مدمرة أميركية
البوارج الحربية الأميركية في البحر الأحمر تساعد السفن التي تطلب النجدة - أرشيفية

"أم.أس.سي بالاتيوم 3" و"أم.أس.سي ألانيا" و"الجسرة" هي أسماء ثلاث سفن طالتها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر خلال 24 ساعة فقط، وفق سلسلة إعلانات رسمية وما أكده مسؤولون أميركيون لوسائل إعلام.

ويطلق المسار التصاعدي للهجمات التي تنفذها الجماعة المدعومة من إيران بصواريخ بحرية، تساؤلات بشأن الخيارات التي قد يتم اللجوء إليها من جانب المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية لحماية طرق الملاحة الدولية.

وما يزال الحوثيون يؤكدون على نيتهم استهداف أي سفينة تحاول عبور مضيق باب المندب للتوجه إلى الموانئ الإسرائيلية، ويقولون أيضا إن ما يفعلونه يرتبط بما يجري في غزة، وأنهم لن يتوقفوا حتى "إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدين في القطاع من غذاء ودواء".

لكن وبحسب تقييمات مراقبين عرب وأجانب تحدثوا لموقع "الحرة" تتجاوز أهداف الجماعة ما تحمله صيغة بياناتها الرسمية، والتي يتلوها دائما المتحدث باسمها العميد يحيى سريع.

ومع تصعيد الهجمات من جانبها ومحاولة تثبيت حالة من الشلل شبه الكامل للملاحة في البحر الأحمر يوضح المراقبون تفاصيل عدة خيارات قد تلجأ إليها الولايات المتحدة الأميركية، دون أن يستبعدوا وجود "عوائق".

ما المتوقع أميركيا؟

ويفصل باب المندب، وهو ممر ضيق بين اليمن وجيبوتي بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.

وله أهمية كبرى في خطوط الملاحة البحرية خاصة في نقل شحنات النفط العالمية، ويمر عبره ما معدله 17 ألف سفينة شحن وناقلة نفط سنويا، وفق مجلة "سي باور".

يبلغ عرضه 18 ميلا (حوالي 29 كلم) في أضيق نقطة له، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على مسارين للشحنات الواردة والصادرة، كما يعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، إذ يعبره حوالي خُمس الاستهلاك العالمي من النفط.

وبحسب المعلن تريد واشنطن تشكيل "أوسع تحالف بحري ممكن" لحماية السفن في البحر الأحمر، وإرسال "إشارة مهمة" للحوثيين بأنه "لن يتم التسامح مع المزيد من الهجمات، كما نقلت رويترز عن المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينج.

وأضاف أن "الولايات المتحدة تهدف إلى توسيع قوة العمل البحرية الدولية الحالية لتصبح تحالفا دوليا يخصص بعض الموارد لحماية حرية الملاحة".

وفرقة العمل الحالية في البحر الأحمر وخليج عدن المعروفة باسم فرقة العمل المشتركة 153 هي تحالف يضم 39 دولة بقيادة نائب أميرال الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في البحرين.

ومن المحتمل أن تكون هي الأداة التي تحاول الولايات المتحدة استخدامها لصد هجماتي "الحوثي" لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هناك إمكانية لوضع ما يكفي من السفن في المنطقة لإحداث فارق، كما يقول آرون لوند، وهو باحث في وكالة أبحاث الدفاع السويدية لموقع "الحرة".

ويوضح ريتش أوتزن كبير الخبراء في "المجلس الأطلسي" أنه يمكن لواشنطن "إما معالجة التهديدات التي تواجه الشحن البحري من خلال زيادة الوجود وجهود مكافحة القرصنة في منطقة الخليج وما حولها".

أو كما يضيف الباحث لموقع الحرة "من خلال زيادة التكاليف التي يتحملها الحوثيون في اليمن وربما القوات البحرية الإيرانية أيضا (على غرار ما حدث في الثمانينيات)"، في إشارة منه إلى عملية "فرس النبي".

وفي عام 1988 اشتبكت الولايات المتحدة مع إيران بحريا بعدما تضررت سفينة أميركية جراء اصطدامها بلغم إيراني في الخليج.

وكانت فرقاطة الصواريخ الموجهة "يو إس إس صمويل روبرتس" قد اصطدمت بلغم أثناء سيرها في الخليج ضمن عملية "إيرنيست ويل" التي خصصت لحماية ناقلات النفط الكويتية، خلال "حرب الناقلات" بين العراق وإيران.

وفي يوم 18 مايو، أطلقت الولايات المتحدة عملية "فرس النبي" للرد على الاعتداء الإيراني، حيث دمرت السفن الأميركية منصتي تجسس إيرانيتين، وسفينة دورية، وفرقاطة وأصابت أخرى.

لكن أوتزن لم يستبعد وجود عوائق أمام "اتخاذ إجراء قوي"، وفق تعبيره.

ومن هذه العوائق "رغبة إدارة بايدن في تجنب التصعيد الإقليمي خلال حرب غزة، والشك في أن تصرفات الحوثيين أكثر فعالية وليست مؤلمة للغاية (حتى الآن)، والرغبة في الاستمرار في إنقاذ الصفقة النووية".

وقد يدفع ما سبق واشنطن إلى "ردود فعل محدودة ومحلية ضد الحوثيين"، حسب كبير الخبراء في "المجلس الأطلسي"، وهو ضابط أميركي سابق. 

"بيدق في لعبة إيران"

ويرتبط اسم الحوثيين في اليمن بإيران منذ سنوات طويلة، وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة برز نشاط الجماعة من ساحة خارجية وبعيدة، انطلقت منها صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة من دون طيار باتجاه إيلات في جنوب إسرائيل.

ونقل موقع "أكسيوس" صباح الجمعة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن "إدارة بايدن بعثت رسائل إلى المتمردين الحوثيين في اليمن عبر عدة قنوات مؤخرا تحذرهم فيها من وقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وضد إسرائيل".

المسؤولون أضافوا أن المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ الذي زار الخليج في الأيام الأخيرة طلب من نظرائه في المملكة العربية السعودية وعمان وقطر نقل رسائل التحذير.

كما وجهت عدة دول في المنطقة رسائل مماثلة للحوثيين خلال الأسبوعين الماضيين وأوضحت أن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل فوق أراضيها "غير مقبولة".

لكن كل ما سبق لم يلق أي استجابة، وعلى العكس وبينما تم الكشف عن التحذيرات نفذت الجماعة 3 هجمات في يوم واحد فقط، واستهدفت سفنا تحمل أعلام ليبيريا.

وينظر الباحث أوتزن إلى الحوثيين على أنهم "لاعبون في اليمن والخليج، لكن ليسوا قوة إقليمية".

ويضيف: "لديهم قدرات كوكيل لإيران، وهم في الأساس بيدق في لعبة إيران الإقليمية"، وفيما يتعلق بردعهم عسكريا لا يستبعد الباحث تنفيذ ذلك لكنه يؤكد على وجود النوايا لدى واشنطن.

ويوضح أنه "ربما يكون الردع من خلال توجيه ضربة قيادية ضد أحد كبار قادة الحوثيين (على غرار ضربة سليماني التي نفذها ترامب) للإشارة إلى النية الجادة - إذا كانت الإدارة الحالية جادة بالفعل في هذا الشأن".

ويرى المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي ووزارة الدفاع البريطانية، نيكولاس ويليامز أن الغرب بات ينتبه إلى حد كبير إلى "الخطر الذي تشكله هجمات الحوثيين على عمليات الشحن في البحر الأحمر".

ولا يكاد يمر يوم دون ورود أنباء عن هجوم على سفينة غربية، حسب ويليامز ويقول لموقع "الحرة": "الحوثيون اختاروا وقتهم بعناية لإحداث أقصى قدر من عدم اليقين والارتباك الاقتصادي في الغرب".

وبعد أن أمضت الشهرين الماضيين في محاولة لمنع حدوث أزمة إقليمية أوسع في الشرق الأوسط فضلا عن دعم الحرب ضد روسيا في أوكرانيا يبدو أن الولايات المتحدة تقترب من حدودها كقوة عظمى، وفق ويليامز.

ورغم أنها تسعى جاهدة لتشكيل تحالف من القوى البحرية لمواجهة التهديد الذي يشكله الحوثيون على الشحن البحري، يضيف المسؤول البريطاني السابق أن "مبادرتها لا تزال في مراحلها الأولى، وحققت نجاحا محدودا للغاية".

"دوافع وتسجيل نقاط"

وتعتبر إيران أن جماعة الحوثيين الذين يعملون كوكلاء لديها قد يكونون "الأكثر ملائمة لتوسيع نطاق الحرب مع إسرائيل"، وهو ما أكده محللون مقربون من الحكومة الإيرانية قبل أيام لصحيفة "نيويورك تايمز".

المحللون قالوا أيضا إن "الحوثيين هم وكلاء إيران المختارون، لأنهم في اليمن قريبون بما يكفي من الممرات المائية الاستراتيجية للبحر الأحمر لتعطيل الشحن العالمي، وبعيدون بما يكفي عن إسرائيل لجعل الضربات الانتقامية صعبة".

ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات، حسن المومني أن "جماعة الحوثي ومن ورائها إيران لها دوافع متعلقة بصورة أكبر وأشمل من غزة".

ويقول لموقع "الحرة": "غزة مناسبة للتوظيب، والجميع يعلم أن إيران وأذرعها إلى حدٍ ما في مواجهة مفتوحة سياسية وعسكرية واستخباراتية" مع الغرب والولايات المتحدة.

ويوضح أستاذ العلاقات الدولية أن "الحوثي تشكل غزة لديه فرصة لإثبات الذات، ويحاول من خلال ما يقوم به إرسال رسائل للمجتمع الدولي وأميركا بأننا موجودون".

ويشير الأستاذ في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، خالد العزي إلى أن "الحوثي يحاول تسجيل نقاط وكذلك الأمر بالنسبة لإيران"، في تعليقه على الهجمات ومرحلة التصعيد التي يفرضونها.

ويعتبر العزي أن ارتفاع أسهم "الحوثي" ترتبط أسبابه بـ"سلسلة أخطاء" وقعت بها الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها رفع اسم الجماعة من لوائح الإرهاب، في عام 2021.

وعززت إدارة بايدن "خطأ رفع التصنيف" بطريقة تعاملها مع القضية اليمنية، عندما كانت ميالة إلى "استرضاء إيران لاعتبارات تتعلق بالاتفاق النووي الذي كان مزمعا"، وفق أستاذ العلاقات الدولية.

ومع ذلك يوضح العزي أن ردع الهجمات والخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة في الوقت الحالي يجب أن يكون في مرحلة أولى "بإعادة وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب".

ومن ثم اعتبارها "عصابة كما العصابات الأخرى"، والتهيؤ لدعم الجيش النظامي اليمني بقوات بحرية، مما سينعكس بالسلب إلى تعطيل الملاحة الخاصة بالحوثيين، كما يتابع أستاذ العلاقات الدولية.

وهناك خيارات أخرى كالسيناريو الذي طبقته واشنطن في 1986 عندما ضربت الأسطول البحري الإيراني، أو يمكن أن تتجه الولايات المتحدة إلى "تفعيل قرار دولي خاص بالقراصنة الصوماليين في البحر الأحمر".

"تحركات تكتيكية"

ووفق تقرير معلوماتي لوكالة "فرانس برس" تمر نحو 50 سفينة تجارية يوميا عبر مضيق باب المندب.

وتمر حوالي 115 سفينة تجارية من مضيق هرمز الذي يفصل بين مياه الخليج من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.  

كما تعتبر طرق الملاحة البحرية في هذه المنطقة أساسية للشحن والنفط والغاز المسال الذي يتم نقله إلى أوروبا.

ويوضح أستاذ العلاقات الدولية حسن المومني أن "تحركات الحوثيين تكتيكية وليست بعيدة عن الراعي الأساسي وهو إيران"، وأنه "إذا ما أرادت أميركا في السياق الاستراتيجي أن تلجمها ستقوم بذلك".

ويعتقد المومني أن واشنطن ستفعل ذلك في إشارة إلى "لجم تحركات الجماعة"، ويقول إلى أنها تمضي في الوقت الحالي في مسألة إنشاء تحالف دولي من أجل حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

ويضيف: "البحر الأحمر له سياق استراتيجي عالمي، وخاصة عند الحديث عن الاهتمام الأميركي بالمحيط الهادي والهندي، ومع وجود كوريدور تم الإعلان عنه يربط أوروبا والهند".

ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية العزي أن "التحالف الدولي الذي يتم الحديث عنه يتطلب ميزانية كبيرة وسفن"، وأن "كل الدول لا تبدو جاهزة للانخراط في الوقت الحالي"، كون أكثرها منشغلة في دعم أوكرانيا.

ويقول إن "باب المندب كان قد استثني من مشروع الممرات خلال قمة العشرين، وهو ما أزعج طهران ودفعها لتعطيل الملاحة البحرية"، كونها استبعدت مما تم رسمه والإعلان عنه قبل شهر من هجوم حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر.

البابا فرنسيس

في صباح مشمس من مارس 2021، وقف طفل ملوحا بعلم عراقي صغير، على حافة الرصيف في مدينة النجف، يتأمل موكبا رسميا لم يَعْهد له مثيلا من قبل. 

وسط الجموع، لمح الطفل الثوب الأبيض للزائر الغريب وهو يخطو على مهل داخل أزقة المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة.  لم يكن ذلك الطفل يعلم على الغالب أنه كا شاهدا على واحدة من الزيارات البابوية التي ستسجل في كتب التاريخ باعتبارها لحظة نادرة ومفصلية في علاقة الأديان في الشرق الأوسط. 

في تلك الزيارة التي وقّتها البابا مع بدء تعافي الكوكب من فايروس كورونا، وبدء تعافي العراق من "داعش"، زار البابا الراحل المناطق التي دمرها داعش في أور والموصل، وحمل معه للعراق عموماً وللمسيحيين خصوصاً رسالة أمل رمزية لكنها شديدة العمق: "السلام ممكن، حتى من قلب الألم". 

خلال لقائه بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في المدينة الشيعية المقدسة، بحث رأس الكنيسة الكاثوليكية مع رأس الحوزة "التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية"، وقد شكل ذلك اللقاء "فرصة للبابا ليشكر آية الله السيستاني لأنه رفع صوته ضد العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، بحسب بيان وزعه المكتب الصحفي للكرسي الرسولي بعد اللقاء.

منذ حمله لقب "صاحب القداسة" في العام ٢٠١٣، أولى البابا فرنسيس أهمية كبيرة للبقعة الجغرافية التي تتنازعها الحروب والنيران على طول خريطة الشرق الأوسط. والتفت البابا بعين دامعة، الى البشر الذين يُدفعون بسبب الحروب والمآسي إلى البحار هرباً من الموت على اليابسة. 

خرج صوت البابا من أروقة الفاتيكان، بخشوع وألم، ليعبر بنبرة أب قلق على أبنائه وبناته في تلك البقعة من العالم، من تمييز بينهم على أساس أديانهم أو طوائفهم. 

رفع البابا صوته وصلواته لضحايا الهجرة، ووقف على شاطئ المتوسط منادياً العالم: "أولئك الذين غرقوا في البحر لا يبحثون عن الرفاه، بل عن الحياة". وفي لقائه بلاجئين سوريين خلال زيارته إلى اليونان، طلب "ألا يتعامل العالم مع المهاجرين كأرقام، بل كوجوه وأرواح". 

لا يمكن الفصل بين رؤية البابا فرنسيس لقضايا الشرق الأوسط وبين خلفيته الآتية من أميركا اللاتينية، كما يشرح الباحث في العلاقات الإسلامية المسيحية روجيه أصفر لموقع "الحرة". 

يقول أصفر إن "المنطقة التي أتى منها البابا وشهدت صعود لاهوت التحرير وتعيش فيها الفئات المسحوقة والديكتاتوريات، لابد أن تخلق لديه حساسية تجاه قضايا شعوب الشرق الأوسط التي تعاني من نموذج مشابه من الديكتاتوريات". 

وايضاً يجب الأخذ بعين الاعتبار، بحسب أصفر، المعرفة العميقة لدى البابا بالإسلام، "ومع كل الاستقطاب الديني الذي نشهده في العالم، وصعود الإسلاموفوبيا، تمكن البابا من نسج علاقات جيدة بالعالم العربي والمرجعيات الدينية فيه وخصوصاً مع الأزهر وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعتبر متقدمة جداً في مجال الحوار بين الأديان".

جال البابا في زيارات مختلفة توزعت على دول عربية، وحط في العام ٢٠١٧ في مصر، بعد تفجيرات استهدفت الكنائس القبطية، والتقى حينها بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، وشارك في مؤتمر للسلام. هناك قال إن "الإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفعنا إلى محبة الآخرين، لا إلى كراهيتهم". 

بعدها بسنتين، زار الإمارات في زيارة تاريخية لأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ووقع مع شيخ الأزهر وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التاريخية، داعياً من قلب الخليج إلى "نبذ الحرب، والعنصرية، والتمييز الديني". كما ترأس قداساً حضره أكثر من 100 ألف شخص في استاد زايد، ليقول للعالم: "الإيمان يوحّد ولا يُفرّق".

ما فعله البابا هو "كسر الحواجز وتأسيس منطلقات نظرية لاهوتية وشرعية وفقهية مع الجانب المسلم والتعاون لتأسيس للعيش معاً بشكل أفضل"، يقول أصفر. ويتابع: "البابا انطلق في ذلك من سلطته المتأتية من صلاحية قوية جداً على رأس هرم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكبر جماعة مسيحية في العالم". 

حينما وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس من العام ٢٠٢٠، عبّر البابا فرنسيس عن تضامنه العميق مع الشعب اللبناني، ووصف لبنان بأنه "رسالة" في التعايش، داعيًا العالم لعدم التخلي عنه: "لبنان لا يمكن أن يُترك وحيدًا... هو كنزٌ يجب الحفاظ عليه". 

خصص صلوات كاملة لأجل "نهضة لبنان من الرماد"، وكان يخطط لزيارة بيروت قبل أن تؤجل الزيارة بسبب وضعه الصحي. وأبدى اهتماماً كبيراً بأزمة السودان، وتدهورها في السنوات الأخيرة إلى انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، فرفع الصلوات لسلام السودانيين ودعا إلى حماية المدنيين مما سماه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

كما عبّر البابا فرنسيس مراراً عن قلقه العميق من تدهور الأوضاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الشرق الأوسط وانسحاب الصراع إلى دول أخرى مثل لبنان. 

خلال زيارته لبيت لحم عام 2014، آتياً من الأردن، تحدث عن السلام وأهميته وعن حق الفلسطينيين كما الإسرائيليين بالأمان. 

وبعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أدان البابا فرنسيس بوضوح قتل المدنيين واختطاف الأبرياء، مع دعوة لوقف العنف من الجانبين: "أتابع بألم ما يحدث في إسرائيل وفلسطين... أدعو إلى الوقف الفوري للعنف الذي يحصد أرواحًا بريئة. الإرهاب والعنف لا يحققان السلام أبدًا".

ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات إنسانية لغزة، مؤكدًا أن "كل إنسان له الحق في العيش بكرامة، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً".

في العام ٢٠٢٢ شارك في "ملتقى البحرين للحوار"، في زيارة ثانية الى الخليج، كشفت عن اهتمامه بتلك البقعة من العالم، حيث دعا إلى احترام الحريات الدينية، والحوار بين المذاهب والأديان، مؤكدًا أن "الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى صراع".

لم يكن البابا الراحل فرنسيس يوماً زائراً غريباً عن المنطقة، وعن الشرق الأوسط، بل كان يحمل في قلبه الحب لجميع شعوب العالم، ويحمل بلسانه لغة الحوار والعدالة التي يفهمها الجميع بمعزل عن اختلاف لغاتهم. 

كان يعرف كيف يقارب الصراعات الحساسة بحسّ إنساني عال وبشجاعة ملحوظة، فيقف إلى جانب المدنيين دائما في الصراعات العسكرية، ويدعو المتحاربين إلى انهاء حروبهم وتجنيب المدنيين قسوة الحروب ومآسي القتل والدمار والتهجير.