سلوبودان ميلوسيفيتش
الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش جالسا في قاعة المحكمة في اليوم الثاني من محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي، هولندا، 13 فبراير 2002.

تحاكم المحكمة الجنائية الدولية الأفراد عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، "وهي أخطر الجرائم التي تثير قلقا دوليا".

والمحكمة هي الملاذ الأخير، بعد أن تمارس المحاكم الوطنية التحقيق والادعاء في الجرائم المرتكبة في البلد.

ولا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا لم تستطع دولة التحقيق والادعاء في جرائم أو لم تُرِد ذلك.

ولا تملك المحكمة لا جهاز شرطة ولا جيشا خاصا بها، وتعتمد على الدول في القبض على المشتبه بهم وتسليمهم.

وتبقى أوامر القبض سارية المفعول مدى الحياة ما لم يقرر قضاة المحكمة خلاف ذلك. 

المحكمة الجنائية الدولية تتخذ من لاهاي مقرا لها - صورة أرشيفية - رويترز
"الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟
خلال الأيام القليلة الماضية، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن مسؤولي البلاد يخشون من صدور أوامر اعتقال وشيكة من قبل المحكمة الجنائية الدولية ضد شخصيات رفيعة المستوى، بما في ذلك رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت.

نداء المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الاثنين، لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع في حكومته، يواف غالانت، وثلاثة من قادة حركة حماس لما ينسب لهم من دور في ارتكاب جرائم حرب، يحيل لتجارب وقرارات سابقة للمحكمة، نورد أبرزها في هذا التقرير.

ليست سابقة

الجنائية الدولية هي أول محكمة دولية دائمة لجرائم الحرب في العالم. تلتزم الدول الأعضاء فيها وعددها 124 دولة بالاعتقال الفوري للشخص المطلوب إذا كان موجودا على أراضي دولة عضو، لكن المحكمة ليس لديها وسيلة لتنفيذ أوامر الاعتقال.

وتقول إسرائيل إن جرائم الحرب المزعومة في غزة يجري التحقيق فيها محليا.

وإسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة ليستا من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الصين وروسيا.

روسيا

في 7 مارس 2023، أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية للمحكمة الجنائية الدولية ("المحكمة الجنائية الدولية" أو "المحكمة") أوامر اعتقال بحق شخصين في سياق الوضع في أوكرانيا، وهما  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسيدة ماريا ألكسيفنا لفوفا- بيلوفا.

بوتين، رئيس الاتحاد الروسي، مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني للسكان (الأطفال) والنقل غير القانوني للسكان (الأطفال) من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الأراضي الروسية. 

يُزعم أن الجرائم ارتكبت في الأراضي المحتلة بأوكرانيا اعتبارا من 24 فبراير 2022 على الأقل. 

وجاء في قرار المحكمة "هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن بوتين يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المذكورة أعلاه، لارتكابه الأفعال بشكل مباشر، بالاشتراك مع آخرين و/أو من خلال الآخرين.

أما ماريا ألكسييفنا بيلوفا، وهي مفوضة حقوق الطفل في مكتب رئيس الاتحاد الروسي، يُزعم أنها مسؤولة عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني للسكان (الأطفال) والنقل غير القانوني للسكان ( الأطفال) من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي.

وفي 5 مارس 2024، أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية للمحكمة الجنائية الدولية، أوامر اعتقال بحق شخصين، سيرجي إيفانوفيتش كوبيلاش وفيكتور نيكولايفيتش سوكولوف، في سياق الوضع في أوكرانيا بشأن الجرائم المزعومة المرتكبة في الفترة من 10 أكتوبر 2022 على الأقل حتى 9 مارس 2023 على الأقل.

سيرغي إيفانوفيتش كوبيلاش، وهو فريق في القوات المسلحة الروسية، والذي كان في ذلك الوقت قائد الطيران بعيد المدى لقوة الفضاء الجوي، وفيكتور نيكولايفيتش سوكولوف، 1962، مسؤولان عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه الهجمات على أهداف مدنية. 

صربيا

في 31 مايو 2023 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكما يؤكد بأن جهاز الأمن الصربي كان متورطا في الحرب في البوسنة، وأن كبار قادة الأمن الصرب ساعدوا في ارتكاب جرائم مروعة ضد المدنيين البوسنيين.

الحكم قضى بإدانة رئيس جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الشؤون الداخلية لجمهورية صربيا جوفيكا ستانيسيتش وكبير مساعديه فرانو سيماتوفيتش، لمسؤوليتهما عن الجرائم التي ارتكبتها قوات صربية مختلفة في البوسنة والهرسك عام 1992، وعن الجرائم التي ارتكبت في مناطق بوسنية أخرى عام 1995، وحكمت عليهما بالسجن 15 عاما.

أوغندا

أيدت المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر 2022 إدانة دومينيك أونجوين، القائد السابق لجيش الرب للمقاومة، وهي قوة متمردة تعمل في أوغندا منذ عقود.

في عام 2021، أُدين أونجوين بارتكاب 61 جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية في شمال أوغندا بين عامي 2002 و2005. 

وشمل ذلك العديد من الجرائم الجنسية والجنسانية مثل الزواج القسري والحمل القسري، ولم يُحاكم أي منهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

السودان

في 13 يوليو 2023 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان فتح تحقيق بشأن المزاعم بارتكاب جرائم حرب في سياق الحرب الدائرة في السودان، وخاصة ما جرى في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور. 

وأشار المدعي العام إلى تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والذي أفاد بتلقي معلومات موثوقة تفيد بدفن ما لا يقل عن 87 شخصا من أفراد من قبيلة المساليت ممن قتلتهم قوات الدعم والمليشيات المناصرة لها في دارفور في مقابر جماعية خارج مدينة الجنينة.

قبل ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير في 4 مارس 2009. 

واعتبر البشير، الذي يقبع في السجن، هاربا من العدالة، بينما ينتظر تسليمه للمحكمة بموجب تصريحات سابقة للسلطات السودانية.

ووجهت المحكمة 5 تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إلى البشير، وهي القتل والإبادة والتهجير القسري والتعذيب والاغتصاب وتهمتين بارتكاب جرائم حرب و3 تهم بالإبادة الجماعية.

وجاء في قرار المحكمة أن التهم المذكورة ارتكبت بين العامين 2003 و2008.

ميانمار(بورما)

في 6 سبتمبر 2018، قررت المحكمة أنها قد تمارس اختصاصها القضائي على الترحيل المزعوم لشعب الروهينجا من ميانمار إلى بنغلاديش.

صدر هذا الحكم بناءً على طلب مقدم من المدعي العام عملاً بالمادة 19 (3) من النظام الأساسي، الذي قال إنه على الرغم من أن الأفعال القسرية الكامنة وراء الترحيل المزعوم لأفراد من شعب الروهينغا حدثت على أراضي ميانمار (وهو أمر دولة ليست طرفًا في النظام الأساسي)، يجوز للمحكمة مع ذلك أن تمارس اختصاصها، نظرًا لأن أحد عناصر هذه الجريمة (عبور الحدود) حدث على أراضي بنغلاديش (وهي دولة طرف في النظام الأساسي).

ليبيا

ليبيا ليست دولة طرفاً في نظام روما الأساسي. ومع ذلك، في 26 فبراير 2011، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع الوضع في ليبيا منذ 15 فبراير 2011 إلى المحكمة الجنائية الدولية في القرار 1970 (2011). 

وبالتالي، أجيز للمحكمة الجنائية الدولية أن تمارس اختصاصها القضائي على الجرائم المدرجة في نظام روما الأساسي المرتكبة على أراضي ليبيا أو من قبل مواطنيها اعتبارًا من 15 فبراير 2011 فصاعدًا.

وفي 27 يونيو 2011 أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال في حق عبد الله السنوسي، العقيد السابق في القوات المسلحة الليبية ورئيس المخابرات العسكرية.

ووجهت المحكمة تهمتين للبسنوسي وهي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية يُزعم ارتكابها في عام 2011 في ليبيا. 

وفي 11 أكتوبر 2013 تم إعلان القضية المرفوعة ضد السنوسي غير مقبولة أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب الإجراءات الوطنية في ليبيا بشأن نفس الجرائم. 

وشملت القضية أيضًا تهمًا ضد سيف الإسلام القذافي ومعمر القذافي بموجب مذكرة صدرت في 27 يونيو 2011. وتم إنهاء القضية المرفوعة ضد معمر القذافي في 22 نوفمبر 2011، بعد وفاته.

أما نجله سيف الإسلام، فلا زالت المحكمة تطالب بتسليمه وقد أكدت على ذلك حين إعلانه نيته الترشح للانتخابات الرئاسية قبل سنوات.

شخصيات لا تزال مطلوبة

لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلوبا لدى الجنائية الدولية للتهم المننسوبة إليه، والمذكورة أعلاه شأنه في ذلك شأن الرئيس السوداني السابق عمر البشير،  الذي لم تسلمه السلطات بعد، وكذا نجل الرئيس الليبي السابق سيف الإسلام القذافي، الذي لا يزال هاربا في نظر المحكمة الجنائية الدولية.

وإلى جانب الأسماء السابقة هناك عدد من المتهمين من عدة دولـ لا يزالون محل متابعة بينما لم يستجيبوا للحضور من أجل المرافعة عن حالاتهم، والدفاع عن أنفسهم أمام قضاة المحكمة.

أبرز تلك الأسماء، جوزيف كوني، قائد جيش الرب للمقاومة (LRA) ، وهي جماعة حرب العصابات، كانت تنشط سابقًا في أوغندا، وأحمد هارون وزير الدولة السوداني السابق، وعلي كوشيب، أحد زعماء الجنجويد السودانية، وهما متهمان بـ51 تهمة تتعلق بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.

شخصيات تمت محاكمتها

 

ميلوسوفيتش

في أبريل 2001، ألقت السلطات اليوغسلافية القبض على الرئيس السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، بعد الإطاحة به بعام واحد، ثم سلمته للمحكمة الجنائية الدولية، ليكون أول رئيس يخضع للمسائلة في لاهاي بتهم "ارتكاب جرائم إبادة"، خلال الحروب في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو.

وبعد 5 سنوات، توفي ميلوسوفيتش بأزمة قلبية في زنزانته بالسجن الذي كان يقبع به في مدينة لاهاي.

واتهم ميلوسوفيتش المحكمة منذ البداية أنها غير قانونية، ورفض تعيين محام له.

رادوفان كاراديتش

في يوليو من العام 2008، اعتقلت السلطات الصربية القائد العسكري السابق رادوفان كاراديتش، المتهم بجرائم حرب، في العاصمة بلغراد.

وبعد أن مثل بعد عدة سنوات أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، صدر بحقه حكم بالسجن مدة 40 عاماً، ثم زاد قضاة الاستئناف الحكم إلى السجن مدى الحياة في عام 2019.

لوران غباغبو

في 2011، تم تسليم رئيس كوت ديفوار السابق، لوران غباغبو، إلى المحكمة الجنائية الدولية للاشتباه في تورطه بارتكاب جرائم اغتصاب وقتل.

واتُهم غباغبو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال عامي 2010 و2011، لكنها عادت وبرأته في مارس 2020.

تشارلز تايلور 

في 30 مايو 2012 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكما يقضي بسجن رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور 50 عاماً، بعد إدانته بدعم وتحريض المتمردين في سيراليون، أثناء الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟