النساء السودانيات كن حاضرات بقوة في الحراك السياسي. أرشيفية
النساء السودانيات كن حاضرات بقوة في الحراك السياسي - صورة أرشيفية.

تتحمل الكثير من النساء وطأة الصراعات في معظم أنحاء العالم، وغالبا ما يتم استبعادهن من قرارات "الحرب والسلم"، ويعانين بغياب أزواجهن عندما تحتدم الحروب.

وتميل النسوة عادة نحو مبدأ الحوار لوضع حد للعنف، وفي المقابل هناك من يخدمن في الجيش ويشاركن بالأعمال القتالية، ورصدت مجلة فورين بوليسي بعض الأدوار التي تقوم بها الكثير من النساء في بعض الدول التي تشهد حروبا وصراعات مسلحة في عام 2023.

أولا: النساء على الخطوط الأمامية في أوكرانيا

النساء الأوكرانيا كن حاضرات لدعم جهود السلام في الحرب. أرشيفية

رغم استمرار الحرب الروسية منذ فبراير 2022، إلا أن النساء في أوكرانيا لا تزلن صامدات، حيث تخدم أكثر من 60 ألف امرأة في القوات المسلحة الأوكرانية، فيما تعمل ملايين أخريات على ضمان التماسك الاجتماعي وقيادة الاستجابة الإنسانية على الجبهة الداخلية.

ووضعت خطط في البلاد لضمان مساهمة المرأة في إعادة إعمار أوكرانيا، من خلال إشراك منظمات حقوق المرأة في المناقشات والتخطيط لاستراتيجية التعافي في أوكرانيا.

ثانيا: المرأة السودانية حاضرة في وسط حرب أهلية

السودانيات حاضرات وسط الحرب الأهلية في البلاد. أرشيفية

رغم تهميش النساء بسبب القيود المختلفة في السودان، إلا أن المرأة السودانية استطاعت أن تكون حاضرة بنشاط وسط بلاد تعاني من حرب أهلية.

وتكافح النساء في السودان في الحرب التي تجري بين جنرالين متنافسين، إذ يتم استهدافهن بالاعتداء الجنسي والاغتصاب، ويكافحن للعثور على أماكن للرعاية الصحية.

المرأة السودانية لعبت دورا أساسيا في تظاهرات 2019 والتي أطاحت بالرئيس السابق، عمر البشير، ولكن حتى الآن لا يتم إشراكهن في إعادة بناء المجتمع.

وشكلت أكثر من 49 منظمة ومبادرة تقودها نساء منصة السلام من أجل السودان لدعم تنظيم المساعدات الإنسانية والدعوة لإنهاء الصراع، ناهيك عن عملهن في الخطوط الأولى في جهود الإغاثة في البلاد، حيث تستخدم طبيبات سودانيات تطبيق الواتساب لتقديم الرعاية الصحية للمرضى في السودان.

وحصلت الناشطة السودانية المدافعة عن حقوق المرأة، أميرة عثمان حامد، الجمعة، مع أربع شخصيات أخرى على جائزة المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون أخطارا، والتي تقدمها منظمة فرونت لاين ديفندرز الدولية غير الحكومية، بحسب وكالة فرانس برس.

ثالثا: المرأة الإيرانية وجائزة نوبل

نرجس محمدي تعد من الوجوه الأساسية لانتفاضة "امرأة، حياة، حرية" في إيران

في السادس من أكتوبر وسط حملة قمع واسعة النطاق ضد النساء الإيرانيات، حصلت الناشطة الإيرانية في مجال حقوق الإنسان، نرجس محمدي، على جائزة نوبل للسلام اعترافا بنضالها ضد اضطهاد المرأة وكفاحها من أجل تعزيز حقوق الإنسان.

وأتى فوز محمدي بالجائزة عقب موجة احتجاجات شهدتها إيران العام الماضي إثر وفاة الشابة، مهسا أميني، في سبتمبر 2022 بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة.

سجنت محمدي، الناشطة والصحفية البالغة 51 عاما، مرات عدة في العقدين الماضيين على خلفية حملتها ضد إلزامية الحجاب ورفضها لعقوبة الإعدام.

وفي اليوم الذي حصلت فيه محمدي على جائزة نوبل بدأت إضرابا عن الطعام في السجن تضامنا مع الأقلية الدينية البهائية في إيران، وكتبت في رسالة من السجن "أنها كانت مجرد واحدة من بين ملايين النساء الإيرانيات الفخورات اللاتي انتفضن ضد القمع والتمييز والانتهاكات والاستبداد".

رابعا: حوار من أجل وقف سفك الدماء

فيفيان سيلفر كانت من بين الذين قتلوا في هجوم السابع من أكتوبر. أرشيفية

في السابع من أكتوبر الماضي، نفذت حركة حماس المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية هجوما على مواقع عسكرية ومناطق سكنية إسرائيلية ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم مدنيون، واحتجاز 240 آخرين، وكانت من بين القتلى، فيفيان سيلفر.

وسيلفر (74 عاما) أحد مؤسسي منظمة "النساء يصنعن السلام"، وهي أكبر حركة سلام في إسرائيل تأسست في الحرب على غزة عام 2014.

وكرست حياتها كناشطة نسوية كندية إسرائيلية لعقود بهدف الدعوة للسلام بين إسرائيل وفلسطين، وعارضت الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 2007.

وقبل أيام من الهجوم اجتمعت سيلفر في القدس مع مئات الناشطين الآخرين وساروا إلى تجمع حاشد في متحف التسامح، حيث دعوا إلى التوصل إلى اتفاق سياسي سلمي للصراع الطويل ووضع حد لـ"الحلقة المفرغة من سفك الدماء".

خامسا: صحوة إنسانية وسط وحشية

عنف متزايد يواجه النساء في جمهورية الكونغو الديمقراطية. أرشيفية

تشهد الكونغو أعمال عنف وحشية، حيث تشتبك أكثر من 130 ميليشيا مسلحة مع الجيش في قتال على الموارد، ما أسفر عن نزوح نحو 7 ملايين شخص، وتركت النساء والفتيات عرضة للعنف الجنسي، وهو ما وصفته وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بـ"وباء" العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ورغم ذلك فقد برزت المرأة كداعم للسلام، حيث ظهرت ناشطات مثل، ليبيراتا بوراتوا، التي تدير شبكة مراقبة السلام.

وقالت بوراتوا في تصريحات صحفية "نريد السلام وسنواصل النضال من أجله.ز نحن نواصل الاتصال بالسلطات حتى يعود السلام ونتمكن من العودة لديارنا".

كما غامرت ناشطات أخريات، مثل، بترونيل فاويكا، من منظمة النساء من أجل السلام في أفريقيا لتدخل مناطق يسيطر عليها المتمردون من أجل مناشدة القادة لحثهم على الحوار.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟