صورة أرشيفية لرفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك
صورة أرشيفية لرفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك

في نقطة قد تحدث تحولا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تدرس الولايات المتحدة وبريطانيا خيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب على غزة.

حتى الآن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية" لا يزال فكرة لدى الإدارات الأميركية والبريطانية ولم يرق ليصبح مشروع قرار، ولكن مجرد بحثه يعطي أملا للفلسطينيين ويغضب الإسرائيليين، بحسب ما يراه محللون وخبراء سياسيون تحدثوا لموقع "الحرة".

توقيت هذا الفكرة وأهدافها من الإدارة الأميركية، يطرح عددا من التساؤلات، والتي يرى فيها محللون أنها قد تكون في إطار حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو أنها لتحقيق توسع في تطبيع العلاقات مع دول المنطقة.

وقال ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تسعى بنشاط لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل وتستكشف الخيارات مع الشركاء في المنطقة.

ورفض ميلر الإدلاء بتفاصيل حول الجهود الداخلية للوزارة بشأن هذه المسألة، لكنه أضاف في مؤتمر صحفي أن تلك المساعي من أهداف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن بسحب تقرير نشرته وكالة رويترز.

وكشف تقرير نشره موقع "أكسيوس" مؤخرا أن وزير  الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، طلب من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف أميركي ودولي محتمل، بـ"دولة فلسطين" بعد الحرب في غزة.

وأشار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى أن بلاده قد تعترف قريبا بدولة فلسطينية، وشدد خلال حفلة استقبال للسفراء العرب في البرلمان البريطاني، الاثنين، على ضرورة منح "الشعب الفلسطيني أفقا سياسيا" وسط جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، وفقا لتقرير نشرته وكالة فرانس برس.

"تفكير محفوف بالمخاطر" قد يمثل "مخرجا إيجابيا من كارثة"

في الأيام الأخيرة، جددت القوات الإسرائيلية ضرباتها في الأجزاء الغربية والشمالية الغربية من مدينة غزة

"تفكير محفوف بالمخاطر"، هكذا وصف الكاتب المحلل السياسي الأميركي، إيلان بيرمان، ما تدرسه إدارة بايدن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ووضع بيرمان في حديث لموقع "الحرة" جملة من الأسباب لهذا الوصف "إذ قد تبدو الولايات المتحدة وكأنها تكافئ التطرف خاصة بعدما فعلته حماس في السابع من أكتوبر، وهو ما قد يقرؤه الردايكاليون والمتطرفون وغيرهم باعتباره (ضوءا أخضر) لمتابعة سياساتهم العدوانية".

وأضاف أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "على المدى القصير ومن دون تحديد إصلاحات وإعادة هيكلة للإدارة الفلسطينية، قد يخاطر بإلحاق ضرر جوهري بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل".

واستطرد بأنه لا يجب إغفال ما "المواقف السياسية الإسرائيلية التي تشهد مزيدا من التزمت منذ السابع من أكتوبر، حيث لم يعد أحد هناك يتحدث عن عملية سلام مع الفلسطينيين أو طرح فكرة الدولة الفلسطينية".

وشنت إسرائيل الحرب بعد هجوم غير مسبوق نفذته حماس في 7 أكتوبر في إسرائيل وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصا معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية. 

وخطف نحو 250 شخصا خلال الهجوم وافرج عن حوالي مئة نهاية نوفمبر خلال هدنة. ولا يزال 132 رهينة محتجزين بينهم 28 تفترض اسرائيل أنهم قتلوا.

مسيرة السلام تسير بتعثر بين الفلسطينيين والإسرائيلييين. أرشيفية
لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. ما هو "حل الدولتين"؟
تؤكد الإدارة الأميركية بشدة على حل الدولتين، كسبيل وحيد لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكثفت الحديثه عنه كحاجة ضرورية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، لكن حكومة، بنيامين نتانياهو، أبدت عدم موافقة على الطرح الأميركي.

وتوعدت إسرائيل "القضاء" على حماس التي استولت على السلطة في غزة عام 2007، وشنت عملية عسكرية واسعة النطاق خلفت أكثر من 27 ألف قتيلا وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.

الكاتب السياسي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة، يرى أن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تنطوي على أمرين "الأول، يرتبط في إرسال رسالة لإسرائيل مفادها بأن عليها التجاوب مع المساعي الأميركية والغربية، ولو حتى على بالكلام فقط".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن الحكومة الإسرائيلية تصعّب المهمة أمام واشنطن وترفض بأي شكل مجاراة المساعي الغربية التي تريد أن تظهر وكأنها تتعامل بإنصاف مع الصراع في المنطقة.

أما الأمر الثاني، وفق منيمنة، فيرتبط بمحاولة أميركية "للخروج بمخرج إيجابي من الكارثة التي ألمّت بالمنطقة، باتجاه دمج إسرائيل في الشرق والأوسط، والتعويل على مسار للسلام قائم على تحالف بين إسرائيل والشركاء العرب وفي مقدمتهم السعودية".

وتربط واشنطن بين إنشاء دولة فلسطينية والجهود الرامية إلى إقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة جرى تجميدها إلى حد كبير بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر بحسب وكالة رويترز.

لكن المحادثات استؤنفت خلال الأشهر القليلة الماضية، ويرى المسؤولون الأميركيون الآن أيضا أن صفقة الرهائن المحتملة التي من شأنها إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين في غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، لها دور مساهم في إحراز تقدم في جهود التطبيع بين السعودية وإسرائيل ومرتبطة بذلك.

وقال مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، في مقابلة مع "الحرة": "أعتقد أنه يتعين علينا أن نبدأ بخطوات عملية. عندما ترجع خطوة إلى الوراء، فإن الطريقة التي ننظر بها إلى هذا الأمر هي أن المفتاح الوحيد لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل هو حل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل. والمفتاح لحل هذه المشكلة هو (تقديم) ضمان لإسرائيل بتطبيع العلاقات معها ودمجها في المنطقة". 

وأضاف "المفتاح لضمان ذلك هو إنهاء الحرب في غزة بطريقة تحمي أيضاً أمن إسرائيل. وهذا يبدأ بالوصول إلى صفقة الرهائن. ولذا، قبل أن يحدث أي انفجار كبير (أي إنجاز عظيم)، ما يتعين علينا القيام به هو دفع الدبلوماسية القوية، والعمل مع قطر ومصر وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن إلى الوطن، بما في ذلك الرهائن الأميركيين الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة". 

ويؤكد منيمنة أنه "ليس تشكيكا بالنوايا الأميركية والغربية، ولكن واشنطن تبحث عن نتائج سريعة وفورية لمتلازمة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ أنها تريد قطف ثمار التطبيع خاصة بين السعودية وإسرائيل، بما يخدم توجهات الإدارة الأميركية الحالية".

ويقول: "حتى الآن الموضوع في إطار التفكير لدى الإدارة الأميركية ولكنه لم ينضح لمرحلة القرار، وحتى إن وصل لمرحلة القرار، قد تأتي إدارة جديدة تتخلى عن هذا القرار، وهو ما شهدناه في فترات سابقة، على سبيل المثال عندما وقعت واشنطن في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الاتفاق النووي مع إيران، وجاءت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لتنسحب من كل شيء".

وقالت ثلاثة لوكالة رويترز مصادر إن السعودية ستكون مستعدة لقبول التزام سياسي من إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية بدلا من أي تعهدات أكثر إلزاما، وذلك في مسعى لإبرام اتفاق دفاعي مع واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لماذا تخشى إسرائيل "الاعتراف بالدولة الفلسطينية"؟

الراحلان ياسر عرفات وإسحق رابين يتصافحان بعد توقيع إتفاقية أوسلو برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون- أرشيف

وتخشى إسرائيل من "عواقب ما قد يتسبب به اعتراف واشنطن أو لندن، إذ قد نرى موجة من الاعتراف من دول أخرى خاصة في أوروبا، وهو ما قد يوجِد علاقات ندية ومتكافئة بين العديد من الدول وما قد يصبح الدولة الفلسطينية وهو ما لا تريده حكومة الرئيس الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، على الإطلاق"، وفق منيمنة.

وأعاد التذكير في عام 1993، عندما وقعت إسرائيل اتفاق أوسلو والذي يتيح تأسيس الدولة الفلسطينية، وبعدها تمكنت من تطبيع علاقاتها من عدد من الدول، ولكن "ها نحن الآن وبعد ثلاثة عقود، لا تزال (إسرائيل) ترفض تأسيس دولة فلسطين".

وحول ما إذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيعزز من مسار السلام في الشرق الأوسط أو سيعقد المشهد، قال منيمنة "لا يمكن معرفة السيناريوهات على وجه التحديد، إذ تتحدث الإدارة الأميركية وحتى البريطانية عن تفكير فقط في هذا الخيار، وهذا يعني أنها قد تكون أداة بيد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني، ديفيد كاميرون".

ما بين "الانتصار" و"الرفض"

إسرائيل ترفض الضغط الأميركي باتجاه حل الدولتين. أرشيفية - تعبيرية

أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، يرى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا مهم، ولكن المسألة الأهم قد تكون بالحصول على اعتراف دولي من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويقول في حديث لموقع "الحرة" إن هذا الاعتراف يجب أن يرتبط بشرط هام بـ"نبذ الإرهاب ومواصلة المقاومة المبررة ضد أهداف مشروعة ضمن أطر القانون الدولي، ومنع أي أفعال، كالتي وقعت في السابع من أكتوبر، وهذا يعني أن تدرك السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى أهمية عدم قبول أي شيء يرتبط بسلوكيات إرهابية".

ويوجد 139 من بين 193 عضو في الأمم المتحدة يعترفون بدولة "فلسطين"، فيما تعترف الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني في الحصول على السيادة، واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للفلسطينيين، ومنحتها صفة "مراقب" في الأمم المتحدة.

ويتابع تشازدي بأن الاعتراف بدولة فلسطينية من قبل واشنطن ولندن قد يدفع بعض الدول لتأييد هذه الفكرة أيضا، ولكن نوه إلى أن هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى معالجة من قبل الفلسطينيين أنفسهم، بما في ذلك "إيجاد حكومة شرعية قادرة على التفاعل مع الحكومة الأخرى، وأن تكون هذه الحكومة قادرة على إدارة الأمور المالية للشعب الفلسطيني".

ويؤكد أن النظر إلى نجاح الاعتراف بدولة فلسطين يعتمد على الجهة التي تنظر منها للأمر، "إذ قد تراه السلطة الفلسطينية انتصارا على الوضع القائم، فيما يرفض الإسرائيليون قيام هذه الدولة، رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتانياهو، لم يستبعد الفكرة على الإطلاق، ولكن معالم هذه الدولة عليه الكثير من الخلاف".

ويشير تشازدي إلى أن "الاستمرار في العزلة التي يفرضها الإسرائيليون على مسار إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين، هو ما تسبب بنهاية الأمر في تحرك حماس بشكل متطرف والقيام بما فعلته في السابع من أكتوبر، ولهذا على قادة إسرائيل البحث عن حلول أكثر استدامة بعيدا عن الاستمرار في صراع نتائجه مأساوية".

وأشاد السفير الفلسطيني لدى لندن، حسام زملط، بتصريحات كاميرون لكنها أثارت انتقادات نواب محافظين في بريطانيا قالوا إن الاعتراف المبكر بدولة فلسطينية سيكون بمثابة "مكافأة" لحركة حماس على هجومها على إسرائيل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ميلر: "نسعى بنشاط إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية حقيقية لإسرائيل، لأننا نعتقد أن هذا هو أفضل وسيلة لتحقيق السلام والأمن الدائمين لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة".

وتابع "هناك عدد من الطرق التي يمكنك اتباعها لتحقيق ذلك. هناك عدد من تسلسل الأحداث التي يمكنك تنفيذها لتحقيق هذا الهدف. نبحث مجموعة واسعة من الخيارات ونناقشها مع الشركاء في المنطقة وكذلك شركاء آخرين داخل الإدارة الأميركية".

تنشيط "حل الدولتين" ومخاوف من "عواقب غير مقصودة"

بايدن يعتقد أن" هناك عددا من أنواع حلول الدولتين"- صورة أرشيفية.

المحلل الباحث الأميركي، حسين إيبش، يرجح ألا يحصل اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تحقيق ذلك "سيكون بمثابة تنشيط مسار حل الدولتين وإعادة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بإقامة الدولة الفلسطينية".

وأضاف في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن هذا الأمر سيكون "بعيدا عن الضغط على إسرائيل، ويثبط من المضي قدما في النشاط الاستيطاني المتطرف أو التحركات لضم الضفة الغربية".

ولم يستبعد إبيش من أن أي تحرك أميركي أو غربي للاعتراف بدولة فلسطينية سيحفز العديد من الدول لأن تلحق بركبها.

وقال إن الاعتراف بدولة فلسطين "يمكن أن يؤدي إلى تصحيح الوضع بشكل كبير، لكنه قد يثير أيضا غضب إسرائيل إلى درجة أنها ستريد المضي قدما في عملية الضم لتحدي واشنطن، وهو ما قد يحظى بشعبية داخل إسرائيل خاصة بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في أكتوبر الماضي".

ويتفق إيبش مع ما تحدث به منيمنة، وذكر أنه من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الاعتراف سيسهّل من مسار السلام أو سيعقد الأمور، ويشرح بأنه " بشكل عام، من المفترض أن يساعد في مسار السلام، ولكن قد تكون هناك عواقب غير مقصودة سلبية، خاصة إذا كانت إسرائيل تريد تحدي العالم والاستيلاء على ما تريد في الضفة الغربية".

وما زال الفلسطينيون بلا دولة، ويعيش معظمهم تحت الاحتلال الإسرائيلي أو كلاجئين في الدول المجاورة. ويحمل بعضهم الجنسية الإسرائيلية. ومعظم هؤلاء من نسل الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد قيامها، بحسب رويترز.

وقال رئيس الوزراء البريطاني، كاميرون، إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيساعد في جعل حل الدولتين الذي يتردد به  نتانياهو حاليا "عملية لا رجعة فيها".

وأضاف "علينا أن نبدأ بتحديد الشكل الذي ستبدو عليه دولة فلسطينية وما هي مكوناتها وكيف ستجري الأمور فيها".

ومضى قائلا: "بينما يحدث ذلك، سندرس مع حلفائنا مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة. قد يكون ذلك أحد الأمور التي تساعد على جعل هذه العملية لا رجعة فيها".

تعزيز مسار السلام في الشرق الأوسط

ميلر أكد أن حل الدولتين يعد الأمثل أمام المشاكل على المدى القصير والطويل

وقال أستاذ العلوم السياسية، تشازدي، إن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يمكنه تعزيز مسار السلام في المنطقة ككل، إذ قد يعزز من تحرك السعودية نحو التطبيع، وهو ما قد يتبعه دول أخرى في المنطقة، الذي يرون إمكانيات كبيرة في التعاون على الصعيد الجيوسياسي".

ولكن في الوقت ذاته لا تزال "حكومة نتانياهو ترفض سيناريو الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومسار حل الدولتين، رغم أن شعبية هذه الحكومة في الداخل الإسرائيلي تتراجع، وفي حال إجراء انتخابات إسرائيلية اليوم قد تكون الفرصة سانحة بشكل أكبر لشخصيات أقل تعنتا".

وفي حديثه في دافوس في وقت سابق من هذا الشهر، قال وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، إن هناك "معادلة جديدة" في الشرق الأوسط بموجبها يكون جيران إسرائيل من الدول العربية على استعداد لدمجها في المنطقة مع الالتزام بالقدر نفسه بمسار لإقامة دولة فلسطينية.

ويختلف نتانياهو مع إدارة بايدن حول إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وقال إنه لن يتنازل عن "السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن".

ويؤكد تشازدي أن "ما حصل من هجمات حماس مأساوي جدا، ولكن ما تبعه أيضا لا يمكن السكوت عنه" في إشارة لما يحصل في غزة من ارتفاع في أعداد القتلى بين المدنيين، ومضيفا أن بعض القرارات يجب أن تتخذ لـ"إعطاء الفلسطينيين الفرصة في تقرير مصيرهم".

وربط أستاذ العلوم السياسية بين الاستقرار في الشرق الأوسط وبين حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة وأن الجميع "شهد خلال الفترة القريبة الماضية الإمكانيات التي يتيحها الانسجام في المنطقة بعد اتفاقيات إبراهيم" ولكن قد لا يصمد هذا الانسجام والتعاون إذا لم يتم حل "القضية الفلسطينية".

ودعا السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى في التفكير بصورة شاملة "بعدم الانخراط في أي ممارسات متطرفة، والتحرك سياسيا بشكل أكبر لتحفيز المجتمع الدولي على الاعتراف بدولتهم" ملمحا إلى أن هذا قد يعني التخلي عن بعض القيادات "التي لا تمارس سوى مهام انتقالية، ولا تدير الأزمة بشكل دبلوماسي وسياسي يرقى إلى مستوى حل النزاع".

وقال تشازدي إنه إذا شهد العالم على تغيير في القيادات قد يشكل هذا أيضا ورقة ضغط رابحة على الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى المجتمع الدولي من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية.

"مناورة انتخابية"

ويصف منيمنة توجهات الإدارة الأميركية بأنها "مناورة انتخابية، إذ يريد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الترويج إلى أنه يتعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين بعدالة وإنصاف تجاه الطرفين، ولكنه سيحافظ على خطواته لتلميع مواقفه من دون استثارة الغضب الإسرائيلي"، ولهذا "سنرى الكثير من الكلام، ولن نرى شيئا على أرض الواقع".

أما المحلل السياسي، بيرمان، يرى أنه رغم الرفض الإسرائيلي "مع ذلك فإن تركيز إدارة بايدن منطقي" على هذا الملف، وكما يقال "كل السياسة محلية"، وذلك بمعنى أن الرئيس الحالي يتجه إلى "حملة إعادة انتخاب صعبة وقد يلقى هذا النوع من المبادرات ترحيبا جيدا مع الناشطين في الحزب الديمقراطي الذين انتقدوا بشده موقفه المؤيد لإسرائيل حتى الآن".

وفي عام 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني، المنعقد في الجزائر، قيام دولة فلسطين. وعملت منظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك على الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، واكتساب عضوية الوكالات المرتبطة بالأمم المتحدة.

وفي أعقاب الإعلان، اعترفت العديد من الدول، وخاصة الدول النامية في أفريقيا وآسيا، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بدولة فلسطين.

وحلت فلسطين محل منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة، لكنها لم تحصل على العضوية.

وهناك أكثر من 50 دولة لا تعترف بفلسطين دولة، من أبرزها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية.

وكان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة، التي دشنتها اتفاقات أوسلو عام 1993 ووقعها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.

وأدت الاتفاقات إلى اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء سلطة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكان الفلسطينيون يراودهم الأمل في أن تصبح هذه خطوة نحو إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، واصطدمت العملية بالرفض وأعمال عنف على كلا الجانبين.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته يوم 23 يناير إن حل الدولتين ما زال السبيل الوحيد لتلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين. وانتقد "الرفض الواضح والمتكرر لحل الدولتين من أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية".

وأضاف "هذا الرفض، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق إقامة دولة، سيطيل إلى أجل غير مسمى أمد هذا الصراع الذي أصبح تهديدا كبيرا للسلم والأمن العالميين".

رجال دين من السويداء السورية طالبوا بفتح معبر مع الأردن
الكبتاغون السوري أصبح يشكل معضلة في المنطقة خاصة للدول المجاورة مثل الأردن. أرشيفية

"هجموا أهلنا الأحرار حرقوا المقر له، انسحب باتجاه البيت. بقي يقاوم حتى الليل"، وعندما دخلت الفصائل المسلحة منزل راجي فلحوط وجدوا مكبس "كبتاغون"، هكذا يصف قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي لـ"الحرة" كيف نالت تجارة الكبتاغون من محافظة السويداء في سوريا.

هذه الأحداث وقعت أواخر يوليو من 2022 عندما اندلعت اشتباكات دامية في السويداء السورية، حيث اقتحمت حركة رجال الكرامة أكبر فصيل محلي مسلح مقر راجي فلحوط، وهو زعيم ميليشيا قوات الفجر الموالية للنظام، والتي يحملها الأهالي مسؤولية الفوضى الأمنية وتجارة المخدرات في المحافظة.

فلحوط اختفى بعدها من دون أثر، تاركا خلفه بطاقة أمنية صادرة عن المخابرات العسكرية السورية وهاتفا محمولا غير مشفر، يكشف عن علاقته المشبوهة بحزب الله اللبناني.

حلقة برنامج "الحرة تتحرى" تسلط الضوء على ملف "الكبتاغون" داخل السويداء، والدور الذي لعبته دمشق والميليشيات الموالية لإيران وحزب الله، في تصنيع هذه المخدرات وتهريبها.

الكبتاغون تم تصنيعه لأول مرة عام 1961 كبديل للأمفيتامين والميثامفيتامين، المستخدمين في ذلك الوقت لعلاج اضطراب السلوك.

ولكن بحلول الثمانينيات، صنفته الحكومة الأميركية كمادة خاضعة للرقابة وغير مقبولة للاستخدام الطبي. مع ذلك، استمر تصنيعه غير القانوني، وتصاعد في السنوات الأخيرة في أوروبا والشرق الأوسط، وعمّد المصنعون إلى الجمع بين عدة منشطات عالية الإدمان بتأثيرات مركبة في حبة صغيرة مدمرة، بحسب موقع "درغز".

الأحداث التي وقعت في يوليو من 2022، تحدث عنها تقرير للمرصد السوري لحقوق الانسان، وقال "كان هناك عملية قتل لستة عناصر من قوات الفجر، التابعة للفلحوط، والتي تعتبر يد حزب الله والمخابرات العسكرية الضاربة في هذه البقعة من الأراضي السورية، وتشرف بصورة أو أخرى على تجارة المخدرات في السويداء".

لماذا السويداء؟

دلائل على تورط نظام بشار الأسد في تجارة الكبتاغون. أرشيفية

مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر قال إن "الاتجار بالمخدرات تحديدا، هو ما أعطى إيران ووكلاءها سببا للتوسع في السويداء ونفوذا فيها، كما يعتمد النظام على هذه التجارة بشكل كبير لتأمين إيراداته الخاصة وللحفاظ على تماسكه الداخلي".

وأضاف أن إيران هذه التجارة "تشكل اللاصق الذي لا يزال يربط النظام بهياكله، وتتولى إدارة المخابرات العسكرية على وجه الخصوص السيطرة على تجارة المخدرات في السويداء".

وتنبع أهمية السويداء لهذه التجارة غير المشروعة من موقعها الحدودي، حيث استغلته دمشق وحلفاؤها لتهريب الكبتاغون عبر الأردن باتجاه دول الخليج.

المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية، طايل المجالي "نحن وصلنا إلى مرحلة أن نقول إننا أمام حرب حقيقية في مسألة المخدرات عبر الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حرب حقيقية بكميات ضخمة، يتم تداولها".

وأشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية تكشف أنه في سوريا أكثر من 295 مصنع للحبوب المخدرة، منوها إلى أن أي مسألة أمنية من هذا النوع تعتبر "خطا أحمر".

"طوق النجاة"

الكبتاغون السوري يتم تهريبه عبر الأردن إلى دول الخليج. أرشيفية

مطلع 2017 انطلقت في كازخستان محادثات أستانا بحضور أطراف النزاع السوري، وبرعاية إيران وروسيا وتركيا.

كان الهدف المعلن إنهاء الصراع المسلح في سوريا، ولكن ووفقا لخبراء استغلت روسيا الوضع وقدمت طوق نجاة لبشار الأسد.

ويوضح ليستر أن روسيا اقترحت "مناطق خفض التصعيد، لأن النظام السوري كان يعاني من صعوبة مواجهة المعارضة على أربع جبهات رئيسية في آن واحد: إدلب، حمص، دمشق، ودرعا، ومناطق خفض التصعيد منحت النظام فرصة لالتقاط الانفاس وإعادة تنظيم قواته".

وقال "كانت خطة خادعة، ولكنها أفادت النظام بشكل كبير".

وفي 2018 استعاد النظام السوري مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة المعارضة من بينها درعا مسقط رأس الثورة، ما فتح الباب لتوغل أكبر تجاه السويداء.

عارف نصر، باحث في الشأن الإيراني قال "نعلم بأن السويداء حتى 2018 كانت من المناطق التي تواجد النظام الإيراني، أو ربما تواجد حتى النظام السوري قليل جدا، لكن بعد الصفقة التي حدثت بواسطة الجانب الروسي، استطاع النظام أن يأتي ويتحكم في الجنوب السوري. هذا الامر هو كان الفاتحة إلى دخول ميليشيات حزب الله وكذلك التواجد الإيراني".

تجارة بمليارات الدولارات

النظام السوري يستخدم تهريب الكبتاغون لتزويد خزانته بالأموال

الباحث السوري، مصطفى النعيمي يقول إن "الميليشيات عندما دخلت إلى هذه المحافظة بشكل خاص قامت بالعديد من العمليات منها، الإغراء عبر الأموال، ومنها أيضا عبر إغراق تلك المنطقة بالمخدرات".

ووفقا لتقارير دولية وحكومية، يعتبر النظام السوري لاعبا أساسيا في تصنيع وتهريب مخدر الكبتاغون. وهي تجارة غير مشروعة يقدر خبراء حجمها بعشرات المليارات من الدولارات.

ويشرح ليستر أنه 2023 تم مصادرة "ما قيمته بين 5 و6 مليارات دولار من الكبتاغون، ووفقا للمخابرات السعودية يتم مصادرة عشرة في المئة فقط" من حجم تجارة الكبتاغون.

وهذا يعني "أن حجم التجارة الكلي يتراوح بين 50 و60 خمسين وستين مليار دولار، إنها تجارة ضخمة جدا" بحسب ليستر.

راجي فلحوط

الأسد يلعب بورقة الكبتاغون

النشاط المشبوه لإيران وحزب الله في السويداء أثار غضب الفصائل المحلية، ومنها قوات شيخ الكرامة التي يقودها ليث البلعوس.

ويقول قائد فصيل "قوات شيخ الكرامة"، البلعوس إن "التدخل الخارجي من حزب الله وإيران بالمنطقة بشكل خاص. جاءت بالمخدرات والاتجار بالمخدرات. هذا شيء لمسناه عن طريق عملية لقوات شيخ الكرامة في 2018 ضد إحدى الأذرع الاقتصادية اليمنى لحزب الله بالمنطقة".

وأضاف هذا الشيء "لمسناه لمس اليد. الترويج والاتجار. يا للأسف في بعض أشخاص ولائهم لحزب الله وإيران بالمنطقة، يا للأسف من أبناء المنطقة يساعدوهم بهذا الشيء".

من أبرز هؤلاء راجي فلحوط، والذي كان مغتربا ميسور الحال من أبناء السويداء، قبل أن يعود لمسقط راسه ويصبح رجل النظام القوي في المحافظة.

وقال قائد تجمع أحرار جبل العرب، عبد الباقي إن فلحوط خرج "باستعراضات ليصبح عنده قوة كبيرة بالمحافظة عن طريق النظام، الذي زوده بالأسلحة، والسيارات، وبمهمات وصلاحيات، ليطغى لدرجة كبيرة".

وأضاف أن فلحوط أصبح "قاطعا للطريق، ويخطف وتابعا لشعبة المخابرات العسكرية"، وهو ما تسبب "في استنكار كبير من أهلنا بالسويداء وقامت عليه انتفاضة، ومن وقتها عاد هو هرب من المقر باتجاه الشام".

وبحسب لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي "يقود راجي فلحوط ميليشيا مرتبطة بالاستخبارات العسكرية السورية. وهو متورط أيضا في تهريب المخدرات، وخاصة الكبتاغون".

الحرب على الكبتاغون

كميات ضخمة من حبوب الكبتاغون تم ضبطها

كشف الستار عن عصابة الفلحوط كان البداية لحرب شنتها حركة رجال الكرامة على الكبتاغون.

لكن تلك الجهود لم تنجح في استئصال المخدرات من السويداء بشكل نهائي.

وقال الكاتب والصحفي السوري، أيمن الشوفي إن "المعامل الصغيرة التي تشبه معمل راجي فلحوط ما زالت موجودة هنا في السويداء، لدى العصابات اللي محسوبة على الجهات الأمنية، وعلى الأمن العسكري وعلى إيران. لا زال موضوع التصنيع قائما".

"رأينا بعض الفصائل المحلية الدرزية الكبرى تعلن الحرب على هذه التجارة، ومن وقت لآخر، قامت حركة رجال الكرامة بمبادرات محلية لمصادرة المخدرات، وألقت القبض على مهربين وأفراد مشتبه بهم، ولكنهم يحققون تقدما بسيطا، ثم يتوقف كل شيء فجأة لماذا؟ لأن النظام يتدخل ويجبرهم على ذلك عن طريق اختطاف أفراد من عائلاتهم أو كبار قادة الفصائل" بحسب مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، ليستر.

محاولة إسكات الأصوات المعارضة أخذت أشكالا أخرى، ففي 13 مايو 2023 أطلق مجهولون الرصاص على سيارة يستقلها قائد قوات شيخ الكرامة، ليث البلعوس وعائلته ما أدى إلى إصابات استدعت نقله إلى المستشفى.

قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي تحدث في لقائه مع "الحرة تتحرى" عن تعرضه هو الآخر لمحاولة اغتيال أيضا.

وقال قبل "فتره أربع سنوات تم ضرب صاروخ باتجاه بيتي على نية قتلي"، ولكنه نجا منه، مشيرا إلى أنه تعرض إلى أكثر من محاولة اغتيال.

الأردن و"شر" الكبتاغون

الحدود السورية الأردنية تشهد ضربات عسكرية لمواجهة "مهربي مخدرات"

تدفق الكبتاغون عبر الحدود وبكميات ضخمة استنفد صبر الجارة الجنوبية الأردن، ما دفعها لاستخدام سلاحها الجوي لضرب مواقع بعينها في السويداء.

وفي 2013 أعلن مسؤولون أردنيون ارتفاع كبير في حجم المخدرات المهربة عبر الحدود مع سوريا.

المدير الأسبق لمكتب مكافحة المخدرات في الأردن، أنور الطراونة يقول إنه تم ضبط 16 مليون حبة من حبوب الكبتاغون المخدّر خلال العام الماضي.

وحتى الآن من بداية العام تم ضبط 9 مليون حبة من حبوب الكبتاغون المخدر.

ظاهرة التهريب تفاقمت عبر السنوات، فالمملكة تعتبر نقطة عبور رئيسية باتجاه الأسواق المربحة.

ويوضح ليستر أن "الوجهة الرئيسية لتجارة الكبتاغون هي الخليج العربي، وهناك الطلب أكبر ويمكن لهذه الحبوب المخدرة أن تباع بأعلى سعر، والطريق البرية هي الأكثر اعتمادية ويجب أن تمر عبر الأردن ومن ثم العراق وصولا إلى الخليج".

بالتوازي مع ذلك ارتفعت نسب الإدمان بين الشباب الأردني، إذ تكشف الأرقام ضبط ما يقارب 35 ألف شخص بين متعاط وتاجر ومروج خلال عام 2023.

ويقول المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية، المجالي إنه "عندما يدخل عليك الشر لا بد أن تتلوث بهذا الشر، ولا ننكر حدوث تلوث لدينا في مسالة المخدرات بسبب هذا الشر الذي يدخل علينا من خلالهم".

من "نصيب" إلى "السويداء"

الدول العربية تعلن مرارا عن إحباط تهريب كميات ضخمة من الكبتاغون

أمام هذه الظاهرة قام الأردن بتشديد القبضة على المعابر الحدودية مع سوريا، ويقول ليستر إن "التهريب كان يمر من درعا لكن الخطوات التي اتخذتها المملكة في المعابر الحدودية الرسمية مثل معبر نصيب، والذي كانت تمر عبره معظم المخدرات أدت إلى توقف ذلك إلى حد كبير الآن".

بعد إحكام عمان السيطرة على معبر نصيب وبحسب خبراء تغير مسار الكبتاغون نحو السويداء التي تحولت بسبب طبيعتها الجغرافية إلى نقطة التهريب الرئيسية إلى الأردن.

ويلفت ليستر إلى أن الكبتاغون يتم تهريبه من السويداء لينقل إلى "الصحراء في الجنوب المنطقة الأقرب إلى الحدود الأردنية، وهناك يتم توزيعه على البدو لتهريبه، ويقود رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية العملية من خلال تقديم حوافز مالية للبدو، فهم يعرفون الطرق ولديهم اتصالات عبر الحدود في الأردن ويعرفون كيفية إدخال وإخراج البضائع".

المجالي، المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية يوضح بدوره أنه "لا يوجد حاجز طبيعي بيننا وبين سوريا"، ناهيك عن وجود صلة قرابة بين بعض من يقطن على الأرض الأردنية والأرض السورية، وذلك يسهل عملية التهريب.

وأضاف "تقريبا 80 في مما هو مضبوط كان على الحدود غير الرسمية من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية".

وبينما تكافح السلطات الأردنية لوقف التهريب، تنعكس الرؤية على الجانب السوري.

ويؤكد المجالي أن "التهريب من سوريا إلى الأردن يتم من خلال جهات رسمية، والدليل الأول أكثر من 25 قضية استخدم فيها الطائرات المسيرة"، وعندما تستخدم مثل هذه الطائرات لا بد التهريب يدعمه جهات رسمية.

وأضاف "عندما يكون عدد المهربين أكثر من 100 - 150 شخص لا بد من وجود جهة رسمية تعرفهم"، خاصة وأنهم يستخدمون أسلحة وذخائر لا تباع لأفراد، وإنما تباع لجيوش.

الفرقة الرابعة وتجارة الكبتاغون

قوات النظام السوري، الممثلة بالفرقة الرابعة، تسهل تهريب المخدرات . أرشيفية - تعبيرية

من التقتهم "الحرة" من أبناء السويداء أكدوا تورط وحدات النظام العسكرية في هذه التجارة غير المشروعة.

ويقول عبد الباقي قائد تجمع أحرار جبل العرب إنه عندما تصدوا لعصابات المخدرات بالسويداء بمنطقة صلخد، اكتشفوا معلومات من تلفوناتهم أن "أحمال المخدرات توضع بمفرزة الأمن العسكري في الهجانة، حتى تهريب المخدرات باتجاه الأردن باتجاه السعودية، التوثيقات كلها موجودة كيف عم يدخلوا نظامي عن طريق حواجز الفرقة الرابعة، حواجز الأمن العسكري، حواجز النظام عم يمر كل أحمال المخدرات، والضباط يسهلوا عمليات تهريب المخدرات".

وبقيادة شقيق الرئيس بشار الأسد، اللواء ماهر الأسد تعد الفرقة الرابعة المدرعة أقوى تشكيلات الجيش السوري، وهي مدرجة أيضا على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية.

ويؤكد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية أن المعلومات "تفيد أن الفرقة الرابعة متورطة في عمليات تهريب المخدرات في سوريا على نطاق واسع، بما في ذلك الكبتاغون، إضافة إلى مواد أخرى غير مشروعة".

الباحث السوري، مصطفى النعيمي قال "هنالك ضباط كثر هم متورطون في عملية نقل ونشر، وإنتاج الكبتاغون في مناطق سيطرة النظام السوري، تحديدا باتجاه السويداء. هم متورطون وهم يقومون بإدارته عبر الفرقة الرابعة، البوابة الرئيسية، التي كان من خلالها النظام السوري يدخل على السويداء وغيرها".

الدبلوماسية والكبتاغون السوري

صورة تعبيرية لشخص يعرض مخدر الكبتاغون

مطلع مايو 2023 وبعد أكثر من عقد على تعليق عضوية سوريا أعلنت جامعة الدول العربية عودة دمشق إلى مقعدها في المنظمة، ولكن ذلك كان مشروطا.

عضو لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا، هاني ميغالي يعتقد "أن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كان اتفاقا ضمنيا بأن تحد دمشق من انتشار هذا المخدر خاصة أن الأردنيين كانوا قلقين للغاية".

ويتفق ليستر معه وقال "اعتقد الأردن أن عودة دمشق ستشجعها على إيقاف تجارة الكبتاغون، وكان للسعودية الدافع نفسه تقريبا، ولكنها كانت مغامرة حمقاء".

وبحسب المجالي "لم تسفر الخطوة الدبلوماسية عن نتيجة على الأرض"، وقال إنه جرى "مفاوضات على مستوى وزراء الداخلية، وجرى مفاوضات على مستوى وزراء الخارجية، وأخرى على مستوى رؤساء اللجنة الأمنية بشكل عام، وحتى على مستوى القمة أيضا، ولكن النتيجة ما زال التهريب".

وزاد أن المملكة استنفذت "كل القنوات الدبلوماسية في معالجة موضوع تهريب المخدرات عبر الاراضي الأردنية، ولم نر استجابة للمفاوضات الدبلوماسية" وبالتالي أردنا حماية منطقتنا وبلدنا.

استمرار تدفق الكبتاغون دفع عمان لاستخدام القوة العسكرية لينفذ سلاح الجو الأردني ضربة على ريف السويداء استهدفت مرعي... أحد أكبر مهربي المخدرات في المنطقة.

وقال المجالي وهو مدير سابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية إنه "بناء على ضبطيات سابقة، تكونت لدينا معلومات أكيدة بأنه يوجد مصنع للمخدرات في منطقة السويداء"، ليتدخل "الطيران الأردني ليقضي على المصنع وعلى من يشرف عليه".

إسكوبار المخدرات السوري

الأمن اللبناني أحبط محاولة تهريب الكبتاغون

ويؤكد الباحث السوري، النعيمي أن "مرعي الرمثان يعتبر هو ضابط الوصل ما بين الميليشيات الإيرانية وحزب الله وصولا إلى الميليشيات السورية، ويعتبر اسكوبار المخدرات السوري وهو عراب المشروع لنقل المخدرات إلى السويداء".

وائل الرمثان اسم آخر من العائلة ذاتها، ارتبط بحزب الله اللبناني وعالم المخدرات.

ووفقا لتقرير سابق لمركز جسور للدراسات في تركيا "تم إنشاء مستودعي مخدرات لصالح حزب الله في السويداء، وهما عبارة عن نفقين في الوادي، وأشرف على تجهيزهما حسن علي، القيادي بقوات الرضوان من حزب الله. وتم تكليف وائل الرمثان، وهو مهرب مخدرات من أبناء منطقة الشعاب بمحافظة السويداء، ليكون مسؤولا عن هذه المستودعات، حيث سيتم تخزين حبوب الكبتاغون المخدرة ومادة الحشيش، لحين تأمين نقلها للحدود وتهريبها إلى الأراضي الأردنية".

بحسب خبراء لا ينوي النظام السوري التوقف عن تجارة المخدرات في القريب العاجل، فدمشق تعتمد وبشكل كبير على عائدات بيع الكبتاغون كمصدر دخل أساسي.

ويؤكد ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط أن "ما نعرفه بشكل واضح هو أن شبكات النظام تحقق أرباحا سنوية بمليارات الدولارات من هذه التجارة غير المشروعة، لذا توقفت معظم حكومات المنطقة عن الإعلان عن كميات الكبتاغون المضبوطة، لشعورها بالإحراج بأن تطبيع العلاقات مع دمشق لم يؤد إلى تقليص لحجم التهريب".

واستمرار النظام في رعاية تهريب المخدرات عبر السويداء وإغراق المحافظة بهذه السموم، كان أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية صيف 2023.

"سرطان نظام بشار الأسد"

الحكومات العربية والغربية تتهم النظام السوري بإنتاج مادة "الكبتاغون" ـ أرشيفية

ويحذر عبد الباقي، قائد تجمع أحرار جبل العرب "اليوم نحن في عنا خطر حقيقي، أهلنا، الطلاب والطالبات، المدارس تتعرض لموضوع توزيع المخدرات".

وقال "نحن نستغيث، ونبعث رسائل لكل المجتمعات الدولية، أنقذونا من هذا السرطان، سرطان نظام المجرم نظام بشار الأسد".

في يونيو 2024 أقام النظام نقطة تفتيش عسكرية على دوار العنقود، في مدخل مدينة السويداء، ما أثار غضب السكان والفصائل المحلية فأزيل الحاجز.

وذكر ليستر أن أهالي السويداء "ليسوا أغبياء وهم يعرفون ماذا يعني ذلك، أن النظام يخلق بنية تحتية تمكنه من قمع أي شخص يعبر عن معارضته، لكن المثير للإعجاب هو أن الناس لم يستسلموا لتلك التهديدات".

وبعد أقل من شهرين عادت الأجهزة الأمنية وثبتت الحاجز بالتزامن مع إرسال تعزيزات عسكرية إلى المدينة، ومن التقتهم "الحرة" من أبناء السويداء تحدثوا عن الأهداف الحقيقية وراء هذا الإجراء.

ويؤكد عبد الباقي بدوره أن "النظام استخدم العصابات، والخلايا اللي كانت مع راجي فلحوط، وأعطاها السلاح والسيارات والأموال لإعادة تدويرهم".

وأضاف عندما شاهدناهم على الحاجز "الموجود عند دوار العنقود" رفض أهالينا في السويداء رفضا قاطعا أي إعادة لأي "سيناريو لتعويم العصابات" في المحافظة.

وبعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية تخلت السويداء عن حياد انتهجته لسنوات وخلقت لنفسها حالة خاصة من المعارضة لفوضى الميليشيات وغياب الأمن والاغتيالات وتفشي وباء المخدرات، ولنظام قمعي ادعى يوما حماية الأقليات في البلاد.