فريق نافالني اتهم الكرملين بقتله والسعي لإخفاء آثار الجريمة
نافالني رحل عن عمر ناهز 47 عاما

رحج 5 رجال قضوا فترة عقوبتهم في نفس السجن الذي مات فيه المعارض الروسي البارز، أليكسي نافالني، أن يكون الأخير قد أمضى آخر أيامه في ظروف إنسانية صعبة للغاية، وفقا لما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

ويعتبر "الذئب القطبي" من أقسى السجون في روسيا، وقد أدين معظم السجناء هناك بارتكاب جرائم خطيرة، كما تشير وكالة "رويترز" في تقريرها عن نافالني، ديسمبر الماضي.

ويقع "الذئب القطبي" في بلدة خارب شمالي الدائرة القطبية الشمالية، على بعد حوالي 1200 ميل شمال شرق موسكو. 

وتستغرق الرحلة إليه 3 ساعات بالطائرة من موسكو إلى سالخارد، ثم بالعبارة عبر نهر أوب في الصيف، أو العبور على الجليد في الشتاء.

وكان ذلك السجن في السابق جزءا من نظام معسكرات العمل القسري السوفيتية، وفقا لوسائل الإعلام المحلية.

وفي تصريحات للمتحدثة باسم نافالني، كيرا يارميس، أشارت إلى أن "الفكرة من نقل المعارض إلى المعتقل البعيد هي جعل حياته أكثر صعوبة وإبعاده عن العالم".

وأضافت أن نقله يهدف أيضا إلى "زيادة صعوبة وصول محاميه وحلفائه إليه".

"برد لا يطاق"

ووصف السجناء في مقابلات هاتفية مع الصحيفة الأميركية، "البرد الذي لا يطاق والطعام البغيض والظروف غير الصحية والضرب" في  السجن الذي يعرف كذلك باسم "المستعمرة العقابية رقم 3"، حيث وصل نافالني في ديسمبر الماضي لقضاء ما تبقى من عقوبة الحبس البالغة 19 عامًا.

وقال السجناء السابقون إن الظروف كانت وحشية، لاسيما، في الزنازين الانفرادية التي يُعتقد أن نافالني كان محتجزاً فيها في اليوم الذي أُعلن عن وفاته فيه.

لكن ما جعل السجن، المعروف باسم "الترويكا" أيضا، مرعبًا حتى بالنسبة للسجناء الروس الأشداء، هو "الضغط النفسي الاستثنائي والشعور بالوحدة"، على حد قولهم. 

وقال سجين سابق يدعى كونستانتين، الذي أمضى بعض الوقت في زنازين الحبس الانفرادي في السجن: "لقد كانت إبادة كاملة ومطلقة للروح.. عندما أفكر في الأمر فإنني أتصبب عرقاً بارداً حتى الآن"، مضيفاً أنه يعاني من مرض عقلي منذ إطلاق سراحه.

وأجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات مع 4 رجال أنهوا فترة عقوباتهم في "الترويكا" في العقد الماضي، وبعضهم كان قد خرج منه قبل أسابيع من وصول نافالني.

وتحدثت الصحيفة مع شخص كان في السجن وقت وفاة نافالني، بالإضافة إلى صديق لنزيل سابق، وقد تم حجب أسمائهم الكاملة وبعض التفاصيل الشخصية لحمايتهم من الانتقام.

"مثل الجحيم"

تعرض نافالني مرارًا للحبس الانفرادي بعد سجنه عام 2021، حيث كان من المفترض أن يقضي فترته السابعة والعشرين في زنزانة انفرادية في اليوم الذي أُعلن عن وفاته، وفقًا لمتحدثة باسم حركته السياسية.

وقال أحد السجناء السابقين، وهو قاتل قضى بعض الوقت في الزنازين الانفرادية، إن تلك الزنازين صممت "لتحطيم السجناء أخلاقيا، حتى يوافقون على جميع شروط إدارة السجن.. لقد كان الأمر مثل الجحيم".

وأوضح السجناء أن البرد الشديد كان من أكبر الصعاب، قائلين إن بطانيات السجن البالية كانت في كثير من الأحيان المصدر الوحيد للدفء.

كما كان الطعام "سيئاً حتى بمعايير السجون الروسية"، حيث قال كونستانتين، السجين السابق، مستخدماً سلسلة من الشتائم: "لقد كانت عصيدة فظيعة وغير قابلة للأكل".

كما مارست سلطات السجن رقابة مشددة على كل جانب من جوانب حياة النزلاء، من خلال الاعتماد على شبكة واسعة من المخبرين.

وقال أحد المدانين السابقين، يُدعى ألكسندر، الذي قضى فترة في "الترويكا" بتهمة الإتجار بالمخدرات: "لا يمكنك إخفاء أي شيء هناك، كل شيء مترابط، والجميع يعرف كل شيء عن الجميع".

وأشار إلى أن هذا جعله ينظر إلى جميع المدانين الآخرين على أنهم يشكلون تهديدا، مما أدى إلى "تدمير الشعور بالانتماء للمجتمع" الذي غالبا ما يكون بمثابة المصدر الرئيسي للدعم في السجون الروسية الأخرى.

وأضاف ألكسندر: "كان عليك أن تتصالح مع حقيقة أنه لن يساعدك أحد، وأنك وحدك".

ومثل هذه الظروف يمكن أن تعجل بوفاة النزيل بسبب الصحة  الجسدية والعقلية، حيث قال المتحدثون إن معدل الوفيات في السجن كان مرتفعا، وإنه بقي مستمرا في الارتفاع حتى بعد إطلاق سراحهم.

من جانبها، أوضحت امرأة من مدينة سانت بطرسبرغ، تدعى أليسا، أنها كافحت للتعرف على صديقها ميخائيل بعد أن أنهى عقوبة السجن لمدة 4 سنوات في "الذئب القطبي" عام 2022.

وقالت أليسا، التي أرسلت طروداً إلى ميخائيل في السجن: "لقد كان شاباً وسيما.. لكنه خرج بلا أسنان وبنفسية محطمة، وعندما رآني في الشارع، لم يتمكن من التعرف علي".

وأضافت أن ميخائيل توفي بعد عام من إطلاق سراحه.

وفي سياق متصل، قال شخص كان في السجن، الشهر الماضي، إن الحراس منعوا الوصول إلى خدمة الهاتف في السجن في اليوم الذي تم فيه الإبلاغ عن وفاة نافالني.

وأوضح أنه علم بالأمر في اليوم التالي من خلال انتشار الشائعات في السجن.

ونبه إلى أنه لا يعرف مكان وجود نافالني قبل وفاته، لأن النظام اليومي الصارم يعني أن الرجال الذين يعيشون في إحدى ثكنات السجن نادراً ما يتفاعلون مع الآخرين أو حتى يرونهم.

وتضم المستعمرة العقابية حوالي 20 سجنًا انفراديًا وزنزانات عقابية أخرى منتشرة في جميع أنحاء مبانيه.

وأضاف المتحدث الأخير: "يمكنك قضاء 10 سنوات هناك، دون أن ترى أو تعرف أي شيء عن أي شخص آخر".

وعندما سُئل عن رد فعل المدانين على وفاة نافالني، قال: "لا أحد يهتم بأي شخص آخر هناك، لأن الجميع يفكرون في أنفسهم فقط ومتى يمكنهم الخروج من هناك".

ومع ذلك، أشار إلى أن أي تعطيل للروتين، مثل وصول المسؤولين الفيدراليين إلى السجن بعد وفاة أحد السجناء، سيكون موضع ترحيب باعتباره فترة راحة صغيرة.

وأضاف مستذكرا حادثة موت سجين خلال وجوده هناك: "قد يبدو الأمر قاسياً، كما تعلمون، لكن وفاته أوقفت الضرب وخففت إلى حد ما من الروتين اليومي.. وهذا بالطبع أمر إيجابي بالنسبة للسجناء".

بدر المشاري اعتقل في يوليو 2024
بدر المشاري اعتقل في يوليو 2024 | Source: social media

سلط قرار السلطات المختصة في الرياض الإفراج عن الداعية الإسلامي المعروف، بدر المشاري، الضوء على قضية اعتقال العديد من رجال الدين في السعودية، وذلك منذ تولى الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في المملكة سنة 2017.

وكانت مصادر مقربة من  المشاري قد أكدت، الخميس، خبر إطلاق سراحه بعد قضائه فترة سجن استمرت لأكثر من عام، بينما تجاهلت وسائل الإعلام المحلية التطرق لذلك.

وحسب الموقع الرسمي لـ"لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية"، وهي منظمة حكومية أميركية مستقلة، فإن  السلطات السعودية قد اعتقلت المشاري في يوليو من العام 2023 "في ظروف غامضة ولأسباب غير واضحة".

 

وأشار الموقع إلى أن المشاري كان قد وجه انتقادات للهيئة العامة للترفيه برئاسة، المستشار تركي آل الشيخ "بسبب رعايتها للحفلات والفعاليات التي تتعارض مع الأعراف الدينية والثقافية".

ولفت الموقع إلى أنه كان قد جرى "اعتقال وسجن العديد من رجال الدين الذين انتقدوا الهيئة العامة للترفيه في السنوات الأخيرة".

وكانت مجلة "فورين أفيرز" قد ذكرت عام 2017، وعقب تولي محمد بن سلمان، منصب ولاية العهد، بأن  الأخير بدأ قيادة تحول السعودية نحو الإصلاح الاقتصادي، وقد وضع استراتيجية من ثلاثة محاور لتجنب أي رد فعل عنيف من أي محافظين دينيين معارضين لخطته.

وكتب أحد الباحثين الذي التقوا بن سلمان، وقتها، أن الأخير قد أبلغهم بأن إجراءات عقابية سيتم وضعها في الاعتبار إذا أقدم أي رجل دين على التحريض على العنف أو ممارسة رد فعل على الخطة الإصلاحية.

أبرز المعتقلين

وبالفعل شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة استهدفت عدداً من رجال الدين البارزين. فيما يلي أبرز هؤلاء المعتقلين:

سلمان العودة

داعية سعودي وُلد عام 1956، يُعتبر من رموز الوسطية الإسلامية، وقد اعتُقل في سبتمبر 2017 بعد تغريدة دعا فيها إلى التقارب بين السعودية وقطر.

والعودة واحد من 20 شخصية تم توقيفهم في منتصف سبتمبر 2017، وبينهم كتاب وصحفيون، في سياق حملة استهدفت معارضين في المملكة.

ووفق منظمة العفو الدولية، وجهت السلطات السعودية للعودة في أغسطس 2018، 37 تهمة، من بينها الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، والدعوة إلى إجراء إصلاحات في الحكومة و"تغيير النظام" في المنطقة العربية.

عوض القرني

رجل دين  وُلد عام 1957 في منطقة عسير، و اعتُقل في سبتمبر 2017، واتُهم بحثّ الشباب على الانضمام لجماعات إرهابية والتواصل مع جهات خارجية.

وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في يناير عام 2023، بأن الادعاء السعودي كان قد طالب بإصدار عقوبة الإعدام على القرني، لارتكابه جرائم مزعومة، بما في ذلك امتلاك حساب على تويتر، واستخدام تطبيق واتساب لنشر أخبار "معادية" للمملكة، وفقا لوثائق المحكمة.

نجل سلمان العودة يعلق على مطالبة النيابة السعودية بإعدام عوض القرني
استنكر مدير الأبحاث لمنطقة الخليج في المنظمة غير الحكومية داون (الديموقراطية للعالم العربي الآن)، عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل في السعودية سلمان العودة، طلب النيابة العامة في المملكة إعدام الداعية عوض القرني.

وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على وثائق المحكمة السعودية وتفاصيل التهم الموجهة ضد القرني من قبل ابنه، ناصر، الذي فر العام الماضي من المملكة ويعيش حاليا في المملكة المتحدة بعد طلبه للحماية.

علي العمري

داعية إسلامي سعودي وُلد عام 1976، وشغل منصب رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة. 

واعتُقل في سبتمبر 2017، كما جرى إغلاق قناة "فور شباب" التي يديرها.

سفر الحوالي

داعية سعودي وُلد عام 1950، ويعد أحد أبرز وجوه "الصحوة"، الحركة الاجتماعية السلفية التي نشأت في ثمانينيات القرن الماضي في السعودية.

ويعاني الحوالي الموقوف منذ 2018، من إعاقة كاملة، وظروف سجن "ترقى إلى التعذيب"، على ما أفادت مجموعة خبراء من الأمم المتحدة، في مايو من العام الماضي، في تقرير علني.

وقال عضو لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ماركوس شيفر، في بيان، "تعرض الحوالي لمجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان على مدى السنوات الست الماضية، بما في ذلك الإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والحرمان من الحق في الإجراءات القانونية الواجبة، والحرمان من الحق في الصحة، فضلا عن أعمال التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية".

وجاء بيان لجنة الخبراء بعد اطلاعها على شكوى قدمها ابن شقيق الحوالي قال فيها إن عمه اعتقل منذ 2018 "عقابا له على انتقاد سلمي لولي العهد"، الحاكم الفعلي للمملكة.

ولم تدلِ الحكومة السعودية، وقتها، بأي تعليق  بناء على طلب من وكالة فرانس برس. 

محمد موسى الشريف

 رجل دين معروف وُلد عام 1961،  وكان أستاذا جامعيا وباحثا في التاريخ الإسلامي.

وقد جرى اعتقاله في سبتمبر 2017.

محمد صالح المنجد

 داعية سعودي ومشرف على موقع "الإسلام سؤال وجواب"، وقد اعتُقل  أيضا في سبتمبر 2017.

عبد العزيز الفوزان 

أستاذ في المعهد العالي للقضاء. اعتُقل في يوليو 2018 بعد تغريدات حذّر فيها من موجة اعتقالات.

عبد الله الحامد

مفكر وناشط حقوقي سعودي، وأحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم)، وتوفي في السجن في أبريل 2020 نتيجة "الإهمال الطبي" وفق ما ذكر حساب "معتقلي الرأي" على منصة أكس وقتها.

تجدر الإشارة إلى أن تلك الحملة لم تقتصر على رجال الدين، بل شملت أيضًا أكاديميين، وناشطين حقوقيين، وصحفيين، ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية.