إردوغان استقبل رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته لأنقرة العام الماضي
إردوغان استقبل رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته لأنقرة العام الماضي | Source: "AFP PHOTO / TURKISH PRESIDENTIAL PRESS SERVICE

بعد مرور 13 عاما على آخر زيارة كان حينها رئيسا للحكومة، يعود الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى بغداد، وهذه المرة بصفته رئيسا للبلاد، في زيارة تستحضر تساؤلات حول الملفات التي يحملها في جعبته للعراق.

ويصل إردوغان إلى بغداد، الاثنين، في زيارة هي الأولى منذ عام 2011، حسبما أعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الأسبوع الماضي، والذي أشار أيضا، وفق فرنس برس، إلى أن العراق وتركيا قد يوقعان "اتفاقية استراتيجية" على هامش الزيارة، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.

وتأتي هذه الزيارة في ظل تفاهمات توصلت إليها بغداد وأنقرة منذ العام الماضي، فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، والذي صنفته الحكومة العراقية كمنظمة "منظمة محظورة" في البلاد، حيث يسعى إردوغان وفق محللين تحدثوا مع موقع "الحرة" إلى حشد دعم العراق لجهوده العسكرية ضد التنظيم.

زيارة "في اتجاه واحد"

وخلال السنوات الأخيرة، كانت العلاقات بين العراق وتركيا متوترة، بسبب الحملات العسكرية التي ينفذها الجيش التركي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، بما في ذلك إقليم كردستان ومنطقة سنجار الجبلية، فضلا عن الخلافات المتعلقة بحصة بغداد من مياه نهري دجلة والفرات وتصدير النفط.

لهذا، يعتبر أستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد، إحسان الشمري، أن "الزيارة ستحقق مكاسب لتركيا أكثر من العراق"، نظرا إلى مؤشرات رفض إردوغان التعاطي مع بعض الملفات التي تشكل أولوية لبغداد، مثل حصص المياه وانسحاب القوات التركية من الشمال.

في حديثه لموقع "الحرة"، يضيف الشمري: "الزيارة في اتجاه واحد. وتركيا قد تتوصل إلى اتفاقية أمنية من خلالها تنهي وجود حزب العمال الكردستاني. دون النظر إلى ما يحتاج إليه العراق".

قمة عراقية تركية
تركيا والعراق على "طاولة أمنية".. أوراق ومؤشرات على "مرحلة جديدة"
لا تعتبر القمة الأمنية التي تشهدها بغداد الخميس "حدثا اعتياديا" بين العراق وتركيا كما ينظر إليها مراقبون من كلا البلدين، ويرتبط ذلك بما سبقها من تمهيد وتلميح وزيارات انطلقت في غالبيتها من أنقرة ووصلت قبل يومين إلى الحدود التي دائما ما تشكّل أساس التوتر بينهما.

بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، خالد عبدالإله، لموقع "الحرة" إن "الملف الأمني على رأس أولويات هذه الزيارة، إذ إنه يمثل في الأساس نقطة ارتكاز العلاقات المستقبلية بين البلدين".

ويرغب إردوغان في البناء على التفاهمات السابقة التي توصل إليها المسؤولون من البلدين خلال الأشهر الماضية، فيما يتعلق بأمن الحدود، وفق عبد الإله.

ويتفق المحلل السياسي التركي، جواد غوك، الذي يقول لموقع "الحرة" إن بلاده تُبدي رغبة واضحة في اتّخاذ خطوات عملية وحقيقية لحل الخلافات مع الجانب العراقي، خاصة تلك المتعلقة بحزب العمال الكردستاني.

ويتابع: "تربط تركيا تعاونها الأمني مع العراق بمكافحة حزب العمال الكردستاني، وتعتبره شرطا أساسيا لحل الخلافات بين البلدين"، مشيرا إلى أن التعاون الأمني، يُشكل مفتاحا لحل الملفات العالقة بينهما.

مطاردة حزب العمال الكردستاني

ويخوض حزب العمال الكردستاني تمردا مسلحا ضد السلطات التركية منذ العام 1984، حيث يشن من الحين والآخر عمليات داخل البلاد وضد قوات الأمن والجيش. فيما ترد تركيا بعمليات عسكرية واسعة على معاقل الحزب في شمال سوريا والعراق.

وأقامت أنقرة التي تهدد بتوسيع عملياتها هذا الصيف، عشرات القواعد العسكرية في كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وفق فرانس برس.

وفي هذا الاتجاه، يؤكد الشمري أن أنقرة لن توافق على مطالب العراق بالانسحاب من الأراضي العراقية، كما لن يتم الوصول إلى تفاهمات في هذا الأمر خلال الزيارة المزمعة. ويقول: "قضية انسحاب ما يقارب 22 قاعدة تركية من شمال العراق، لم يتم وضعها ضمن جدول أعمال هذه الزيارة".

على النقيض من ذلك، يرجح عبدالإله أن "يكون هناك تفاهمات فيما يتعلق بانسحاب القوات التركية، على أن يشمل ذلك اتفاق التعاون الأمني الأوسع نطاقا"، مستبعدا في نفس الوقت أي اتفاق بين البلدين بشأن عملية عسكرية مستقبلية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

ويضيف: "بغداد تسعى بشكل حقيقي إلى عقد اتفاق أمني، على غرار الاتفاق مع إيران الذي فكك أحزاب المعارضة الكردية في شمال البلاد. في المقابل ستطلب من أنقرة وقف أي خروقات للسيادة العراقية أو تهديد للأراضي".

ويعتقد غوك أن التنسيق بين البلدين في إطار التفاهمات سوف يصل إلى حد تبادل المعلومات بشأن عناصر حزب العمال من أجل توجيه ضربات عسكرية ضدهم.

ويقول خلال حديثه: "سوف يكون هناك تنسيق استخباراتي عالي المستوى، خصوصا أن هذا الأمر كان يشكل معضلة منذ سنوات، إذ لا يوجد أي تنسيق بين استخبارات وأجهزة الأمن والجيش في البلدين".

ويزيد في قوله إن "التنسيقات الأمنية المستقبلية بهذا الخصوص ستأتي بعد تثبيت الثقة بين الجانبين، وتعهد حكومة بغداد بالقيام بدور فاعل في هذا الأمر".

حصة العراق من المياه

تتفاوض بغداد مع أنقرة منذ سنوات بشأن التوصل إلى اتفاقية تتعلق بحصتها في المياه، لكن دون الوصول إلى تقدم يذكر.

ويعاني العراق من انخفاض مقلق لمستوى نهري دجلة والفرات، حيث تتهم بغداد مرارا جارتيها تركيا وإيران بالتسبب في خفض كميات المياه الواصلة إلى أراضيها، بسبب بنائهما السدود على النهرين.

وانقسم المحللون خلال حديثهم مع موقع "الحرة" حول فرص التوصل إلى اتفاق يضمن للعراق حقوقه المائية، إذ يقول الشمري إنه "لا توجد أي مؤشرات على إمكانية أن توافق تركيا على توقيع اتفاق دولي نهائي، يودع بالأمم المتحدة ويضمن حصة العراق من المياه".

ويطالب العراق منذ سنوات بتقسيم مياه نهري دجلة الفرات إلى 3 حصص بنسبة الثلث لكل بلد، مستندا إلى القواعد الدولية التي تقر بحق كل دولة متشاطئة على نهر دولي في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من مياه ذلك النهر.

تعتبر تركيا أن نهري دجلة والفرات نهران تركيان وليسا دوليين.
أزمة المياه العراقية التركية.. صراع طويل بين "السيادة المطلقة" و"النهر الدولي"
حين ظهر حاكم الزاملي، نائب رئيس البرلمان العراقي، في يونيو الماضي، في مؤتمر صحفي غاضب، مهددا الحكومتين التركية والايرانية باصدار قانون تجريم التعامل التجاري مع الدولتين، كانت قد مضت نحو ثمانية أشهر على إعلان وزارة الموارد المائية النصر في مفاوضاتها مع تركيا حول المياه، معتبرة على لسان وزيرها أنها حققت ما لم يحققه أي مفاوض عراقي خلال العقود الثلاثة الماضية!

وتُشير ورقة بحثية صادرة عن معهد أبحاث السياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث أميركي مقره في فيلادلفيا، إلى سوء إدارة العراق للمياه، والتي باتت تمثل مشكلة متفاقمة في جميع أنحاء البلاد، مما يُشكل ورقة ضغط رئيسية في يد تركيا.

وكتب زميل أول في برنامج الشرق الأوسط التابع للمعهد، محمد صالح، تلك الورقة المنشورة خلال شهر يوليو الماضي: "بالرغم من أهمية عوامل مثل الأمن والتجارة والطاقة والشؤون الجيوسياسية الإقليمية لإحدى الجانبين أو الآخر (تركيا والعراق)، فإن المياه تبرز بشكل متزايد كنقطة الخلاف الرئيسية بالنسبة للعراق وتزيد من نفوذ تركيا في ظل علاقة صعبة ومعقدة ومتعددة الأوجه".

وهنا، يقول غوك إن "إردوغان قادر على الوصول إلى اتفاق مع بغداد فيما يتعلق بحصة العراق المائية".

ويتابع: "أتوقع أن يكون هناك اتفاقا بين بغداد وأنقرة، خصوصا مع إصرار من حكومة بغداد منذ سنوات عدة على تسوية هذه القضية، وهو الأمر الذي قد يمهد الطريق إلى التنمية والمنافع المشتركة بين الجانبين".

وفي السياق ذاته، يعتبر عبدالإله أن "الاتفاق على حصة المياه بالنسبة للعراق لا تقل أهمية عن الاتفاق الأمني بالنسبة لتركيا"، مشيرا إلى أن "هذه النقطة المفصلية سترتكز عليها في الأساس القضايا الأمنية، وقضايا الاقتصاد والتنمية والطاقة.

التعاون الاقتصادي

اتفق المحللون على أن مشروع "طريق التنمية" بين بغداد وأنقرة، الذي أُعلن عنه العام الماضي، إلى جانب تصدير النفط، سيكونا في مقدمة الأولويات الاقتصادية، التي سيتم التوافق بشأنها خلال زيارة إردوغان.

لكن الشمري يستبعد أن تتوافق تركيا مع الرؤية العراقية فيما يتعلق بتصدير النفط، وكذلك المستحقات المالية التي تحتجزها أنقرة نتيجة توقف إمداد النفط منذ عام تقريبا.

وتوقف تدفق النفط عبر خط أنابيب من إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، إلى تركيا في مارس 2023، بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية، ومقرها باريس، بأن تركيا انتهكت بنود اتفاقية عام 1973 من خلال تسهيل صادرات النفط من منطقة كردستان شبه المستقلة، دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد.

ويقول رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في تصريحات خلال زيارته لواشنطن مؤخرا، إن حكومته تعمل مع إقليم كردستان على حل جميع المشاكل العالقة، بما في ذلك إنتاج وتصدير النفط.

أما "طريق التنمية"، فهو مشروع خط بري وخط سكك حديدية يصل الخليج بالحدود التركية، تعول عليه الحكومة العراقية ليصبح خط نقل أساسي للبضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.

ومع ذلك، يعتبر الشمري أن "ضمان تركيا لهذا المشروع، سيضمن لها منفردة تحقيق المكاسب دون العراق"، ويقول خلال حديثه: "صحيح سيكون هناك توقيع اتفاقية بشأن طريق التنمية، وهو له فوائد على العراق. لكن أن تكون تركيا ضامنة لهذا المشروع، فالمكاسب ستكون لها أكثر".

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، علاء الفهد، إن العراق يحتاج إلى التفاوض بقوة فيما يتعلق بهذا الملف، للحصول على المكاسب المرجوة من المشروع، خصوصا أنه يمتلك المزيد من المقاومات الاقتصادية والاستثمارية.

ويؤكد أن "أنقرة وبغداد تربطهما علاقات اقتصادية قوية ومصالح تجارية مشتركة"، متوقعا إبرام المزيد من الاتفاقات الاستثمارية بين الشركات التركية والعراقية.

وخلال الربع الأول من العام 2024، كان العراق خامس مستورد للمنتجات من تركيا (الحبوب والمنتجات الغذائية والمواد الكيميائية والمعادن وغيرها)، كما كان الشريك الذي ازدادت المبيعات التركية إليه بشكل أكبر من غيره، بحسب فرانس برس.

ويواصل الفهد قائلا: "تركيا اليوم في حاجة إلى العراق، ومن الأفضل أن يستغل المفاوض العراقي الجوانب الإيجابية ومصادر القوة من أجل الاستفادة وحسم الملفات العالقة، بما في ذلك ما يتعلق بتصدير النفط وحصص المياه التي تؤثر على الزراعة".

مصر تعتمد على نهر النيل لتأمين 97 بالمئة من احتياجاتها المائية
مصر تعتمد على نهر النيل لتأمين 97 بالمئة من احتياجاتها المائية (أرشيفية)

على مدار الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقة بين مصر وإثيوبيا خلافات مرتبطة بقضايا عدة، زادت منسوب التوتر بين البلدين، كان آخرها إعلان أديس أبابا دخول اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل المعروفة باسم "عنتيبي" حيز التنفيذ، رغم معارضة دولتي المصب، مصر والسودان.

واعتبرت وزارة الخارجية الإثيوبية، الإثنين، أن الخطوة "تصحح أخطاء تاريخية وتضمن الاستخدام العادل، وتعزز التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة"، فيما أكد بيان مصري سوداني مشترك أن الاتفاق "غير ملزم ويخالف مبادئ القانون الدولي".

وتعليقا على هذه التطورات، رأى خبراء في حديثهم لموقع "الحرة"، أن الخطوة بدرجة كبيرة "سياسية"، وستزيد من التصعيد بين القاهرة وأديس أبابا، في ظل التوتر بمنطقة القرن الأفريقي وأزمة سد النهضة.

اتفاقية "عنتيبي"

قالت الخارجية الإثيوبية، الإثنين، إن الاتفاق "سيحقق فوائد كبيرة لدول الحوض، ويساهم في مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة"، مضيفة أنه ينص على أن "لكل دولة من دول حوض النيل الحق في استخدام مياه نظام نهر النيل داخل أراضيها بطريقة تتفق مع المبادئ الأساسية الأخرى".

وفي بيان مصري سوداني، السبت، جاء أن الجانبين "بذلا جهودا مكثفة ومستمرة على مدار الأعوام السابقة لاستعادة اللُحمة ورأب الصدع الذي تسبب فيه تبني بعض دول الحوض لمسودة غير مستوفية للتوافق لوثيقة ما يسمى بالاتفاق الإطاري، ولا تتسق مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة والممارسات الدولية المثلى".

بيان صادر عن الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل: عقدت الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر...

Posted by ‎رئاسة مجلس الوزراء المصري‎ on Saturday, October 12, 2024

وأضاف البيان: "سعت الدولتان لأن تكون الآلية التي تجمع دول الحوض توافقية وتقوم على الشمولية وتنتهج في عملها القواعد الراسخة للتعاون المائي العابر للحدود، وفي مقدمتها مبادئ التشاور والإخطار المسبق بشأن المشروعات المستندة إلى دراسات علمية وافية للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروعات التي تنفذ من خلالها، إلا أن هذه الجهود لم تجد التفاعل الإيجابي اللازم".

وأكد البلدان أن الاتفاق "غير ملزم لأي منهما، ليس فقط لعدم انضمامهما إليه، وإنما أيضا لمخالفته لمبادئ القانون الدولي العرفي والتعاقدي، كما تشددان على أن مفوضية الست دول الناشئة عن الاتفاق الإطاري غير المكتمل، لا تمثل حوض النيل بأي حال من الأحوال".

وأفادت مفوضية حوض النيل التي تضم 10 دول، في بيان نقلته فرانس برس الإثنين، أن الاتفاق "يشهد على تصميمنا الجماعي على استغلال نهر النيل لصالح الجميع، وضمان استخدامه العادل والمستدام للأجيال المقبلة".

وحسب المفوضية، يهدف المشروع إلى "تصحيح الاختلالات التاريخية في الوصول إلى مياه النيل، والتأكد من أن جميع دول حوض النيل، سواء عند المنبع أو المصب، يمكن أن تستفيد من هذا المورد المشترك".

وكان قد تم التوصل إلى الاتفاق عام 2010 في العاصمة الأوغندية عنتيبي، ووافقت عليه منذ حينها دول إثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا وبوروندي، وانضمت إليهم مؤخرا دولة جنوب السودان، فيما ترفضه كل من مصر والسودان.

وقال السكرتير الدائم لوزارة الخارجية الأوغندية، فنسنت باجيري، لوكالة فرانس برس، الإثنين، إنه كان من المقرر عقد قمة لدول نهر النيل في أوغندا في 17 أكتوبر، لكنها تأجّلت إلى مطلع العام المقبل، رافضا ذكر السبب.

وأفادت تقارير إعلامية بأن القمة تأجلت بسبب خلافات بين الدول.

وتجمع مفوضية حوض النيل، بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وأوغندا، بينما تحظى إريتريا بصفة مراقب.

أسباب الخلاف؟

قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، إن "دول المنابع هي التي صاغت هذه الاتفاقية، ووضعت البنود بما يناسبها، ومصر توافق على معظم البنود، إلا بندين".

وشرح في حديثه لموقع الحرة، أن البند الأول المرفوض من جانب مصر والسودان هو "الحق في إقامة المشروعات، دون الرجوع للدول الأخرى، مما يتعارض مع الاتفاقيات الدولية لأن هناك دول أخرى مشتركة في النهر".

أما النقطة الخلافية الثانية، وفق شراقي، "وهي الأهم، فتتمثل في أن الاتفاقية لا تعترف بالاتفاقيات السابقة، ومنها اتفاق عام 1959الذي يحدد حصة لمصر وأخرى للسودان في مياه النيل، ولو وافق البلدان يعني إلغاء الحصص المائية".

وبمقتضى الاتفاقية، تحصل مصر على ‏55.5‏ مليار متر مكعب‏ سنويًا من المياه،‏ ويحصل السودان على ‏18.5‏ مليار متر مكعب. وتعتبر إثيوبيا هذه الاتفاقية "نتاج فترة الاستعمار، وبذلك لا ينبغي العمل بها".

وقال مدير منصة "نيلوتيك بوست" الإثيوبية، نور الدين عبدا، إن "اتفاقية عنتيبي إطار تنظيمي بين دول حوض النيل للاستفادة من مياه نهر النيل على مبدأ الاستفادة المنصفة والعادلة، متجاوزة مبدء الحصص المعمول به في اتفاقية فترة  الاستعمار التي تتمسك بها مصر كحق مكتسب".

وأشار في حديثه لموقع الحرة، إلى أن ذلك يعني أن "الأرضية القانونية أصبحت جاهزة لاستفادة الدول من مياه النيل، كل حسب حاجته ورؤيته، لكن في إطار الالتزام بالاتفاقية الإطارية، مما يعني الموت القانوني لاتفاقيات فترة الاستعمار أو الاتفاقيات الثنائية بين مصر  والسودان".

ولدى مصر وإثيوبيا خلافات طويلة الأمد بسبب السد الكهرومائي الضخم الذي بنته أديس أبابا على نهر النيل، وتعتبر إثيوبيا أنه ضروري لتنميتها وتزويد سكانها البالغ عددهم 120 مليون نسمة بالكهرباء.

غير أن مصر التي تعتمد على نهر النيل لتأمين 97 بالمئة من حاجاتها من المياه، ما زالت تحتج مشيرة إلى "حق تاريخي" في النهر، معتبرة أن سد النهضة "يشكل تهديدا وجوديا".

وقال الخبير في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، لموقع الحرة، إن إعلان أديس أبابا دخول الاتفاق الجديد (عنتيبي) حيز التنفيذ "جاء بلا شك بعد مصادقة جنوب السودان على دخول الاتفاقية، وبات الأمر معدا في ظل الرفض المصري السوداني".

وتساءل عما إذا كان سيكون هناك "تعاون بين مصر السودان والدول الأفريقية التي لم توقع، من أجل التوصل إلى صيغة لإعادة النظر في الاتفاق". 

لكنه استطرد: "لا أعتقد أن موقف السودان سيكون مرتبطا بمصر، حيث يتم تصنيف السودان كدولة من دول الممر وليس المصب".

"تصحيح لتفاوتات" أم مصدر "خطر"؟

قال وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هابتامو إيتيفا، إن تنفيذ الاتفاقية الجديدة "سيمكن من إنشاء لجنة حوض نهر النيل التي ستكون مسؤولة عن إدارة وحماية نهر النيل لصالح الجميع، وتكون بمثابة حجر الزاوية للتعاون".

مصر لديها خلافات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة

وأوضح في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإثيوبية، الإثنين، أن الاتفاقية "ستصحح التفاوتات القائمة في استخدام مياه النيل، من خلال ضمان الموارد المشتركة لجميع دول النيل، وستعترف بالحقوق القانونية لجميع دول حوض النيل، وتجعلها خاضعة للتوزيع العادل والاستخدام المستدام للمياه".

من جانبه، يرى شراقي أن "إثيوبيا هي المتزعمة لمسألة الاتفاقية، وتريد أن تفعل كما فعلت في قضية سد النهضة، بفرض أمر واقع"، لكنه تابع في حديثه للحرة: "لو تم الإعلان كما حدث مع سد النهضة، فسيكون هناك اعتراض كبير من مصر والسودان، ومصر حاليا ليست كما كانت عليه عام 2011 مع بدء بناء سد النهضة".

وتطرق الخبير المائي إلى "خطورة" المشروعات الشبيهة بسد النهضة في دول المنابع، قائلا: "الظروف الطبيعية لا تسمح بإقامة سدود مثل سد النهضة. يمكن لإثيوبيا فقط بناء سدود كبرى لكن ليست بحجم سد النهضة، عكس أي دولة أخرى في دول المنابع".

واستطرد موضحا: "لا يمكن لأية دولة بناء سد بحجم 30  أو 40 مليار متر مكعب من المياه، يمكن للدول الأخرى بناء سدود قدرتها بالملايين وليس بالمليارات، فإثيوبيا يأتي منها 85 بالمئة من مياه النيل والدول البقية الست 15بالمئة فقط".

لكن شراقي أوضح أنه بالنهاية "السد الصغير سياسيا وقانونيا مثل الكبير، فيجب التشاور واحترام الجميع. وبالطبع يمكن أن يكون له تأثير ولو ضرر قليل".

توتر جديد

ولا يقتصر التوتر بين مصر وإثيوبيا على الخلافات "المائية"، إذ دخل الصومال على خط الأزمة، حيث قال إن مصر عرضت نشر قوات حفظ سلام في الدولة الواقعة بمنطقة القرن الأفريقي، وذلك في إطار شراكة أمنية تأتي مع انتهاء تفويض قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المنتشرة هناك منذ فترة طويلة.

وحضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، قمة في العاصمة الأريترية أسمرة، حيث تعهد مع رئيسي الصومال وإريتريا بالتعاون القوي لتحقيق الأمن الإقليمي.

وقالت السلطات الصومالية في بيان بختام القمة، إنها ترحب بعرض مصر نشر قوات حفظ سلام في إطار قوة لتحقيق الاستقرار، عندما يتم حل قوة الاتحاد الأفريقي الحالية في ديسمبر المقبل.

وتنامت العلاقات بين مصر والصومال هذا العام على خلفية موقفهما المشترك المتمثل في عدم الثقة في إثيوبيا، مما دفع القاهرة إلى إرسال عدة طائرات محملة بالأسلحة إلى مقديشو عاصمة الصومال، بعد أن وقع البلدان اتفاقية أمنية مشتركة في أغسطس.

وأثارت أديس أبابا غضب مقديشو بتوقيع اتفاق مبدئي مع منطقة أرض الصومال الانفصالية، لاستئجار منفذ ساحلي مقابل اعتراف محتمل باستقلالها عن الصومال.

ورأى تورشين أن ما يحدث في مسألة اتفاقية عنتيبي هو "فصل جديد في إطار التوترات الكبرى التي تحدث بين مصر وإثيوبيا، باعتبار هناك قضايا أمنية استراتيجية أخرى حاضرة".

وتابع: "الأمر سيجعل هذه الملفات في حالة من التصعيد وعدم الاستقرار، خصوصا في ظل التوتر القائم في منطقة حوض النيل بين الجانبين".