سفينة سيطر عليها الحوثيون في نوفمبر الماضي. أرشيفية
سفينة سيطر عليها الحوثيون في نوفمبر الماضي. أرشيفية

تعمل الولايات المتحدة على "إقناع" شركات الشحن بأن القوة متعددة الجنسيات التي دعت إليها واشنطن، تضمن أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، وذلك في ظل الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران، ضد سفن جنوبي البحر الأحمر.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، لوكالة بلومبرغ، الخميس، إن البنتاغون يعمل "بشكل شبه يومي" مع صناعة الشحن البحري "لمعرفة الاحتياجات وتقديم الضمانات بأن المجتمع الدولي موجود للمساعدة في توفير ممر آمن".

ويبدو أنه حتى الآن، بحسب بلومبرغ، "لا تعتبر محاولات البنتاغون كافية لمعظم خطوط الشحن، حتى تراهن على أن الطائرات بدون طيار أو الصواريخ (الحوثية) لن تتمكن من تجاوز الدفاعات وإصابة سفنها".

وصرح ضابط البحرية المتقاعد وكبير الاستشاريين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، مارك كانسيان، للوكالة: "سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتيقنوا (شركات الشحن) من الوضع الأمني. لو اتضح أن الولايات المتحدة والتحالف بإمكانهم الحفاظ على أمن الممر الملاحي، فستعود الشركات، لكن في الوقت الحالي لا يمكنهم التأكد حقًا".

وأضاف أن "بعض سفن الشحن ستكون أكثر استعدادا للمخاطرة من الأخرى، وستكون المرتبطة منها بإسرائيل أكثر حذرًا".

وكثفت حركة الحوثي المتحالفة مع إيران هجماتها على السفن في البحر الأحمر، في إطار دعمها لحركة "حماس" في قطاع غزة، التي تخوض حربا مع إسرائيل.

وتستهدف الهجمات ممرا مائيا (مضيق باب المندب) الذي يربط بين الشرق والغرب ويسمح للتجارة، لا سيما تجارة النفط، بالعبور من قناة السويس، بطريقة توفر الوقت والنفقات، بدلا من الدوران حول القارة الأفريقية.

ودفعت الهجمات الحوثية بعض شركات الشحن لتغيير مسار سفنها، في وقت سابق من ديسمبر، لتجنب المنطقة.

واتفقت عدة دول بقيادة الولايات المتحدة، في 19 ديسمبر، على تسيير دوريات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، لحماية سفن الشحن التجارية من الهجمات التي تشنها حركة الحوثي، ضمن عملية تعرف باسم "حارس الازدهار".

وتقول الولايات المتحدة إن "حارس الازدهار" هو "تحالف دفاعي يضم أكثر من 20 دولة، لضمان تدفق تجارة بمليارات الدولارات بحرية عبر نقطة شحن حيوية في مياه البحر الأحمر قبالة اليمن".

والخميس، أسقطت البحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر مسيرة وصاروخا بالستيا مضادا للسفن، أطلقهما المتمردون الحوثيون في اليمن، حسبما أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط "سنتكوم".

ويقول الحوثيون إنهم سيواصلون ما يقومون به "حتى دخول ما يكفي من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة"، الذي تقصفه إسرائيل وتحاصره بشكل كامل ردا على هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر على بلدات بغلاف غزة.

من جانبه، قال المحلل المختص في الشؤون الدفاعية، جيني موران، لبلومبرغ، إن الطريقة التي يتم التعامل بها "لا تعالج سبب التهديد"، مضيفًا: "يبدو أننا نتحرك بحذر شديد في وقت تتطلب فيه الظروف ردا أكثر قوة".

لكنه أوضح أن طبيعة التهديد "المختلطة"، التي تشمل هجمات محتملة من طائرات مسيرة وصواريخ وزوارق صغيرة، يجعل الرد "أكثر صعوبة، لأن السفن المشاركة في التحالف لن تكون بنفس قوة السفن الأميركية".

وتمتلك واشنطن ما لا يقل عن 3 مدمرات متمركزة في البحر الأحمر، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بوقت سابق هذا الشهر، فيما تشارك عدة دول بسفن حربية.

وتكرر الولايات المتحدة تصريحاتها بشأن عملها على عدم توسع نطاق الحرب الدائرة في غزة حاليا، والتي تسببت في قصف وهجمات متبادلة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، بجانب استهداف قواعد أميركية في العراق بواسطة مجموعات موالية لإيران.

ويواصل كانسيان: "لو بدأت الولايات المتحدة استهداف معسكرات الحوثيين، ربما يزيد ذلك من المخاطر ولن يقللها. لا أعتقد أن شركات الشحن خصوصا، ترغب في حدوث ذلك".

يذكر أنه في أعقاب الإعلان عن التحالف الجديد، قالت شركة "سي إم آ سي جي إم" الفرنسية، أن بعض سفنها عاودت عبور البحر الأحمر، في وقت تعتزم "ميرسك" الدنماركية القيام بالخطوة ذاتها، وذلك بعد تعليق رحلاتها بسبب هجمات الحوثيين.

ورأت شركة "ميرسك"، بحسب بيان الأربعاء، أن تشكيل هذا التحالف هو "نبأ جيد لكامل قطاع" النقل البحري، يتيح استئناف حركة الملاحة، إلا أنها شددت على أن "الخطر الإجمالي في هذه المنطقة لم يلغ بعد".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

 برنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة. البرنامج الذي أعدته نسرين عجب كشف عن ثمن صحي باهظ لتلك المنتجات. 

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟