الحرب المستمرة في غزة منذ أربعة أشهر تشكل تحديا أمام العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل
الحرب المستمرة في غزة منذ أربعة أشهر تشكل تحديا أمام العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل

كيف أثرت حرب غزة على العلاقات الأميركية الإسرائيلية؟ وهل تتعدى المسألة التباين بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتانياهو؟ وما هي أبرز الملفات الخلافية بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية؟

السفير الأميركي السابق، السفير جيمس جيفري، ناقش هذا الملف في برنامج "عاصمة القرار" من الحرّة، مع الكاتب والصحفي الأميركي دانيال ليبمان. كما كانت هناك مداخلة من تل أبيب للسفير ألون ليئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

يشدد السفير جيمس جيفري على "متانة ورسوخ" العلاقات الأميركية الإسرائيلية "رغم الصعوبات السياسية التي تولدها الحرب الراهنة، والعلاقات بين بايدن ونتانياهو في إطار الاتفاق بشأن كيفية سير الأمور بعد الحرب". ويستدرك السفير الأميركي السابق بأن "كيفية الخروج من أزمة غزة ستؤثر على مستقبل العلاقة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل. 

ويلاحظ الكاتب الأميركي في "بوليتيكو"، دانيال ليبمان، أن علاقات بايدن بإسرائيل "عاطفية ولن تتغير بسبب خلافه مع نتانياهو"، إلا أن "الجيل الأميركي الجديد، خاصة من أعضاء ومناصري الحزب الديمقراطي، متعاطف مع الفلسطينيين أكثر من إسرائيل، ويضغط على بايدن لتخفيف قوة دعمه لإسرائيل".

ويقول نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض، أندرو بايتس: "لكل الأميركيين الحق الدستوري في التعبير عن آرائهم، ما دامت المظاهرات المعارضة لموقف الرئيس من الحرب في غزّة سلمية. وفي المقابل، لقد تظاهر الآلاف من الأميركيين في واشنطن تأييدا للرئيس بايدن في دعمه لواجب إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

هل يدفع بايدن الثمن؟

في الكونغرس تُشعل سنة الانتخابات الرئاسية الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين. 

ويقول النائب الجمهوري، توم كول، إن "إسرائيل حليف وشريك قديم لا يمكن الاستغناء عنه. وعلى الولايات المتحدة أن تقوم بدورها من خلال الوقوف إلى جانب إسرائيل. علينا أن نقدم الدعم لحليفتنا وهي في أمس الحاجة إليه، وضمان أن لا تحصل إيران، أكبر داعم لحماس، على الأموال التي يمكن توظيفها للحصول على الأسلحة والتدريب". 

ويذهب السيناتور الجمهوري، تيد كروز، إلى القول إن "بايدن يساعد أعداء أميركا ويتخلى عن أصدقائنا. إن سياسة بايدن القائمة على المهادنة غريبة جدا. لقد سمح بتدفق مليارات الدولارات لإيران لكي تقتل أميركيين وتهاجم إسرائيل". 

وفي المقابل أعلن مشرعون ديمقراطيون، في رسالة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، أنهم "يشعرون بعدم ارتياح كبير للرد الإسرائيلي على هجوم حماس على إسرائيل، بما في ذلك من خلال القصف العشوائي، الذي كان أغلب ضحاياه من المدنيين، من بينهم آلاف الأطفال". 

ويطلب المشرعون الديمقراطيون من إدارة بايدن "معلومات بشأن قرارات هذه الإدارة واللجوء بشكل متكرر إلى صلاحيات الطوارئ لتجاوز اختصاص الكونغرس في الرقابة على عمليات تزويد إسرائيل بالسلاح". 

وقالت النائب الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتي: "في ما يخص الرئيس بايدن، علينا أن نفهم أن الناخبين الشباب يشكلون ثقلاً قويا في هذه الانتخابات، وأنه داخل الحزب الديمقراطي، لدينا تحالف فيه تعددية، ولديه قضايا تشغله بشكل خاص، سواء تعلق الأمر بما يحصل في غزة أو أمور أخرى. ما نراه عبر أميركا، أن الشباب يشعرون بالاشمئزاز من العنف والطريقة العشوائية التي يتم بها فقدان الأرواح. أعتقد أن حكومة نتانياهو فقدت التأييد الشعبي، وأنه لدينا مسؤولية لحماية حقوق وإنسانية سكان غزة والرهائن".

وتشير صابرينا صديقي وآني لينسكي وفيفيان سلامة في "وول ستريت جورنال" إلى "وجود خشية لدى فريق بايدن بشأن تأثير دعم إسرائيل على حظوظه للفوز بولاية ثانية. وبأن المظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال التجمعات الانتخابية لبايدن تدل على وجود شرخ بين الرئيس وجزء من قاعدته الانتخابية، ومن بينهم العرب الأميركيون، في ظل رفضه الضغط لوقف إطلاق النار، أو فرض قيود على الدعم العسكري لإسرائيل". 

هل تعاقب واشنطن بن غفير وسموتريش؟

أصدر الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً يخول بموجبه وزارتي الخارجية والخزانة، فرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين متطرفين في الضفة الغربية. لأن "الوضع في الضفة الغربية، خاصة عنف المستوطنين المتطرفين، والتهجير القسري للأشخاص والقرى، وتدمير الممتلكات، قد وصل إلى مستويات لا تطاق، وبات يُشكل تهديداً خطيراً للسلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع". 

وأكثر من ذلك، يضيف بايدن، إن "إجراءات (المستوطنين) تقوِّض أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بما في ذلك جدوى حل الدولتين وضمان حصول الإسرائيليين والفلسطينيين على تدابير متساوية من الأمن والازدهار والحرية. كما أنها تقوض أمن إسرائيل، ويمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما يهدد موظفي الولايات المتحدة ومصالحها. ولهذه الأسباب، تشكل هذه التصرفات تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". 

بعد إعلان بايدن هذا، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قراراً تفرض بموجبه "عقوبات مالية على 4 مواطنين إسرائيليين مرتبطين بالعنف ضد المدنيين في الضفة الغربية". كما حثت الخارجية الأميركية إسرائيل لفعل المزيد "لوقف العنف ضد المدنيين في الضفة الغربية ومحاسبة المسؤولين عنه". 

وأشار موقع "أكسيوس"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن واشنطن "فكرت في إدراج الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريش (وهما من اليمين المتشدد) في قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات"،  لكن الإدارة الأميركية "قررت استبعادهما في الوقت الحالي، والتركيز على أولئك الذين ارتكبوا الهجمات".

يقول السفير جيمس جيفري إن العقوبات الأميركية "خطوة مهمة جداً لأن معظم الإسرائيليين لا يتفقون مع تلك السياسات لأنها تضر بمصلحة إسرائيل على المدى البعيد. وبالتالي فإن بايدن على حق في اتخاذ هذا الإجراء" بحق المستوطنين.

ويشير دانيال ليبمان إلى أن بايدن يقول من خلال هذه العقوبات إن "هجمات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين غير مقبولة".

ويؤيد الكاتب الأميركي روبرت بيستون فرض بايدن "عقوبات مالية وعقوبات سفر على مستوطني الضفة الغربية المتهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين. إن الطريق إلى السلام في إسرائيل وغزة تتمثل في بناء الثقة بين كافة المجتمعات ذات الصلة".

هل تعترف إدارة بايدن بدولة فلسطينية؟ 

وفي تقرير حصري لموقع "أكسيوس"، ينقل باراك رافيد عن مسؤولين أميركيين قولهم إن "بلينكن أمر بالقيام بطرح خيارات بشأن إمكانية اعتراف أميركي ودولي بدولة فلسطينية". الأمر الذي يشكل، برأي الكاتب، تغييراً جذرياً في السياسة الأميركية، ويفتح الباب أمام التطبيع بين إسرائيل والسعودية. 

ويشير رافيد إلى "3 خيارات ممكنة أمام واشنطن هي: الاعتراف بدولة فلسطين بشكل ثنائي، أو عدم عرقلة تصويت مجلس الأمن على قبول فلسطين كعضو دائم في الأمم المتحدة، أو تشجيع دول أخرى على الاعتراف بفلسطين". 

ويختم رافيد بالإشارة إلى طلب بلينكن من مساعديه "وضع تصور بشأن قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وهو ما اقترحه نتانياهو سابقا، لضمان أمن إسرائيل".

ويقول ليبمان إن الرئيس بايدن "يحاول إقامة توازن بين دعمه إسرائيل وفلسطين، لا سيما أن الولايات المتحدة لا تعترف بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وأيضاً، لأن التقدميين في الحزب الديمقراطي يتهمون بايدن بالانحياز لإسرائيل، خاصة أن الرئيس لم يطلب من إسرائيل وقف النار في غزة".

من جهته، يرى السفير جيمس جيفري، أن "أي إعتراف أميركي بدولة فلسطينية منزوعة السلاح سيشكل ضربة دبلوماسية لإسرائيل، لكنها ستكون ضربة غير قاتلة، خاصة أن نزع السلاح من الفلسطينيين صعب التحقيق، كما هو الحال في كل مكان في العالم". 

ويضيف أنه "على إسرائيل كبح جماح المستوطنين، والتقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين، لأن هذا ما يريده بايدن، وهذه هي الصفقة التي تحرك الشرق الأوسط"، برأي السفير الأميركي السابق.

من جهة أخرى، يوضح السفير الإسرائيلي السابق ألون ليئيل أن "الخطوط الإسرائيلية الحمراء هي: وقف الحرب قبل القضاء على حماس، وتحقيق حل الدولتين الآن". 

ويتوقع أن "تتراجع واشنطن عن هذين المطلبين، وأن لا تعترف الإدارة الأميركية بدولة فلسطينية، لآن ذلك القرار سيشكل ضربة لإسرائيل، ويعقد العلاقات بين البلدبن الحليفيين، خاصة وأنه ليس كل شيء تراه واشنطن تراه إسرائيل بنفس الطريقة". 

ويقول الإعلامي والكاتب الأميركي غلين غرينوالد: "تجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل واحدة من أكثر العلاقات الثنائية غرابة. فالولايات المتحدة تُموِّلُ الجيش الإسرائيلي، وحروب إسرائيل المختلفة. لكن، كل مرة تطلب فيها الولايات المتحدة من إسرائيل التوقف عن القيام بأشياء تضر بالأمن القومي الأميركي، ترفض إسرائيل الامتثال، وتستمر الأمور على حالها".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟