نافالني
نافالني

طغى خبر وفاة المعارض الروسي البارز، أليكسي نافالني، في السجن، الجمعة، على عناوين الأخبار حول العالم، لكن بالرغم من أنه جاء بشكل مفاجئ، خاصة لصغر سن الراحل، فإنه لم يفاجئ الكثيرين، نظرا للظروف الغامضة التي أحاطت به خلال الأشهر الأخيرة، وتعرضه سابقا لمحاولة اغتيال، بالإضافة إلى وفاة الكثير من خصوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقبل إعلان الكرملين عن رحيل نافالني، فإن الكثير من الظروف الغامضة أحاطت بظروفه الصحية، وبشأن المعاملة التي يلقاها في سجنه، بل وحتى فيما يتعلق بمكانه.

وكان نافالني، الذي رحل عن عمر ناهز 47 عاما، يقضي حكما بالسجن لمدة 19 عاما، بتهمة "التطرف"، في معتقل يُعرف باسم "الذئب القطبي".

و"الذئب القطبي"، هو مؤسسة موروثة عن معسكرات الأشغال الشاقة السوفياتية. ويعمل السجناء هناك بشكل خاص في دباغة وخياطة جلود الرنة التي يستخدمها السكان الأصليون المحليون.

وكانت الولايات المتحدة قد أعربت في أواخر ديسمبر الماضي، عن "قلقها البالغ" من "ظروف سجن" نافالني، بعد أن جرى نقله  إلى "الذئب القطبي" وانقطاع أخباره لحوالي ثلاثة أسابيع.

وانقطعت أخبار  نافالني عن أقاربه وأعوانه، في بداية ديسمبر، حيث كان يقبع في سجن في منطقة فلاديمير التي تقع على بعد 250 كيلومترا شرق موسكو، وهو ما رجّح فرضية أن يكون قد نقل إلى سجن آخر.

وأكدت المتحدثة باسمه، لاحقا، أنه يقبع حاليا في سجن في بلدة خارب الواقعة في منطقة القطب الشمالي.

وتقع بلدة خارب الصغيرة التي يناهز عدد سكانها 5000 نسمة في منطقة يامالو-نينيتس النائية بشمال روسيا، وتضم الكثير من السجون.

"بوتين.. الجبان والساذج"

وفي التاسع من يناير، أعلن نافالني عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنه نال عقوبة "7 أيام من العزل (في زنزانة)" لأنه لم يُعرِّف عن نفسه بالشكل المناسب"، بحسب وكالة فرانس برس.

وأشار الى أن الإجراء تمّ اتخاذه بمجرد "خروجه من الحجر"، من دون أن يحدد تاريخا لذلك، مضيفا "الافتراض بأن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سيكون راضيا لمجرد أنه أرسلني الى كوخ في المنطقة الشمالية، وأنني لن أتعرض للتعذيب في العزل، لم يكن فقط (افتراضا) جبانا بل ساذجا أيضا".

ومنذ إدخاله السجن، يمضي نافالني أيامه بين زنزانة عادية وعزل انفرادي.

ووفق متحدثة باسمه، فقد وضع المعارض الراحل في العزل 24 مرة، وذلك لمدة إجمالية بلغت 273 يوما.

ونظم نافالني احتجاجات واسعة في روسيا قبل أن يسجن في 2021، بعد إدانته بتهم احتيال، إثر عودته من ألمانيا حيث كان يتعافى من عملية تسميم.

وتعرض نافالني للتسميم بغاز نوفيتشوك للأعصاب خلال رحلة إلى سيبيريا عام 2020، وتلقى العلاج في برلين واتهم بوتين بالوقوف وراء محاولة اغتياله.

يشار إلى أن وفاة نافالني الغامضة، جاءت قبل أسابيع قليلة على الانتخابات الرئاسية في روسيا المقررة في مارس، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المعارض الراحل كان قد حاول منافسة بوتين في الانتخابات الرئاسية السابقة.

ويسعى بوتين للبقاء لولاية جديدة مدّتها 6 سنوات في الكرملين، من خلال انتخابات مارس، وهي ولاية ستستمر حتى عام 2030.

تاريخ حافل ضد الفساد

في 2011، قاد نافالني تظاهرات حاشدة ضد الفساد، شهدت خروج عشرات الآلاف إلى شوارع موسكو، للاحتجاج على "تزوير" في الانتخابات البرلمانية، مما أغضب الكرملين.

وفي ذلك العام، ترشح الأب لطفلين لمنصب رئيس بلدية موسكو، وحل ثانياً بعد سيرغي سوبيانين، حليف بوتين.

وفي 2017، اتهم نافالني رئيس الوزراء آنذاك، ديمتري ميدفيديف، بالفساد الهائل، في فيلم وثائقي على موقع يوتيوب. وكانت تلك الشرارة التي أطلقت موجة جديدة من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، قابلتها الشرطة بالعنف والاعتقالات الجماعية.

وتضمن الفيلم اتهامات لمدفيديف بالسيطرة على إمبراطورية ضخمة من العقارات الفاخرة.

وتمت مشاهدة الفيلم، الذي نشرته مؤسسة صندوق مكافحة الفساد التابعة لنافالني في عام 2017، على موقع "يوتيوب" أكثر من 35 مليون مرة.

وفي 2017، اضطر للسفر إلى إسبانيا لإجراء عملية جراحية بعد أن كاد يفقد البصر في إحدى عينيه جراء هجمات الشوارع العديدة التي تعرض لها، إذ تعرضه لحروق كيميائية في عينه، بعدما ألقى مهاجمون مادة تستخدم كمطهر على وجهه أمام مكتبه.

وفي يوليو 2019، أصيب نافالني بطفح جلدي وتورم وجهه أثناء وجوده في السجن، بعد قمع السلطات متظاهرين معارضين للكرملين، وإثر دعوته لتظاهرة غير مرخصة. 

وبرحيله اليوم، توالت ردود الفعل الدولية التي اتهمت الكرملين بالوقوف وراء "اغتياله". وحمّل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، روسيا المسؤولية عن وفاة نافالني.

وقال رئيس لاتفيا، إدغارس رينكفيكس، في منشور له عبر منصة إكس: "مهما كان الموقف من أليكسي نافالني كرجل سياسي، لقد اغتيل بطريقة وحشية من قبل الكرملين".

وقال وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه بتصريحات صحفية: "وفاته (نافالني) في مستعمرة عقابية، يذكرنا بحقيقة نظام فلاديمير بوتين".

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.