آثار الدمار بعد الضربة التي استهدفت قنصلية إيران في دمشق
آثار الدمار بعد الضربة التي استهدفت قنصلية إيران في دمشق

يضع الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، طهران في موقف صعب، حسب حديث خبراء لموقع "الحرة"، ويعطي مؤشرا على أن "قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل آخذة في التغير"، مما قد يؤسس لمرحلة جديدة على صعيد المواجهة.

منذ سنوات تشن إسرائيل ضربات على مواقع في سوريا، تركزت قبل السابع من أكتوبر 2023 على شحنات الأسلحة والصواريخ الإيرانية الدقيقة، القادمة عبر طرق البر والبحر والجو.

لكن وبعد الحرب في غزة، أخذت الهجمات مسارا تصعيديا، وصل إلى حد استهداف مستشارين وقادة إيرانيين داخل شققهم السكنية، واستهدافهم داخل موقع دبلوماسي، هو القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية، الإثنين.

الهجوم أسفر عن مقتل 7 قادة ومستشارين وفق وسائل إعلام إيرانية، أبرزهم العميد البارز بـ"الحرس الثوري"، محمد رضا زاهدي، والعميد محمد هادي حاج رحيمي، إضافة إلى حسين أمان اللهي، وآخرين.

ولم تقم إسرائيل بتبني الهجوم حتى الآن، في قاعدة عامة تتبعها منذ سنوات، فيما تخيم على المشهد مئات الهجمات التي نفذتها في سوريا، وضربت بها أهدافا عسكريا إيرانية وسورية.

لكنه لاقى استنكارا عبّرت عنه دول عربية وروسيا، شريكة إيران في دعم نظام الأسد.

وبدورها، هددت طهران على لسان رئيسها إبراهيم رئيسي بالقول، إن "الضربة لن تمر دون رد". واعتبر القائد في "الحرس الثوري"، العميد أحمد خادم أن "الرد سيكون ساحقا وغير مسبوق".

سفير إيران في دمشق، حسين أكبر، الذي نجا من الهجوم نفسه، أكد أيضا أن إيران "سترد بحزم"، وأشار إلى أن استهداف مبنى القنصلية نفذته "طائرات إسرائيلية" بستة صواريخ من اتجاه الجولان.

هل تغيّرت قواعد الاشتباك؟

يعتبر البعض في إيران هجوم القنصلية بمثابة "إعلان حرب من قبل إسرائيل على إيران"، كما يقول الباحث الأمني الإيراني، حميد رضا عزيزي.

ويضيف لموقع "الحرة"، أن الهجوم "يمثل تحولا عن المواجهة السابقة، حيث يضرب بشكل مباشر الأراضي الإيرانية المتمثلة في قنصليتها في سوريا، بدلا من استهداف ضباط في مواقع محددة".

رضا عزيزي، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، يعتبر أن الواقع يشير إلى أن "قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل آخذة في التغير".

ويوضح أن إسرائيل كانت في مراحل سابقة تمتنع عن استهداف ضباط "الحرس الثوري"، وتركز على الوكلاء فقط وشحنات الأسلحة.

لكن ومنذ حرب غزة، كان هناك بالفعل تحول لاستهداف القادة الإيرانيين رفيعي المستوى.

وتزعم بعض المصادر أن الهجوم جاء ردا على هجوم على سفينة إسرائيلية في الليلة السابقة، في ميناء إيلات، نسبته ميليشيات عراقية لنفسها، كما يشير الباحث الأمني.

ويعتقد عزيزي أن ما سبق يشير إلى "قاعدة جديدة للاشتباك من جانب إسرائيل، تقوم على فكرة: (الانتقام المباشر من إيران على أي هجمات يشنها وكلاؤها)".

ورغم أن إسرائيل لم تعلق، فإن المحلل المقيم فيها، يوآف شتيرن، يرى أن "استهداف قادة إيرانيين رفيعي المستوى بهذه الدقة والمكان والتوقيت الملائمين، يدل على قدرات عالية استخباراتيا وعملياتيا".

ولا يعتقد أن ما حصل يعد بمثابة "تمهيد لحرب واسعة النطاق"، بل يندرج في إطار "المناوشات القائمة".

ومع ذلك، يشير شتيرن لموقع "الحرة" إلى أن إسرائيل تحاول توجيه ضربات موجعة للتواجد الإيراني في سوريا، وبالتحديد ضد "العقول المدبرة لما يحدث في المنطقة ضد إسرائيل".

ويضيف أن الموقف الإسرائيلي هو "عدم القبول بما يحدث"، وأن "الرد وتصعيده جزء من الاستعداد في حالة الانتقال لحرب مفتوحة".

"4 مستويات"

ولم يسبق أن ردّت إيران بشكل مباشر على إسرائيل. وبعدما كانت الأخيرة تلتزم بذلك أيضا خرجت عن الخط، عصر الإثنين، باستهداف القنصلية في دمشق.

ومع ذلك، سبق أن أعلن "الحرس الثوري" الإيراني في يناير الماضي، قصف ما وصفها بـ"مراكز تجسس للموساد" في أربيل بصواريخ باليستية.

وقبل ضربة القنصلية.. نُسب لإسرائيل هجوم في منطقة المزة فيلات، أسفر عن مقتل 5 من قادة "الحرس الثوري"، وآخر في السيدة زينب قتل فيه القيادي البارز، رضي موسوي.

كما تعرضت مواقع عسكرية في حلب شمالي سوريا لقصف "إسرائيلي"، الجمعة، مما أسفر عن مقتل 32 عنصرا من ميليشيات تدعمها إيران، من بينها حزب الله اللبناني.

وما بين هذه الضربات، قتل أكثر من 5 قادة من الحرس الثوري بهجمات متفرقة، بين دمشق وريفها ومدينة حمص وسط البلاد.

وعلى خلاف الهجمات السابقة، يرى الباحث في الشؤون الإيرانية، محمود البازي، أن هجوم القنصلية كان "استثنائيا بكل المقاييس".

ويشرح حيثيات "4 مستويات" من قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل، موضحا كيف وصلت الأمور إلى حد ضرب موقع دبلوماسي بشكل مباشر.

قبل السابع من أكتوبر كانت إسرائيل تركز في استهدافها على قيادات وأفراد الوكلاء والمعدات والصواريخ، التي يتم تجهزيها في سوريا، سواء للاستخدام المحلي أو لنقلها إلى لبنان.

وفي هذه المرحلة، كما يقول البازي لموقع "الحرة"، كانت إسرائيل تتجنب استهداف الضباط والعناصر البشرية الإيرانية.

لكن بعد 7 أكتوبر "قرأت بعناية تامة" عدم رغبة ما يعرف بمحور المقاومة وإيران "بالانخراط بمواجهة مباشرة ومفتوحة، لذلك وسعت من عمليات الاغتيال في المواقع السورية التي يتواجد فيها الإيرانيون".

ويضيف أنها "استغلت هذا الوضع لتعميق الخسائر البشرية لإيران في سوريا وحزب الله في لبنان، في الوقت الذي تتلقى فيه ضربات غير ذات خسائر بشرية كبيرة من جبهة حزب الله في شمال إسرائيل".

"ضربة القنصلية وما بعدها"

الباحث يوضح أن "المستوى الثالث" من قواعد الاشتباك الذي اختبرته إسرائيل في هجومها على القنصلية، هو استهداف قادة رفيعي المستوى في موقع يعتبر أرضا إيرانية حسب القوانين الدولية.

ويشير إلى أنه "استهداف رمزي ويختبر بعناية قدرة إيران على التحمل، دون الانخراط في المواجهة المباشرة".

ولم تجرب إسرائيل حتى الآن المستوى الرابع من قواعد الاشتباك، وهو المستوى الأخير، كونها تعتقد، وفق البازي، بأن "اللجوء إليه يعني المواجهة الحتمية المفتوحة على جميع الجبهات وهو استهداف الأراضي الإيرانية".

ويعتبر الباحث الأمني عزيزي، أن "هجوم القنصلية ومقتل مسؤولين رفيعي المستوى مثل زاهدي، بمثابة رسالة لكل من إيران ونظام الأسد في سوريا".

مفاد الرسالة: "قدرة إسرائيل واستعدادها لتصعيد ردها على وجود القوات الإيرانية في سوريا"، وفق الباحث. 

ويرى عزيزي أن إيران باتت أمام "قرار حاسم في الرد"، وأن الفشل "قد يقلل بشكل كبير من مكانتها" بين ما يعرف بمحور المقاومة، ويعرض قواته وقادته لمزيد من الهجمات، مما قد يهدد أي رد فعل بتوسيع الصراع.

"التبرير لم يعد مجديا"

وفي طريقة تعاطيها مع الهجمات السابقة، كانت إيران تبرر جزئيا عدم الرد على الهجمات بحقيقة أن الأهداف كانت "سورية"، ولم يكن لدى دمشق أي نية للرد. 

لكن الآن "لم يعد التبرير مجديا"، حيث تم ضرب هدف إيراني بحت، كما يوضح الباحث الأمني عزيزي.

ويقول إنه "من الواضح أن إيران هذه المرة لا تستطيع استهداف أربيل وغيرها، وتدعي أنها قامت بالانتقام". 

ولذلك ومن أجل الحفاظ على مصداقيتها، "تشعر بالحاجة إلى رد مباشر. لكن كيف وأين سيكون هو السؤال الرئيسي؟"، على حد ما أشار إليه الباحث الأمني، متسائلا.
وباعتقاد البازي، فإن الرد عبر قصف إدلب أو أربيل، أو عبر الوكلاء، "لن يكون كافيا لاستعادة الردع المناسب أو إرضاء الأوساط السياسية والنخب الإيرانية".

ولهذا السبب يقول البازي إن "إيران ستبحث عن رد مدروس سيكون مباشرا ولا يدفع إسرائيل في نفس الوقت إلى توسيع نطاق الحرب، ليشمل مواجهة معها".

"طبيعة الرد لن تكون متسرعة"، حسب الباحث المختص بالشؤون الإيرانية.

ويعتقد أن "الإيرانيين سينتظرون الفرصة المناسبة، كاستهداف سفينة إسرائيل أو استهداف سفارات إسرائيل حول العالم".

"مغامرة لها أهداف"

وكانت المخابرات الإسرائيلية تتابع منذ فترة طويلة العميد زاهدي، الذي كان مسؤولا عن التسليح والتنسيق مع حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات الموالية لإيران في لبنان وسوريا، حسب موقع "أكسيوس" الأميركي.

ونقل عن مسؤول إسرائيلي قوله، الثلاثاء إن "نافذة عملياتية لاستهدافه (زاهدي) لم تُفتح إلا في الأيام الأخيرة".

ويعتقد البازي أن هدف إسرائيل من "المغامرة" في ضربة القنصلية يرتبط بـ"محاولة قطع الارتباط اللوجستي بين سوريا وإيران، عبر استهداف القيادات الإيرانية المسؤولة عن توريد الأسلحة إلى حزب الله والتنسيق معه قبل شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضده".

وبينما يقول إن "إسرائيل وصلت إلى قناعة تامة بأن الحرب مع حزب الله لا مفر منها" يضيف أنها تحاول استعدادا لذلك "قطع الارتباط اللوجستي والاستراتيجي الذي توفره القيادات الإيرانية العليا في سوريا".

أما فيما يتعلق بالمواجهات مع حزب الله، فإن "توقيته يأتي بعد تقرير مصير الهجوم العسكري على رفح، وقد تأخذ إسرائيل فترة استراحة ومن ثم ستقوم بمهاجمة حزب الله"، كما يرجح الباحث المختص بالشؤون الإيرانية.

لكن المحلل السياسي الإسرائيلي شتيرن، لا يعتقد أن هناك نية لشن حرب على حزب الله أو سوريا أو الوجود الإيراني في سوريا.

ويضيف أن "الهدف ستكون موجعة.. ليس فقط ضد إسرائيل بل ضد إيران أيضا".

برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.
برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.

شهدت الأيام القليلة الماضية حدثين مهمين: الأول، تصويت الكونغرس الأميركي على تمديد الميزانية الفيدرالية حتى سبتمبر، وشمل ذلك الانفاق على جميع البرامج الرئيسية مثل الدفاع والضمان الاجتماعي. إضافة الى برامج أخرى منها البث الدولي.

ولكن بعد يوم واحد من التصويت، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلغاء تمويل البث الدولي، وإلغاء تمويل صوت أميركا، وراديو أوربا الحرة، وقناة "الحرة".

وفي خضم هذا الخلاف، يبرز سؤالان: من يتحكم بالإنفاق في نظامنا الدستوري، الكونغرس أم الرئاسة؟

وفي الوقت الذي ينفق فيه أعداء أميركا مئات ملايين الدولارات على الدعاية، هل هذا هو الوقت المناسبة لحكومتنا كي تستسلم في معركة الأفكار؟

لمناقشة دور البث الدولي في معركة الأفكار،  استضاف برنامج "داخل واشنطن" الذي يبث باللغة الإنكليزية على قناة "الحرة"، السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة الشبكة، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، في حوار حول مستقبل قناة "الحرة" وأهمية دورها الحيوي في المشهد الإعلامي العربي.

روبرت ساتلوف: رايان، لماذا لدى الحكومة الأميركية وجود دولي في مجال البث، وجود يمتد منذ الحرب العالمية الثانية؟

رايان كروكر: السبب في وجود البث الحكومي الأميركي هو ذاته الآن كما كان في الأيام العصيبة خلال الحرب العالمية الثانية عندما انطلق آنذاك أول بث لـ "صوت أميركا" من مدينة نيويورك. قيل حينها "سنخبركم بالحقيقة. بعض الأيام ستكون الأخبار عن الحرب جيدة بالنسبة لنا، وبعض الأيام سيئة. لكننا سنخبركم بالحقيقة".

وكانت هذه هي السمة المميزة للبث الممول من الحكومة الأميركية منذ ذلك الحين. وبالتأكيد، كانت هي البداية لشبكات البث في الشرق الأوسط. تم تأسيس قناة "الحرة" عام 2004 لمكافحة التضليل الإعلامي في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية حول الولايات المتحدة وما كانت تفعله.

لذا، نحن لسنا ذراعًا دعائيًا. نحن موجودون لنقول الحقيقة باللغة العربية للجمهور العربي عما يحدث فعليًا في منطقتهم وفي الولايات المتحدة. الأمر بسيط كما هو مهم.

ساتلوف: جيف، أنت رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال. كانت هذه الشبكة نتاج أحداث 11 سبتمبر. عالم ما بعد 11 سبتمبر. كيف حدث ذلك؟ ما هو الهدف الفريد لهذه الشبكة؟

جيفري غدمن: أعتقد أنه من العدل القول إن الهدف قد تطور مع مرور الوقت وتكيف مع المتغيرات. كما قال رايان، هي الشبكة الوحيدة الممولة من قبل الولايات المتحدة والتي تبث باللغة العربية. 

وهي بالطبع تشمل التلفزيون والوسائل الرقمية. تمتد تغطيتها إلى 22 دولة عبر العالم العربي، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ونحن نريد أن نسلط الضوء على القصة الأميركية.

نريد أن يكون لدى مستمعينا، ومشاهدينا، وقرائنا فهماً أفضل لما يحدث في الولايات المتحدة من خلال السياسة في واشنطن. 

نحن أيضًا مهتمون بالديمقراطية والتنمية. ونحن مهتمون بما تفعله دول مثل إيران والصين وروسيا عبر المنطقة. لذا أعتقد أن الشبكة اليوم ما زالت ذات صلة بشكل كبير، ولدينا مواهب رائعة تعمل لدينا.

ساتلوف: هناك العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. الشرق الأوسط ليس خاليًا من محطات التلفزيون والصحف والإذاعات. ما الذي يميز ما نقوم به؟

جيفري غدمن: الأمر صعب وبسيط في ذات الوقت. بمعنى أننا مستقلون صحفيًا، وهذا يحمي نزاهتنا الصحفية ويعزز مصداقيتنا مع الجمهور. ولكننا في ذات الوقت الشبكة الوحيدة التي تتماشى مع الأهداف الواسعة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

رايان كروكر: دعني أتناول هذا من زاوية أخرى. كما كنت أشير سابقًا، من نواحٍ عديدة، بدأت شبكات الشرق الأوسط للإرسال من خلال قناة "الحرة" في العراق. وأنا كنت سفيرا لمدة عامين، من 2007 إلى 2009. وكان العراق يتمتع حينها ببيئة إعلامية حرة للغاية. وأحد الأسئلة التي طرحتها كسفير أميركي كان: هل يمكن لأحد أن يخبرني ما الذي تقدمه هذه القناة ولا تطرحه بقية وسائل الإعلام الحرة المنتشرة في كل مكان؟

وقد عكست إجابة جيف حول تغطية الولايات المتحدة، حيث أن وسائل الاعلام "الحرة" لا تعني بالضرورة أن تكون "مسؤولة" أو "صادقة" أو "دقيقة" أو "موضوعية". 

لكن قناة "الحرة" تمثل كل تلك القيم، هذه القناة أكدت أنها تقول الحقيقة وتقدم الأخبار بدقة. وقد أقنعوني بذلك. ذهبت إلى الأستوديو، وأجريت مقابلة بنفسي، وتعرضت لأسئلة صعبة كسفير أميركي.

وما رأيته هناك هو ما أراه اليوم أيضًا: هذه المؤسسة موجودة لتقديم أعلى مبادئ الصحافة لمنطقة لا تتمتع كثيرًا بتلك المبادئ.

ساتلوف: سيقول النقاد إن هناك توترًا متأصلًا. فالإعلام الممول من الحكومة، بحكم تعريفه، يحتوي على توتر داخلي بين كونه إعلامًا حرًا، وبين من يمولونه، أي الحكومة التي تموله في الأصل. ما هو ردك على هذا الانتقاد؟ جيف؟

غدمن: هناك دائمًا توتر بين الإعلام المستقل والممول. وبالمناسبة، هذا ينطبق أيضًا على التمويل الخاص. 

هل تتذكر في عام 2016 عندما قال رئيس شبكة CBS للأخبار "إن دونالد ترامب قد لا يكون جيدًا للبلاد، لكنه مفيد جدًا لمساهمينا" جميع وسائل الإعلام العربية المستقلة في المنطقة لديها ممولين، حكومات تدعمها.

في حالتنا، الأمر صعب للغاية (خيط دقيق يجب تمريره) ولكن حتى الآن، كنا محظوظين بوجود جدار "Firewall" يحمي استقلاليتنا.

 نحن ممولون من قبل الحكومة الأميركية، ولكننا محميون من التدخلات السياسية. وهذا شيء سحري عندما يعمل بشكل صحيح. وحتى الآن، لقد نجح هذا النظام.

الرئيس التنفيذي لـ MBN: أميركا يجب أن تحافظ على صوتها الوحيد في الشرق الأوسط
في ردٍّ على قرار إلغاء منحة تمويل شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) من قبل الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (USAGM)، صرح الرئيس التنفيذي للشبكة، جيفري غدمن قائلاً: "تعد شبكة الشرق الأوسط للإرسال، التي تشمل قناة الحرة ومنصاتها الرقمية، والتي تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين في المنطقة، الصوت الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

ساتلوف: يمكنني فقط أن أضيف أن هذه هي الحلقة رقم 928 لي، ولم أتلقَ أبدًا، في ما يقارب 21 عامًا، طلبًا أو تعليمات أو انتقادًا أو مطالبات من أي شخص حول ما يقال أو ما لا يقال في هذا العرض. هذا أمر نادر.

غدمن: دعني أضيف أنني كنت رئيسا تنفيذيًا مرتين في "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" والآن أعمل رئيس تنفيذيا منذ 11 شهرًا في "شبكة الشرق الأوسط للإرسال". لم يتم إخباري أبدًا من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو أعضاء الكونغرس بما يجب فعله أو عدم فعله.

كروكر: وكمشاهد لبرنامجك من حين لآخر، روب، دعني أقول إنك قدمت كل وجهات النظر الممكنة من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، وهذا واضح جدًا أن ذلك لم يأت من إدارة هذه المؤسسة.

ساتلوف: ساخذ هذا على إنه إطراء! دعني أسألكما، هناك مهمة لهذه الشبكة، ولكن من ناحية ما، هي أيضًا عمل تجاري. كيف تقيس النجاح عندما تكون مهمتك هي الصحافة الحرة التي تحدثت عنها؟

غدمن: لدينا أدوات، رغم أنها غير كاملة، لقياس النجاح. في الأسبوع الجيد، نصل إلى 30 مليون شخص أو أكثر عبر المنطقة. ثم، بالطبع، من الناحية النوعية، بما أن جمهورنا هو أساسًا، إذا جاز لي القول، صناع القرار والأشخاص المؤثرين وفي الحكومة والإعلام وفي تلك المجالات ذات التأثير الكبير، لذلك لدينا الكثير والكثير من التفاعل والتواصل والشهادات.

إذن لدينا مقاييس كمية ونوعية. ولكن ربما يرغب رايان في إضافة شيء إلى ذلك.

كروكر: أعتقد أن ذلك صحيح تمامًا. كنت في المنطقة قبل أسبوعين فقط. بما في ذلك في العراق، في بغداد، وكنت أشارك في مؤتمر دولي نظمته الحكومة العراقية. وكانت قناة "الحرّة" هناك، مع كاميراتها، ومقابلاتها مع كل شخص مهم شارك في المؤتمر.

وكانت تلك هي القناة المفضلة من قبل المشاركين في المؤتمر للحديث معها. وأعتقد أن ذلك مؤشر واضح على الحضور والمهنية التي تتمتع بها هذه الشبكة.

غدمن: هناك معيار نوعي آخر. فبينما نواجه الآن قضايا تتعلق بتمويلنا، نسمع من "حزب الله" اللبناني، والمليشيات المدعومة من إيران في العراق، يحتفلون بزوال "الحرّة". هذا أيضًا اختبار للسوق، أعتقد.

ساتلوف: إذا توقفت "الحرة" عن البث، ما الذي سيفتقده الناس؟

غدمن: أعتقد أن الناس يقدرون الاستقلالية، كما قال رايان، والسعي وراء الحقيقة. وإذا جاز لي أن أقول بصراحة، نحن منصة نادرة، إن لم نكن الوحيدة، التي تقدم فرصة للسياسيين الإسرائيليين والمسؤولين والمجتمع المدني للتحدث. أعتقد أن ذلك في نظر العديد من جمهورنا يعد أمرًا مثيرًا للجدل ومطلوبًا، ويحظى بشعبية كبيرة مع فضول كبير.

أعتقد أن هذه هي بعض الأشياء التي ستُفقد على الفور.

كروكر: سنفتقد صوتا صادقا وموضوعيا في منطقة مليئة بالأكاذيب والتشويهات وأنصاف الحقائق والتضليل الكامل. 

وكما أشار جيف، عندما أصبح خبر إنهاء تمويل الشبكة، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة. وكانت هناك تغريدات، على سبيل المثال، تقول: "بضربة قلم واحدة، قضى ترامب على صوت التابعين، أولئك الذين يهاجمون إيران، والذين يهاجمون المقاومة الشعبية، والذين يهاجمون الميليشيات الموالية لإيران في العراق".

حسنًا، هذا بالفعل إشادة عالية لعرض موضوعي لمنطقة معقدة جدًا. لذا، عندما يفرح أعداء الولايات المتحدة، فهذا ليس شيئًا ينبغي أن نكون سعيدين بشأنه هنا في الوطن. وهم يفرحون بالإعلانات حول إلغاء التمويل لـ "الحرّة".

ساتلوف: دعني أسألك رايان، أنت واحد من أبرز وأمهر الدبلوماسيين الأميركيين الذين مروا على الشرق الأوسط. لماذا لم توافق على الخروج من التقاعد، كما يمكن القول، لتصبح رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

كروكر: كما قلت سابقًا، روب، كانت لي تجربة مباشرة خلال مسيرتي المهنية مع هذه المؤسسة، ومع قناة "الحرة" على وجه الخصوص. ورأيت عن كثب العمل الاستثنائي الذي كانوا يقومون به في العراق، عندما كنت سفيرًا هناك، من أجل نقل القصة الأميركية، بشكل صادق ودقيق، وأيضًا لنقل أخبار المنطقة، بشكل صادق ودقيق، مع تضمين وجهات نظر لم تقدمها أي وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية أخرى.

كما أشار جيف، قناة "الحرة" هي القناة العربية الوحيدة التي تجري مقابلات بشكل دوري مع الإسرائيليين، وهي منطقة، على الرغم من كراهيتها لإسرائيل على بعض المستويات، إلا أن لديها جوعًا شديدًا لمعرفة الأخبار الدقيقة حول ما يفكر فيه الإسرائيليون؟ ماذا يعتقدون ذلك؟ ونحن نوفر ذلك، بالإضافة إلى تقارير دقيقة أخرى.

لذا، كنت مشككًا في البداية حول دور القناة عندما وصلت إلى بغداد. لكنني كنت داعما قويا للمؤسسة عندما تركت العراق. وعندما أتيحت لي الفرصة للانضمام إلى مجلس إدارة الشبكة قبل عدة سنوات، اغتنمتها فورًا. وكان شرفًا وامتيازًا لي أن أصبح رئيسًا لذلك المجلس في الصيف الماضي.

ساتلوف: حسنًا، جيف، دعني أسألك. لقد أمضيت جزءًا كبيرًا من مسيرتك المهنية في صراع الأفكار، محاربًا ضد الأنظمة الاستبدادية، خاصة ضد الأنظمة في أوروبا الشرقية والكتلة السوفيتية السابقة. لماذا قبلت تحدي الشرق الأوسط بأن تصبح رئيسًا ومديرًا لشبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

غدمن: روب، هناك ثلاث إجابات قصيرة لذلك. الأولى، لقد طورت على مدار سنوات علاقات مودة وإعجاب من خلال تنظيم المؤتمرات والسفر إلى العراق والأردن ومصر والكويت وما إلى ذلك. لذلك، لدي مودة وإعجاب عميقين بالمنطقة. السبب الثاني ببساطة هو أنني أؤمن بالرجال والنساء في هذه المؤسسة، الذين لطالما أعجبت بهم، رجالًا ونساء من أعمق المواهب، والتفاني الكبير، والمعرفة والخبرة.

وأخيرًا، أُتيحت الفرصة لأن رايان كروكر اتصل بي في الربيع الماضي وطلب مني أن أتولى هذا الدور. وعندما يتصل السفير كروكر، يجب أن ترد، وعندما يطلب، يجب أن تقول نعم.

ساتلوف: خصصنا حلقة اليوم من البرنامج للحديث حول تهديدات غلق مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال، كما نعرف أن الكونغرس مرر مؤخرًا قرار الاستمرارية في انفاق الميزانية الفيدرالية على الأقل حتى شهر سبتمبر، هذا التمويل شمل هذه المؤسسة أيضا. لكن في اليوم التالي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستنهي المنحة وأنها لن تقوم فعليًا بتحويل الأموال التي أقرها الكونغرس للحفاظ على عمل الشبكة. بمعنى آخر، قرروا أنهم يريدون إغلاقها. تحدث عن هذا الصراع بين السلطات الدستورية بين الكونغرس والجهات التنفيذية.

كروكر: نعم، هذا هو بالضبط. روب، إنها لحظة فريدة في تاريخ أميركا يجب أن نوليها جميعًا اهتمامًا. تتعلق بسؤال السلطة التنفيذية، وامتيازات السلطة التشريعية، وولاية السلطة القضائية. وجميع هذه الأطراف تلعب دورًا، كما وصفت. بالنسبة لي، نحن نأمل بشدة أن يُسمع صوت فرعنا التشريعي، أي الكونغرس، الذي يخصص الأموال، في هذا الموضوع.

مصلحتهم أيضًا على المحك، وهي مسألة دستورية. لدينا أيضًا السلطة القضائية، ونحن نراقب عن كثب وبدقة لإمكانية تقديم تحدٍ قانوني لهذا. الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية لإيقاف البث، لأننا نرى هذا ليس فقط قضية لقناة الحرة وبقية المؤسسة، ولكن أيضًا مسألة أساسية في القانون الأميركي وتنفيذه.

روبرت ساتلوف: الدكتور جيفري غدمن هو الرئيس والمدير تنفيذي لشبكة الشرق الأوسط للإرسال، الشركة الأم لقناة الحرة. خدم لمدة أربع سنوات كرئيس ومدير تنفيذي لـ "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية"، وهي منظمة إعلامية ممولة من الحكومة الأميركية تبث في منطقة الإعلام الصعبة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.

وكان أيضًا مؤسسًا مشاركًا ورئيس تحرير لمجلة فكرية هامة تسمى "الهدف الأميركي"، ورئيسًا للمركز البحثي المؤثر "معهد ليجاتوم" في لندن، ورئيسًا ومديرًا تنفيذيًا لمعهد آسبن في برلين، ألمانيا.

روبرت ساتلوف: السفير رايان كروكر، هو رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، وعلى مدار مسيرته المهنية التي امتدت لـ37 عامًا، شغل منصب السفير الأميركي في ست دول مختلفة: أفغانستان، العراق، باكستان، سوريا، الكويت ولبنان، حيث مثل بلاده في غالب الأحيان في أوقات الصراع الشديدة ولحظات الخطر البالغة.

تكريمًا لخدمته الاستثنائية، تم منح رايان كروكر ميدالية الحرية في عام 2009، وهي أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. تقاعد من الخدمة الخارجية كسفير مهني، وهو أعلى رتبة في وزارة الخارجية الأميركية. ثم أمضى ست سنوات كعميد لكلية بوش للحكومة والخدمة العامة في جامعة تكساس. ووصفه الرئيس جورج بوش الابن بـ "لورنس العرب الأميركي".

روبرت ساتلوف: أود أن أشكركم. شكرًا لك، الرئيس والمدير التنفيذي جيفري غدمن، شكرًا لك، السفير رايان كروكر، وقبل كل شيء، شكرًا لجميعكم، مشاهدينا عبر الشرق الأوسط الذين كنتم داعمين مخلصين ومتابعين لهذا البرنامج وكل ما قامت به قناة الحرة. نحن لم نغادر. سنعود. ولكن شكرًا لكم.