المتمردون الحوثيون استهدفوا السفن التجارية في البحر الأحمر (أرشيف)
المتمردون الحوثيون استهدفوا السفن التجارية في البحر الأحمر (أرشيف)

دعت الولايات المتحدة، إيران، إلى وقف نقل "كميات غير مسبوقة" من الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، ما يسمح لهم بتنفيذ "هجمات متهورة" على سفن في البحر الأحمر وأماكن أخرى.

وقال نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، لمجلس الأمن الدولي، "إذا كان مجلس الأمن يريد إحراز تقدم نحو إنهاء الحرب الأهلية في اليمن، فيجب عليه العمل بشكل جماعي لمطالبة إيران بالتوقف عن دورها المزعزع للاستقرار، وإبلاغها أنها لن تستطيع الاختباء وراء الحوثيين".

وأضاف وود أن هناك أدلة كثيرة على أن إيران "توفر أسلحة متقدمة، من بينها صواريخ بالستية وصواريخ كروز للحوثيين"، ما يشكل انتهاكا لعقوبات الأمم المتحدة.

وتابع: "لتأكيد قلق المجلس بشأن الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة، يجب علينا بذل المزيد من الجهود لتعزيز تنفيذ العقوبات وردع منتهكيها".

ويقول الحوثيون إن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن تهدف للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء حربها ضد حماس في قطاع غزة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني.

وقالت الإدارة البحرية الأميركية أواخر الشهر الماضي، إن الحوثيين شنوا أكثر من 50 هجوما على السفن، واستولوا على سفينة وأغرقوا أخرى منذ نوفمبر من العام الماضي.

وانخفضت وتيرة هجمات الحوثيين خلال الأسابيع الماضية، حيث قادت الولايات المتحدة حملة عسكرية جوية ضدهم.

وتراجعت حركة الشحن عبر البحر الأحمر وخليج عدن بسبب هذه التهديدات.

لكن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، حذر مجلس الأمن من أن "الأعمال العدائية مستمرة رغم انخفاض وتيرة الهجمات على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي".

وأشار إلى إعلان الحوثيين أنهم سيوسعون نطاق الهجمات، ووصف ذلك بأنه "استفزاز مقلق وسط وضع متقلب بالفعل".

من جانبه، قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، لمجلس الأمن، إن إعلان إسرائيل في 6 مايو الماضي بدء عمليتها العسكرية في مدينة رفح جنوبي غزة، التي لجأ اليها 1.2 مليون فلسطيني بحثا عن الأمان، أدى إلى "تصعيد الدوامة الحالية في المنطقة درجة أخرى".

وأضاف: "لا شك أن ذلك سيكون له تأثير على الوضع في المياه المحيطة باليمن"، مشيرا إلى معارضة الحوثيين للهجمات الإسرائيلية التي تلحق الضرر بالمدنيين الفلسطينيين.

واستطرد قائلا: "ندعو إلى الوقف السريع لاستهداف السفن التجارية، وأي أعمال أخرى تعيق حركة الملاحة البحرية".

وأشار غروندبيرغ إلى أنه في ديسمبر الماضي، اتخذ الحوثيون والحكومة "خطوة شجاعة نحو الحل السلمي" من خلال الموافقة على سلسلة التزامات من شأنها وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الملحة للسكان، وبدء عملية سياسية لإنهاء النزاع.

لكن منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، أفاد بوجود مستويات "مرتفعة بشكل مثير للقلق" من الحرمان الشديد من الغذاء بجميع أنحاء البلاد، وقال إنه من المتوقع أن تتفاقم خلال موسم الجفاف بالنسبة للمحاصيل، والذي يبدأ في يونيو المقبل.

كما أعرب غريفيث عن قلقه البالغ إزاء "تفشي وباء الكوليرا الذي يتفاقم بسرعة في اليمن."

وأشار إلى تقارير تفيد بوجود 40 ألف حالة متشبهة للإصابة بالكوليرا، وأكثر من 160 حالة وفاة - وهي زيادة حادة مقارنة بالشهر الماضي، ومعظم هذه الحالات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وقال غريفيث: "يتم الإبلاغ عن مئات الحالات الجديدة يوميا".

A man donates blood, following pager detonations across Lebanon on Tuesday, in Beirut suburbs
التفجيرات أحدثت خللاً كبيراً في النظام الصحي اللبناني

خلال دوامها المعتاد في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن الممرضة المجازة لميس الدايخ تعلم ما الذي يجري في الخارج، حتى بدأت موجات المصابين بالتوافد إلى قسم الطوارئ.

تتحدث الدايخ عن تلك اللحظات العصيبة لموقع "الحرة"، قائلة "مررت بتجارب مماثلة خلال عملي في المستشفى، مثل انفجار مرفأ بيروت، لكن الإصابات التي رأيتها يومها كانت مروعة. لأول مرة في مسيرتي المهنية، واجهت مرضى مبتوري الأطراف أو مفقوئي العينين نتيجة الإصابات".

تستذكر الدايخ أول مريض دخل إلى قسم الطوارئ بالقول "شعرت بصدمة عندما رأيته، حتى أني شعرت بتشوش في الرؤية من هول المشهد. لكنني جمعت قواي النفسية واستمررت في أداء واجبي، وأنجزت كل المهام المطلوبة مني".

ورغم تمكنها من التحكم بمشاعرها خلال ساعات العمل الطويلة، إلا أن تأثير التجربة ظهر في اليوم التالي، حيث عانت الدايخ من اكتئاب وتقول "مشهد الدماء والوجوه المصابة لم يغب عن ذهني. لم أرغب في القيام بأي شيء، حتى أنني لم أكن أرغب في تناول الطعام"، وتضيف "لدي خبرة 11 سنة في قسم الطوارئ، واعتدت على الضغوط والزحام، لكن بعض المشاهد تظل محفورة في الذاكرة".

وطالت سلسلة انفجارات متزامنة أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يحملها عناصر حزب الله، يومي الثلاثاء والأربعاء، مما أدى إلى سقوط  37 قتيلا و2931 جريحا، بحسب ما كشف وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض.

واتهم حزب الله إسرائيل التي لم تعلق على الحادثين، بالوقوف وراء الانفجارات وتوعد بالرد.

"نوعية" الإصابات مفاجئة

عمل الفريق الطبي والتمريضي والإداري في مستشفى رفيق الحريري "بتنسيق تام" كما تقول الدايخ، "حيث قام كل فرد بما عليه، وبذلنا أقصى جهدنا لمواجهة هذا التحدي الكبير".

وتشدد على أن التدريبات التي خضع لها الطاقم الطبي والتمريضي في المستشفى أثبتت نجاحها، "والإدارة كانت حاضرة لتوفير كل ما نحتاجه، وبفضل التنظيم الجيد، لم نشعر بالضغط الجسدي الكبير رغم صعوبة الظرف".

وكان مستشفى رفيق الحريري الجامعي على أتم الاستعداد كما يقول مدير عام المستشفى، الدكتور جهاد سعادة "لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين، بفضل التدريبات المكثفة التي خضع لها الطاقم الطبي والتمريضي وفريق العاملين في المستشفى منذ بداية الحرب في غزة، حيث جرى التدريب على كيفية التعامل مع تدفق الإصابات دفعة واحدة، والتركيز على فرز المصابين لضمان تقديم الرعاية العاجلة للحالات الخطيرة أولاً".

لكن المفاجأة كانت كما يقول سعادة لموقع "الحرة" في "نوعية الإصابات، فقد كنا نتوقع إصابات في مناطق مثل البطن، الأرجل، أو الدماغ، لكن الإصابات التي وصلت تركزت في الوجه والعيون. هذا الوضع غير المتوقع اضطرنا إلى تعديل طريقة تعاملنا مع المصابين، خصوصاً في ظل عدم توفر العدد الكافي من جراحي العيون في لبنان للتعامل مع العدد الكبير من الإصابات في العيون دفعة واحدة"، مشيراً إلى أن تنسيق توزيع المصابين على المستشفيات تم عبر مركز تابع لوزارة الصحة.

ويضيف سعادة "المشهد كان صعباً، ومن الطبيعي أن يتأثر الطاقم الصحي، خاصة عند إدراك أفراده أن بعض المصابين لن يتمكنوا من استعادة بصرهم مجدداً".

آثار نفسية

تحدثت نقيبة الممرضات والممرضين، عبير الكردي، عن اللحظات الأولى بعد وصول خبر التفجيرات يوم الثلاثاء، قائلة "كنت في اجتماع في النقابة عندما وصلنا الخبر. توجّهنا مباشرة إلى مراكز عملنا. كنا مدربين على خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة، لكن في البداية ساد بعض الارتباك بسبب الأنباء المتداولة حول تفجيرات أجهزة 'البيجر' التي نستخدمها في المستشفيات. ومع وصول المصابين، اتضحت الأمور، وكان الجميع من ممرضين، أطباء، والجهاز الإداري، متأهبين".

وتضيف الكردي في حديث لموقع "الحرة" أنه "مررنا بتجارب مشابهة من قبل، مثل انفجار 4 آب، لكن هذه المرة كانت الإصابات مغايرة، حيث تركزت غالبيتها في الوجه واليدين".

وتؤكد على أهمية وضع المشاعر جانباً في مثل هذه الحالات، قائلة "في مهنتنا، خاصة في أوقات الكوارث، يجب أن نتحلى بالاحترافية. إذا تركنا العواطف تسيطر علينا، لن نتمكن من استقبال العدد الكبير من الجرحى وتشخيص حالاتهم بسرعة وفعالية. الأمر صعب، لكننا مدربين على التعامل مع ذلك بشكل مهني".

ورغم الاحترافية، تشير الكردي إلى التأثير النفسي للأحداث على الطاقم الطبي والتمريضي "نحن بشر، ومن الطبيعي أن نتأثر، لكن يجب أن نكون أقوياء. من المهم أيضاً تقديم الدعم النفسي للطاقم الصحي بعد الأزمة، حتى لا يصاب أفراده بصدمة لاحقة وهو ما نعمل عليه كنقابة مع وزارة الصحة ومراكز واختصاصيين نفسيين، ونقوم بتعزيز هذه الجهود لضمان سلامة الجميع، كما يوجد مراكز عمل متعددة تؤمن الدعم النفسي لطواقمها".

وأحدثت تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان "خللاً كبيراً في النظام الصحي اللبناني، الذي كان بالأساس هشاً"، بحسب ما أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحفي أمس الخميس.

"سيطرة ومهنية"

استقبل قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو يوم الثلاثاء 80 مصاباً إثر انفجار "البيجر"، وفقاً لما كشفه رئيس القسم الدكتور أنطوان الزغبي.

وفي حديث لموقع "الحرة" يوضح الزغبي أن "الإصابات تركزت بشكل رئيسي في العيون والأيدي، مع بعض الإصابات في الرأس والبطن"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الإصابات تسبب في ضغط كبير على الطاقم الطبي.

أدخل 11 جريحاً إلى العناية المركزة في مستشفى اوتيل ديو، بينما خضع 25 مصاباً لعمليات جراحية طارئة، ويواصل المستشفى تقديم العلاجات لنحو 70 شخصاً يعانون من إصابات في العيون.

ويقول الزغبي "النظام الذي نعتمده لحالات الطوارئ يقوم على فرز المصابين حسب درجة خطورة الإصابات، لضمان إعطاء الأولوية للحالات الحرجة، والخبرة المتراكمة لدى الأطباء والممرضين ساعدتهم في التعامل مع الوضع"، مشيراً إلى أنه "قد يصاب بعض أفراد الطاقم الطبي والتمريضي بصدمة في البداية، لكن الاحترافية تفرض عليهم السيطرة على المشاعر والقيام بالواجب المهني وهو ما حصل".

وفي ذات السياق أعلن وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، اليوم الجمعة، أن "المصيبة كانت لتكون أكبر لولا القدرات العالية التي تتمتع بها المستشفيات في مختلف المناطق اللبنانية، وتطبيق خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة العامة، بالإضافة إلى المهنية العالية والتفاني الذي أظهره الأطباء".

وأشار الأبيض إلى أن "القطاع الصحي في لبنان كان مجهزاً للتعامل مع الطوارئ، رغم أن ما حدث كان أمراً غير مسبوق".