تسّلم الجائزة نيابة عن محمدي ابنها علي وشقيقته التوأم كيانا
تسّلم الجائزة نيابة عن محمدي ابنها علي وشقيقته التوأم كيانا

ندّدت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي، المسجونة في طهران، بنظام بلادها "الديني المستبدّ والمناهض للمرأة"، وذلك في كلمة ألقاها نيابة عنها ولداها، الأحد، خلال حفل تسليمها جائزة نوبل للسلام في أوسلو.

ومحمدي، البالغة 51 عاماً، ناشطة عُرفت بنضالها ضدّ عقوبة الإعدام وإلزامية وضع الحجاب في الجمهورية الإسلامية، وهي تقبع منذ نوفمبر 2021 في السجن في طهران، مما حال دون تسلّمها شخصياً الجائزة المرموقة.

وخلال الاحتفال في أوسلو تسّلم الجائزة نيابة عنها ابنها علي وشقيقته التوأم كيانا (17 عاماً) المقيمان في فرنسا منذ عام 2015، وقرأ الشابان الخطاب الذي بعثته أمّهما من زنزانتها.

وفي رسالتها المكتوبة "خلف جدران السجن العالية والباردة"، قالت محمدي "أنا امرأة من الشرق الأوسط، من منطقة رغم أنّها وريثة حضارة غنية، إلا أنّها واقعة حالياً في فخ الحرب وفريسة لهيب الإرهاب والتطرف".

وأضافت "أنا إيرانية فخورة ويشرّفني أن أساهم في هذه الحضارة التي هي اليوم ضحية لقمع نظام ديني مستبدّ ومناهض للمرأة"، وحثّت المجتمع الدولي على بذل المزيد من أجل حقوق الإنسان.

وفي غيابها، تُرك كرسيها شاغراً في بادرة رمزية، ووضعت صورتها أعلاه.

وبعدما أوقفت للمرة الأولى قبل 22 عامًا، أمضت محمدي القسم الأكبر من العقدين الماضيين بين السجن وخارجه بسبب نشاطها من أجل حقوق الإنسان.

وكانت هذه المرأة من أبرز الوجوه المساندة للاحتجاجات التي شهدتها إيران اعتباراً من سبتمبر 2022 بعد موت مهسا أميني إثر توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس في البلاد.

وتخلّلت هذه التحركات تظاهرات قادتها نساء ورفعت شعار "امرأة حياة حرية"، قمن خلالها بخلع الحجاب وحرقه.

من مراسم تسليم الجائزة

وكرّرت محمدي، الأحد، القول إنّ "الحجاب الإلزامي الذي تفرضه الحكومة ليس واجباً دينياً ولا نموذجاً ثقافياً، بل هو وسيلة للسيطرة على المجتمع بأكمله وإخضاعه"، واصفة إلزامية الحجاب بأنّها "عار حكومي".

وفي الخطاب الذي تلي أمام العائلة المالكة النروجية، اعتبرت الناشطة أنّ الجمهورية الإسلامية "تعيش غربة عن شعبها"، ودانت خصوصا القمع، وإخضاع النظام القضائي، والدعاية والرقابة، والمحسوبية والفساد.

"ضد التمييز"

وبينما تم الاحتفاء بها في أوسلو، كانت نرجس محمدي تواصل إضرابها عن الطعام خلف القضبان تضامنا مع الطائفة البهائية، وهي أكبر أقلية دينية في إيران وتشتكي من التمييز.

وفي تاريخ جائزة نوبل الممتدّ لأكثر من قرن، محمدي هي خامس فائز يحصل على جائزة السلام أثناء احتجازه بعد الألماني كارل فون أوسيتسكي، والبورمية أونغ سان سو تشي، والصيني ليو شياوبو، والبيلاروسي أليس بيلياتسكي.

وقالت رئيسة لجنة جائزة نوبل بيريت ريس أندرسن "يمكن مقارنة نضال نرجس محمدي (...) بنضال ألبرت لوتولي، وديزموند توتو، ونيلسون مانديلا (الذين حصلوا جميعا على جائزة نوبل)، وقد استمر نضالهم أكثر من 30 عاما قبل نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".

وأضافت أنّ "النساء في إيران يناضلن ضدّ التمييز منذ أكثر من 30 عاما. ويحلمهن بمستقبل أكثر إشراقاً سيتحقق في نهاية المطاف".

من جانبهما، قال ولدا محمدي، المفصولان عن والدتهما منذ أكثر من ثماني سنوات، إنهما لا يعرفان ما إذا كانا سيريانها مجدّداً.

وصرحت ابنتها كيانا السبت "أنا شخصياً متشائمة جداً"، في حين قال شقيقها إنه "متفائل جداً".

وقمعت السلطات في الجمهورية الإسلامية بشدة الاحتجاجات. فوفق منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية، قُتل 551 متظاهرا، من بينهم العشرات من النساء والأطفال، على أيدي قوات الأمن، واعتقل آلاف آخرون.

ومُنع أفراد عائلة أميني من مغادرة إيران لتسلّم جائزة ساخاروف التي منحها البرلمان الأوروبي للشابة الراحلة في فعالية في باريس، الأحد، وفق ما أفادت محاميتهم في فرنسا.

وقالت محمدي إنّ "الشعب الإيراني، بالمثابرة، سيتغلب على القمع والاستبداد"، مضيفة "هذا مؤكد".

وتُسلّم جوائز نوبل في التخصصات الأخرى (الأدب والكيمياء والطب والفيزياء والاقتصاد) في ستوكهولم، الأحد.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟