متظاهرون إسرائيليون يتجمعون عند السياج الحدودي مع مصر لمنع شاحنات المساعدات الإنسانية
مصر تعتبر سيطرة إسرائيل على الحدود مع غزة خط أحمر

مع تقدم قواتها جنوبا في غزة، تستعد إسرائيل لتحقيق هدف تراه مهما لأمنها في المرحلة التالية من الحرب، لكنه قد يدخل علاقاتها بمصر في أزمة بعد عقود من السلام والتعاون بين البلدين.

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا سلطت فيه الضوء على سعي إسرائيل إلى السيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة، وتشير إلى أنه هدف يصر عليه رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، رغم أنه قد يكون محفوفا بالمخاطر السياسية في علاقات إسرائيل بمصر التي ترفض الفكرة.

ومنذ ديسمبر، يبرر نتانياهو سعيه للسيطرة على محور فيلادلفيا بأن إسرائيل لا تستطيع القضاء على حماس من دون ممارسة سلطتها على المنطقة الحدودية الجنوبية لغزة، بما في ذلك مع معبر رفح المصري.

معبر رفح يقع ضمن محور فيلادلفيا

وقبل 7 أكتوبر، كانت كل من سلطات الحدود المصرية وحماس تديران جانبي معبر رفح، الذي يقع على طول محور "فيلادلفيا"، وهو أرض محايدة تمتد من أقصى الطرف الجنوبي لغزة إلى البحر الأبيض المتوسط. 

لكن فكرة عودة القوات الإسرائيلية إلى الحدود دقت أجراس الإنذار في القاهرة، التي قالت في الأسابيع الأخيرة إن مثل هذه الخطوة ستخاطر بتقويض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لعام 1979، وهو اتفاق تاريخي أدى إلى نصف قرن من التعايش والتعاون بينهما.

وقد أوضحت مصر أنها تعتبر الحدود خطا أحمر، وفق تقرير الصحيفة.

وقال، ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في بيان الأسبوع الماضي "يجب التأكيد بشكل صارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية".

تدير مصر معبر رفح بالتعاون مع السلطات الفلسطينية في غزة قبل السابع من أكتوبر

وتبادل مسؤولون ومعلقون مصريون وإسرائيليون الاتهامات هذا الشهر بشأن المسؤولية عن تهريب الأسلحة إلى حماس في غزة ما يكشف عن تصدعات متزايدة في العلاقة التي كانت حجر الأساس للاستقرار في منطقة مضطربة، وفق التقرير.

وستكون إعادة السيطرة الإسرائيلية على المنطقة الحدودية "أمرا حاسما" لخلق "وضع استراتيجي جديد" في غزة حيث تكون حماس "غير قادرة على مهاجمة إسرائيل مرة أخرى"، وفقا ما نقلت الصحيفة عن، مايكل ميلشتاين، زميل بارز في جامعة رايخمان.

ويعتقد ميلشتاين أنه يجب السيطرة على هذا الممر، بما في ذلك معبر رفح الحدودي. "وإلا، فهذا يعني أنه إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أو حتى تسوية أوسع في غزة، وستظل الحدود بأكملها مفتوحة، فإن حماس ستحصل بسرعة كبيرة على كل ما تحتاجه وتعيد تشكيل نفسها".

ولطالما دافعت مصر عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتعمل كمحاور رئيسي بين إسرائيل والسلطات الفلسطينية.

ولم تكن العلاقات بين إسرائيل ومصر دافئة دائما، وفق الصحيفة، لكنهما طورا شراكة أمنية وثيقة في السنوات الأخيرة وكانا يسعيان إلى تعميق العلاقات الاقتصادية والطاقة.

محور فيلادلفيا هو عبارة عن شريط حدودي على امتداد الحدود بين غزة ومصر

وتنقل الصحيفة عن، ميريت مبروك، مديرة برنامج الدراسات المصرية في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، قولها إن "الضغط المفروض على مصر في الوقت الحالي أمر غير عادي".

وأضافت أن "أمن مصر يعادل أمن إسرائيل، لذلك عندما تستمر في محاولة زعزعة استقرار مصر، فهذا ليس في مصلحتك".

ومن وجهة نظر القاهرة، تحمل الرئيس، عبد الفتاح السيسي، بالفعل مخاطر سياسية كبيرة بسبب الحصار الإسرائيلي على غزة، حتى في الوقت الذي يبحث فيه أكثر من مليون فلسطيني نازح عن الأمان في رفح، بحسب تقرير الصحيفة.

وقال، سمير فرج، وهو جنرال مصري سابق ومسؤول دفاعي، إن مصر تدرس مجموعة من الخيارات للرد إذا سيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة الحدودية لكنه امتنع عن الخوض في تفاصيل.

جندي مصري على الجانب الموازي لمحور فيلادلفيا (أرشيفية)

وتزايد التوتر بعد دعوات من قبل المشرعين الإسرائيليين اليمينيين لتهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو السيناريو الذي يشكل كابوسا لمصر.

وتنقل الصحيفة عن، خالد الجندي، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إن "مجرد وجود الجيش الإسرائيلي في غزة من المرجح أن يظل مصدرا للعنف المستمر".

وأضاف أنه "إذا قالت إسرائيل: لن نغادر غزة أبدا، فيمكننا أن نتطلع إلى تمرد دائم".

ووجهت الحرب على غزة ضربة أخرى للاقتصاد المصري المتعثر، فقد انخفضت عائدات السياحة، وانخفض الدخل من الشحن عبر قناة السويس بعد أن بدأ المسلحون الحوثيون في اليمن مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر احتجاجا على الحرب.

البابا فرنسيس

في صباح مشمس من مارس 2021، وقف طفل ملوحا بعلم عراقي صغير، على حافة الرصيف في مدينة النجف، يتأمل موكبا رسميا لم يَعْهد له مثيلا من قبل. 

وسط الجموع، لمح الطفل الثوب الأبيض للزائر الغريب وهو يخطو على مهل داخل أزقة المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة.  لم يكن ذلك الطفل يعلم على الغالب أنه كا شاهدا على واحدة من الزيارات البابوية التي ستسجل في كتب التاريخ باعتبارها لحظة نادرة ومفصلية في علاقة الأديان في الشرق الأوسط. 

في تلك الزيارة التي وقّتها البابا مع بدء تعافي الكوكب من فايروس كورونا، وبدء تعافي العراق من "داعش"، زار البابا الراحل المناطق التي دمرها داعش في أور والموصل، وحمل معه للعراق عموماً وللمسيحيين خصوصاً رسالة أمل رمزية لكنها شديدة العمق: "السلام ممكن، حتى من قلب الألم". 

خلال لقائه بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في المدينة الشيعية المقدسة، بحث رأس الكنيسة الكاثوليكية مع رأس الحوزة "التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية"، وقد شكل ذلك اللقاء "فرصة للبابا ليشكر آية الله السيستاني لأنه رفع صوته ضد العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، بحسب بيان وزعه المكتب الصحفي للكرسي الرسولي بعد اللقاء.

منذ حمله لقب "صاحب القداسة" في العام ٢٠١٣، أولى البابا فرنسيس أهمية كبيرة للبقعة الجغرافية التي تتنازعها الحروب والنيران على طول خريطة الشرق الأوسط. والتفت البابا بعين دامعة، الى البشر الذين يُدفعون بسبب الحروب والمآسي إلى البحار هرباً من الموت على اليابسة. 

خرج صوت البابا من أروقة الفاتيكان، بخشوع وألم، ليعبر بنبرة أب قلق على أبنائه وبناته في تلك البقعة من العالم، من تمييز بينهم على أساس أديانهم أو طوائفهم. 

رفع البابا صوته وصلواته لضحايا الهجرة، ووقف على شاطئ المتوسط منادياً العالم: "أولئك الذين غرقوا في البحر لا يبحثون عن الرفاه، بل عن الحياة". وفي لقائه بلاجئين سوريين خلال زيارته إلى اليونان، طلب "ألا يتعامل العالم مع المهاجرين كأرقام، بل كوجوه وأرواح". 

لا يمكن الفصل بين رؤية البابا فرنسيس لقضايا الشرق الأوسط وبين خلفيته الآتية من أميركا اللاتينية، كما يشرح الباحث في العلاقات الإسلامية المسيحية روجيه أصفر لموقع "الحرة". 

يقول أصفر إن "المنطقة التي أتى منها البابا وشهدت صعود لاهوت التحرير وتعيش فيها الفئات المسحوقة والديكتاتوريات، لابد أن تخلق لديه حساسية تجاه قضايا شعوب الشرق الأوسط التي تعاني من نموذج مشابه من الديكتاتوريات". 

وايضاً يجب الأخذ بعين الاعتبار، بحسب أصفر، المعرفة العميقة لدى البابا بالإسلام، "ومع كل الاستقطاب الديني الذي نشهده في العالم، وصعود الإسلاموفوبيا، تمكن البابا من نسج علاقات جيدة بالعالم العربي والمرجعيات الدينية فيه وخصوصاً مع الأزهر وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعتبر متقدمة جداً في مجال الحوار بين الأديان".

جال البابا في زيارات مختلفة توزعت على دول عربية، وحط في العام ٢٠١٧ في مصر، بعد تفجيرات استهدفت الكنائس القبطية، والتقى حينها بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، وشارك في مؤتمر للسلام. هناك قال إن "الإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفعنا إلى محبة الآخرين، لا إلى كراهيتهم". 

بعدها بسنتين، زار الإمارات في زيارة تاريخية لأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ووقع مع شيخ الأزهر وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التاريخية، داعياً من قلب الخليج إلى "نبذ الحرب، والعنصرية، والتمييز الديني". كما ترأس قداساً حضره أكثر من 100 ألف شخص في استاد زايد، ليقول للعالم: "الإيمان يوحّد ولا يُفرّق".

ما فعله البابا هو "كسر الحواجز وتأسيس منطلقات نظرية لاهوتية وشرعية وفقهية مع الجانب المسلم والتعاون لتأسيس للعيش معاً بشكل أفضل"، يقول أصفر. ويتابع: "البابا انطلق في ذلك من سلطته المتأتية من صلاحية قوية جداً على رأس هرم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكبر جماعة مسيحية في العالم". 

حينما وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس من العام ٢٠٢٠، عبّر البابا فرنسيس عن تضامنه العميق مع الشعب اللبناني، ووصف لبنان بأنه "رسالة" في التعايش، داعيًا العالم لعدم التخلي عنه: "لبنان لا يمكن أن يُترك وحيدًا... هو كنزٌ يجب الحفاظ عليه". 

خصص صلوات كاملة لأجل "نهضة لبنان من الرماد"، وكان يخطط لزيارة بيروت قبل أن تؤجل الزيارة بسبب وضعه الصحي. وأبدى اهتماماً كبيراً بأزمة السودان، وتدهورها في السنوات الأخيرة إلى انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، فرفع الصلوات لسلام السودانيين ودعا إلى حماية المدنيين مما سماه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

كما عبّر البابا فرنسيس مراراً عن قلقه العميق من تدهور الأوضاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الشرق الأوسط وانسحاب الصراع إلى دول أخرى مثل لبنان. 

خلال زيارته لبيت لحم عام 2014، آتياً من الأردن، تحدث عن السلام وأهميته وعن حق الفلسطينيين كما الإسرائيليين بالأمان. 

وبعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أدان البابا فرنسيس بوضوح قتل المدنيين واختطاف الأبرياء، مع دعوة لوقف العنف من الجانبين: "أتابع بألم ما يحدث في إسرائيل وفلسطين... أدعو إلى الوقف الفوري للعنف الذي يحصد أرواحًا بريئة. الإرهاب والعنف لا يحققان السلام أبدًا".

ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات إنسانية لغزة، مؤكدًا أن "كل إنسان له الحق في العيش بكرامة، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً".

في العام ٢٠٢٢ شارك في "ملتقى البحرين للحوار"، في زيارة ثانية الى الخليج، كشفت عن اهتمامه بتلك البقعة من العالم، حيث دعا إلى احترام الحريات الدينية، والحوار بين المذاهب والأديان، مؤكدًا أن "الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى صراع".

لم يكن البابا الراحل فرنسيس يوماً زائراً غريباً عن المنطقة، وعن الشرق الأوسط، بل كان يحمل في قلبه الحب لجميع شعوب العالم، ويحمل بلسانه لغة الحوار والعدالة التي يفهمها الجميع بمعزل عن اختلاف لغاتهم. 

كان يعرف كيف يقارب الصراعات الحساسة بحسّ إنساني عال وبشجاعة ملحوظة، فيقف إلى جانب المدنيين دائما في الصراعات العسكرية، ويدعو المتحاربين إلى انهاء حروبهم وتجنيب المدنيين قسوة الحروب ومآسي القتل والدمار والتهجير.