إسرائيل كانت دعت سكان شمال قطاع غزة إلى النزوح جنوبا

ذكرت وكالة "بلومبرغ"، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يسعون إلى وضع خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزة بعد الحرب، حسبما نقلته عن أشخاص قالت إنهم مطلعون على مناقشات تُجرى بهذا الشأن.

وأفادت بلومبرغ عن المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، بأن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين "يُقرون بوجود أسئلة كبيرة حول ما إذا كانت مثل هذه الخطة ستكون قابلة للتنفيذ في غزة"، ويدركون أن إسرائيل "لا تزال متشككة للغاية" في مثل هذا المقترح، غير أنهم أشاروا إلى أن مجرد مناقشة الفكرة قد يساعد في دفعها إلى التفكير أكثر في إنهاء الحرب.

ولا تزال المناقشات، التي تتمحور بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "أولية"، وتأتي استجابة للدعوات الدولية المتزايدة لوقف إطلاق النار في الهجوم الإسرائيلي على غزة، وفقا للمصدر ذاته.

وتعليقا على الموضوع، قالت الخارجية الأميركية لموقع "الحرة" إنه "ليس لديها معلومات بشأن هذه الخطة". 

من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الجانب الإسرائيلي "لا يناقش في الوقت الحالي، خطط اليوم الموالي"، في إشارة إلى فترة ما بعد الحرب. 

وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن "الخارجية على علم بأن الكثير من الأشخاص يخوضون المناقشات بشأن مستقبل القطاع، لكن بالنسبة لنا ما يزال الوقت مبكرا بشأن ما سيحدث بعد الحرب".

خيارات مختلفة

ويبقى أحد الخيارات التي يدرسها المسؤولون الأميركيون والأوروبيون متمثلا في توسيع هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (يونتسو)، التي تأسست لأول مرة في عام 1949 للمساعدة في تنفيذ اتفاقيات الهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل، في أعقاب الحرب التي اندلعت في عام 1948 بعد إنشاء دولة إسرائيل، بحسب الوكالة. 

وقالت مصادر الوكالة إن هياكل أممية مماثلة تنشط في عدد من المناطق حول العالم، كما هو الشأن بالنسبة للقوات الأممية في هايتي بقيادة جنود كينيين، إضافة إلى قوة أخرى مفوضة من قبل مجلس الأمن في الصومال لمحاربة جماعة "الشباب الإسلامي" المتطرفة، علاوة على قوات يونيفيل على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

وسبق أن شدد مسؤولون إسرائيليون، في أكثر من مناسبة على أن أي خطة لمستقبل غزة يجب أن تشمل "تدمير حماس"، وتجريد القطاع من السلاح، إضافة إلى السيطرة عليه أمنيا حتى تحظى بحرية الحركة هناك في المستقبل المنظور.

وأكد الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، الخميس، أن إسرائيل سيتعين عليها الإبقاء على "قوة قوية" في غزة في المستقبل القريب لمنع حركة حماس من العودة للظهور في القطاع بعد الحرب، لكن الرئيس الأميركي، جو بايدن، حذر من أن احتلال القطاع سيكون "خطأ كبيرا".

وقال هرتسوغ في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز"، "إذا انسحبنا فمن سيتولى المسؤولية؟ لا يمكننا أن نترك فراغا. علينا أن نفكر في ما الذي ستكون عليه الآلية. هناك أفكار كثيرة مطروحة.. لكن لا يوجد أحد يرغب في تحول هذا المكان، غزة، إلى قاعدة للإرهاب مرة أخرى".

وأضاف للصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية تناقش العديد من الأفكار بشأن سبل إدارة قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب، مشيرا إلى أنه يفترض أن الولايات المتحدة و"جيراننا في المنطقة" سيكون لهم بعض المشاركة في النظام الذي سيوضع بعد فترة الصراع.

من جانبه، قال بايدن، الأربعاء، إنه أوضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإن احتلال قطاع غزة سيكون "خطأ كبيرا".

وتعتبر السلطة الفلسطينية أن قطاع غزة الذي تديره حماس منذ 2007، جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.

في هذا الجانب، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن الطرح الذي تحدثت عنه مصادر بلومبرغ "غير مقبول ولا واقعي"، مشيرا إلى أن هذه الخطة "لا تخدم التطلعات الفلسطينية، بل تحاول أن تعطي غطاء سياسيا لإسرائيل تمهيدا لإعادة احتلال قطاع غزة".

وشدد العكة في تصريح لموقع "الحرة"، على أن "الموقف الفلسطيني يؤكد على ألا حلول جزئية في غزة دون الضفة الغربية، ولا لدويلة غزة ولا للتهجير، وأولا وأخيرا وقف الحرب وحماية شعبنا مما يجري من حرب إبادة تقوم بها القوات الإسرائيلية".

وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس لكنها لم تطرح خطة تفصيلية لتحدد من سيحكم القطاع بعد الحرب. وقال نتنياهو إن إسرائيل سيتعين عليها أن تشرف على الأمن في القطاع لفترة غير محددة.

وسبق أن لفت وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أن الولايات المتحدة ودولا أخرى تدرس "مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة" لمستقبل قطاع غزة إذا تم عزل حركة حماس من الحكم.

وأضاف بلينكن خلال جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، في مطلع الشهر الجاري، أن الوضع الراهن الذي تتولى فيه حماس المسؤولية في القطاع المكتظ بالسكان "لا يمكن أن يستمر، لكن إسرائيل لا تريد إدارة غزة أيضا".

وقال بلينكن إنه بين هذين الوضعين توجد "مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة التي ندرسها بعناية الآن، كما تفعل دول أخرى".

وأردف قائلا إن الأمر الذي سيكون الأكثر منطقية في مرحلة ما هو وجود "سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة" تتولى حكم غزة، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان تحقيق ذلك ممكنا.

وتابع بلينكن "إذا لم نتمكن من ذلك، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك قد تشمل عددا من الدول الأخرى في المنطقة. وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم".

تشكيك وتردد

وعبر مسؤولون إسرائيليون، تحدثوا لـ"بلومبرغ" شريطة عدم الكشف عن هوياتهم عن شكوكهم في قدرة القوة الأممية المقترحة بأن "تكون فعالة أو قادرة على القيام بمثل هذه المهمة". 

وقالوا إن القوات الإسرائيلية ستحتاج إلى الدخول والخروج من غزة حسب الرغبة، للتأكد من عدم إعادة بناء حماس، أو أي قوة أخرى مناهضة لإسرائيل.

من جهتهما، أوضح دبلوماسيان إقليميان للوكالة أنه في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر، "ليس لدى المسؤولين الإسرائيليين ثقة كبيرة في دخول أي جهة خارجية إلى غزة"، مؤكدين أنه مهما كانت الآلية المعتمدة، فإن إسرائيل "تريد أن ترى أن أي وجود مسلح على الأرض يتكون من دول صديقة لها".

بالمقابل، يرى المحلل الإسرائيلي، يوآب شتِيرن، أنه "من الملائم والمناسب جدا لإسرائيل أن تقوم جهة دولية بإدارة قطاع غزة"، مؤكدا أنه "ليس من صالح إسرائيل أن تحتل غزة من جديد، وأن تكون المسؤولة عن الأمور المدنية والاقتصادية بالقطاع".

ويضيف شتيرن، في حديثه لموقع الحرة، إلى أن "جهة دولية" هي وحدها القادرة على تدبير أوضاع القطاع بعد الحرب"، معتبرا أنه فيما تحضر لدى الولايات المتحدة "الرؤية الاستراتيجية" لليوم الموالي الحرب، "تغيب هذه الرؤية عند الحكومة الإسرائيلية، التي كان كل همها الهجوم والمواجهة والقتال العسكري ضد حماس".

ويؤكد شتيرن على "محدودية قدرة أي جانب للسيطرة بشكل كامل على ما يحدث داخل القطاع، وهذا أمر معروف"، موضحا أن "أي حل سيكون مؤقتا، إلى حين اتضاح  إلى أين ستتجه الأمور".

ويلفت المتحدث إلى أن الخطة التي يتم التداول بشأنها قد تكون "تمهيدا لحكم السلطة الفلسطينية للقطاع"، رغم تأكيده "أنها (السلطة) في موقع ضعيف، وتعبيرها على أنها غير مستعدة للعودة عبر دبابات إسرائيلية إلى القطاع".

ويوضح المحلل الإسرائيلي أن سيناريوهات الحكم بعد حماس "ما تزال لحدود اللحظة غامضة، في ظل الصعوبات والتعقيدات العديدة المحيطة بالملف".

وسبق أن لفتت تقارير إعلامية غربية إلى خطط مماثلة نشر قوات عربية في القطاع، غير أن المقترح قوبل برفض قاطع من الأردن ومصر.

وكان أحد السيناريوهات المطروحة أيضا، يقضي بوجود إدارة قطرية مصرية سعودية إماراتية للقطاع، لقطع الطريق على إيران التي تدعم حركة حماس، وتشكل تهديدا على إسرائيل، وقطع الطريق على روسيا في المنطقة.

في هذا الجانب، أشارت الوكالة إلى أن الدول العربية "تريد التأكد من وجود خطة مستدامة للقيادة الفلسطينية وحل الدولتين قبل السماح لأي وجود أجنبي فيها".

وقال مسؤولون للوكالة إن الدول العربية "لا تزال مترددة في مناقشة خطط ما بعد الحرب بالتفصيل"، وتتمسك حتى الآن بالدعوة لوقف إطلاق النار، وسط غضب شعبي واسع النطاق إزاء معاناة المدنيين الفلسطينيين.

في هذا السياق، يؤكد أشرف العكة أن  الدول العربية، بمن فيهم الفلسطينيين "يؤكدون على أن لا حديث عن مستقبل قطاع غزة، دون وقف إطلاق النار، وهذا ما تجسد في القمة العربية الإسلامية المشتركة، حيث تم التأكيد على وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية والبحث في مسارات على أساس قرارات الشرعية الدولية التي تشمل كل الأراضي الفلسطينية، تشمل غزة والضفة ومعها القدس، وفق مرتكزات عملية السلام ومبادرة السلام العربية".

ويضيف العكة أن من يجب أن يقرر مستقبل الشعب الفلسطيني هو الشعب الفلسطيني من خلال انتخابات وآليات الحوار الوطني والتوافق، كما أن الحديث عنه (المستقبل) ينبغي أن يأتي بعد نهاية الحرب والدمار والكارثة الإنسانية بغزة، ووقف التهجير القسري.

وطرح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، أيضا فكرة نشر قوة أممية في غزة على غرار بعثة "يونيفيل" في لبنان، في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وقال رئيس الدبلوماسية الإيطالية إنه "يمكن أن يكون هناك حضور قوي للأمم المتحدة لمحاولة تحقيق الاستقرار في غزة. سأعطيكم مثالا: وجود قوات مثل قوات "اليونيفيل" لحفظ السلام على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وتأسست القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان بواسطة مجلس الأمن في مارس 1978 للتأكيد على انسحاب اسرائيل من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة، وتم تعديل مهمة القوة، مرتين نتيجة التطورات في عام 1982 وعام 2000.

وبعد حرب 2006، قام مجلس الأمن بتعزيز القوة، وقرر أن البعثة بجانب مهامها الأخرى سوف تراقب وقف الاعتداءات، ومرافقة ودعم القوات اللبنانية في عملية الانتشار في جنوب لبنان، وتمديد المساعدة لتأكيد وصول المعونات الإنسانية للمواطنين المدنيين والعودة الطوعية الآمنة للمهجّرين.

في هذا الجانب، يعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في أورشليم القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل، مئير مصري، أن تكرار سيناريو اليونيفل في غزة "لا فائدة منه على الإطلاق".

ويضيف مصري في تصريح لموقع "الحرة"، أن "لا طائل ولا أهمية إطلاقا لقوة جديدة تمر من تحتها الأنفاق وتطلق من فوقها الصواريخ".

ويشدد السياسي الإسرائيلي أن "الحل تشكيل سلطة محلية فلسطينية في قطاع غزة تتولى إدارته فور انتهاء الحرب، مع احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية"، مشيرا إلى أنه يعتقد "أننا ماضون في هذا الاتجاه".

بالمقابل، يشدد العكة على أن المقترح المطروح "يتنافى أساسا مع طرح الأمم المتحدة لفكرة حل الدولتين وفتح أفق سياسي يفضي في النهاية إلى حل الصراع"، كما أنها تعارض "المسعى الذي عبرت عنه إسرائيل بالسيطرة العسكرية على غزة وإعادة احتلال القطاع".

ويورد المحلل السياسي الفلسطيني أن "الحرب مستمرة وكل هذه الدعوات سابقة لأوانها، ويجب أن تأتي في إطار حل عادل وشامل ووفق قرارات الشرعية الدولية، وليس بناء على نتائج هذه الحرب"، مؤكدا أن "أي معالجة أمنية لا تحل جذور الصراع".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

تجلت حالة العزلة التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح الأسبوع الماضي مع نشر صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصفته إسرائيل بأنه "إرهابي من تنظيم القاعدة يرتدي بدلة".

وقال ترامب للصحفيين بعد محادثات مع الشرع، الأربعاء، في الرياض "إنه يملك الإمكانات. إنه زعيم حقيقي". وجاءت تلك التصريحات خلال اجتماع توسطت فيه السعودية، التي اتفقت مع ترامب خلال الزيارة على عدد من الصفقات في الأسلحة والأعمال والتكنولوجيا.

جولة ترامب السريعة التي استمرت أربعة أيام وشملت السعودية وقطر والإمارات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد مشهد دبلوماسي مصحوب باستثمارات ضخمة.

وقالت ثلاثة مصادر إقليمية ومصدران غربيان إن الجولة الخليجية همشت إسرائيل وأبرزت ظهور نظام جديد للشرق الأوسط تقوده الدول السنية متجاوزا "محور المقاومة" المنهار التابع لإيران.

وفي ظل الغضب المتزايد في واشنطن إزاء عدم توصل إسرائيل لاتفاق بشأن وقف لإطلاق النار في غزة، ذكرت المصادر أن جولة ترامب تمثل رسالة تجاهل لنتنياهو، الحليف المقرب للولايات المتحدة والذي كان أول زعيم أجنبي يزور واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة في يناير.

وأضافت المصادر أن الرسالة كانت واضحة: ففي رؤية ترامب للدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي رؤية أقل أيديولوجية وتعتمد أكثر على النتائج، لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط لأجندته اليمينية.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جورج بوش الابن "تشعر هذه الإدارة بالإحباط الشديد من نتنياهو، وهذا الإحباط واضح... إنهم يتعاملون بشكل تجاري للغاية، ونتنياهو لا يقدم لهم أي شيء في الوقت الراهن".

وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، التي لا تزال حليفا قويا للولايات المتحدة وتحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية والحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لكن المصادر أضافت أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة إلى نتنياهو مفادها أن الولايات المتحدة لها مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط ولا تريد منه أن يقف في طريقها.

وذكرت مصادر مطلعة أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد ليس فقط بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي قبول وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا بسبب اعتراضه على المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق. ولم يُصدر المكتب أي تصريحات بشأن زيارة ترامب الخليجية.

وأكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن ترامب لا يزال صديقا لإسرائيل.

وقال المتحدث باسم المجلس جيمس هيويت "نواصل العمل عن كثب مع حليفتنا إسرائيل لضمان إطلاق سراح باقي الرهائن في غزة وعدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وذكرت المصادر المطلعة أنه على الرغم من تأكيد مسؤولين في إدارة ترامب علانية على متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يعبرون في الجلسات المغلقة عن انزعاجهم من رفض نتنياهو مسايرة المواقف الأميركية بشأن غزة وإيران.

وقالت ستة مصادر إقليمية وغربية إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ في التزايد قبل جولة ترامب الخليجية.

وبدأ التوتر عندما سافر نتنياهو إلى واشنطن في زيارة ثانية في أبريل سعيا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية، لكنه فوجئ بتحول الرئيس نحو الخيار الدبلوماسي إذ علم قبل ساعات فقط من اللقاء أن المفاوضات على وشك أن تبدأ.

وفي الأسابيع التالية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن والتقارب مع القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا كما تجاوز إسرائيل في زيارته الخليجية، وهو ما يظهر التوتر في العلاقات التقليدية بين الحليفتين، وفقا للمصادر.

وقال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن ومدير مشروع عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إن واشنطن وتل أبيب "لا تبدوان على توافق في القضايا الكبرى كما كانتا في المئة يوم الأولى" من رئاسة ترامب.

غزة تثبت الانقسام

خلال حملته الانتخابية، أوضح ترامب أنه يريد وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن هناك قبل عودته إلى البيت الأبيض.

لكن بعد مرور أشهر على رئاسة ترامب، واصل نتنياهو تحدي دعوات وقف إطلاق النار، ووسع نطاق الهجوم، ولم يقدم أي خطة لإنهاء الحرب أو خطة لما بعد الحرب في الصراع المستمر منذ 19 شهرا. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد القتلى في القطاع تجاوز 52900.

واندلعت الحرب، التي أثارت تنديدات دولية بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بسبب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وتبدد أي أمل في استغلال ترامب زيارته للمنطقة لتعزيز صورته كصانع سلام والإعلان عن اتفاق لإنهاء الحرب.

وبدلا من ذلك، ضاعف نتنياهو، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، هدفه المتمثل في سحق حماس. ويخضع نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل بتهم الفساد التي ينفيها.

وخلال اختتام ترامب زيارته، شنت إسرائيل هجوما جديدا الجمعة على غزة. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل مئات الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية.

أما الأولوية الأخرى لترامب، وهي توسيع اتفاقات إبراهيم التي تطبّع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية لتشمل السعودية، فقد عرقلها أيضا تعنت نتنياهو.

وأوضحت الرياض أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتوقف الحرب ويصبح هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقال شينكر "ليست لديه استراتيجية، ولا خطة لليوم التالي بشأن غزة". وأضاف "وهو يعترض الطريق".

أما علنا، فقد رفض ترامب نفسه أي حديث عن أي خلاف. وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثت بعد زيارة الخليج، نفى ترامب أن يكون محبطا من نتنياهو الذي قال عنه إنه يواجه "وضعا صعبا" بسبب الحرب في غزة.

لكن ترامب يمضي قدما من دون نتنياهو. وباهتمام بالمصالح الذاتية دون حرج، يقود الرئيس الأميركي عملية إعادة تنظيم للدبلوماسية الأميركية تجاه الدول السنية الثرية، التي ترتكز على الرياض الغنية بالنفط.

وقال مصدر إقليمي كبير إن زيارة ترامب توجت الدور المؤثر للسعودية بصفتها قائدا للعالم العربي السني. وعلى النقيض من ذلك، فقد أدت سنوات من التجاوزات الإيرانية، والضربات العسكرية الإسرائيلية القوية لحليفتيها حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى تراجع دور طهران بصفتها قوة إقليمية شيعية.

وأضاف المصدر "كان لإيران الدور القيادي، والآن دخلت السعودية بأدوات أخرى: الاقتصاد والمال والاستثمار".

صعود السُنة

رغم أن نتنياهو هو من تصدر المعركة ضد إيران، يتشكل النظام الإقليمي الجديد في الرياض والدوحة وأبوظبي.

وتتطلع هذه الدول الخليجية إلى الحصول على أسلحة متطورة لحمايتها من هجمات إيران ووكلائها وكذلك إمكانية الوصول للرقائق الأميركية المتطورة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ووجدوا شريكا راغبا يتمثل في رئيس أميركي يمكن أن تتداخل سياسته الخارجية أحيانا مع المصالح المالية لعائلته.

وفي قطر، المحطة الثانية من جولته، جرى تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747 لترامب وجرى استقباله بحفاوة تليق بملك.

ووسط احتفال فخم ورقصات بالسيف واستعراض للفرسان ومأدبة ملكية، أعلن ترامب أن قطر، التي قدمت دعما ماليا كبيرا لحركة حماس، "تحاول المساعدة بكل تأكيد" في أزمة الرهائن الإسرائيليين.

وضرب تصريح ترامب على وتر حساس في القدس، حيث ينظر المسؤولون إلى الدوحة كتهديد استراتيجي يمول أحد ألد أعدائهم.

وقال يوئيل جوزانسكي وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن العديد من الإسرائيليين "لا يفهمون مدى مركزية قطر بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنها تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف جوزانكسي أنه في الوقت الذي تجعل علاقة قطر مع حماس من الدولة الخليجية تهديدا لإسرائيل، فإن ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي ونفوذها المالي ونفوذها الدبلوماسي حولها إلى حليف لا غنى عنه لواشنطن.

وقدر البيت الأبيض أن الجولة إجمالا ضمنت أكثر من تريليوني دولار من الالتزامات الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي، منها طلبيات كبيرة لطائرات بوينغ وصفقات لشراء معدات دفاعية أميركية واتفاقيات لشراء خدمات تكنولوجية. بينما وجد إحصاء أجرته رويترز للصفقات المعلنة أن القيمة الإجمالية تصل لما يقارب 700 مليار دولار.

وفي السعودية، وافق ترامب على صفقة أسلحة قياسية بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، مما أجج المخاوف الإسرائيلية من فقدان التفوق الجوي في المنطقة إذا حصلت الرياض على طائرة لوكهيد من طراز إف-35.

وفي الوقت نفسه، وفي إعادة تقويم للعلاقات الأميركية السعودية، عرض ترامب على الرياض مهلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا لحكام السعودية إن بإمكانهم القيام بذلك في الوقت الذي يناسبهم.

والآن، يتفاوض ترامب على استثمار نووي مدني تقوده الولايات المتحدة للسعودية، وهي صفقة أخرى تثير قلق إسرائيل.

ودفعت الدول التي تتبع المذهب السني أجندتها الدبلوماسية الخاصة. وجاء إعلان ترامب المفاجئ خلال جولته عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في تحول آخر كبير في السياسة الأميركية، بناء على طلب من السعودية ورغم اعتراضات إسرائيل.

وحتى ديسمبر، عندما أطاح أحمد الشرع بالرئيس السوري بشار الأسد، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض عليه.

ورحبت دول الخليج بالهدنة التي أعلنها ترامب مع الحوثيين في اليمن، وهم جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، والتي وضعت حدا لعملية عسكرية أميركية مكلفة في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان، الذي أعقب إجراء المحادثات النووية مع إيران، بعد يومين فقط من سقوط صاروخ حوثي على مطار بن غوريون الإسرائيلي.

وقال جوزانسكي وهو منسق سابق لشؤون إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يزيد موقف إسرائيل أكثر فأكثر كمخربة تقف في طريق ليس فقط الولايات المتحدة بل المجتمع الدولي، إذ تحاول تشكيل المنطقة بشكل مختلف بعد سقوط الأسد وحزب الله وربما إنهاء حرب غزة".

وفي حين التزمت حكومة نتنياهو اليمينية الصمت إزاء زيارة ترامب، عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن قلقها من أن مكانة البلاد مع أهم حلفائها آخذة في التراجع.

وانتقد سياسيون معارضون رئيس الوزراء لسماحه بتهميش إسرائيل بينما يعاد تشكيل تحالفات قديمة.

ووجه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي يستعد للعودة إلى الحياة السياسية، اتهاما لاذعا لحكومة نتنياهو، مجسدا بذلك الشعور بالقلق الذي يسيطر على كثيرين في المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

وقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق على أكس "الشرق الأوسط يشهد تغييرات في بنائه أمام أعيننا وأعداؤنا يزدادون قوة، ونتنياهو... وجماعته مشلولون، سلبيون وكأنهم غير موجودين".