في نقطة قد تحدث تحولا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تدرس الولايات المتحدة وبريطانيا خيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب على غزة.
حتى الآن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية" لا يزال فكرة لدى الإدارات الأميركية والبريطانية ولم يرق ليصبح مشروع قرار، ولكن مجرد بحثه يعطي أملا للفلسطينيين ويغضب الإسرائيليين، بحسب ما يراه محللون وخبراء سياسيون تحدثوا لموقع "الحرة".
توقيت هذا الفكرة وأهدافها من الإدارة الأميركية، يطرح عددا من التساؤلات، والتي يرى فيها محللون أنها قد تكون في إطار حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو أنها لتحقيق توسع في تطبيع العلاقات مع دول المنطقة.
وقال ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تسعى بنشاط لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل وتستكشف الخيارات مع الشركاء في المنطقة.
ورفض ميلر الإدلاء بتفاصيل حول الجهود الداخلية للوزارة بشأن هذه المسألة، لكنه أضاف في مؤتمر صحفي أن تلك المساعي من أهداف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن بسحب تقرير نشرته وكالة رويترز.
وكشف تقرير نشره موقع "أكسيوس" مؤخرا أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، طلب من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف أميركي ودولي محتمل، بـ"دولة فلسطين" بعد الحرب في غزة.
وأشار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى أن بلاده قد تعترف قريبا بدولة فلسطينية، وشدد خلال حفلة استقبال للسفراء العرب في البرلمان البريطاني، الاثنين، على ضرورة منح "الشعب الفلسطيني أفقا سياسيا" وسط جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، وفقا لتقرير نشرته وكالة فرانس برس.
"تفكير محفوف بالمخاطر" قد يمثل "مخرجا إيجابيا من كارثة"
"تفكير محفوف بالمخاطر"، هكذا وصف الكاتب المحلل السياسي الأميركي، إيلان بيرمان، ما تدرسه إدارة بايدن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ووضع بيرمان في حديث لموقع "الحرة" جملة من الأسباب لهذا الوصف "إذ قد تبدو الولايات المتحدة وكأنها تكافئ التطرف خاصة بعدما فعلته حماس في السابع من أكتوبر، وهو ما قد يقرؤه الردايكاليون والمتطرفون وغيرهم باعتباره (ضوءا أخضر) لمتابعة سياساتهم العدوانية".
وأضاف أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "على المدى القصير ومن دون تحديد إصلاحات وإعادة هيكلة للإدارة الفلسطينية، قد يخاطر بإلحاق ضرر جوهري بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
واستطرد بأنه لا يجب إغفال ما "المواقف السياسية الإسرائيلية التي تشهد مزيدا من التزمت منذ السابع من أكتوبر، حيث لم يعد أحد هناك يتحدث عن عملية سلام مع الفلسطينيين أو طرح فكرة الدولة الفلسطينية".
وشنت إسرائيل الحرب بعد هجوم غير مسبوق نفذته حماس في 7 أكتوبر في إسرائيل وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصا معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.
وخطف نحو 250 شخصا خلال الهجوم وافرج عن حوالي مئة نهاية نوفمبر خلال هدنة. ولا يزال 132 رهينة محتجزين بينهم 28 تفترض اسرائيل أنهم قتلوا.
وتوعدت إسرائيل "القضاء" على حماس التي استولت على السلطة في غزة عام 2007، وشنت عملية عسكرية واسعة النطاق خلفت أكثر من 27 ألف قتيلا وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
الكاتب السياسي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة، يرى أن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تنطوي على أمرين "الأول، يرتبط في إرسال رسالة لإسرائيل مفادها بأن عليها التجاوب مع المساعي الأميركية والغربية، ولو حتى على بالكلام فقط".
وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن الحكومة الإسرائيلية تصعّب المهمة أمام واشنطن وترفض بأي شكل مجاراة المساعي الغربية التي تريد أن تظهر وكأنها تتعامل بإنصاف مع الصراع في المنطقة.
أما الأمر الثاني، وفق منيمنة، فيرتبط بمحاولة أميركية "للخروج بمخرج إيجابي من الكارثة التي ألمّت بالمنطقة، باتجاه دمج إسرائيل في الشرق والأوسط، والتعويل على مسار للسلام قائم على تحالف بين إسرائيل والشركاء العرب وفي مقدمتهم السعودية".
وتربط واشنطن بين إنشاء دولة فلسطينية والجهود الرامية إلى إقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة جرى تجميدها إلى حد كبير بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر بحسب وكالة رويترز.
لكن المحادثات استؤنفت خلال الأشهر القليلة الماضية، ويرى المسؤولون الأميركيون الآن أيضا أن صفقة الرهائن المحتملة التي من شأنها إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين في غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، لها دور مساهم في إحراز تقدم في جهود التطبيع بين السعودية وإسرائيل ومرتبطة بذلك.
وقال مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، في مقابلة مع "الحرة": "أعتقد أنه يتعين علينا أن نبدأ بخطوات عملية. عندما ترجع خطوة إلى الوراء، فإن الطريقة التي ننظر بها إلى هذا الأمر هي أن المفتاح الوحيد لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل هو حل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل. والمفتاح لحل هذه المشكلة هو (تقديم) ضمان لإسرائيل بتطبيع العلاقات معها ودمجها في المنطقة".
وأضاف "المفتاح لضمان ذلك هو إنهاء الحرب في غزة بطريقة تحمي أيضاً أمن إسرائيل. وهذا يبدأ بالوصول إلى صفقة الرهائن. ولذا، قبل أن يحدث أي انفجار كبير (أي إنجاز عظيم)، ما يتعين علينا القيام به هو دفع الدبلوماسية القوية، والعمل مع قطر ومصر وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن إلى الوطن، بما في ذلك الرهائن الأميركيين الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة".
ويؤكد منيمنة أنه "ليس تشكيكا بالنوايا الأميركية والغربية، ولكن واشنطن تبحث عن نتائج سريعة وفورية لمتلازمة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ أنها تريد قطف ثمار التطبيع خاصة بين السعودية وإسرائيل، بما يخدم توجهات الإدارة الأميركية الحالية".
ويقول: "حتى الآن الموضوع في إطار التفكير لدى الإدارة الأميركية ولكنه لم ينضح لمرحلة القرار، وحتى إن وصل لمرحلة القرار، قد تأتي إدارة جديدة تتخلى عن هذا القرار، وهو ما شهدناه في فترات سابقة، على سبيل المثال عندما وقعت واشنطن في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الاتفاق النووي مع إيران، وجاءت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لتنسحب من كل شيء".
وقالت ثلاثة لوكالة رويترز مصادر إن السعودية ستكون مستعدة لقبول التزام سياسي من إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية بدلا من أي تعهدات أكثر إلزاما، وذلك في مسعى لإبرام اتفاق دفاعي مع واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لماذا تخشى إسرائيل "الاعتراف بالدولة الفلسطينية"؟
وتخشى إسرائيل من "عواقب ما قد يتسبب به اعتراف واشنطن أو لندن، إذ قد نرى موجة من الاعتراف من دول أخرى خاصة في أوروبا، وهو ما قد يوجِد علاقات ندية ومتكافئة بين العديد من الدول وما قد يصبح الدولة الفلسطينية وهو ما لا تريده حكومة الرئيس الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، على الإطلاق"، وفق منيمنة.
وأعاد التذكير في عام 1993، عندما وقعت إسرائيل اتفاق أوسلو والذي يتيح تأسيس الدولة الفلسطينية، وبعدها تمكنت من تطبيع علاقاتها من عدد من الدول، ولكن "ها نحن الآن وبعد ثلاثة عقود، لا تزال (إسرائيل) ترفض تأسيس دولة فلسطين".
وحول ما إذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيعزز من مسار السلام في الشرق الأوسط أو سيعقد المشهد، قال منيمنة "لا يمكن معرفة السيناريوهات على وجه التحديد، إذ تتحدث الإدارة الأميركية وحتى البريطانية عن تفكير فقط في هذا الخيار، وهذا يعني أنها قد تكون أداة بيد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني، ديفيد كاميرون".
ما بين "الانتصار" و"الرفض"
أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، يرى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا مهم، ولكن المسألة الأهم قد تكون بالحصول على اعتراف دولي من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويقول في حديث لموقع "الحرة" إن هذا الاعتراف يجب أن يرتبط بشرط هام بـ"نبذ الإرهاب ومواصلة المقاومة المبررة ضد أهداف مشروعة ضمن أطر القانون الدولي، ومنع أي أفعال، كالتي وقعت في السابع من أكتوبر، وهذا يعني أن تدرك السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى أهمية عدم قبول أي شيء يرتبط بسلوكيات إرهابية".
ويوجد 139 من بين 193 عضو في الأمم المتحدة يعترفون بدولة "فلسطين"، فيما تعترف الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني في الحصول على السيادة، واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للفلسطينيين، ومنحتها صفة "مراقب" في الأمم المتحدة.
ويتابع تشازدي بأن الاعتراف بدولة فلسطينية من قبل واشنطن ولندن قد يدفع بعض الدول لتأييد هذه الفكرة أيضا، ولكن نوه إلى أن هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى معالجة من قبل الفلسطينيين أنفسهم، بما في ذلك "إيجاد حكومة شرعية قادرة على التفاعل مع الحكومة الأخرى، وأن تكون هذه الحكومة قادرة على إدارة الأمور المالية للشعب الفلسطيني".
ويؤكد أن النظر إلى نجاح الاعتراف بدولة فلسطين يعتمد على الجهة التي تنظر منها للأمر، "إذ قد تراه السلطة الفلسطينية انتصارا على الوضع القائم، فيما يرفض الإسرائيليون قيام هذه الدولة، رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتانياهو، لم يستبعد الفكرة على الإطلاق، ولكن معالم هذه الدولة عليه الكثير من الخلاف".
ويشير تشازدي إلى أن "الاستمرار في العزلة التي يفرضها الإسرائيليون على مسار إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين، هو ما تسبب بنهاية الأمر في تحرك حماس بشكل متطرف والقيام بما فعلته في السابع من أكتوبر، ولهذا على قادة إسرائيل البحث عن حلول أكثر استدامة بعيدا عن الاستمرار في صراع نتائجه مأساوية".
وأشاد السفير الفلسطيني لدى لندن، حسام زملط، بتصريحات كاميرون لكنها أثارت انتقادات نواب محافظين في بريطانيا قالوا إن الاعتراف المبكر بدولة فلسطينية سيكون بمثابة "مكافأة" لحركة حماس على هجومها على إسرائيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ميلر: "نسعى بنشاط إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية حقيقية لإسرائيل، لأننا نعتقد أن هذا هو أفضل وسيلة لتحقيق السلام والأمن الدائمين لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة".
وتابع "هناك عدد من الطرق التي يمكنك اتباعها لتحقيق ذلك. هناك عدد من تسلسل الأحداث التي يمكنك تنفيذها لتحقيق هذا الهدف. نبحث مجموعة واسعة من الخيارات ونناقشها مع الشركاء في المنطقة وكذلك شركاء آخرين داخل الإدارة الأميركية".
تنشيط "حل الدولتين" ومخاوف من "عواقب غير مقصودة"
المحلل الباحث الأميركي، حسين إيبش، يرجح ألا يحصل اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تحقيق ذلك "سيكون بمثابة تنشيط مسار حل الدولتين وإعادة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بإقامة الدولة الفلسطينية".
وأضاف في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن هذا الأمر سيكون "بعيدا عن الضغط على إسرائيل، ويثبط من المضي قدما في النشاط الاستيطاني المتطرف أو التحركات لضم الضفة الغربية".
ولم يستبعد إبيش من أن أي تحرك أميركي أو غربي للاعتراف بدولة فلسطينية سيحفز العديد من الدول لأن تلحق بركبها.
وقال إن الاعتراف بدولة فلسطين "يمكن أن يؤدي إلى تصحيح الوضع بشكل كبير، لكنه قد يثير أيضا غضب إسرائيل إلى درجة أنها ستريد المضي قدما في عملية الضم لتحدي واشنطن، وهو ما قد يحظى بشعبية داخل إسرائيل خاصة بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في أكتوبر الماضي".
ويتفق إيبش مع ما تحدث به منيمنة، وذكر أنه من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الاعتراف سيسهّل من مسار السلام أو سيعقد الأمور، ويشرح بأنه " بشكل عام، من المفترض أن يساعد في مسار السلام، ولكن قد تكون هناك عواقب غير مقصودة سلبية، خاصة إذا كانت إسرائيل تريد تحدي العالم والاستيلاء على ما تريد في الضفة الغربية".
وما زال الفلسطينيون بلا دولة، ويعيش معظمهم تحت الاحتلال الإسرائيلي أو كلاجئين في الدول المجاورة. ويحمل بعضهم الجنسية الإسرائيلية. ومعظم هؤلاء من نسل الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد قيامها، بحسب رويترز.
وقال رئيس الوزراء البريطاني، كاميرون، إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيساعد في جعل حل الدولتين الذي يتردد به نتانياهو حاليا "عملية لا رجعة فيها".
وأضاف "علينا أن نبدأ بتحديد الشكل الذي ستبدو عليه دولة فلسطينية وما هي مكوناتها وكيف ستجري الأمور فيها".
ومضى قائلا: "بينما يحدث ذلك، سندرس مع حلفائنا مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة. قد يكون ذلك أحد الأمور التي تساعد على جعل هذه العملية لا رجعة فيها".
تعزيز مسار السلام في الشرق الأوسط
وقال أستاذ العلوم السياسية، تشازدي، إن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يمكنه تعزيز مسار السلام في المنطقة ككل، إذ قد يعزز من تحرك السعودية نحو التطبيع، وهو ما قد يتبعه دول أخرى في المنطقة، الذي يرون إمكانيات كبيرة في التعاون على الصعيد الجيوسياسي".
ولكن في الوقت ذاته لا تزال "حكومة نتانياهو ترفض سيناريو الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومسار حل الدولتين، رغم أن شعبية هذه الحكومة في الداخل الإسرائيلي تتراجع، وفي حال إجراء انتخابات إسرائيلية اليوم قد تكون الفرصة سانحة بشكل أكبر لشخصيات أقل تعنتا".
وفي حديثه في دافوس في وقت سابق من هذا الشهر، قال وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، إن هناك "معادلة جديدة" في الشرق الأوسط بموجبها يكون جيران إسرائيل من الدول العربية على استعداد لدمجها في المنطقة مع الالتزام بالقدر نفسه بمسار لإقامة دولة فلسطينية.
ويختلف نتانياهو مع إدارة بايدن حول إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وقال إنه لن يتنازل عن "السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن".
ويؤكد تشازدي أن "ما حصل من هجمات حماس مأساوي جدا، ولكن ما تبعه أيضا لا يمكن السكوت عنه" في إشارة لما يحصل في غزة من ارتفاع في أعداد القتلى بين المدنيين، ومضيفا أن بعض القرارات يجب أن تتخذ لـ"إعطاء الفلسطينيين الفرصة في تقرير مصيرهم".
وربط أستاذ العلوم السياسية بين الاستقرار في الشرق الأوسط وبين حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة وأن الجميع "شهد خلال الفترة القريبة الماضية الإمكانيات التي يتيحها الانسجام في المنطقة بعد اتفاقيات إبراهيم" ولكن قد لا يصمد هذا الانسجام والتعاون إذا لم يتم حل "القضية الفلسطينية".
ودعا السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى في التفكير بصورة شاملة "بعدم الانخراط في أي ممارسات متطرفة، والتحرك سياسيا بشكل أكبر لتحفيز المجتمع الدولي على الاعتراف بدولتهم" ملمحا إلى أن هذا قد يعني التخلي عن بعض القيادات "التي لا تمارس سوى مهام انتقالية، ولا تدير الأزمة بشكل دبلوماسي وسياسي يرقى إلى مستوى حل النزاع".
وقال تشازدي إنه إذا شهد العالم على تغيير في القيادات قد يشكل هذا أيضا ورقة ضغط رابحة على الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى المجتمع الدولي من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية.
"مناورة انتخابية"
ويصف منيمنة توجهات الإدارة الأميركية بأنها "مناورة انتخابية، إذ يريد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الترويج إلى أنه يتعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين بعدالة وإنصاف تجاه الطرفين، ولكنه سيحافظ على خطواته لتلميع مواقفه من دون استثارة الغضب الإسرائيلي"، ولهذا "سنرى الكثير من الكلام، ولن نرى شيئا على أرض الواقع".
أما المحلل السياسي، بيرمان، يرى أنه رغم الرفض الإسرائيلي "مع ذلك فإن تركيز إدارة بايدن منطقي" على هذا الملف، وكما يقال "كل السياسة محلية"، وذلك بمعنى أن الرئيس الحالي يتجه إلى "حملة إعادة انتخاب صعبة وقد يلقى هذا النوع من المبادرات ترحيبا جيدا مع الناشطين في الحزب الديمقراطي الذين انتقدوا بشده موقفه المؤيد لإسرائيل حتى الآن".
وفي عام 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني، المنعقد في الجزائر، قيام دولة فلسطين. وعملت منظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك على الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، واكتساب عضوية الوكالات المرتبطة بالأمم المتحدة.
وفي أعقاب الإعلان، اعترفت العديد من الدول، وخاصة الدول النامية في أفريقيا وآسيا، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بدولة فلسطين.
وحلت فلسطين محل منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة، لكنها لم تحصل على العضوية.
وهناك أكثر من 50 دولة لا تعترف بفلسطين دولة، من أبرزها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية.
وكان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة، التي دشنتها اتفاقات أوسلو عام 1993 ووقعها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
وأدت الاتفاقات إلى اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء سلطة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكان الفلسطينيون يراودهم الأمل في أن تصبح هذه خطوة نحو إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، واصطدمت العملية بالرفض وأعمال عنف على كلا الجانبين.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته يوم 23 يناير إن حل الدولتين ما زال السبيل الوحيد لتلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين. وانتقد "الرفض الواضح والمتكرر لحل الدولتين من أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية".
وأضاف "هذا الرفض، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق إقامة دولة، سيطيل إلى أجل غير مسمى أمد هذا الصراع الذي أصبح تهديدا كبيرا للسلم والأمن العالميين".