أعادت مصادقة المحكمة العليا في الهند، على قرار الحكومة الهندية إلغاء الحكم شبه الذاتي لولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، الضوء على الصراع الطويل والمرير بين الهند وباكستان.
وتشكل ولاية "جامو وكشمير" جزءا من إقليم كشمير الواقع في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، على حدود باكستان والصين، والمقسم إلى 3 مناطق رئيسية، أكبرها "ولاية جامو وكشمير" الواقعة تحت إدارة الهند وعدد سكانها 10 ملايين نسمة، و"ولاية كشمير الحرة" الواقعة تحت إدارة باكستان وعدد سكانها 3 ملايين، أما المنطقة الثالثة فتسمى "أكساي تشين" تسيطر عليها الصين وهي غير قابلة للسكن كونها جبال جليدية قاحلة.
جذور الصراع
تعود جذور الخلاف بين الهند وباكستان على إقليم كشمير الغني بموارده الطبيعية وطبيعته الخلابة إلى عام 1947، بعدما أصدرت بريطانيا العظمى قانون استقلال شبه القارة الهندية مقترحة تقسيمها إلى ثلاث مقاطعات رئيسية:
الأولى: تضم المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية في بومباي، ومدراس، وبيهار، وأوريسا، والمقاطعات الوسطى (المناطق التي شكلت الهند بعد الاستقلال).
الثانية: تشمل المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة في البنجاب والسند والحدود الشمالية الغربية وبلوشستان (باكستان).
الثالثة: تشمل آسام ذات الأغلبية الهندوسية، والبنغال ذات الأغلبية المسلمة التي أصبحت عام 1971 دولة بنغلاديش.
أما إقليم كشمير فكان له حرية الاختيار بين الانضمام للهند أو باكستان.
في ذلك الوقت كان الإقليم يخضع لحكم المهراجا الهندوسي، هاري سنغ، رغم أن غالبية سكانه من المسلمين، وقد تردد سنغ في إعلان انضمامه إلى الهند أو باكستان، ما دفع مسلمي الولاية إلى التمرد على سلطته مطالبين باكستان دعمهم للانضمام إليها، فما كان من سنغ إلا أن طلب المساعدة من الهند فوافقت بعد توقيعه على وثيقة طلب الانضمام إليها، وفي اليوم نفسه عملت الهند على وقف تقدّم القبائل المدعومة من باكستان.
بعد توقيع سنغ للوثيقة اعتبرت الهند أن الاقليم أصبح جزءاً منها، بينما رأت باكستان أن المهراجا خالف اتفاقاً سبق أن وقعه معها للمحافظة على الوضع الراهن إلى حين الاتفاق على وضع الاقليم المستقبلي، معتبرة الوثيقة غير قانونية.
حروب وتوترات بلا هوادة
أدى الخلاف على سيادة الإقليم إلى اندلاع 3 حروب بين الهند وباكستان، أولها عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثه، فتدخلت الأمم المتحدة، وأصدر مجلس الأمن قراراً ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم لكنه بقي حبراً على ورق، لتعود وتندلع الحرب بين البلدين عامي 1965 و1971.
وفي عام 1972 وقع البلدان على معاهدة شِملا نصت على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في ديسمبر 1971 هو خط هدنة بين الدولتين، وبموجب هذا الاتفاق احتفظت الهند وباكستان على الأراضي التي سيطرتا عليها بعد حرب 1971.
منذ عام 1989، يخوض انفصاليون معارك مع القوات الهندية في ولاية ماجو وكشمير، سعياً لدمجها مع باكستان أو الاستقلال، وأدى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف غالبيتهم من المدنيين، ودفع الهند إلى نشر ما يزيد عن نصف مليون عسكري عند جانبها من الحدود.
ومن أبرز مراحل الصراع بين البلدين أحداث كارجيل عام 1999 (وفي تلك الفترة، أعلن كل من الهند وباكستان أنه قوة نووية)، وأحداث مومباي عام 2008، حيث أدتا إلى تراجع العلاقات كثيراً بين البلدين.
وفي عام 2019 أعلن وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، أن الرئيس وقع مرسوماً يلغي المادة 370 من الدستور التي تمنح حكماً ذاتياً خاصاً لولاية جامو وكشمير الواقعة في الهيمالايا، منذ 1974.
رفض وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، إلغاء الهند الوضع الدستوري الخاص بالولاية المتنازع عليها، معتبراً أن هذه الخطوة تشكل انتهاكا لقرار الأمم المتحدة، وبأن باكستان ستكثف الجهود الدبلوماسية لإلغاء القرار الرئاسي.
وأعلنت الحكومة الباكستانية حينها طرد السفير الهندي في إسلام آباد وتعليق التجارة مع نيودلهي، كما رفعت باكستان درجة التأهب لدى قواتها، فيما قررت إحالة قضية كشمير إلى مجلس الأمن.
لكن وزارة الخارجية الهندية أكدت أن "الأحداث المرتبطة بالمادة 370 من الدستور هي شأن داخلي هندي بالكامل" منددة بـ"تحركات أحادية" اتخذتها باكستان.
ورافق إلغاء الحكم الذاتي المحدود لولاية ماجو وكشمير، فرض سلطة نيودلهي المباشرة واعتقالات جماعية والإغلاق الكامل لهذه الولاية وقطع الاتصالات لمدة شهر، فيما عززت الهند قواتها المسلحة في المنطقة لاحتواء الاحتجاجات.
وقدم عدد من الأفراد والأحزاب السياسية التماسات عدة إلى المحكمة العليا، واصفين قرار حكومة ناريندرا مودي بأنه "غير دستوري".
أهمية الإقليم
والاثنين، اعتبرت المحكمة العليا في الهند، قرار حكومة مودي، "تتويجا لمسار الدمج، وبالتالي هو ممارسة مشروعة للسلطة".
كما أمرت المحكمة بإجراء انتخابات في الولاية العام المقبل، مشددة على وجوب أن تتم مساواتها بالولايات الهندية الأخرى "في أقرب وقت ممكن"، على أن ينظم الاقتراع في موعد أقصاه 30 سبتمبر 2024.
قرار المحكمة اعتبره مودي "تاريخياً وبارقة أمل ووعد بمستقبل أفضل وشهادة على تصميمنا الجماعي على بناء هند أقوى وأكثر اتحادا".
وتدّعي كل من الهند وباكستان بأحقيتهما بحكم الإقليم كاملاً، ويستند كل منهما على مجموعة من البراهين التاريخية والديموغرافية لدعم مطالبه.
ينبع اهتمام الهند بإقليم كشمير ومحاربتها من أجله، كونها تعتبره عمقا أمنياً استراتيجياً لها، فهو يرتبط بتوازن القوى في جنوب آسيا، وتوازن القوى بين الهند والصين، كما أنها تخشى من أن يفتح استقلال ولاية ماجو وكشمير على أسس دينية أو عرقية شهية ولايات هندية أخرى على اتخاذ ذات الخطوة.
أما باكستان، فتعتبر كشمير منطقة حيوية لأمنها الحدودي والمائي، حيث يوجد طريقان رئيسيان لها بمحاذاة كشمير وكذلك شبكة للسكة الحديد، وثانياً كون الزراعة فيها تعتمد على مياه الأنهار الثلاثة التي تنبع من الأراضي الكشميرية.