصف هذه الأهداف قصفا عشوائيا"، وقبل "إنذار المدنيين بإخلاء تلك الأعيان المدنية"، حسبما يوضح سلامة.

وفي سياق متصل، يشدد صبرا على أن "القصف العشوائي للأحياء المدنية هو جريمة حرب وفق تعريف اتفاقيات جنيف والنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية".

ويجب أن تلتزم الأطراف المتحاربة بمراعاة "مبدأ التناسب" أي أهمية تحقيق الهدف العسكري قياسا بإمكانية إحداث أضرار جانبية في المنشآت المدنية، وفق صبرا.

ويوضح المحامي المتخصص في القانون العام، أن "تحذير المدنيين هو جزء من الالتزامات الواقعة على عاتق الطرف المهاجم، لكن هذا التحذير بحد ذاته لا يعني إعفاء هذا الطرف من باقي الالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي".

وفي خطوة تقرب أكثر من التكهنات المتعلقة بساعة انطلاق الهجوم البري، طلب الجيش الإسرائيلي، الجمعة، من السكان إخلاء مناطق شمالي قطاع غزة، بالتزامن مع حملة قصف جوي مكثفة يشهدها القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس.

وخلال الأيام الماضية التي تلت تنفيذ مسلحي حماس هجوما مباغتا على مدن إسرائيلية في غلاف غزة، السبت الماضي، حشدت إسرائيل نحو 300 ألف من جنود الاحتياط ودبابات ومدرعات وآليات عسكرية مختلفة على الحدود مع القطاع.

ومن شأن أوامر الإخلاء الإسرائيلية أن تشمل أكثر من مليون مدني طلب منهم التوجه لجنوب القطاع، الجمعة، عبر "شارع صلاح الدين خلال 24 ساعة". 

استهداف المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية؟

تتضمن اتفاقيات جنيف العديد من الأحكام التي تحظر الهجمات على المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية مثل المساجد أو المعابد اليهودية.

ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون "المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفاً للهجوم"، كما تنص المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة.

 في حين تنص المادة 53 من البروتوكولين الإضافيين على أنه يحظر "ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد المعالم التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب".

لكن الاتفاقيات تحظر أيضا استخدام هذه المباني لأغراض عسكرية، وتستثني بعض الاستثناءات إذا تم استخدام المبنى في "أعمال ضارة".

وتقول المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة: “إن كون المرضى أو الجرحى من أفراد القوات المسلحة يتلقون العلاج في هذه المستشفيات، أو وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة المناسبة، ولا تعتبر من الأفعال الضارة بالعدو.

ومن جانبه يشير صبرا إلى أن التدمير الواسع النطاق للممتلكات والأعيان المدنية والمنشآت الطبية والتعليمية ودور العبادة، يعتبر "جريمة حرب" لا يستطيع أي طرف تبريرها بذريعة تحقيق أهداف عسكرية من وراء ذلك.

من يحاسب على قتل المدنيين؟

شنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليه، عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في تاريخ إسرائيل والذي نفذته حماس، السبت الماضي.

وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية العامة إن عدد القتلى الإسرائيليين جراء هجوم حماس المصنفة إرهابية ارتفع إلى أكثر من 1300 شخص.

كما أسفر الرد الإسرائيلي الذي استهدف مناطق واسعة من غزة عن مقتل المئات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

والسبت، قالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن ما لا يقل عن 2269 فلسطينيا قتلوا وأصيب 9814 جراء الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية.

وعن موقف القانون الدولي من قتل المدنيين، يوضح صبرا أن الاستهداف المتعمد للمدنيين "محظور" بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في "اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولاحقا، بمزيد من التفصيل، في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

وتنص المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف على أن المدنيين "لا يجوز أن يكونوا هدفا للهجوم" وأن "أعمال العنف أو التهديد بها التي يكون غرضها الأساسي نشر الرعب بين السكان المدنيين محظورة".

بدورها، أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان وتتخذ من نيويورك مقرا إلى جرائم حرب محتملة تتمثل في استهداف الجماعات المسلحة الفلسطينية المتعمد على ما يبدو للمدنيين والهجمات والعشوائية واتخاذ المدنيين رهائن، وكذلك الضربات الإسرائيلية في غزة والتي أدت إلى مقتل مئات الفلسطينيين.

وقال عمر شاكر، المدير المسؤول عن إسرائيل والأراضي الفلسطينية في المنظمة "القتل المتعمد للمدنيين واحتجاز الرهائن والعقاب الجماعي هي جرائم شنيعة لا مبرر لها".

واحتجاز الرهائن والقتل والتعذيب محظورة صراحة بموجب اتفاقيات جنيف، كما أن الرد الإسرائيلي قد يكون موضع تحقيق في ارتكاب جرائم الحرب.

وانتقد مسؤولون في الأمم المتحدة وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بعد إعلانه تشديد الحصار لمنع وصول الغذاء والوقود إلى قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، وفقا لـ"رويترز".

وعن الجهة المسؤولة عن المحاسبة، فيمكن من الناحية النظرية أن توجه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الاتهامات إذا اشتبهت في ارتكاب جرائم حرب من قبل أي من الطرفين، وفق "رويترز".

وإسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة. 

انضمت الأراضي الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، مما أعطى المحكمة ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة هناك، بما في ذلك في غزة، أو من قبل مواطنين فلسطينيين في مناطق أخرى.

ولكن من الناحية العملية، نادرا ما تخلو الدعوات الدولية لتحقيق العدالة من الجدل، خاصة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حسبما تقول "رويترز".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

تجلت حالة العزلة التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح الأسبوع الماضي مع نشر صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصفته إسرائيل بأنه "إرهابي من تنظيم القاعدة يرتدي بدلة".

وقال ترامب للصحفيين بعد محادثات مع الشرع، الأربعاء، في الرياض "إنه يملك الإمكانات. إنه زعيم حقيقي". وجاءت تلك التصريحات خلال اجتماع توسطت فيه السعودية، التي اتفقت مع ترامب خلال الزيارة على عدد من الصفقات في الأسلحة والأعمال والتكنولوجيا.

جولة ترامب السريعة التي استمرت أربعة أيام وشملت السعودية وقطر والإمارات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد مشهد دبلوماسي مصحوب باستثمارات ضخمة.

وقالت ثلاثة مصادر إقليمية ومصدران غربيان إن الجولة الخليجية همشت إسرائيل وأبرزت ظهور نظام جديد للشرق الأوسط تقوده الدول السنية متجاوزا "محور المقاومة" المنهار التابع لإيران.

وفي ظل الغضب المتزايد في واشنطن إزاء عدم توصل إسرائيل لاتفاق بشأن وقف لإطلاق النار في غزة، ذكرت المصادر أن جولة ترامب تمثل رسالة تجاهل لنتنياهو، الحليف المقرب للولايات المتحدة والذي كان أول زعيم أجنبي يزور واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة في يناير.

وأضافت المصادر أن الرسالة كانت واضحة: ففي رؤية ترامب للدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي رؤية أقل أيديولوجية وتعتمد أكثر على النتائج، لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط لأجندته اليمينية.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جورج بوش الابن "تشعر هذه الإدارة بالإحباط الشديد من نتنياهو، وهذا الإحباط واضح... إنهم يتعاملون بشكل تجاري للغاية، ونتنياهو لا يقدم لهم أي شيء في الوقت الراهن".

وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، التي لا تزال حليفا قويا للولايات المتحدة وتحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية والحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لكن المصادر أضافت أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة إلى نتنياهو مفادها أن الولايات المتحدة لها مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط ولا تريد منه أن يقف في طريقها.

وذكرت مصادر مطلعة أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد ليس فقط بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي قبول وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا بسبب اعتراضه على المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق. ولم يُصدر المكتب أي تصريحات بشأن زيارة ترامب الخليجية.

وأكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن ترامب لا يزال صديقا لإسرائيل.

وقال المتحدث باسم المجلس جيمس هيويت "نواصل العمل عن كثب مع حليفتنا إسرائيل لضمان إطلاق سراح باقي الرهائن في غزة وعدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وذكرت المصادر المطلعة أنه على الرغم من تأكيد مسؤولين في إدارة ترامب علانية على متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يعبرون في الجلسات المغلقة عن انزعاجهم من رفض نتنياهو مسايرة المواقف الأميركية بشأن غزة وإيران.

وقالت ستة مصادر إقليمية وغربية إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ في التزايد قبل جولة ترامب الخليجية.

وبدأ التوتر عندما سافر نتنياهو إلى واشنطن في زيارة ثانية في أبريل سعيا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية، لكنه فوجئ بتحول الرئيس نحو الخيار الدبلوماسي إذ علم قبل ساعات فقط من اللقاء أن المفاوضات على وشك أن تبدأ.

وفي الأسابيع التالية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن والتقارب مع القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا كما تجاوز إسرائيل في زيارته الخليجية، وهو ما يظهر التوتر في العلاقات التقليدية بين الحليفتين، وفقا للمصادر.

وقال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن ومدير مشروع عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إن واشنطن وتل أبيب "لا تبدوان على توافق في القضايا الكبرى كما كانتا في المئة يوم الأولى" من رئاسة ترامب.

غزة تثبت الانقسام

خلال حملته الانتخابية، أوضح ترامب أنه يريد وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن هناك قبل عودته إلى البيت الأبيض.

لكن بعد مرور أشهر على رئاسة ترامب، واصل نتنياهو تحدي دعوات وقف إطلاق النار، ووسع نطاق الهجوم، ولم يقدم أي خطة لإنهاء الحرب أو خطة لما بعد الحرب في الصراع المستمر منذ 19 شهرا. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد القتلى في القطاع تجاوز 52900.

واندلعت الحرب، التي أثارت تنديدات دولية بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بسبب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وتبدد أي أمل في استغلال ترامب زيارته للمنطقة لتعزيز صورته كصانع سلام والإعلان عن اتفاق لإنهاء الحرب.

وبدلا من ذلك، ضاعف نتنياهو، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، هدفه المتمثل في سحق حماس. ويخضع نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل بتهم الفساد التي ينفيها.

وخلال اختتام ترامب زيارته، شنت إسرائيل هجوما جديدا الجمعة على غزة. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل مئات الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية.

أما الأولوية الأخرى لترامب، وهي توسيع اتفاقات إبراهيم التي تطبّع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية لتشمل السعودية، فقد عرقلها أيضا تعنت نتنياهو.

وأوضحت الرياض أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتوقف الحرب ويصبح هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقال شينكر "ليست لديه استراتيجية، ولا خطة لليوم التالي بشأن غزة". وأضاف "وهو يعترض الطريق".

أما علنا، فقد رفض ترامب نفسه أي حديث عن أي خلاف. وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثت بعد زيارة الخليج، نفى ترامب أن يكون محبطا من نتنياهو الذي قال عنه إنه يواجه "وضعا صعبا" بسبب الحرب في غزة.

لكن ترامب يمضي قدما من دون نتنياهو. وباهتمام بالمصالح الذاتية دون حرج، يقود الرئيس الأميركي عملية إعادة تنظيم للدبلوماسية الأميركية تجاه الدول السنية الثرية، التي ترتكز على الرياض الغنية بالنفط.

وقال مصدر إقليمي كبير إن زيارة ترامب توجت الدور المؤثر للسعودية بصفتها قائدا للعالم العربي السني. وعلى النقيض من ذلك، فقد أدت سنوات من التجاوزات الإيرانية، والضربات العسكرية الإسرائيلية القوية لحليفتيها حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى تراجع دور طهران بصفتها قوة إقليمية شيعية.

وأضاف المصدر "كان لإيران الدور القيادي، والآن دخلت السعودية بأدوات أخرى: الاقتصاد والمال والاستثمار".

صعود السُنة

رغم أن نتنياهو هو من تصدر المعركة ضد إيران، يتشكل النظام الإقليمي الجديد في الرياض والدوحة وأبوظبي.

وتتطلع هذه الدول الخليجية إلى الحصول على أسلحة متطورة لحمايتها من هجمات إيران ووكلائها وكذلك إمكانية الوصول للرقائق الأميركية المتطورة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ووجدوا شريكا راغبا يتمثل في رئيس أميركي يمكن أن تتداخل سياسته الخارجية أحيانا مع المصالح المالية لعائلته.

وفي قطر، المحطة الثانية من جولته، جرى تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747 لترامب وجرى استقباله بحفاوة تليق بملك.

ووسط احتفال فخم ورقصات بالسيف واستعراض للفرسان ومأدبة ملكية، أعلن ترامب أن قطر، التي قدمت دعما ماليا كبيرا لحركة حماس، "تحاول المساعدة بكل تأكيد" في أزمة الرهائن الإسرائيليين.

وضرب تصريح ترامب على وتر حساس في القدس، حيث ينظر المسؤولون إلى الدوحة كتهديد استراتيجي يمول أحد ألد أعدائهم.

وقال يوئيل جوزانسكي وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن العديد من الإسرائيليين "لا يفهمون مدى مركزية قطر بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنها تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف جوزانكسي أنه في الوقت الذي تجعل علاقة قطر مع حماس من الدولة الخليجية تهديدا لإسرائيل، فإن ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي ونفوذها المالي ونفوذها الدبلوماسي حولها إلى حليف لا غنى عنه لواشنطن.

وقدر البيت الأبيض أن الجولة إجمالا ضمنت أكثر من تريليوني دولار من الالتزامات الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي، منها طلبيات كبيرة لطائرات بوينغ وصفقات لشراء معدات دفاعية أميركية واتفاقيات لشراء خدمات تكنولوجية. بينما وجد إحصاء أجرته رويترز للصفقات المعلنة أن القيمة الإجمالية تصل لما يقارب 700 مليار دولار.

وفي السعودية، وافق ترامب على صفقة أسلحة قياسية بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، مما أجج المخاوف الإسرائيلية من فقدان التفوق الجوي في المنطقة إذا حصلت الرياض على طائرة لوكهيد من طراز إف-35.

وفي الوقت نفسه، وفي إعادة تقويم للعلاقات الأميركية السعودية، عرض ترامب على الرياض مهلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا لحكام السعودية إن بإمكانهم القيام بذلك في الوقت الذي يناسبهم.

والآن، يتفاوض ترامب على استثمار نووي مدني تقوده الولايات المتحدة للسعودية، وهي صفقة أخرى تثير قلق إسرائيل.

ودفعت الدول التي تتبع المذهب السني أجندتها الدبلوماسية الخاصة. وجاء إعلان ترامب المفاجئ خلال جولته عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في تحول آخر كبير في السياسة الأميركية، بناء على طلب من السعودية ورغم اعتراضات إسرائيل.

وحتى ديسمبر، عندما أطاح أحمد الشرع بالرئيس السوري بشار الأسد، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض عليه.

ورحبت دول الخليج بالهدنة التي أعلنها ترامب مع الحوثيين في اليمن، وهم جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، والتي وضعت حدا لعملية عسكرية أميركية مكلفة في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان، الذي أعقب إجراء المحادثات النووية مع إيران، بعد يومين فقط من سقوط صاروخ حوثي على مطار بن غوريون الإسرائيلي.

وقال جوزانسكي وهو منسق سابق لشؤون إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يزيد موقف إسرائيل أكثر فأكثر كمخربة تقف في طريق ليس فقط الولايات المتحدة بل المجتمع الدولي، إذ تحاول تشكيل المنطقة بشكل مختلف بعد سقوط الأسد وحزب الله وربما إنهاء حرب غزة".

وفي حين التزمت حكومة نتنياهو اليمينية الصمت إزاء زيارة ترامب، عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن قلقها من أن مكانة البلاد مع أهم حلفائها آخذة في التراجع.

وانتقد سياسيون معارضون رئيس الوزراء لسماحه بتهميش إسرائيل بينما يعاد تشكيل تحالفات قديمة.

ووجه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي يستعد للعودة إلى الحياة السياسية، اتهاما لاذعا لحكومة نتنياهو، مجسدا بذلك الشعور بالقلق الذي يسيطر على كثيرين في المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

وقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق على أكس "الشرق الأوسط يشهد تغييرات في بنائه أمام أعيننا وأعداؤنا يزدادون قوة، ونتنياهو... وجماعته مشلولون، سلبيون وكأنهم غير موجودين".