قوات أميركية في العراق
قوات أميركية في العراق- أرشيف

تحتفظ الولايات المتحدة بما يقرب من 2500 جندي في العراق، مهمتهم تنحصر في تقديم المشورة والمساعدة، منذ ديسمبر عام 2021، عندما أعلن الجيش الأميركي نهاية دوره القتالي في البلاد.

وفي تطور ملفت، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للحرة، الأربعاء، أن واشنطن وبغداد ستبدأ "قريبا" محادثات بشأن إنهاء مهمة التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وكيفية استبداله بعلاقات ثنائية، وهي خطوة ضمن عملية توقفت بسبب حرب إسرائيل على قطاع غزة.

وأتى تأكيد المتحدث ردا على طلب تعليق للحرة بشأن تقارير نشرتها رويترز و"سي إن إن" تحدثت عن انطلاق المفاوضات بين واشنطن وبغداد فيما يخص التواجد الأميركي في العراق. 

المتحدث ذكر أن "الولايات المتحدة والعراق اقتربا من التوافق بشأن بدء حوار اللجنة العسكرية العليا، والتي تم الإعلان عنها سابقا في أغسطس". 
الوجود الأميركي بالعراق.. مسؤول يؤكد للحرة بدء المفاوضات مع بغداد "قريبا" 
أكد متحدث باسم الخارجية الأميركية، الأربعاء، للحرة أن واشنطن وبغداد "اقتربتا" من توافق على بدء عمل اللجنة العسكرية العليا تمهيدا لتحويل مهمة التحالف الدولي لدحر داعش والذي تقوده الولايات المتحدة إلى علاقات ثنائية. 

وذكرت مصادر رويترز أن العملية قد تستغرق عدة أشهر إلى سنوات، منوهة إلى أن انسحاب القوات الأميركية ليس وشيكا.

كيف بدأ الانسحاب الأميركي تدريجيا؟

في الرابع من نوفمبر عام 2008، انتخب باراك أوباما، الذي تعهد في حملته الانتخابية بسحب القوات القتالية من العراق في غضون 16 شهرا من توليه منصبه، ليصبح الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة.

وبعد ثلاثة أسابيع، وافق البرلمان العراقي على اتفاقيتين تحددان الخطوط العريضة للجيش المستقبلي، والعلاقات المدنية بين واشنطن وبغداد، وذلك استعدادا لانسحاب القوات الأميركية من العراق بحلول عام 2011.

ووفاءً بتعهده الانتخابي، أعلن أوباما، في فبراير عام 2009، خططه لسحب الألوية الأميركية المقاتِلة من العراق بحلول أغسطس عام 2010.

تعمل القوات الأميركية على تقديم المشورة للجيش العراقي

تضمنت خطة أوباما إبقاء قوة انتقالية تتألف من 35 ألف إلى 50 ألف جندي وعنصر من مشاة البحرية لتدريب وتجهيز وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية حتى نهاية عام 2011. 

وفي يونيو عام 2009، بدأت القوات القتالية الأميركية بالانسحاب تدريجيا من بغداد والمدن العراقية الأخرى، وفقا لاتفاقية وضع القوات (SOFA) بين العراق والولايات المتحدة.

بموجب الاتفاق أغلقت أكثر من 150 قاعدة وموقعا أميركيا في المدن العراقية قبل الموعد النهائي في 30 يونيو.

ووفقا لتلك الاتفاقيات الأمنية، أعلن أوباما في أكتوبر عام 2011، أن 39 ألف جندي أميركي سيعودون من العراق بحلول نهاية العام ذاته، مما مثل نهاية للحرب التي هدفت إلى التخلص من نظام، صدام حسين، وبداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق.

جنود أميركيون في العراق

وبالفعل، غادر آخر الجنود الأميركيين القتاليين من العراق، في ديسمبر عام 2011، منهين مهمة عسكرية استمرت قرابة تسع سنوات.

ومنذ عام 2003، خدم في العراق أكثر من مليون طيار وجندي وبحارة ومشاة البحرية تابعين للجيش الأميركي.

ظهور داعش

يرتبط تنظيم داعش أساسا بفلول تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي، في عام 2004، وهو فرع محلي لتنظيم القاعدة الذي كان يتبع لأسامة بن لادن. 

ورغم أن مقتل الزرقاوي أضعف هذا التنظيم المتطرف، إلا أن فلوله استغلوا حالة عدم الاستقرار في العراق وسوريا، وعادوا للظهور باسم جديد للتنظيم يدعى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، في عام 2013. 

وشن داعش هجوما على الموصل وتكريت، في يونيو عام 2014. وفي 29 يونيو، أعلن زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، تشكيل "دولة خلافة" تمتد من حلب في سوريا إلى ديالى في العراق.

استمر اختفاء البغدادي إلى يوم 27 أكتوبر عام 2019، حين أعلن الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، أن القوات الأميركية قتلت زعيم تنظيم داعش في غارة شمال غرب سوريا.

وقال ترامب إن "الغارة الجريئة والخطيرة" تمت دون أي عوائق، ولم تقع إصابات في صفوف القوات الأميركية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس ووزير الدفاع مارك إسبر مع مسؤولين في فريق الأمن القومي يتابعون عملية استهداف أبو بكر البغدادي

التحالف الدولي

في 10 سبتمبر عام 2014، أعلن الرئيس أوباما تشكيل تحالف عالمي من أجل "إضعاف وهزيمة" تنظيم داعش، فوافقت أكثر من 70 دولة ومؤسسة، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، على الانضمام والمساهمة إما بقوات عسكرية أو موارد، أو كليهما، في الحملة. 

تضمَّن هذا الجهد توزيع مهام أساسية على الأعضاء في التحالف، منها دعم العمليات العسكرية، وبناء القدرات والتدريب للجيش العراقي بقيادة الولايات المتحدة والعراق.

يتلقى الجيش العراقي الدعم والتدريب من القوات الأميركية

كما تضمن وقف تدفق الإرهابيين الأجانب، بقيادة هولندا وتركيا، بالإضافة إلى منع وصول تنظيم داعش إلى التمويل بقيادة إيطاليا والسعودية والولايات المتحدة.

وشمل أيضا تقديم الإغاثة الإنسانية والتعامل مع الأزمات المرتبطة بهجمات وأفعال داعش، وذلك بقيادة ألمانيا والإمارات.

كما تولت الإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مهمة فضح الطبيعة الحقيقية لتنظيم داعش.

وبشكل عام، ساهمت كل دولة في التحالف بطريقة تتناسب مع مصالحها الوطنية وميزتها النسبية. 

وشملت المساهمات المساعدات العسكرية وغير العسكرية، حيث تبرعت بلدان بالمساعدات الإنسانية مباشرة إلى الحكومات المحلية أو المنظمات غير الحكومية العاملة على الأرض. 

وفي 15 أكتوبر، أطلقت الولايات المتحدة على الحملة اسم "عملية العزم الصلب"، وفي عام 2015، نفذت أكثر من 8000 غارة جوية في العراق وسوريا.

تكبد تنظيم داعش خسائر كبيرة على طول الحدود السورية مع تركيا، وبحلول نهاية عام 2015، أحرزت القوات العراقية تقدما على الأرض.

في فبراير عام 2016، قدّر المسؤولون الأميركيون أن الغارات الجوية قتلت ما لا يقل عن 26 ألف عنصر من داعش.

قوات عراقية تساعد مدنيين خلال معاركها في الموصل ضد داعش

لكن في سوريا، حقق التنظيم مكاسب بالقرب من حلب، وبقي مسيطرا بقوة على الرقة ومعاقل أخرى.

ووفقا لوزارة الدفاع الأميركية، حتى 28 يونيو عام 2016، شن التحالف الدولي 13470 غارة جوية على أهداف لتنظيم داعش، منها 9099 نفذت في العراق، و471 نفذت في سوريا.

وبحلول 31 مايو عام 2016، وثق التحالف تدمير 26374 هدفا للتنظيم المتطرف. وأنفقت الولايات المتحدة 7.5 مليار دولار على العمليات العسكرية ضد داعش منذ 8 أغسطس عام 2014، بمتوسط يومي تكلفة قدرها 11.7 مليون دولار.

كثفت الولايات المتحدة من جهود محاربة داعش في العراق وسوريا. وفي أبريل عام 2016، أعلن وزير الخارجية الأميركي حينها، جون كيري، أن الولايات المتحدة "في حالة حرب حاسمة مع داعش"، كما أعلن وزير الدفاع، آشتون كارتر، أن القيادة السيبرانية لوزارة الدفاع قد تم إشراكها في الجهود المبذولة لمواجهة داعش.

تغيير الخطة

في نهاية عام 2015، أظهر تنظيم داعش درجة من النفوذ على المستوى الاستراتيجي، وتمكن من تنفيذ هجمات في المدن الغربية، ولا سيما باريس وبروكسل وسان برناردينو، والتوسع إلى بلدان أخرى، بما في ذلك ليبيا. 

ومع هذه التطورات وغيرها، قررت إدارة أوباما أنه يجب عليها تغيير خطة حملتها العسكرية، والابتعاد عن نهج "العراق أولا" إلى تسلسل الحملة واستهداف تنظيم داعش بشكل مباشر أكثر مع "تسريع" عملياتها الشاملة.

وتجسيدا لهذا القرار، أعلن وزير الدفاع آنذاك، آشتون كارتر، أن الولايات المتحدة سترسل قوة استهداف استطلاعية قوامها حوالي 200 جندي إلى مسرح العمليات في العراق.

كما أعلن كارتر زيادة بنسبة 50 بالمئة في ميزانية وزارة الدفاع الأميركية المطلوبة للعمليات والقدرات المرتبطة بمكافحة تنظيم داعش.

قاعدة عين الأسد في العراق تستضيف قوات أميركية وعراقية وقوات من التحالف

وتضمن الطلب 1.8 مليار دولار لشراء 45 ألف قنبلة ذكية موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وصواريخ موجهة بالليزر، بالإضافة إلى استثمار في صيانة طائرات مقاتلة وهجومية من الجيل الرابع، بما في ذلك طائرة A-10.

كان الهدف من هذا التعزيز تكثيف الضربات الدقيقة لتنظيم داعش وتقويض قدرته على التوسع خارج حدود العراق وسوريا.

الضغط الأميركي على الحلفاء

في فبراير عام 2016، أعرب الوزير كارتر عن إحباطه من أن شركاء التحالف الدولي لم يبذلوا ما يكفي لتحمل العبء العسكري لمواجهة تنظيم داعش.

والتقى كارتر مع نظرائه من عدد من الدول المساهمة في التحالف في مقر الناتو في بروكسل لتقديم مساهمات إضافية للحملة وإطلاع الدول الأخرى على مفهوم الولايات المتحدة المحدَّث لعمليات العزم الصلب.

كانت نتائج لقاء كارتر بأعضاء التحالف مثمرة، وأدت إلى الاتفاق على توسيع نطاق العمليات الجوية لتشمل سوريا، وتدريب الشرطة، وتحقيق الاستقرار، والمساعدة في التعافي، وتوفير المزيد من المدربين، والدعم اللوجستي الحيوي والعتاد للشركاء المحليين على الأرض.

في 6 أبريل عام 2016، ذكر مسؤولو البنتاغون أن التحالف أضعَفَ قدرة داعش على التحرك بحرية في ساحة المعركة بينما استعاد مساحات كبيرة من الأراضي وأضعف قيادة التنظيم وموارده. 

قدكت الولايات الأميركية الدعم لقوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش في سوريا

وفي يوليو عام 2016، أعاد كارتر التأكيد على أن وتيرة ملاحقة داعش من مدينة إلى أخرى وفي كل مجال واتجاه تسارعت بشكل أكبر، مما أدى إلى الضغط على التنظيم وتراجعه نحو الرقة في سوريا والموصل في العراق.

وفي 13 أبريل عام 2016، أعلن البنتاغون أن القتال ضد تنظيم داعش انتقل إلى المرحلة الثانية. وقال المتحدث العسكري آنذاك، الكولونيل ستيف وارن: "نعتقد أنه من خلال تفكيك التنظيم في المرحلة الأولى، ثم تفكيكه في المرحلة الثانية، نعتقد أن ذلك سيؤسس للمرحلة الثالثة، والتي، بالطبع، هي الهزيمة النهائية للعدو". وتركزت المرحلة الثانية على استعادة معاقل داعش الرئيسية في الموصل والرقة.

وفي الشهر ذاته، بدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بتسليح القوات الكردية بأسلحة ثقيلة لتعزيز قدراتها القتالية ضد تنظيم داعش في شمالي سوريا.

كما نشر الجيش الأميركي طائرات تكتيكية قادرة على مهاجمة أنظمة اتصالات داعش.

وبالتزامن، نشرت القوات الجوية الأميركية، في 15 أبريل عام 2016، قاذفات من طراز B-52 لتنفيذ غارات جوية، وهو أول انتشار قتالي لهذا النوع من الطائرات الضخمة في العراق منذ عام 1991.

كانت المرحلة الأخيرة من الخطة الأميركية للقضاء على التنظيم هي عزل داعش في الرقة والموصل، لقطع اتصالاته ومنع حصوله على الإمدادات، ما يسهل القضاء عليه.

في 11 يوليو عام 2016، زار كارتر بغداد، وأعلن نشر 560 جنديا أميركيا إضافيا في العراق، مما رفع إجمالي عدد القوات الأميركية المُصرَّح بها في العراق إلى 4647 عنصرا.

الموصل

في يناير عام 2017، استعادت القوات العراقية حوالي 70 بالمئة من شرق الموصل من تنظيم داعش.

وبعد 100 يوم من معركة الموصل، قال مسؤولون عراقيون إن القوات الحكومية سيطرت بالكامل على شرق الموصل وطردت تنظيم داعش، في حين استعدت القوات العراقية لهجوم جديد لاستعادة غرب الموصل من تنظيم داعش.

في 19 فبراير، شنت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة هجوما بريا ضد تنظيم داعش في الجزء الغربي من الموصل.

وبعد عدة أيام من بدء الهجوم، استعادت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة مطار الموصل الذي سيطر عليه التنظيم.

قوات عراقية أثناء قتال داعش في الموصل

ضغطت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة على داعش، وأوقعت قتلى في صفوفه بصورة أنهكت التنظيم. كما سيطرت على آخر طريق رئيسي خارج غرب الموصل، واستردّت المبنى الحكومي الرئيسي في الموصل والبنك المركزي ومتحف الموصل.

وفي يونيو، أعلن الجيش العراقي محاصرة تنظيم داعش بالكامل في مدينة الموصل القديمة، ليُقدِم التنظيم على تدمير مسجد النوري الكبير المعروف في الموصل.

اشتبه المسؤولون الأميركيون والعراقيون حينها في أن أبو بكر البغدادي قد ترك معركة الموصل للقادة الميدانيين وهرب إلى الصحراء.

وفي المعارك الطاحنة، قتل الآلاف من عناصر داعش. وفي ديسمبر عام 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي حينها، حيدر العبادي، النصر على التنظيم المتطرف.

الرقة

وفي أواخر مارس عام 2017، استعادت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة قاعدة جوية عسكرية في شمال سوريا من تنظيم داعش.

وفي الأسبوع الأول من أبريل، صدت "قسد" هجوما مضادا لتنظيم داعش بالقرب من سد الطبقة في سوريا.

تقدمت "قسد" إلى مسافة تقارب كيلومترين من عاصمة تنظيم داعش في الرقة.

كانت الولايات المتحدة تلاحق داعش في كل مكان، وفي 13 أبريل، أسقطت الولايات المتحدة "أم القنابل"، وهو أكبر سلاح غير نووي لديها، مستهدفة الكهوف والأنفاق التي يستخدمها تنظيم داعش في أفغانستان. قتلت القنبلة ما لا يقل عن 36 من مقاتلي داعش المشتبه بهم، وهذا ألحق هزة معنوية في صفوف عناصره خاصة في سوريا والعراق.

دورية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة حيث طردت داعش

في يونيو عام 2017، استعادت قوات سوريا الديمقراطية بلدة غرب الرقة من تنظيم داعش.

وفي سبتمبر من العام ذاته، قالت "قسد" إن حملتها في الرقة في مراحلها النهائية، مؤكدة سيطرتها على 80 بالمئة من المدينة، فيما استمر دعم التحالف للقوات الكردية حتى استعادت كامل المدينة وطردت التنظيم.

وبفضل الدعم من القوات الجوية التابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، استعادت قوات الأمن العراقية وقوات البشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي، بين عامي 2015 و2017، تدريجيا الأراضي التي سيطر عليها داعش في العراق، وسقط التنظيم في الموصل، فيما مكن الدعم الأميركي قوات سوريا الديمقراطية من طرد  داعش من الرقة ومناطق شمالي سوريا.

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.