دول الخليج تخشى على مصالحها الاقتصادية - أرشيفية
دول الخليج تسعى إلى منع التصعيد بين إسرائيل وإيران

في الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات الطموحة لدول الخليح، سعيا لتنويع مصادر دخلها بعيدا عن الوقود الأحفوري، تتزايد الأحداث في المنطقة تعقيدا، في ظل المخاوف من توسع رقعة الصراع الذي بدأ بين حركة حماس وإسرائيل، ووصل إلى المواجهة المباشرة بين الأخيرة وإيران.

وتعمل دول الخليج جاهدة في محاولة لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وطهران، في محاولة لحماية أمنها وسياساتها الاقتصادية الطموحة، المهددة خصوصًا بالتصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل، وفق محللين تحدثوا لفرانس برس.

وتقع الدول الغنية بموارد الطاقة في الخليج العربي على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية، حيث أُطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت الأحد باتجاه اسرائيل، ردا على ضربة اتهمت إيران إسرائيل بشنها في الأول من أبريل واستهدفت مبنى وصفته إيران بأنه مبنى قنصلي إيراني في العاصمة السورية دمشق، قُتل فيها سبعة أعضاء من الحرس الثوري، بينهم جنرالان. ويذكر أن إسرائيل لم تعترف بشن الضربة.

وتمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيّرات.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة "كينغز كوليدج" في لندن، أندرياس كريغ، أن دول الخليج تتشارك "إدراكًا عامًا بأن الصراع مضرّ للأعمال، وأن تجنب النزاع أصبح الآن أمرًا ضروريًا مهما كلّف الثمن".

وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، أجرى قادة دول الخليج اتصالات دبلوماسية مكثّفة، وفق وكالة فرانس برس. 

وتحدث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الإثنين، مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عن "ضرورة خفض كافة أشكال التصعيد، وتجنب اتساع رقعة الصراع في المنطقة"، حسب بيان للديوان الأميري.

وكان رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قد ناقش، الأحد، مع كل من الشيخ تميم، وملك الأردن عبد الله الثاني، والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، "تطورات الأوضاع في المنطقة"، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات "وام". 

وتحدث ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، حسب وزارة الخارجية السعودية.

وأجرى كل من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، محادثات هاتفية مع نظيرهما الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في حين تواصل وزيرا الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، والكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح، مع نظيرهما الأميركي لويد أوستن، وفق وسائل إعلام رسمية.

وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الإثنين، اجتماعًا استثنائيًا في هذا الصدد.

"كثرة الأهداف"

ويضع التصعيد الأخير الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للدول النفطية الست، التي يستضيف أغلبها منشآت عسكرية أميركية.

ويعتمد تحقيق أهداف خططها باهظة التكلفة، الرامية لتنويع اقتصاداتها، على ضمان السلام والأمان لازدهار الأعمال والسياحة في مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.

والسعودية، أكبر مُصدّر للنفط الخام في العالم، هي أكثر الدول الخليجية إنفاقًا في هذا المجال، إذ استثمرت مئات مليارات الدولارات لبناء مدن جديدة ومعالم ترفيهية، ضمن خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة تعرف باسم "رؤية 2030" أطلقها ولي العهد.

ويقول المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي، علي الشهابي، لوكالة فرانس برس، إن "الأولوية القصوى بالنسبة للسعودية هي عدم تصاعد الأزمة".

ويوضح أنه في حال تعرضت إيران لهجوم، قد "تميل (طهران) إلى الرد في دول مجلس التعاون الخليجي، نظرًا لقربها (الجغرافي)، وكثرة الأهداف التي تصعب حمايتها".

وسبق أن تعرضت السعودية والإمارات بين عامي 2019 و2022 لهجمات شنها المتمردون الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران، في خضم نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.

ويضيف الشهابي: "أدركت إيران للتو مدى صعوبة استهداف إسرائيل الواقعة على بعد آلاف الأميال، لكن دول مجلس التعاون بقربها وحجمها الهائل مقارنة بإسرائيل، هي قصة أخرى".

ولعل استئناف الرياض علاقاتها مع طهران العام الماضي بعد قطيعة طويلة، أمر ينعكس إيجابا على المملكة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى الاعتراف بإسرائيل، كما فعلت الإمارات والبحرين.

وتسببت حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي بعد هجوم حركة حماس، بعرقلة جهود الوساطة الأميركية للتوصل إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

ويقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، عمر كريم: "ستضغط السعودية بالطبع على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، وعدم الرد على الهجمات الإيرانية".

"لا خيارات جيدة"

على خطّ موازٍ، تبقى سلطنة عُمان المقربة من إيران، وسيطًا أساسيًا، وكذلك قطر التي تقيم علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، أدت إلى التوصل الى اتفاق لتبادل سجناء بينهما وتحويل أرصدة كانت مجمدة لطهران العام الماضي.

ويرى كريغ أن "قطر مميزة جدًا بسبب قاعدة العُديد"، وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الدوحة ستواصل على الأرجح "القول للأميركيين إنهم لا يستطيعون استخدام مجالها الجوي، ولا قواعدهم (الموجودة على أراضيها) لشن هجمات على إيران".

ويعتبر أن "هذا الأمر سيصعب على الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل فعليًا في ضربة هجومية محتملة داخل إيران".

وجددت واشنطن تأكيدها على دعمها "الصارم" لإسرائيل، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد محتمل ضد إيران.

إسرائيل تعرضت لهجوم إيراني في أبريل الماضي
بعد "فشل الهجوم الإيراني".. ما حسابات الرد الإسرائيلي وخيارات طهران؟
تمكنت إسرائيل من صد الهجوم الإيراني "غير المسبوق"، بفضل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور والمساعدات الحاسمة التي قدمتها الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الغربيين والعرب، لكن "التصعيد المرتقب" بين الجانبين قد يحمل "تداعيات خطيرة"، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وبحسب كريم، فإن أي "تدهور إضافي لن يترك خيارات جيدة لدول الخليج".

ويقول: "بالتأكيد كلما انتهى هذا الصراع مبكرًا، كلما كان ذلك أفضل لكافة دول الخليج. الصراع يخلق بشكل متزايد توازنًا إقليميًا جديدًا للقوى.. مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى. وتكافح دول الخليج من أجل المكانة والتأثير السياسي".

ويتابع: "بالتالي، فإن التصعيد يضع الخليجيين في موقف صعب للغاية، لأنهم لا يريدون الوقوف مع أي من المعسكرين لكنهم سيتأثرون بغض النظر عن كل شيء".

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.