يعرض الجيش الإسرائيلي ما يقول إنه صاروخ باليستي إيراني
يعرض الجيش الإسرائيلي ما يقول إنه صاروخ باليستي إيراني

في السابع من يونيو 1981، قصف الطيران الإسرائيلي مفاعل تموز النووي العراقي على بعد 17 كلم من بغداد، والذي بني بمساعدة فرنسا.

ونفذت الطائرات الإسرائيلية العملية على بعد ألفي كيلو متر من قاعدتها قرب إيلات على البحر الأحمر في جنوب إسرائيل. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الطائرات تمكنت من العبور على علو منخفض جدا فوق الصحراء السعودية والعراقية بدون أن يتم رصدها.

وعند وصولها إلى الهدف، لألقت قنابل بزنة 900 كيلو غراما على المحطة قبل أن تعود إلى إسرائيل مرورا بالأردن.

تعود هذه الحادثة إلى الأذهان مع تعهّد إسرائيل الاثنين بـ"الردّ" على الهجوم الإيراني غير المسبوق بعشرات الطائرات بدون طيار والصواريخ مساء السبت، مما دفع قادة دوليين للدعوة إلى احتواء التصعيد ومنع اتسّاع نطاق النزاع، على خلفية الحرب المستمرة في قطاع غزة بين الدولة العبرية وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ومع إعلان إسرائيل بأنها سترد على الهجوم الإيراني، تثار التساؤلات بشأن كيفية تنفيذ الدولة العبرية عملية عسكرية داخل الجمهورية الإسلامية إذا استخدمت طائراتها وإن كانت الدول العربية ستسمح لها بذلك من عدمه. 

ويرى الخبير العسكري الأميركي مارك كيميت في حديثه مع موقع "الحرة" أن الجيش الإسرائيلي يتمتع بقدرة جوية كبيرة ويمكنه تنفيذ عملية عسكرية على إيران". 

وأضاف: "الجيش الإسرائيلي يمتلك مقاتلات وناقلات وطائرات حرب إلكترونية وطائرات استطلاع تكفي لتنفيذ هجوم ناجح، وبدون الإضرار بأي دولة أجنبية". 

لكن اللواء الطيار الأردني المتقاعد الخبير في الشؤون الدفاعية والاستراتيجية مأمون أبو نوار يرى أنه من الصعب على إسرائيل أن تنفذ عملية عسكرية داخل إيران بدون المرور لنحو ساعتين فوق الأراضي العربية، مشيرا إلى أن العراق في حادث 1981 كان أقرب بكثير من إيران. 

ألفا كيلو متر تقريبا تفصل إسرائيل عن إيران

وأضاف أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مفاعل تموز العراقي كانت مفاجئة رغم أن العاهل الأردني الراحل الملك حسين أبلغ العراقيين بمرور طائرات فوق العقبة لكن العراقيين لم يأخذوا احتياطاتهم، بحسب قوله.

وأشار إلى أن "معظم المنشآت النووية الإيرانية في باطن الأرض، وإسرائيل لا تمتلك ذخائر قادرة على ضربها". 

وأعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي عن "قلقه" من احتمال استهداف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية ردّا على هجوم طهران على الدولة العبرية، مؤكدا أن هذه المنشآت أغلقت الأحد.

وأشار أبو نوار إلى أن الأردن والعراق والسعودية أعلنوا أنهم يرفضون استخدام مجالهم الجوي من جانب إسرائيل لضرب إيران. 

وأكّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد أن بلاده "لن تكون ساحة لحرب إقليمية".

وأسقط الأردن عددا من الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران نحو إسرائيل الأحد.

وأجرى كلّ من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان محادثات هاتفية مع نظيرهما الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في حين تواصل وزيرا الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح مع نظيرهما الأميركي لويد أوستن، وفق وسائل إعلام رسمية.

وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الاثنين اجتماعًا استثنائيًا في هذا الصدد.

وقال أبو نوار: "إذا دخلت إسرائيل المجال الجوي لدول عربية بالقوة سيكون لهذا الأمر تداعيات سياسية وعسكرية كبيرة في المنطقة، ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستشارك أو ستوافق على ذلك". 

وأضاف أن "إسرائيل إذا نفذت هجوما عسكريا داخل إيران ستقوم طهران من جانبها بضرب منشآت عسكرية في دول عربية مرت فيها الطائرات الإسرائيلية، وهذا سيشعل المنطقة". 

وسبق أن تعرّضت السعودية والإمارات بين 2019 و2022 لهجمات شنّها المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران في خضمّ نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.

كما أن الرياض استأنفت علاقاتها مع طهران العام الماضي بعد قطيعة طويلة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى الاعتراف بإسرائيل، كما فعلت الإمارات والبحرين.

لكن الخبير العسكري الأميركي رافاييل كوهين يرى في حديثه مع موقع "الحرة" إن إسرائيل قد تستخدم دولا غير صديقة معها مثل سوريا لشن عملية عسكرية ضد إيران لكنها ستصطدم بالعراق، مشيرا إلى أن الدولة العبرية تحاول تجنب تعقيد علاقاتها مع الأردنيين". 

وأضاف "الإسرائيليون أيضا بالطبع لا يريدون أي مشاكل مع دول الخليج ويحاولون تقليل التداعيات السياسية مع هذه الدول، ولذلك ستتجنب إسرائيل التحليق فوق السعودية". 

وتابع: "أعتقد أن الإسرائيليين يشعرون أنهم بحاجة إلى الرد بطريقة أو بأخرى لكنهم لا يريدون أيضا الإضرار بالعلاقات مع الدول العربية". 

ويشير أبو نوار إلى أن إسرائيل قد تلجأ لخيار استخدام صاروخ "أريحا 3" المتطور العابر للقارات والمرور فوق الغلاف الجوي للدول العربية لضرب أهداف داخل إيران بدلا من استخدام الطائرات". 

لكنه يؤكد أن ذلك الخيار إذا تم استخدامه سيحرج أيضا الدول العربية لأنه من الصعوبة إسقاطها إلا من خلال أنظمة عسكرية أميركية غير موجودة في المنطقة. 

من جانبه، يرى ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، آفي ميلاميد في حديثه مع موقع "الحرة" أن إسرائيل لديها وسائل مختلفة لتنفيذ عملية عسكرية على إيران إذا أصرت على الرد على الهجوم مساء السبت الماضي، "وليس بالضرورة استخدام الطائرات". 

وقال "لا أعتقد أن القيادة الإسرائيلية تتوقع أن تتعاون معها الدول العربية في تنفيذ عملية عسكرية على إيران". 

وأضاف: "إذا أصرت القيادة الإسرائيلية على الرد، فلا شك بأنه سيكون هناك تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة وحسب المصالح المشتركة مع الدول العربية المجاورة التي تواجه موقفا حساسا وتخشى مزيدا من التصعيد بالرغم أن معظمها متضرر من إيران". 

وأشار ميلاميد إلى أن أحد الخيارات هو لجوء إسرائيل إلى الحرب السيبرانية أو ضرب مصالح عسكرية تابعة لإيران في الخارج. 

ويتفق معه كوهين بأن إسرائيل ستلجأ إلى ضرب مصالح لإيران في الخارج أو أحد حلفائها في المنطقة خاصة حزب الله". 

وأكد الجيش الإسرائيلي الثلاثاء قتل قيادي في حزب الله في ضربة نفذت في جنوب لبنان حيث تتصاعد وتيرة القصف المتبادل منذ السابع من أكتوبر بين التنظيم الموالي لإيران وإسرائيل.

وأورد بيان للجيش أن طائرة تابعة له "قصفت وقامت بتصفية إسماعيل يوسف باز، القيادي في قطاع الساحل في حزب الله" في منطقة عين بعال في لبنان، مضيفا أن القيادي المذكور "شارك في التخطيط لإطلاق قذائف وصواريخ مضادة للدبابات في اتجاه اسرائيل من المنطقة الساحلية في لبنان".

FILE PHOTO: Lebanese Parliament Speaker Nabih Berri meets with Ali Larijani, former chairman of the parliament of Iran in Beirut
بري يترأس مجلس النواب منذ 3 عقود.

بعد تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من عامين، يعود رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى دائرة الاتهامات، هذه المرة بتعطيل تشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام.

ولطالما وجهت لبري اتهامات بتجميد الاستحقاقات الدستورية، مما أدى إلى شلل مؤسسات الدولة وتعطيل الحلول السياسية.

واليوم، ورغم موافقة سلام على منح "الثنائي الشيعي" خمس حقائب وزارية والسماح له باختيار أسماء أربعة وزراء، يصر بري على تسمية الوزير الخامس بنفسه، مما حال دون إعلان الحكومة المنتظرة أمس الخميس.

الرئيس اللبناني جوزاف عون وخلفه نبيه بري
السيطرة على "أم الوزارات".. "لعبة نبيه بري المكشوفة" في لبنان
مع بدء الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان، القاضي نواف سلام، مشاورات التشكيل، عاد ملف توزيع الحقائب الوزارية ليكون في صلب الجدل السياسي، متخذاً من وزارة المالية عنواناً للخلافات الأساسية التي تعكس تعقيدات التوازنات الطائفية والسياسية في لبنان.

وفي حين كانت آمال اللبنانيين مرتفعة بإعلان حكومة قادرة على إخراج البلاد من أزماتها المتفاقمة، خرج بري من الباب الخلفي لقصر بعبدا بعد لقاء جمعه بسلام والرئيس اللبناني جوزاف عون، تاركاً خيبة أمل عميقة لدى المواطنين.

وبين تعطيل المؤسسات، استغلال النفوذ، وتعزيز التحالف مع حزب الله، ينظر إلى نبيه بري كأحد المسؤولين الرئيسيين عن الأزمات المتفاقمة في البلاد.

المعطّل الأكبر للحكومات؟

على مدى أكثر من ثلاثة عقود منذ توليه رئاسة مجلس النواب اللبناني عام 1992، تمكن بري من ترسيخ نفوذه كأحد أبرز وجوه التعطيل السياسي والدستوري في لبنان.

ويشير النائب السابق، مصطفى علوش، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "هذا النهج برز بشكل واضح عام 2006، خلال حكومة فؤاد السنيورة، عندما سحب (بري) الوزراء الشيعة من الحكومة، وأغلق مجلس النواب، وشارك في تنظيم اعتصام أدى إلى احتلال وسط بيروت التجاري".

بدوره، يصف النائب، مارك ضو، بري بـ"المعطّل الأكبر"، معتبر، في حديث لموقع "الحرة"، أنه "مهندس منظومة المحاصصة الطائفية"، مشيراً إلى أن "أبرز محطات التعطيل التي قادها بري كانت في عام 2006 عندما عطل حكومة فؤاد السنيورة".

وهدفت استقالات الوزراء الشيعة حينها إلى عرقلة التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، وتعطيل المحكمة الدولية. حيث تمكن بري من إسقاط أي حكومة لا تتماشى مع مصالحه وحلفائه من خلال ما يُعرف بـ"الثلث المعطل"، ما أدى إلى شلل العمل الحكومي.

وعن محاولة تعطيل بري تشكيل حكومة سلام، تعلّق النائبة التغييرية، نجاة صليبا، التي سبق أن وصفت بري بأنه "مدرسة في التعديات والاحتيال على القانون".

وقالت لموقع "الحرة": "في ظل الأوضاع الكارثية التي يمر بها لبنان، حيث تتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتزداد حاجة المواطن لدولة تحضنه تابعنا عن كثب مجريات عملية تأليف الحكومة برئاسة الرئيس المكلف نواف سلام، وحرصنا منذ اللحظة الأولى على دعم كل جهد يهدف إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الجذرية المطلوبة".

وأضافت صليبا: "لقد أعلن الرئيس المكلف في أكثر من مناسبة معايير واضحة لتشكيل الحكومة، شدد فيها على ضرورة فصل النيابة عن الوزارة، والاستعانة بشخصيات من أصحاب الكفاءة والاستقلالية، ومنع أي طرف سياسي من الاستئثار بالحكومة أو الحصول على الثلث المعطّل. كما أكد رفضه تمثيل الأحزاب السياسية داخل مجلس الوزراء، إيمانًا منه بأن المرحلة الراهنة تتطلب فريقًا وزاريًا بعيدًا عن المحاصصة السياسية والمصالح الفئوية الضيقة".

واعتبر المحلل السياسي المحامي، أمين بشير، أن "بري يتسم بالقدرة على التكيف مع الظروف، متنقلًا بين أدوار متعددة، من رئيس المجلس النيابي، إلى زعيم الطائفة الشيعية، وصولاً إلى قائد ميليشيا حركة أمل".

ويحمّل بشير بري مسؤولية استمرار تعطيل تشكيل الحكومات، عبر استغلال مفهوم "الميثاقية" بشكل يتناقض مع جوهرها الدستوري.

وقال لموقع "الحرة" إن "الميثاقية، التي وُضعت في اتفاق الطائف لضمان العيش المشترك بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، جرى تحريفها على يد بري لتصبح أداة لتعزيز نفوذ الطائفة الشيعية، خاصة عبر الثنائي الشيعي".

وأشار بشير إلى أن "الميثاقية كما نص عليها الدستور تقوم على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في السلطات التشريعية والتنفيذية لضمان التوازن الوطني".

إلا أن بري، وفقاً لبشير، "أعاد تفسير هذا المبدأ ليصبح ميثاقية مذهبية، يشترط من خلالها تمثيل الطائفة الشيعية كاملة في الحكومة عبر نواب الثنائي الشيعي، ما يجعل الحكومة بنظره غير شرعية دون ذلك".

وأثار بشير تساؤلات حول مصير باقي الطوائف والمذاهب الـ18 في لبنان، مثل الإنجيليين والعلويين واليهود، التي لا تتمتع بالتمثيل نفسه.

وأكد أن "هذا النهج تسبب في تعطيل مستمر لتشكيل الحكومات، حيث يصر بري على أن غياب تمثيل النواب الشيعة الـ27 يجعل أي حكومة غير ميثاقية".

وأضاف أن "هذا السلوك يعكس مساراً طويلاً من الفساد والمحاصصة الذي أصبح جزءاً أصيلاً من النظام السياسي اللبناني، حيث تحولت المشاركة السياسية من وسيلة لبناء الدولة إلى أداة لنهبها. وباتت المطالبة بحصة وزارية أشبه بحق مكتسب في المشهد السياسي اللبناني".

وأكد رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، المحامي الدكتور بول مرقص، في حديث لموقع "الحرة" أنه "لا يعود لأي فريق سياسي أي حصة محفوظة في الحكومة إذ أن العبرة تكمن في مراعاة التوازن الطائفي ونجاح الحكومة في نيل الثقة في مجلس النواب بأكثرية عادية أي اقله 33 نائبا فقط رغم أنه من المستحسن الاستحصال على أكبر اكثرية نيابية دون أن يعني ذلك حكومة "ميني برلمان" تفادياً لتعطيل المحاسبة البرلمانية".

احتكار واستغلال

وأصبح احتكار الوزارات، ولا سيما وزارة المالية، من قبل بري، ظاهرة مألوفة، حيث يستخدم هذه الوزارة كأداة للوصاية على قرارات الحكومة ورئاسة الجمهورية، ما ساهم في تعميق الأزمة المالية وتدهور الثقة الدولية بلبنان، ويرى مراقبون أن سياسات بري في هذا المجال كانت من أبرز أسباب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ العام 2019.

وفي هذا السياق، أشار ضو إلى أن "بري غطى ممارسات وزراء المالية في الحكومات المتعاقبة، وصولاً إلى الانهيار المالي، حيث لم يُكشف عن أي فساد من قبل المدعي العام المالي الموالي له".

وتعرضت وزارة المالية، منذ احتكارها من قبل وزراء محسوبين على بري، لاتهامات داخلية ودولية.

واتهمت وزارة الخزانة الأميركية، عام 2020، الوزير الأسبق علي حسن خليل، المحسوب على بري، بـ"تحويل الأموال من الوزارات الحكومية إلى مؤسسات مرتبطة بحزب الله، مما سهّل تفادي العقوبات الأميركية"، كما أشارت إلى استغلال الوزارة لتخفيف القيود المالية على الحزب وتحقيق مكاسب شخصية من خلال عمولات وصفقات مشبوهة.

هذه الهيمنة جعلت بري في مرمى الاتهامات بشأن مسؤوليته عن الأزمة المصرفية والمالية في لبنان، إذ تعتبر وزارة المالية الجهة الوصية على مصرف لبنان.

كما يتهم بري باستخدام ختم الوزارة لتعطيل قرارات حيوية، أبرزها التعيينات القضائية والأمنية والإدارية.

ومن الأمثلة على ذلك، امتناع الوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال، يوسف خليل، عن توقيع التشكيلات القضائية في عام 2022، مما عرقل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.

وأشار بشير إلى أن "بري يطالب بوزارات محددة خدمة لمصالحه وتعزيز سيطرته على بيئته الشعبية عبر الزبائنية".

واستشهد بشير بتصريحات أحد المحسوبين على بري الذي دعا حزب الله إلى "استغلال وزارة الصحة لخدمة أبناء بيئته"، معتبراً أن هذه التصريحات تعكس حالة الانهيار المالي التي يواجهها الحزب.

وأوضح أن "سياسة الزبائنية ليست جديدة، مستذكراً ما حدث بعد حرب يوليو 2006، عندما وصلت مساعدات دولية لإعادة الإعمار، خصوصاً من دول الخليج. هذه المساعدات استخدمت من قبل الثنائي الشيعي لتعزيز نفوذهما، حيث أزيلت أسماء الدول المانحة ووضعت شعارات الحزبين على المساعدات لتقديمها للناس وكأنها جهود ذاتية".

تكتيكات غير دستورية؟

لا يقتصر الأمر على تعطيل تشكيل الحكومات واستغلال المناصب الوزارية، بل يمتد دور بري إلى تعطيل استحقاقات انتخاب رئيس الجمهورية، وفقاً لعلوش.

وقال النائب السابق إن "بري ساهم في تعطيل انتخاب الرئيس عام 2016 لمدة عامين، قبل أن يتم انتخاب ميشال عون تحت ضغط حزب الله".

وكرر بري السيناريو نفسه بعد انتهاء ولاية عون في 2022، حيث حال دون انتخاب رئيس جديد لأكثر من عامين، مما أدى إلى تفاقم الشلل السياسي في البلاد.

من جهته، أوضح بشير أن بري "يقبض على مفاتيح المجلس النيابي، سواء من خلال الدعوة إلى الجلسات أو تعطيلها وفقاً لحساباته السياسية.

وقد لجأ بري، إلى استغلال الدستور بطرق ملتوية، خاصة فيما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية.

ومن أبرز هذه الأساليب اعتماده جلسات تصويت "متتالية"، أو ما يصفها بالمفتوحة، لتعقيد مسار الانتخابات ومنع انتخاب رئيس بنصاب النصف زائد واحد، وهو ما يخدم مصالح الثنائي الشيعي أمل وحزب الله".

واستشهد بشير بجلسة انتخاب قائد الجيش جوزاف عون، التي كشفت عن هذه التكتيكات بوضوح.

فـ"على الرغم من عدم حصول عون على 86 صوتاً في الدورة الأولى، أقدم بري على إغلاق الجلسة بدلاً من الانتقال إلى الدورة الثانية كما ينص الدستور. وعندما اعترض النواب على هذا الإجراء، زعم بري أنه يمنحهم استراحة لساعتين، في محاولة لفرض شرط غير دستوري يتطلب الحصول على 86 صوتاً في الدورة الثانية، رغم أن الدستور ينص على الاكتفاء بالنصف زائد واحد"، وفق بشير.

وأضاف أن "التناقض بين ما ورد في محضر الجلسة والإجراءات التي اتخذها بري يعكس محاولاته المتكررة للالتفاف على النصوص الدستورية. هذه الممارسات تؤكد دور الثنائي أمل وحزب الله في استخدام المجلس النيابي كأداة ضغط سياسي لإفشال أي محاولة لانتخاب رئيس للجمهورية خارج إطار مصالحهما، أو لابتزاز القوى السياسية الأخرى لدعم خياراتهما".

"أستاذ في الفساد"

يواجه بري وحركة "أمل" اتهامات واسعة بالتورط في شبكات فساد داخل قطاعات حيوية كالكهرباء والنفط والنفايات، ووصف علوش ملف مجلس الجنوب بأنه "أول ملفات الفساد المرتبطة ببري".

وأشار إلى استغلال المجلس كأداة لتعزيز النفوذ السياسي والطائفي وتوظيف أشخاص يتقاضون رواتب دون القيام بأي عمل، كما يشير إلى تورط مقربين من بري في قضايا مرتبطة بانفجار مرفأ بيروت.

وتأسس مجلس الجنوب عام 1970 بهدف إعادة إعمار وتنمية المناطق الجنوبية اللبنانية المتضررة، ورغم التمويلات الضخمة التي حصل عليها المجلس من خزينة الدولة، تحوّل هذا كما يتهم البعض إلى أداة سياسية لتعزيز نفوذ بري، من خلال استخدامه لتوزيع الوظائف والخدمات العامة على أساس الولاء السياسي والطائفي، كما يتهم بري بالتعدي على الأملاك العامة البحرية.

من الأساليب التي لجأ إليها بري للهيمنة على مؤسسات الدولة، كما يقول ضو، " تعيين أفراد من عائلته في مواقع رئيسية، مستفيداً من تحالفه مع حزب الله، الذي دعم سياساته واستراتيجياته، بما في ذلك ملف أموال المودعين".

وقال إن "بري استخدم هذا التحالف لتأمين حماية سياسية، خاصة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2019، حينما وقف حزب الله ضد مطالب اللبنانيين، كما أن التحالف ذاته ظهر جلياً عندما وقف حزب الله مع بري خلال خلافه مع التيار الوطني الحر".

وواجهت احتجاجات أكتوبر عام 2019 قمعاً عنيفاً من قبل حرس مجلس النواب ومؤيدي بري، الذين استخدموا أساليب وصفت بـ"الميليشياوية" لإجهاض احتجاجات تطالب بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين.

وبعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، تصاعدت الاتهامات ضد بري بتعطيل مسار التحقيقات بالتنسيق مع "حزب الله"، خاصة بعد وروود أسماء شخصيات مقربة منه، مثل الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، ضمن قائمة المتهمين من قبل القاضي طارق البيطار، الذي وجه إليهما تهمًا تتعلق بالقتل والإيذاء والتخريب.

وسبق أن عبّر النائب ميشال معوض، في بيان صادر عن مكتبه عام 2023، عن نظرة المعارضين إلى بري.

ووصف معوض يومها بري بأنه "أستاذ في الفساد العابر العهود والحكومات، والشريك الأكبر في المحاصصات منذ العام 1992 وحتى قبل اتفاق الطائف. وهو ما يندى له جبين اللبنانيين الذين يسخرون من ملفات الكهرباء والمازوت وكل إعادة إعمار الجنوب ومجلسه الذي فاحت روائحه، هو تماماً رئيس المجالس النيابية المتعاقبة التي لم تحاسب حكومة ولم تعاقب فاسداً وتسببت بهدر عشرات مليارات الدولارات وسرقة جنى عمر اللبنانيين ولقمة عيشهم وحشو الإدارة بالمحاسيب والأزلام!".

من الميليشيا إلى السياسة

بري الذي برز بداية كأحد "أمراء الحرب" خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قاد حركة "أمل" في مواجهات مسلّحة مع ميليشيات مسيحية وفصائل فلسطينية، وحتى مع حزب الله، قبل أن يتحوّل إلى العمل السياسي الرسمي، شغل عدداً من المناصب الوزارية بين عامي 1984 و1992، حيث تولى حقائب العدل، والموارد المائية والكهربائية، والإسكان، وشؤون الجنوب، والإعمار.

ومع انتهاء الحرب الأهلية وإقرار اتفاق الطائف الذي ساهم بري في صياغته، تولى منصب رئيس مجلس النواب عام 1992 في ظل النفوذ السوري الذي هيمن على لبنان آنذاك.

ومنذ ذلك الحين، أُعيد انتخابه سبع مرات على التوالي، ليصبح أحد أطول رؤساء البرلمانات بقاء في منصبه على مستوى العالم.

ويرتبط تاريخ بري ارتباطاً وثيقاً بحركة "أمل"، التي انضم إليها في سبعينيات القرن الماضي، تحت قيادة موسى الصدر، وتولّى قيادتها عام 1980 بعد اختفاء الصدر في ليبيا.

ومع انتهاء الحرب الأهلية، سلّمت الحركة سلاحها واندمجت في مؤسسات الدولة، فيما استمر بري في تعزيز دوره السياسي على مدى العقود التالية.

ورغم الاتهامات المتكررة التي توجّه إليه بالفساد، يصرّ بري دائماً على أن مكافحة الفساد تختصر في كلمتين: "تطبيق القانون".

وعقب احتجاجات 2019، دعا إلى إصلاحات جذرية، وتعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد عبر إخضاع كافة التلزيمات لمناقصات شفافة.

كما أكد استعداد المجلس النيابي لمواكبة هذه الجهود من خلال إقرار القوانين اللازمة وإطلاق ورشة إصلاحية تحقق مصلحة جميع اللبنانيين.

ورأى علوش أن بري، شأنه شأن باقي الزعماء السياسيين في لبنان، يعتبر التعطيل حقاً دستورياً، يمارسه لتحقيق مكاسب سياسية.

لكنه يلفت إلى أن بري "يتميز عن غيره من السياسيين بذكائه وقدرته على المناورة، حيث استطاع البقاء في السلطة رغم تغيّر التركيبة السياسية، مثل اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، وخروج سعد الحريري ونجيب ميقاتي من المشهد السياسي".

وعن الحلول للخروج من دائرة الفساد والتعطيل، اعتبر علوش أن لبنان "يحتاج إلى نظام يضمن عدم ارتهان أرزاق الناس للسياسيين، حيث تكون الكفاءة والولاء للدولة، هما الأساس في اختيار الموظفين".

وفي حديثه عن الخروج من أزمة المحاصصة السياسية، شدد ضو على ضرورة تجاوز النظام الطائفي الذي يعدّ، بحسب وصفه، أساس قوة الثنائي الشيعي.

وأوضح أن "بري وحزب الله يوظفان الورقة الطائفية لتبرير وجودهما السياسي على الرغم من الأزمات التي أوقعا فيها اللبنانيين".