منظر جوي يظهر مدينة هرجيسا بمنطقة "أرض الصومال"- صورة أرشيفية.
منظر جوي يظهر مدينة هرجيسا بمنطقة "أرض الصومال"- صورة أرشيفية.

وصفها البعض بـ"خطاب مصر الأقوى" تجاه إثيوبيا، بينما يرى فيها آخرون "مجرد استهلاك إعلامي"، حالة من الجدل تبعت تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حول رفض القاهرة "الاتفاق بين أديس أبابا وأرض الصومال" بشأن استئجار أراض مطلة على البحر الأحمر.

وتأتي هذه التصريحات لتطرح تساؤلات عن الدوافع التي تقف ورائها، وإمكانية تفاقم الأزمة بين الجانبين، خاصة أن التوتر المصري الإثيوبي ليس جديدا، ويرجع إلى خلافات بشأن سد النهضة الذي بنته أديس أبابا على مجرى النيل.

تحذير مصري ورد إثيوبي

الأحد، حذر السيسي من "المساس بسيادة الصومال أو وحدة أراضيها"، عقب مباحثات أجراها مع نظيره الصومالي، حسن شيخ محمود، في القاهرة.

وقال السيسي في مؤتمر صحفي: "مصر لن تسمح لأحد بتهديدها (الصومال) أو المساس بأمنها... محدش (لا أحد) يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خاصة لو طلبوا منها التدخل".

وتابع: "رسالتي لإثيوبيا... محاولة القفز على أرض من الأراضي لمحاولة السيطرة عليها.. لن يوافق أحد على ذلك".

ومن جانبها، رفضت أديس أبابا، الأحد، الانتقادات المصرية للاتفاق، وقال رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لإثيوبيا، إن المذكرة الموقعة مع إقليم أرض الصومال صفقة تجارية وليس ضما أو فرضا للسيادة على أراضي أي دولة.

وأضاف: "بعض الجهات الفاعلة التي لم تقدم الكثير من الدعم للصومال خلال فترة حاجته الماسة، تحاول تقديم نفسها كأصدقاء حقيقيين للصومال، ولكن من الواضح أن ما يدفعهم ليس الود تجاه الصومال، بل العداء تجاه إثيوبيا".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد حسن، إلى أن "مذكرة التفاهم الموقعة بين بلاده وأرض الصومال سوف تستكمل لاحقا لتتحول إلى اتفاقية تهدف لعثور إثيوبيا على منفذ بحري بصيغة الإيجار".

ولا تمثل الاتفاقية "امتلاك أو اقتطاع من أراضي الصومال، كما يروج الإعلام الصومالي ونظيره المصري، بغرض خلف الفتن"، بحسب المحلل السياسي الإثيوبي.

لكن على جانب آخر، يؤكد المحلل السياسي الصومالي، عمر فارح، أن "مذكرة التفاهم باطلة وتمس سيادة بلاده باعتبار (أرض الصومال) إقليم محلي وجزء لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية".

ولو أرادت إثيوبيا "عقد اتفاقية" كان عليها اتخاذ "المسارات الدبلوماسية" والتواصل مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، لكنها التفت على ذلك وذهبت لـ"أرض الصومال المحلية"، وبالتالي فالاتفاقية "ملغاة"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ويتفق معه المحلل السياسي المصري، فادي عيد، الذي يرى أن "الاتفاقية ليست تجارية لكن لها أهداف وأغراض عسكرية، موجهة في المقام الأول تجاه مصر".

وتسعى إثيوبيا للحصول على منفذ على البحر الأحمر، وتحاول منذ سنوات بناء "سلاح بحري وقوات بحرية"، ولم تكتفي بتهديد الأمن المائي المصري من خلال "سد النهضة"، لكنها بمثابة "شوكة بظهر مصر في أفريقيا"، حسبما يقول عيد لموقع "الحرة".

ويشار إلى أن اتفاقية أرض الصومال وإثيوبيا بشأن استئجار ميناء بربرة ليست القضية الأولى التي توتر العلاقة مع مصر، حيث أدى بناء أديس أبابا لسد النهضة إلى جعل العلاقة مع القاهرة متوترة باعتبار أنه مبني عند منبع نهر النيل الاستراتيجي لمصر.

ماذا  وراء تصريحات السيسي؟

وفي مطلع يناير الحالي، وقعت "أرض الصومال" "مذكرة تفاهم" تمنح بموجبها إثيوبيا حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومترا من أراضيها لمدة 50 عاما، عبر اتفاقية "إيجار".

وستستأجر أديس أبابا بموجب الاتفاق 20 كيلومترا من الأراضي الساحلية حول ميناء بربرة المطل على خليج عدن لمدة 50 عاما لأغراض "عسكرية وتجارية"، حسب وكالة "رويترز".

ويقع الميناء الرئيسي الحالي الذي تستخدمه إثيوبيا لصادراتها البحرية في دولة جيبوتي المجاورة.

ويخدم هذا الاتفاق مصلحة ثاني أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، وخصوصا أن إثيوبيا خسرت منفذها البحري إثر استقلال إريتريا عام 1993.

ونص الاتفاق على السماح لأديس أبابا باستئجار ميناء على البحر الأحمر، ولكن لم توضع بعد اللمسات النهائية عليه، وتمثل الاتفاقية دعما لإثيوبيا "الحبيسة" لكنه أثار غضب الصومال، وتعد تصريحات السيسي "الأقوى حتى الآن بخصوص الأزمة".

ويشير فارح إلى وجود "علاقات تاريخية ممتدة بين مصر والصومال، فضلا عن عضوية بلاده والقاهرة بالاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية".

وجاءت تصريحات السيسي تأكيدا لـ"العلاقات المتينة مع الصومال"، وكدليل على "تفوق الدبلوماسية الصومالية بشأن الأزمة مع إثيوبيا"، وفق المحلل السياسي الصومالي.

ومن جانبه، يرى حسن أن "تصريحات السيسي جاءت بغرض الاستهلاك الإعلامي الموجه للداخل المصري، في ظل مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية تعاني منها مصر".

وأراد السيسي "إشغال الرأي العام المصري عن القضايا الداخلية، كرسالة داخلية أكثر من كونها معنية بالقضية الصومالية"، وفق المحلل السياسي الإثيوبي.

لكن عيد ينفي هذا الطرح، ويؤكد أن "تحركات إثيوبيا فيما يخص ملف سد النهضة وكذلك الاتفاقية مع (أرض الصومال) تهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر".

هل يحدث تصعيد عسكري؟

تشير تصريحات السيسي إلى احتمال انجرار القاهرة إلى نزاع أثار فصلا جديدا من التوتر في منطقة القرن الأفريقي المضطربة، وتوترت العلاقات بين مصر وإثيوبيا منذ سنوات بسبب سد النهضة.

وتتمتع "أرض الصومال"، بموقع استراتيجي على الضفة الجنوبية لخليج عدن، أحد طرق التجارة الأكثر نشاطا في العالم، عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس.

ويؤكد عيد أن السيسي قالها صراحة بأن مصر "لن تتردد في التدخل"، وأرسل "تهديدا مباشرا" للجانب الإثيوبي بعدم التواجد على "أرض الصومال"، وإلا سيكون التصعيد المقبل هو "الدخول في حرب مباشرة".

ويرى المحلل السياسي المصري أن "تحركات إثيوبيا تهدد وتمس الأمن القومي لمصر وكذلك منطقة القرن الأفريقي"، وهو ما تعيه القيادة المصرية جيدا، على حد قوله.

وقد تتسع الأزمة بين مصر وإثيوبيا وتشتعل النيران بمنطقة القرن الأفريقي، لكن الكرة الآن في "الملعب الإثيوبي ويتوقف الأمر على تحركات أديس أبابا المقبلة"، حسب عيد.

والقاهرة لها "حضور قوي" بجنوب السودان وكينيا وأوغندا والصومال، ودول "جارة لإثيوبيا"، وبالتالي فهي "لن تتردد في التدخل العسكري" إذا اقتضى الأمر، وفق المحلل السياسي المصري.

أما حسن فيشير إلى أن مصر "تضغط منذ سنوات على إثيوبيا عبر المنابر الإعلامية والمحافل الدولية لحشد الرأي".

ولم تنجح مصر باستخدام تلك الأدوات في "التوصل لاتفاق مع إثيوبيا حول سد النهضة"، وبالتالي "لن تستطيع الضغط على أديس أبابا هذه المرة أيضا"، حسبما يقول المحلل السياسي الإثيوبي.

ويتطرق المصدر ذاته لحديث السيسي حول اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ويقول "هذا مشروع انتهى وقته ولم نرى له أي فعل على أرض الواقع".

ويتساءل مستنكرا: "هل سيتم الدفاع العربي المشترك في مواجهة إثيوبيا فقط؟!".

ومن جانبه، يشدد فارح على أن بلاده "غير معنية بالدخول في مواجهات عسكرية أو حروب، والصومال ليس مستعدا للتدخل العسكري، ويرتب بيته الداخلي، ويحارب تنظيمات (إرهابية)، ويفضل اتخاذ المسارات الدبلوماسية للدفاع عن نفسه".

لكن المحلل السياسي الصومالي يؤكد أيضا، أن لدى الصومال عدة خيارات مختلفة أبرزها الدبلوماسي واحترام القوانين الدولية واللجوء لجامعة الدول العربية التي لديها "صوت قوي لحسم الأزمة مع إثيوبيا".

وأعلنت منطقة "أرض الصومال" استقلالها عن الصومال عام 1991 لكنها لم تحظ باعتراف دولي.

وفي مذكرة التفاهم، قالت إثيوبيا إنها ستبحث أمر الاعتراف باستقلال "أرض الصومال" مقابل السماح لها بالاستفادة من ميناء بربرة.

وتعارض الحكومة بشدة مطلب استقلال "أرض الصومال"، وهي منطقة مستقرة نسبيا يبلغ عدد سكانها 4.5 ملايين نسمة ولديها عملتها الخاصة وتصدر جوازات سفر خاصة بها، لكن عدم الاعتراف الدولي يبقيها في حالة من العزلة.

ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومصر وتركيا إلى احترام سيادة الصومال.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

تجلت حالة العزلة التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح الأسبوع الماضي مع نشر صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصفته إسرائيل بأنه "إرهابي من تنظيم القاعدة يرتدي بدلة".

وقال ترامب للصحفيين بعد محادثات مع الشرع، الأربعاء، في الرياض "إنه يملك الإمكانات. إنه زعيم حقيقي". وجاءت تلك التصريحات خلال اجتماع توسطت فيه السعودية، التي اتفقت مع ترامب خلال الزيارة على عدد من الصفقات في الأسلحة والأعمال والتكنولوجيا.

جولة ترامب السريعة التي استمرت أربعة أيام وشملت السعودية وقطر والإمارات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد مشهد دبلوماسي مصحوب باستثمارات ضخمة.

وقالت ثلاثة مصادر إقليمية ومصدران غربيان إن الجولة الخليجية همشت إسرائيل وأبرزت ظهور نظام جديد للشرق الأوسط تقوده الدول السنية متجاوزا "محور المقاومة" المنهار التابع لإيران.

وفي ظل الغضب المتزايد في واشنطن إزاء عدم توصل إسرائيل لاتفاق بشأن وقف لإطلاق النار في غزة، ذكرت المصادر أن جولة ترامب تمثل رسالة تجاهل لنتنياهو، الحليف المقرب للولايات المتحدة والذي كان أول زعيم أجنبي يزور واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة في يناير.

وأضافت المصادر أن الرسالة كانت واضحة: ففي رؤية ترامب للدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي رؤية أقل أيديولوجية وتعتمد أكثر على النتائج، لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط لأجندته اليمينية.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جورج بوش الابن "تشعر هذه الإدارة بالإحباط الشديد من نتنياهو، وهذا الإحباط واضح... إنهم يتعاملون بشكل تجاري للغاية، ونتنياهو لا يقدم لهم أي شيء في الوقت الراهن".

وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، التي لا تزال حليفا قويا للولايات المتحدة وتحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية والحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لكن المصادر أضافت أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة إلى نتنياهو مفادها أن الولايات المتحدة لها مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط ولا تريد منه أن يقف في طريقها.

وذكرت مصادر مطلعة أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد ليس فقط بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي قبول وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا بسبب اعتراضه على المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق. ولم يُصدر المكتب أي تصريحات بشأن زيارة ترامب الخليجية.

وأكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن ترامب لا يزال صديقا لإسرائيل.

وقال المتحدث باسم المجلس جيمس هيويت "نواصل العمل عن كثب مع حليفتنا إسرائيل لضمان إطلاق سراح باقي الرهائن في غزة وعدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وذكرت المصادر المطلعة أنه على الرغم من تأكيد مسؤولين في إدارة ترامب علانية على متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يعبرون في الجلسات المغلقة عن انزعاجهم من رفض نتنياهو مسايرة المواقف الأميركية بشأن غزة وإيران.

وقالت ستة مصادر إقليمية وغربية إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ في التزايد قبل جولة ترامب الخليجية.

وبدأ التوتر عندما سافر نتنياهو إلى واشنطن في زيارة ثانية في أبريل سعيا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية، لكنه فوجئ بتحول الرئيس نحو الخيار الدبلوماسي إذ علم قبل ساعات فقط من اللقاء أن المفاوضات على وشك أن تبدأ.

وفي الأسابيع التالية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن والتقارب مع القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا كما تجاوز إسرائيل في زيارته الخليجية، وهو ما يظهر التوتر في العلاقات التقليدية بين الحليفتين، وفقا للمصادر.

وقال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن ومدير مشروع عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إن واشنطن وتل أبيب "لا تبدوان على توافق في القضايا الكبرى كما كانتا في المئة يوم الأولى" من رئاسة ترامب.

غزة تثبت الانقسام

خلال حملته الانتخابية، أوضح ترامب أنه يريد وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن هناك قبل عودته إلى البيت الأبيض.

لكن بعد مرور أشهر على رئاسة ترامب، واصل نتنياهو تحدي دعوات وقف إطلاق النار، ووسع نطاق الهجوم، ولم يقدم أي خطة لإنهاء الحرب أو خطة لما بعد الحرب في الصراع المستمر منذ 19 شهرا. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد القتلى في القطاع تجاوز 52900.

واندلعت الحرب، التي أثارت تنديدات دولية بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بسبب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وتبدد أي أمل في استغلال ترامب زيارته للمنطقة لتعزيز صورته كصانع سلام والإعلان عن اتفاق لإنهاء الحرب.

وبدلا من ذلك، ضاعف نتنياهو، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، هدفه المتمثل في سحق حماس. ويخضع نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل بتهم الفساد التي ينفيها.

وخلال اختتام ترامب زيارته، شنت إسرائيل هجوما جديدا الجمعة على غزة. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل مئات الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية.

أما الأولوية الأخرى لترامب، وهي توسيع اتفاقات إبراهيم التي تطبّع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية لتشمل السعودية، فقد عرقلها أيضا تعنت نتنياهو.

وأوضحت الرياض أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتوقف الحرب ويصبح هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقال شينكر "ليست لديه استراتيجية، ولا خطة لليوم التالي بشأن غزة". وأضاف "وهو يعترض الطريق".

أما علنا، فقد رفض ترامب نفسه أي حديث عن أي خلاف. وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثت بعد زيارة الخليج، نفى ترامب أن يكون محبطا من نتنياهو الذي قال عنه إنه يواجه "وضعا صعبا" بسبب الحرب في غزة.

لكن ترامب يمضي قدما من دون نتنياهو. وباهتمام بالمصالح الذاتية دون حرج، يقود الرئيس الأميركي عملية إعادة تنظيم للدبلوماسية الأميركية تجاه الدول السنية الثرية، التي ترتكز على الرياض الغنية بالنفط.

وقال مصدر إقليمي كبير إن زيارة ترامب توجت الدور المؤثر للسعودية بصفتها قائدا للعالم العربي السني. وعلى النقيض من ذلك، فقد أدت سنوات من التجاوزات الإيرانية، والضربات العسكرية الإسرائيلية القوية لحليفتيها حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى تراجع دور طهران بصفتها قوة إقليمية شيعية.

وأضاف المصدر "كان لإيران الدور القيادي، والآن دخلت السعودية بأدوات أخرى: الاقتصاد والمال والاستثمار".

صعود السُنة

رغم أن نتنياهو هو من تصدر المعركة ضد إيران، يتشكل النظام الإقليمي الجديد في الرياض والدوحة وأبوظبي.

وتتطلع هذه الدول الخليجية إلى الحصول على أسلحة متطورة لحمايتها من هجمات إيران ووكلائها وكذلك إمكانية الوصول للرقائق الأميركية المتطورة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ووجدوا شريكا راغبا يتمثل في رئيس أميركي يمكن أن تتداخل سياسته الخارجية أحيانا مع المصالح المالية لعائلته.

وفي قطر، المحطة الثانية من جولته، جرى تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747 لترامب وجرى استقباله بحفاوة تليق بملك.

ووسط احتفال فخم ورقصات بالسيف واستعراض للفرسان ومأدبة ملكية، أعلن ترامب أن قطر، التي قدمت دعما ماليا كبيرا لحركة حماس، "تحاول المساعدة بكل تأكيد" في أزمة الرهائن الإسرائيليين.

وضرب تصريح ترامب على وتر حساس في القدس، حيث ينظر المسؤولون إلى الدوحة كتهديد استراتيجي يمول أحد ألد أعدائهم.

وقال يوئيل جوزانسكي وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن العديد من الإسرائيليين "لا يفهمون مدى مركزية قطر بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنها تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف جوزانكسي أنه في الوقت الذي تجعل علاقة قطر مع حماس من الدولة الخليجية تهديدا لإسرائيل، فإن ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي ونفوذها المالي ونفوذها الدبلوماسي حولها إلى حليف لا غنى عنه لواشنطن.

وقدر البيت الأبيض أن الجولة إجمالا ضمنت أكثر من تريليوني دولار من الالتزامات الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي، منها طلبيات كبيرة لطائرات بوينغ وصفقات لشراء معدات دفاعية أميركية واتفاقيات لشراء خدمات تكنولوجية. بينما وجد إحصاء أجرته رويترز للصفقات المعلنة أن القيمة الإجمالية تصل لما يقارب 700 مليار دولار.

وفي السعودية، وافق ترامب على صفقة أسلحة قياسية بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، مما أجج المخاوف الإسرائيلية من فقدان التفوق الجوي في المنطقة إذا حصلت الرياض على طائرة لوكهيد من طراز إف-35.

وفي الوقت نفسه، وفي إعادة تقويم للعلاقات الأميركية السعودية، عرض ترامب على الرياض مهلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا لحكام السعودية إن بإمكانهم القيام بذلك في الوقت الذي يناسبهم.

والآن، يتفاوض ترامب على استثمار نووي مدني تقوده الولايات المتحدة للسعودية، وهي صفقة أخرى تثير قلق إسرائيل.

ودفعت الدول التي تتبع المذهب السني أجندتها الدبلوماسية الخاصة. وجاء إعلان ترامب المفاجئ خلال جولته عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في تحول آخر كبير في السياسة الأميركية، بناء على طلب من السعودية ورغم اعتراضات إسرائيل.

وحتى ديسمبر، عندما أطاح أحمد الشرع بالرئيس السوري بشار الأسد، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض عليه.

ورحبت دول الخليج بالهدنة التي أعلنها ترامب مع الحوثيين في اليمن، وهم جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، والتي وضعت حدا لعملية عسكرية أميركية مكلفة في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان، الذي أعقب إجراء المحادثات النووية مع إيران، بعد يومين فقط من سقوط صاروخ حوثي على مطار بن غوريون الإسرائيلي.

وقال جوزانسكي وهو منسق سابق لشؤون إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يزيد موقف إسرائيل أكثر فأكثر كمخربة تقف في طريق ليس فقط الولايات المتحدة بل المجتمع الدولي، إذ تحاول تشكيل المنطقة بشكل مختلف بعد سقوط الأسد وحزب الله وربما إنهاء حرب غزة".

وفي حين التزمت حكومة نتنياهو اليمينية الصمت إزاء زيارة ترامب، عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن قلقها من أن مكانة البلاد مع أهم حلفائها آخذة في التراجع.

وانتقد سياسيون معارضون رئيس الوزراء لسماحه بتهميش إسرائيل بينما يعاد تشكيل تحالفات قديمة.

ووجه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي يستعد للعودة إلى الحياة السياسية، اتهاما لاذعا لحكومة نتنياهو، مجسدا بذلك الشعور بالقلق الذي يسيطر على كثيرين في المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

وقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق على أكس "الشرق الأوسط يشهد تغييرات في بنائه أمام أعيننا وأعداؤنا يزدادون قوة، ونتنياهو... وجماعته مشلولون، سلبيون وكأنهم غير موجودين".