إردوغان استقبل رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته لأنقرة العام الماضي
إردوغان استقبل رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته لأنقرة العام الماضي | Source: "AFP PHOTO / TURKISH PRESIDENTIAL PRESS SERVICE

بعد مرور 13 عاما على آخر زيارة كان حينها رئيسا للحكومة، يعود الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى بغداد، وهذه المرة بصفته رئيسا للبلاد، في زيارة تستحضر تساؤلات حول الملفات التي يحملها في جعبته للعراق.

ويصل إردوغان إلى بغداد، الاثنين، في زيارة هي الأولى منذ عام 2011، حسبما أعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الأسبوع الماضي، والذي أشار أيضا، وفق فرنس برس، إلى أن العراق وتركيا قد يوقعان "اتفاقية استراتيجية" على هامش الزيارة، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.

وتأتي هذه الزيارة في ظل تفاهمات توصلت إليها بغداد وأنقرة منذ العام الماضي، فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، والذي صنفته الحكومة العراقية كمنظمة "منظمة محظورة" في البلاد، حيث يسعى إردوغان وفق محللين تحدثوا مع موقع "الحرة" إلى حشد دعم العراق لجهوده العسكرية ضد التنظيم.

زيارة "في اتجاه واحد"

وخلال السنوات الأخيرة، كانت العلاقات بين العراق وتركيا متوترة، بسبب الحملات العسكرية التي ينفذها الجيش التركي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، بما في ذلك إقليم كردستان ومنطقة سنجار الجبلية، فضلا عن الخلافات المتعلقة بحصة بغداد من مياه نهري دجلة والفرات وتصدير النفط.

لهذا، يعتبر أستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد، إحسان الشمري، أن "الزيارة ستحقق مكاسب لتركيا أكثر من العراق"، نظرا إلى مؤشرات رفض إردوغان التعاطي مع بعض الملفات التي تشكل أولوية لبغداد، مثل حصص المياه وانسحاب القوات التركية من الشمال.

في حديثه لموقع "الحرة"، يضيف الشمري: "الزيارة في اتجاه واحد. وتركيا قد تتوصل إلى اتفاقية أمنية من خلالها تنهي وجود حزب العمال الكردستاني. دون النظر إلى ما يحتاج إليه العراق".

قمة عراقية تركية
تركيا والعراق على "طاولة أمنية".. أوراق ومؤشرات على "مرحلة جديدة"
لا تعتبر القمة الأمنية التي تشهدها بغداد الخميس "حدثا اعتياديا" بين العراق وتركيا كما ينظر إليها مراقبون من كلا البلدين، ويرتبط ذلك بما سبقها من تمهيد وتلميح وزيارات انطلقت في غالبيتها من أنقرة ووصلت قبل يومين إلى الحدود التي دائما ما تشكّل أساس التوتر بينهما.

بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، خالد عبدالإله، لموقع "الحرة" إن "الملف الأمني على رأس أولويات هذه الزيارة، إذ إنه يمثل في الأساس نقطة ارتكاز العلاقات المستقبلية بين البلدين".

ويرغب إردوغان في البناء على التفاهمات السابقة التي توصل إليها المسؤولون من البلدين خلال الأشهر الماضية، فيما يتعلق بأمن الحدود، وفق عبد الإله.

ويتفق المحلل السياسي التركي، جواد غوك، الذي يقول لموقع "الحرة" إن بلاده تُبدي رغبة واضحة في اتّخاذ خطوات عملية وحقيقية لحل الخلافات مع الجانب العراقي، خاصة تلك المتعلقة بحزب العمال الكردستاني.

ويتابع: "تربط تركيا تعاونها الأمني مع العراق بمكافحة حزب العمال الكردستاني، وتعتبره شرطا أساسيا لحل الخلافات بين البلدين"، مشيرا إلى أن التعاون الأمني، يُشكل مفتاحا لحل الملفات العالقة بينهما.

مطاردة حزب العمال الكردستاني

ويخوض حزب العمال الكردستاني تمردا مسلحا ضد السلطات التركية منذ العام 1984، حيث يشن من الحين والآخر عمليات داخل البلاد وضد قوات الأمن والجيش. فيما ترد تركيا بعمليات عسكرية واسعة على معاقل الحزب في شمال سوريا والعراق.

وأقامت أنقرة التي تهدد بتوسيع عملياتها هذا الصيف، عشرات القواعد العسكرية في كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وفق فرانس برس.

وفي هذا الاتجاه، يؤكد الشمري أن أنقرة لن توافق على مطالب العراق بالانسحاب من الأراضي العراقية، كما لن يتم الوصول إلى تفاهمات في هذا الأمر خلال الزيارة المزمعة. ويقول: "قضية انسحاب ما يقارب 22 قاعدة تركية من شمال العراق، لم يتم وضعها ضمن جدول أعمال هذه الزيارة".

على النقيض من ذلك، يرجح عبدالإله أن "يكون هناك تفاهمات فيما يتعلق بانسحاب القوات التركية، على أن يشمل ذلك اتفاق التعاون الأمني الأوسع نطاقا"، مستبعدا في نفس الوقت أي اتفاق بين البلدين بشأن عملية عسكرية مستقبلية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

ويضيف: "بغداد تسعى بشكل حقيقي إلى عقد اتفاق أمني، على غرار الاتفاق مع إيران الذي فكك أحزاب المعارضة الكردية في شمال البلاد. في المقابل ستطلب من أنقرة وقف أي خروقات للسيادة العراقية أو تهديد للأراضي".

ويعتقد غوك أن التنسيق بين البلدين في إطار التفاهمات سوف يصل إلى حد تبادل المعلومات بشأن عناصر حزب العمال من أجل توجيه ضربات عسكرية ضدهم.

ويقول خلال حديثه: "سوف يكون هناك تنسيق استخباراتي عالي المستوى، خصوصا أن هذا الأمر كان يشكل معضلة منذ سنوات، إذ لا يوجد أي تنسيق بين استخبارات وأجهزة الأمن والجيش في البلدين".

ويزيد في قوله إن "التنسيقات الأمنية المستقبلية بهذا الخصوص ستأتي بعد تثبيت الثقة بين الجانبين، وتعهد حكومة بغداد بالقيام بدور فاعل في هذا الأمر".

حصة العراق من المياه

تتفاوض بغداد مع أنقرة منذ سنوات بشأن التوصل إلى اتفاقية تتعلق بحصتها في المياه، لكن دون الوصول إلى تقدم يذكر.

ويعاني العراق من انخفاض مقلق لمستوى نهري دجلة والفرات، حيث تتهم بغداد مرارا جارتيها تركيا وإيران بالتسبب في خفض كميات المياه الواصلة إلى أراضيها، بسبب بنائهما السدود على النهرين.

وانقسم المحللون خلال حديثهم مع موقع "الحرة" حول فرص التوصل إلى اتفاق يضمن للعراق حقوقه المائية، إذ يقول الشمري إنه "لا توجد أي مؤشرات على إمكانية أن توافق تركيا على توقيع اتفاق دولي نهائي، يودع بالأمم المتحدة ويضمن حصة العراق من المياه".

ويطالب العراق منذ سنوات بتقسيم مياه نهري دجلة الفرات إلى 3 حصص بنسبة الثلث لكل بلد، مستندا إلى القواعد الدولية التي تقر بحق كل دولة متشاطئة على نهر دولي في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من مياه ذلك النهر.

تعتبر تركيا أن نهري دجلة والفرات نهران تركيان وليسا دوليين.
أزمة المياه العراقية التركية.. صراع طويل بين "السيادة المطلقة" و"النهر الدولي"
حين ظهر حاكم الزاملي، نائب رئيس البرلمان العراقي، في يونيو الماضي، في مؤتمر صحفي غاضب، مهددا الحكومتين التركية والايرانية باصدار قانون تجريم التعامل التجاري مع الدولتين، كانت قد مضت نحو ثمانية أشهر على إعلان وزارة الموارد المائية النصر في مفاوضاتها مع تركيا حول المياه، معتبرة على لسان وزيرها أنها حققت ما لم يحققه أي مفاوض عراقي خلال العقود الثلاثة الماضية!

وتُشير ورقة بحثية صادرة عن معهد أبحاث السياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث أميركي مقره في فيلادلفيا، إلى سوء إدارة العراق للمياه، والتي باتت تمثل مشكلة متفاقمة في جميع أنحاء البلاد، مما يُشكل ورقة ضغط رئيسية في يد تركيا.

وكتب زميل أول في برنامج الشرق الأوسط التابع للمعهد، محمد صالح، تلك الورقة المنشورة خلال شهر يوليو الماضي: "بالرغم من أهمية عوامل مثل الأمن والتجارة والطاقة والشؤون الجيوسياسية الإقليمية لإحدى الجانبين أو الآخر (تركيا والعراق)، فإن المياه تبرز بشكل متزايد كنقطة الخلاف الرئيسية بالنسبة للعراق وتزيد من نفوذ تركيا في ظل علاقة صعبة ومعقدة ومتعددة الأوجه".

وهنا، يقول غوك إن "إردوغان قادر على الوصول إلى اتفاق مع بغداد فيما يتعلق بحصة العراق المائية".

ويتابع: "أتوقع أن يكون هناك اتفاقا بين بغداد وأنقرة، خصوصا مع إصرار من حكومة بغداد منذ سنوات عدة على تسوية هذه القضية، وهو الأمر الذي قد يمهد الطريق إلى التنمية والمنافع المشتركة بين الجانبين".

وفي السياق ذاته، يعتبر عبدالإله أن "الاتفاق على حصة المياه بالنسبة للعراق لا تقل أهمية عن الاتفاق الأمني بالنسبة لتركيا"، مشيرا إلى أن "هذه النقطة المفصلية سترتكز عليها في الأساس القضايا الأمنية، وقضايا الاقتصاد والتنمية والطاقة.

التعاون الاقتصادي

اتفق المحللون على أن مشروع "طريق التنمية" بين بغداد وأنقرة، الذي أُعلن عنه العام الماضي، إلى جانب تصدير النفط، سيكونا في مقدمة الأولويات الاقتصادية، التي سيتم التوافق بشأنها خلال زيارة إردوغان.

لكن الشمري يستبعد أن تتوافق تركيا مع الرؤية العراقية فيما يتعلق بتصدير النفط، وكذلك المستحقات المالية التي تحتجزها أنقرة نتيجة توقف إمداد النفط منذ عام تقريبا.

وتوقف تدفق النفط عبر خط أنابيب من إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، إلى تركيا في مارس 2023، بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية، ومقرها باريس، بأن تركيا انتهكت بنود اتفاقية عام 1973 من خلال تسهيل صادرات النفط من منطقة كردستان شبه المستقلة، دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد.

ويقول رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في تصريحات خلال زيارته لواشنطن مؤخرا، إن حكومته تعمل مع إقليم كردستان على حل جميع المشاكل العالقة، بما في ذلك إنتاج وتصدير النفط.

أما "طريق التنمية"، فهو مشروع خط بري وخط سكك حديدية يصل الخليج بالحدود التركية، تعول عليه الحكومة العراقية ليصبح خط نقل أساسي للبضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.

ومع ذلك، يعتبر الشمري أن "ضمان تركيا لهذا المشروع، سيضمن لها منفردة تحقيق المكاسب دون العراق"، ويقول خلال حديثه: "صحيح سيكون هناك توقيع اتفاقية بشأن طريق التنمية، وهو له فوائد على العراق. لكن أن تكون تركيا ضامنة لهذا المشروع، فالمكاسب ستكون لها أكثر".

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، علاء الفهد، إن العراق يحتاج إلى التفاوض بقوة فيما يتعلق بهذا الملف، للحصول على المكاسب المرجوة من المشروع، خصوصا أنه يمتلك المزيد من المقاومات الاقتصادية والاستثمارية.

ويؤكد أن "أنقرة وبغداد تربطهما علاقات اقتصادية قوية ومصالح تجارية مشتركة"، متوقعا إبرام المزيد من الاتفاقات الاستثمارية بين الشركات التركية والعراقية.

وخلال الربع الأول من العام 2024، كان العراق خامس مستورد للمنتجات من تركيا (الحبوب والمنتجات الغذائية والمواد الكيميائية والمعادن وغيرها)، كما كان الشريك الذي ازدادت المبيعات التركية إليه بشكل أكبر من غيره، بحسب فرانس برس.

ويواصل الفهد قائلا: "تركيا اليوم في حاجة إلى العراق، ومن الأفضل أن يستغل المفاوض العراقي الجوانب الإيجابية ومصادر القوة من أجل الاستفادة وحسم الملفات العالقة، بما في ذلك ما يتعلق بتصدير النفط وحصص المياه التي تؤثر على الزراعة".

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".