استخدام الوقود الأحفوري محور سجال أساسي في محادثات كوب 28 ـ صورة تعبيرية.
استخدام الوقود الأحفوري محور سجال أساسي في محادثات كوب 28 ـ صورة تعبيرية.

بين هاجس ارتهان نموها الاقتصادي بعائدات الوقود الأحفوري، ومساعيها المعلنة بالانتقال نحو مصادر الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة، تسعى دول خليجية إلى كسب معادلة صعبة، تُوازن فيها بين التكلفة الاقتصادية المرتبطة بهذا التحول وطموحاتها الخضراء.

وتواجه السعودية والإمارات والكويت وقطر، شأنها شأن باقي البلدان المنتجة للنفط والغاز، ضغوطا متزايدة لدفع الاستثمار في مجالات الطاقات البديلة وتقليص مشروعات الوقود الأحفوري، في وقت تتمسك فيه هذه الدول بخطط لتوسيع استثماراتها في هذه الطاقات لضمان أمنها الطاقي واستقرارها الاقتصادي، قبل الخوض في أي مسار انتقالي نحو الطاقات الجديدة. 

مراعاة الكلفة"

وسجلت عائدات الدول الخليجية من الطاقة قفزة مهمة العام الماضي، إذ قفزت مداخيل الإمارات من 76 مليار دولار في عام 2021 إلى 119 مليار دولار في عام 2022. بينما زادت صادرات قطر من 87 مليار دولار إلى 132 مليار دولار، وقفزت بالكويت من 63 مليار دولار إلى 98 مليار دولار. 

وتضخمت صادرات الطاقة بالسعودية أيضا، وارتفعت عائداتها من 191 مليار دولار إلى 311 مليار دولار، وفقا لأرقام أوردتها منظمة "Project Syndicate".

الخبير في شؤون النفط، كامل الحرمي، يؤكد أن كل الدول الخليجية المنتجة تسعى لخفض انبعاثات النفط والغاز، غير أن "المشكلة المؤرقة تتمثل في آليات وآجال تنفيذ هذه التعهدات"، مشيرا إلى أن "توجهات متضاربة ومتباينة تحضر بين الدول والشركات العالمية الكبرى المنتجة بشأن موضوع الوقود الأحفوري".

وفي هذا السياق، يقول الحرمي، في حديثه لموقع "الحرة"، إن التحدي الرئيسي الذي يواجه دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد اقتصادياتها بشكل شبه كلي على عوائد النفط، يتمثل في إيجاد السبل المثلى لتقليص هذه التبعية بـ"أقل ضرر اقتصادي ممكن"، وهذا ما يستدعي، وفقا له، "سنوات بل عقودا من أجل التغيير".

وحذرت منظمة "Net Zero Tracker" غير الحكومية، الاثنين، من أن نحو 95 بالمئة من الدول التي تنتج النفط والغاز لم تتعهد بالتخلي تدريجيا عن التنقيب عن النفط. 

وكشف تقرير المنظمة، أن معظم الدول التي التزمت بهدف خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر، لم تعلن عن أي خطط للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وهذا قد يجعل تعهداتها مجرد شعارات.

ويشكّل الاستغناء أو الخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري محور سجال أساسي في المحادثات الجارية في الإمارات، التي تعد واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم.

ودعت كبرى الدول المنتجة للنفط، ومن ضمنها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة، إلى مواصلة الاستثمار في الوقود الأحفوري لضمان أمن الطاقة، قبل الخوض في أي مسار انتقالي على هذا الصعيد، حسبما نقلته فرانس برس. 

وفي هذا السياق، يقول خبير الشؤون النفطية، إن تحديين أسياسيين يفرضان نفسيهما على كل الدول المنتجة للطاقة؛ أولهما الرهانات الاقتصادية التي تتعلق بتكلفة التخلص من الوقود الأحفوري والاستثمارات الكبيرة ـ وربما غير المضمونة ـ في الطاقات الخضراء، وأيضا "مدى واقعية الالتزامات المعلنة وقابلية تطبيقها، في ظل غياب أرضية مشتركة للتفاهم بين دول العالم المختلفة.

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن التوجه والرغبة في خفض الإنتاج حاضرة لدى مجموعة من الدول، مشيرا إلى أن "الكويت مثلا بدأت في مشاريع الوقود البيئي في مصافيها الثلاثة الكبرى، كما أطلقت الدول الخليجية الأخرى مشاريع طموحة"، لكن يجب مراعاة تداعياتهذا  الانتقال والتي تتطلب أيضا حيزا زمنيا كبيرا.

خطط طموحة لكن بـ"التدريج"

وفيما تسارع الدول المنتجة للنفط لتفعيل خططها الرامية لتنويع العائدات الاقتصادية بعيدا عن مصادر الطاقة الأحفورية، تواصل في المقابل، إطلاق مشاريع جديدة لتطوير صناعاتهما الهيدروكربونية، وزيادة إنتاج وضخ النفط والغاز في الأسواق الدولية.

وكشف تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، نشر الشهر الماضي، بأن السعودية وقطر والإمارات والكويت، من بين نحو 20 بلدا رئيسيا منتجا للوقود الأحفوري، تواصل تقديم دعم سياسي ومالي كبير لإنتاج الوقود الأحفوري، بنسب لا تتسق مع أهداف حصر الاحترار في حدود 1.5 بالمئة.

المحلل الاقتصادي السعودي، علي الحازمي، يؤكد، من جهته، على أن الرغبة في التحول الطاقي "تحضر" لدى كل دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط"، غير "أنها ينبغي أن تتم بشكل تدريجي"، مشيرا إلى أن "الوقود الأحفوري في الوقت الحالي واقع يفرض نفسه، في حين أن أي تحول سريع وغير محسوب سيضر بها وبأمن الطاقة العالمي".

ويشدد الحازمي في تصريح لموقع "الحرة"، على أن "الطريقة المثلى" تتمثل في "مواصلة الاستثمار في الطاقة الأحفورية، بالموازاة مع الانتقال نحو النظيفة بشكل متناسب، حيث لا يمكن تحقيق هذا الانتقال بين عشية وضحاها".

والسبت، أعلنت الرئاسة الإماراتية لمؤتمر الأطراف بشأن التغير المناخي، أن 50 شركة في قطاع النفط والغاز، تمثل 40 بالمئة من الإنتاج العالمي، التزمت بالتخلص من الكربون في عملياتها الإنتاجية بحلول عام 2050.

ووقعت هذه الشركات، ومن بينها 29 شركة وطنية منها أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية و"بابكو إنرجيز" البحرينية، ميثاقا يحدد أهداف تحقيق "الحياد الكربوني عام 2050 أو قبله"، وانبعاثات "قريبة من الصفر" من غاز الميثان، و"عدم الحرق الروتيني" في حقول الإنتاج بحلول عام 2030.

غير أن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، استبعد، الاثنين، الموافقة على أي خفض تدريجي لاستخدام النفط في محادثات المناخ، خلال مؤتمر الأطراف "كوب28"، مشددا على أن السعودية وغيرها من الدول، لن توافق على خطوة كهذه.

وقال بن سلمان لوكالة بلومبرغ "بالتأكيد لا... وأؤكد لكم أن لا أحد، وأتحدث هنا عن الحكومات، يؤمن بذلك"، مضيفا: "أود أن أطرح هذا التحدي على كل أولئك الذين.. يقولون بشكل علني إنه علينا (خفض استخدام الوقود الأحفوري تدريجيًا)، سأعطيكم أسماءهم وأرقامهم، واتصلوا بهم واسألوهم كيف سيفعلون ذلك". 

وفيما يتعلق بجهود السعودية، التي تعد ثاني أكبر مصدر عالمي للنفط، على مستوى الانتقال نحو الطاقات المتجددة، يقول الحزمي، إن الرياض "تأخذ على عاتقها التوجهات المستقبلية للحفاظ على المناخ"، مشيرا إلى أنها أطلقت أكثر من 73 مبادرة بيئية، بقيمة أكثر من 186 مليار دولار.

ويوضح أن المملكة تعمل على تنويع محفظتها الطاقية، بين الوقود الأحفوري وما بين الطاقة المتجددة، والمنتجات التي تعتبر أقل ضررا  بالبيئة، إضافة إلى اعتماد مشاريع الطاقات النظيفة في معظم البرامج والمشاريع الكبرى التي تخطط لها.

وأطلق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان قبل سنوات "رؤية 2030" التي تهدف إلى تنويع مصادر دخل السعودية وتخفيف ارتهان اقتصادها للوقود الأحفوري، من خلال تحويل السعودية إلى مركز سياحي وتجاري يضم العديد من المشاريع الضخمة.

ومع قرب انتصاف الطريق نحو 2030، لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، رغم أن البيانات الرسمية تشير إلى نمو ثابت في عائدات القطاع غير النفطي.

في هذا الجانب، يوضح الخبير الاقتصادي السعودي، أن تطوير الاقتصاد إلى جانب هاجس التحول الطاقي الأخضر "يعدّ من صميم خطط رؤية 2030"، إذ أطلقت الرياض، بحسبه "عددا من الخطط والمبادرات والمشاريع الطموحة التي تعكس أن للسعودية أهدافا مستقبلية فيما يخص البيئة والمناخ".

ّ"تكلفة عالية لكن مقبولة"

وينتج عن إنتاج النفط والغاز ونقلهما ومعالجتهما ما يقرب من 15 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة على مستوى العالم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

والاثنين، وجهت هيومن رايتس ووتش، انتقادات لقطاع الوقود الأحفوري في الإمارات، متهمة إنتاج أبوظبي بالتسبب في مستويات تلوث هواء مرتفعة على نحو "مقلق، في ما وصفته بأنه "سر قذر" تحرص السلطات على التكتم عليه.

وأفاد التقرير الذي يحمل عنوان "يمكنك شم النفط في الهواء: الوقود الأحفوري في الإمارات يغذي التلوث السام" بأن"قطاع الوقود الأحفوري الإماراتي يساهم في التلوث السام للهواء والتأثير المدمر على صحة الإنسان، حتى في الوقت الذي تسعى فيه حكومتها إلى وضع نفسها في موقع الرائد العالمي في قضايا المناخ والصحة" في مؤتمر المناخ كوب28.

واستنادا إلى مراجعة وتحليل بيانات تلوث الهواء الحكومية وصور الأقمار الاصطناعية من عام 2018 إلى عام 2023، أشار التقرير إلى "ارتفاع كبير" في مستويات تلوث الهواء في الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي عشرة ملايين نسمة. 

ورغم أن السلطات تفيد بأن تلوث الهواء ناجم بشكل رئيسي عن الغبار الذي تذريه العواصف الرملية، استشهد التقرير بدراسات أكاديمية تشير إلى انبعاثات الوقود الأحفوري كعامل مساهم آخر. 

وأطلقت الإمارات، التي تعد أكبر منتج للنفط الخام في العالم، خططا واستثمارات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة للتخفيف من آثار تغير المناخ، على غرار  "استراتيجية الإمارات للطاقة 2050"، التي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة بأنواعها.

وتهدف هذه الاستراتيجية التي أطلقتها أبوظبي عام 2017، إلى خفض الانبعاثات للوصول للحياد المناخي في قطاع الكهرباء والمياه بحلول 2050، ورفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 3 أضعاف بحلول 2030، علاوة على إزالة نسبة مساهمة الفحم النظيف لتصبح 0 بالمئة، من مزيج الطاقة، بما يضمن ريادة الدولة ومن ثم تحقيق مستهدفات الحياد المناخي بحلول 2050.

في هذا الجانب، يرى المستشار الاقتصادي الإماراتي، عبد اللطيف العزعزي، بأن هناك توجها لدى أبوظبي  للاستثمار في الطاقات الجديدة لـ"تحقيق أكبر نفع بيئي واقتصادي مستدام"، مشيرا إلى أن "كسب رهان التحول الطاقي من أبرز ما تسعى إليه الدولة".

ويوضح العزعزي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن بلاده ضخت استثمارات كبيرة في مجال الانتقال الطاقي، عبر مشاريع الطاقة الشمسية والريحية وأيضا النووية، مما يجعلها من أكثر الدول تقدما وتطورا فيما يتعلق بهدف بلوغ اقتصاد أخضر ومستدام ونظيف.

ويتابع الخبير الاقتصادي الإماراتي، أن التطور التكنولوجي الذي تحققه بلاده "يفرض حاجيات طاقية أكبر"، وبالتالي تبحث الدولة "بعيدا عن مصادر الطاقة التقليدية، وتدفع نحو الاستثمار في البدائل الخضراء".

ويضيف المتحدث ذاته، أن تكلفة هذا التحول "عالية"، لكن بالنظر لكونها استثمارات للمستقبل فهي تبقى مقبولة"، مشيرا في هذا الجانب إلى الاستثمارات في مجال الطاقة النووية التي يقول إنها "برامج طموحة تقلل الانبعاثات الكربونية، وتزيد من تنويع إمدادات الطاقة وتوفير طاقة اقتصادية صديقة للبيئة في البلاد".

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".