هذه ليست المرة الأولى التي تثار اتهامات ضد ماسك بمعاداة السامية منذ استحواذه على منصة إكس في 2022
هذه ليست المرة الأولى التي تثار اتهامات ضد ماسك بمعاداة السامية منذ استحواذه على منصة إكس في 2022

دان البيت الأبيض، الجمعة، ما وصفه بـ"الترويج البغيض" لمعاداة السامية من قبل مالك منصة "إكس" (تويتر سابقا) إيلون ماسك، وذلك بعد تبنيه منشورا ينطوي على نظرية مؤامرة معادية للسامية.

واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بايتس أن "من غير المقبول تكرار كذبة بشعة بهذا الشكل، وذلك في تعليق على ما كتبه ماسك مؤخرا على منصة "إكس"، وفقا لما أوردته فرانس برس.

وأضاف "ندين بأشد العبارات هذا الترويج البغيض لمعاداة السامية والكراهية العرقية، والذي يناقض قيمنا الأساسية كأميركيين"، متابعا "علينا جميعا مسؤولية جمع الناس ضد الكراهية، وواجب عدم السكوت عن أي شخص يهاجم كرامة مواطنيه الأميركيين ويقوّض سلامة مجتمعاتنا".

كيف بدأت القصة؟

يوم الأربعاء كتب مستخدم على إكس يطلق على نفسه اسم "The Artist Formerly Known as Eric" منشورا اتهم في "المجتمعات اليهودية" بنشر الكراهية ضد البيض، وهي نظرية مؤامرة معادية للسامية تحظى بشعبية كبيرة بين المتعصبين للعرق الأبيض.

وكان البيت الأبيض ووسائل إعلام أميركية اعتبروا أن هذا المنشور يؤشر إلى نظرية مؤامرة قديمة بوجود خطة سرية لليهود لإحضار مهاجرين غير نظاميين إلى الولايات المتحدة لإضعاف هيمنة الغالبية البيضاء.

وكانت المفاجأة عندما عمد ماسك، الذي يمتلك أكثر من 160 مليون متابع على منصة إكس، إلى التعليق على المنشور بالقول: "لقد قلت الحقيقة الفعلية".

ووفقا لشبكة "سي إن إن" فإن نظرية المؤامرة هذه هي ذاتها التي يؤمن بها الأميركي روبرت باورز المتهم بارتكاب أكثر الهجمات فتكا ضد اليهود في تاريخ الولايات المتحدة باستهدافه كنيسا في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا العام 2018، ويواجه حاليا احتمال الحكم بالإعدام.

وفي منشورات لاحقة شرح ماسك وجهة نظره بشأن الجدل الدائر بشأن رده وكتب أنه لا يعتقد أن كراهية الأشخاص البيض تمتد "إلى جميع الجاليات اليهودية، لكنه أشار بعد ذلك إلى رابطة مكافحة التشهير، مدعيا أنها تروج للعنصرية ضد البيض، وفقا لسي إن إن.

وهذه ليست المرة الأولى التي تثار اتهامات ضد مالك منصة إكس بمعاداة السامية منذ استحواذه على المنصة الاجتماعية في نهاية أكتوبر 2022.

في سبتمبر الماضي هدد بمقاضاة "رابطة مكافحة التشهير" (ADL) المعنية بمكافحة معاداة السامية والعنصرية، متهما إياها بتشويه صورة شبكته الاجتماعية.

وكتب ماسك عبر "إكس" "من أجل إزالة الشبهات عن اسم منصتنا في ما يتعلق بمعاداة السامية، يبدو أن ليس لدينا خيار سوى مقاضاة رابطة مكافحة التشهير بتهمة التشهير... يا لها من مفارقة!"، محملا إياها مسؤولية خسارة منصته قسما من الإيرادات.

زيادة في معاداة السامية

وكانت الرابطة قالت إن معاداة السامية ارتفعت على منصة إكس منذ استحواذ ماسك عليها.

ووصلت الأعمال العنصرية والمعادية للسامية في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ 30 عاما، حسب أرقام لمكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) نشرتها صحيفة واشنطن بوست في أبريل الماضي.

وقالت "رابطة مكافحة التشهير" في وقت سابق إن البلاد شهدت في 2021 عددا قياسيا بلغ 2717 من الأعمال المعادية للسامية من اعتداءات وهجمات كلامية والتسبب بأضرار مادية، بزيادة نسبتها 34 بالمئة على مدى عام.

وأحصت المنظمة نفسها 3697 عملا معاديا للسامية في 2022 بزيادة نسبتها 36 بالمئة خلال عام واحد وغير مسبوقة منذ 1979، حسب صحيفة واشنطن بوست.

ويعيش في الولايات المتحدة أكبر عدد من اليهود في العالم بعد إسرائيل.

وأفاد معهد "بيو ريسيرتش سنتر" أن عدد اليهود البالغين في الولايات لمتحدة بلغ نحو 5.8 ملايين في العام 2020 يضاف إليهم 2.8 مليون بالغ آخر أحد والديه يهودي.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

 برنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة. البرنامج الذي أعدته نسرين عجب كشف عن ثمن صحي باهظ لتلك المنتجات. 

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟