مئات المستشفيات الحكومية في مصر تخضع للقانون الجديد
مئات المستشفيات الحكومية في مصر تخضع للقانون الجديد

دخل قانون "منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، المعروف بقانون "تأجير المستشفيات الحكومية"، في مصر، حيز التنفيذ بعد أن صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي الاثنين رغم اعتراضات برلمانيين ونقابة الأطباء والعديد من المؤسسات المهنية والاجتماعية والحقوقية الأخرى. 

القانون المثير للجدل الذي يتيح للمستثمرين المصريين أو الأجانب من القطاع الخاص إنشاء وتشغيل وإدارة وتطوير المنشآت الصحية الحكومية، اعترضت عليه نقابة الأطباء التي اعتبرت أنه يهدد استقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أي ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين، خاصة محدودي الدخل. 

لا ضمانات

وفي حديثه مع موقع "الحرة" أوضح الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، خالد أمين، سبب رفض النقابة للقانون "بشكل كامل بالصيغة التي خرج بها،" وقال "لأنه لا يتضمن أي ضمانات بأن يكون هناك وضع أفضل سواء للأطباء أو بيئة العمل أو النظام الصحي أو العاملين أو المرضى المترددين على المستشفيات الحكومية". 

واعتبرت عضوة مجلس النواب، مها عبد الناصر، موافقة البرلمان على القانون بأنه "يوم أسود في تاريخ الصحة في مصر".

وقالت عبد الناصر لموقع "الحرة" إن "القانون الجديد سيؤثر سلبيا على الخدمات الطبية الأساسية التي يحتاجها الموطنون مثل أي عملية جراحية بسيطة مثل الزائدة لأن كل المستشفيات التي تقدم هذه الخدمات ستكون معرضة للتأجير بدون أي ضوابط واضحة ينص عليها القانون". 

لم يحدد القانون آلية محددة للتعاقد مع المستثمرين على إدارة المستشفيات العامة والوحدات الصحية، وإنما ترك لرئيس الوزراء ووزير الصحة تحديد طريقة التعاقد المناسبة، سواء عن طريق المناقصة العامة أو الاتفاق المباشر أو غيرها من الطرق التي حددها قانون "تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة".

وأعفى القانون الحكومة من الحصول على موافقة مجلس النواب، بحسب عبد الناصر. 

وقبل موافقة البرلمان على القانون في 20 مايو الماضي، كان مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، محمد عوض تاج الدين، قد قال في تصريحات تلفزيونية إن "موضوع تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية ودقة على كل المستويات مع ضمان توفير الحد اللازم من مؤسسات الرعاية الصحية لتقديم الخدمات للمواطنين". 

لكن عبد الناصر قالت إنه "غير معروف ما هي المستشفيات التي سيتم تأجيرها وليس هناك معايير لذلك، كل شيء في القانون مطاطي، على سبيل المثال يتحدث عن اتفاق الحكومة مع المستثمر على تخصيص نسبة للحكومة وللمواطنين محدودي الدخل، لكن هذه النسب غير معلومة فضلا عن أنه غير معروف كيفية مراقبتها أو التزام المستثمر بها". 

وتوضح: "لو ناس ذهبت للحصول على الخدمة وأخبروهم أنه ليس هناك أسرة متبقية، كيف سنتمكن من معرفة إن كان المسؤولون في هذه المستشفى يقولون الحقيقة أم يكذبون، مع العلم أننا في مصر نعاني في الأساس من عجز شديد في عدد الأسرة بالمستشفيات". 

وانخفضت نسبة الأسِرة لكل مواطن من 1.42 سرير لكل ألف نسمة في عام 2014، إلى 1.2 لكل ألف شخص في عام 2021، بحسب إحصاءات المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في كل مستشفيات مصر البالغ عددها 1848، وهي أقل بنسبة 60% من متوسط المعايير العالمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهو 3 أسِرة تقريبا لكل ألف فرد. 

وبحسب أمين، فإن عدد المستشفيات الحكومية التي ستخضع للقانون تبلغ 600 مستشفى تقريبا في بلد يبلغ تعداد سكانها 110 مليون نسمة.

وكان المريض يدفع قبل سنوات قليلة في المستشفى الحكومي تذكرة كشف بجنيه واحد في المستشفيات الحكومية ويصرف الأدوية التي يكتبها الطبيب مجانا، لكن التذكرة ارتفعت إلى خمسة جنيهات ثم عشرة جنيهات وصرف دواء واحد فقط على ان يشتري الباقي من جيبه الخاص، مع معاناة شديدة في إيجاد سرير إذا احتاج إلى البقاء في المستشفى، بحسب موقع "مدى مصر". 

وقال الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء لموقع "الحرة": "لا نرى أي ضمانات يمكنها أن تحقق نتيجة إيجابية، بل بالعكس القانون يمنح المستثمر الذي يريد أن يحقق أكبر فائدة ربحية، مستشفيات تقدم خدمات طبية للمواطنين، بدون أي ضمانات لتحسين الخدمة، وبالتالي أي مستثمر سيرفع أسعار الخدمات وستكون في متناول القادرين فقط، لأنه دفع أموالا ويريد أن يستثمرها وتدر له عائدا بالتأكيد أكثر مما لو وضعها في البنوك التي تعطيه عائدا حوالي 23 في المئة". 

ولا يتوقع أمين أن يلتزم المستثمرون بالخدمات المجانية مثل الطوارئ والإسعاف أو حتى بنسب معينة يتم تقديمها للفقراء ومحدودي الدخل "لأنه ليس هناك ضمانات بشأن ذلك في القانون". 

"التخلص من العمال"

وقال أمين إن "من المرجح ألا يتوقف المستثمر عن زيادة أسعار الخدمات بل أيضا التخلص من العاملين فضلا عن أن القانون لا ينص على ضمان حقوق العمال في المستشفيات الحكومية". 

وأضاف أن "القانون لا يلزم المستثمرين بالحفاظ على العمال ولا الاستثمار فيهم ولا الحفاظ على حقوقهم داخل المنشأة أو خارجها، بالعكس كانت كل وجهة النظر الموجودة في القانون منصبة على كيفية تسهيل كل ما يمكن لجذب المستثمرين وإراحتهم". 

وأوضحت عبد الناصر أن "القانون يتيح للمستثمرين الاستغناء عن 75 في المئة من العاملين في المستشفى الحكومي من أطباء أو ممرضين أو فنيين أو إداريين أو أي عامل آخر". 

وانتقدت عبد الناصر هذا الأمر بشدة قائلة "القانون يتحدث عن أن الحكومة ستعيد توزيع الذين سيتم الاستغناء عنهم لكن لا يتحدث عن مراعاة أي جوانب اجتماعية وما إذا كان سيتم نقلهم إلى أماكن مناسبة لحياتهم الأسرية. للأسف لم تتم دراسة الآثار الاجتماعية لهذا القانون". 

وأضافت: "لماذا أصلا تمنح الحكومة المستثمر حقه في الاستغناء عن 75 في المئة من العمالة، خاصة وأنه تم طرح أفكار أخرى مثل تدريب العمال وتأهيلهم ووضعهم تحت الاختبار". 

"كلام مرسل"

وكان وزير الصحة والسكان خالد عبدالغفار، قد قال إن المريض المصري الفقير لن يتحمل أي أعباء سواء من مقدم الخدمة قطاع خاص أو حكومي، لأن هناك التزام دستوري بذلك.

وأضاف في مجلس النواب أن هناك 64 مليون مواطن مؤمن عليهم تأمين صحي وهناك عدد كبير من غير القادرين يتم العلاج على نفقة الدولة، بالتالي فإن دخول القطاع الخاص لا يؤثر على غير القادرين للحصول على الخدمة الصحية وتتحملها نفقة الدولة.

واعتبر مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية في القاهرة أن القانون يمثل امتدادا لسياسات حكومية تهدف إلى تقليص الإنفاق العام على الصحة، "فمنذ عام 2016 لم يتجاوز الإنفاق الحكومي الحقيقي على القطاع الصحي كنسبة من الناتج المحلي 1.6%، في مخالفة صريحة للدستور المصري الذي ينص على ألا تقل هذه النسبة عن 3 في المئة".

وبشان ما إذا كان النواب قد طرحوا هذه الأسئلة على الحكومة، قالت "عندما تحدثنا مع وزير الصحة لم نحصل على إجابات على أسئلتنا، وقال إنه لن يكون وحده المسؤول عن التعاقد مع المستثمرين وأنه ستكون هناك لجنة كبيرة ستدرس الطلبات المقدمة منهم". 

لكنها تعلق على كلام الوزير  بالقول إن "كل هذا الكلام مرسل ولا أثق فيه. ما أثق فيه هو النصوص القانونية التي أمامنا والتي أرى أنها مطاطة للغاية ويسمح لأي سلطة تنفيذية أن تفعل ما تريده". 

"جلسة صورية"

وقالت عبد الناصر: "هناك مشاكل كثيرة ستحدث بسبب هذا القانون وستتضح بشكل أكبر عندما يتم طرح مستشفيات حكومية على المستثمرين".

وذكر موقع "مدى مصر" عن طرح ستة مستشفيات عامة للمستثمرين من بينها "مبرة المعادي وهليوبوليس والشيخ زايد"، من المتوقع أن تدر عوائد جيدة على المستثمرين. 

لكن عبد الناصر قالت إنه "لم يتم طرحهم فعلا حتى الآن، ولكن تم الحديث عنهم ووضعهم في قائمة مبدئية من المرجح أنه سيتم طرحهم قريبا فور صدور اللائحة التنفيذية للقانون". 

من جانبه، قال أمين إنهم جلسوا مرة واحدة مع اللجنة الصحية في البرلمان "لكنها كانت جلسة صورية لم يكن لها أي فائدة". 

وعبر عن أسفه لصدور القانون وتصديق السيسي عليه "ليس هناك شيء نستطيع أن نفعله الآن غير أن ننتظر اللائحة التنفيذية ومحاولة وضع هذه الضمانات فيها". 

لكنه أشار إلى أن "صياغة اللائحة التنفيذية للقوانين يتم وضعها من قبل الحكومة عادة بعيدا عن الرقابة الشعبية والبرلمان والنقابات، وإذا كانت الحكومة لم تأخذ رأينا في القانون نفسه، فمن المستبعد أن يأخذوا رأينا في اللائحة التنفيذية لكننا نأمل أن نتمكن من فعل شيء لتحسينه".  

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

تجلت حالة العزلة التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح الأسبوع الماضي مع نشر صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصفته إسرائيل بأنه "إرهابي من تنظيم القاعدة يرتدي بدلة".

وقال ترامب للصحفيين بعد محادثات مع الشرع، الأربعاء، في الرياض "إنه يملك الإمكانات. إنه زعيم حقيقي". وجاءت تلك التصريحات خلال اجتماع توسطت فيه السعودية، التي اتفقت مع ترامب خلال الزيارة على عدد من الصفقات في الأسلحة والأعمال والتكنولوجيا.

جولة ترامب السريعة التي استمرت أربعة أيام وشملت السعودية وقطر والإمارات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد مشهد دبلوماسي مصحوب باستثمارات ضخمة.

وقالت ثلاثة مصادر إقليمية ومصدران غربيان إن الجولة الخليجية همشت إسرائيل وأبرزت ظهور نظام جديد للشرق الأوسط تقوده الدول السنية متجاوزا "محور المقاومة" المنهار التابع لإيران.

وفي ظل الغضب المتزايد في واشنطن إزاء عدم توصل إسرائيل لاتفاق بشأن وقف لإطلاق النار في غزة، ذكرت المصادر أن جولة ترامب تمثل رسالة تجاهل لنتنياهو، الحليف المقرب للولايات المتحدة والذي كان أول زعيم أجنبي يزور واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة في يناير.

وأضافت المصادر أن الرسالة كانت واضحة: ففي رؤية ترامب للدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي رؤية أقل أيديولوجية وتعتمد أكثر على النتائج، لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط لأجندته اليمينية.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جورج بوش الابن "تشعر هذه الإدارة بالإحباط الشديد من نتنياهو، وهذا الإحباط واضح... إنهم يتعاملون بشكل تجاري للغاية، ونتنياهو لا يقدم لهم أي شيء في الوقت الراهن".

وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، التي لا تزال حليفا قويا للولايات المتحدة وتحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية والحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لكن المصادر أضافت أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة إلى نتنياهو مفادها أن الولايات المتحدة لها مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط ولا تريد منه أن يقف في طريقها.

وذكرت مصادر مطلعة أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد ليس فقط بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي قبول وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا بسبب اعتراضه على المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق. ولم يُصدر المكتب أي تصريحات بشأن زيارة ترامب الخليجية.

وأكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن ترامب لا يزال صديقا لإسرائيل.

وقال المتحدث باسم المجلس جيمس هيويت "نواصل العمل عن كثب مع حليفتنا إسرائيل لضمان إطلاق سراح باقي الرهائن في غزة وعدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وذكرت المصادر المطلعة أنه على الرغم من تأكيد مسؤولين في إدارة ترامب علانية على متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يعبرون في الجلسات المغلقة عن انزعاجهم من رفض نتنياهو مسايرة المواقف الأميركية بشأن غزة وإيران.

وقالت ستة مصادر إقليمية وغربية إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ في التزايد قبل جولة ترامب الخليجية.

وبدأ التوتر عندما سافر نتنياهو إلى واشنطن في زيارة ثانية في أبريل سعيا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية، لكنه فوجئ بتحول الرئيس نحو الخيار الدبلوماسي إذ علم قبل ساعات فقط من اللقاء أن المفاوضات على وشك أن تبدأ.

وفي الأسابيع التالية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن والتقارب مع القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا كما تجاوز إسرائيل في زيارته الخليجية، وهو ما يظهر التوتر في العلاقات التقليدية بين الحليفتين، وفقا للمصادر.

وقال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن ومدير مشروع عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إن واشنطن وتل أبيب "لا تبدوان على توافق في القضايا الكبرى كما كانتا في المئة يوم الأولى" من رئاسة ترامب.

غزة تثبت الانقسام

خلال حملته الانتخابية، أوضح ترامب أنه يريد وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن هناك قبل عودته إلى البيت الأبيض.

لكن بعد مرور أشهر على رئاسة ترامب، واصل نتنياهو تحدي دعوات وقف إطلاق النار، ووسع نطاق الهجوم، ولم يقدم أي خطة لإنهاء الحرب أو خطة لما بعد الحرب في الصراع المستمر منذ 19 شهرا. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد القتلى في القطاع تجاوز 52900.

واندلعت الحرب، التي أثارت تنديدات دولية بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بسبب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وتبدد أي أمل في استغلال ترامب زيارته للمنطقة لتعزيز صورته كصانع سلام والإعلان عن اتفاق لإنهاء الحرب.

وبدلا من ذلك، ضاعف نتنياهو، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، هدفه المتمثل في سحق حماس. ويخضع نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل بتهم الفساد التي ينفيها.

وخلال اختتام ترامب زيارته، شنت إسرائيل هجوما جديدا الجمعة على غزة. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل مئات الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية.

أما الأولوية الأخرى لترامب، وهي توسيع اتفاقات إبراهيم التي تطبّع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية لتشمل السعودية، فقد عرقلها أيضا تعنت نتنياهو.

وأوضحت الرياض أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتوقف الحرب ويصبح هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقال شينكر "ليست لديه استراتيجية، ولا خطة لليوم التالي بشأن غزة". وأضاف "وهو يعترض الطريق".

أما علنا، فقد رفض ترامب نفسه أي حديث عن أي خلاف. وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثت بعد زيارة الخليج، نفى ترامب أن يكون محبطا من نتنياهو الذي قال عنه إنه يواجه "وضعا صعبا" بسبب الحرب في غزة.

لكن ترامب يمضي قدما من دون نتنياهو. وباهتمام بالمصالح الذاتية دون حرج، يقود الرئيس الأميركي عملية إعادة تنظيم للدبلوماسية الأميركية تجاه الدول السنية الثرية، التي ترتكز على الرياض الغنية بالنفط.

وقال مصدر إقليمي كبير إن زيارة ترامب توجت الدور المؤثر للسعودية بصفتها قائدا للعالم العربي السني. وعلى النقيض من ذلك، فقد أدت سنوات من التجاوزات الإيرانية، والضربات العسكرية الإسرائيلية القوية لحليفتيها حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى تراجع دور طهران بصفتها قوة إقليمية شيعية.

وأضاف المصدر "كان لإيران الدور القيادي، والآن دخلت السعودية بأدوات أخرى: الاقتصاد والمال والاستثمار".

صعود السُنة

رغم أن نتنياهو هو من تصدر المعركة ضد إيران، يتشكل النظام الإقليمي الجديد في الرياض والدوحة وأبوظبي.

وتتطلع هذه الدول الخليجية إلى الحصول على أسلحة متطورة لحمايتها من هجمات إيران ووكلائها وكذلك إمكانية الوصول للرقائق الأميركية المتطورة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ووجدوا شريكا راغبا يتمثل في رئيس أميركي يمكن أن تتداخل سياسته الخارجية أحيانا مع المصالح المالية لعائلته.

وفي قطر، المحطة الثانية من جولته، جرى تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747 لترامب وجرى استقباله بحفاوة تليق بملك.

ووسط احتفال فخم ورقصات بالسيف واستعراض للفرسان ومأدبة ملكية، أعلن ترامب أن قطر، التي قدمت دعما ماليا كبيرا لحركة حماس، "تحاول المساعدة بكل تأكيد" في أزمة الرهائن الإسرائيليين.

وضرب تصريح ترامب على وتر حساس في القدس، حيث ينظر المسؤولون إلى الدوحة كتهديد استراتيجي يمول أحد ألد أعدائهم.

وقال يوئيل جوزانسكي وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن العديد من الإسرائيليين "لا يفهمون مدى مركزية قطر بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنها تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف جوزانكسي أنه في الوقت الذي تجعل علاقة قطر مع حماس من الدولة الخليجية تهديدا لإسرائيل، فإن ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي ونفوذها المالي ونفوذها الدبلوماسي حولها إلى حليف لا غنى عنه لواشنطن.

وقدر البيت الأبيض أن الجولة إجمالا ضمنت أكثر من تريليوني دولار من الالتزامات الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي، منها طلبيات كبيرة لطائرات بوينغ وصفقات لشراء معدات دفاعية أميركية واتفاقيات لشراء خدمات تكنولوجية. بينما وجد إحصاء أجرته رويترز للصفقات المعلنة أن القيمة الإجمالية تصل لما يقارب 700 مليار دولار.

وفي السعودية، وافق ترامب على صفقة أسلحة قياسية بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، مما أجج المخاوف الإسرائيلية من فقدان التفوق الجوي في المنطقة إذا حصلت الرياض على طائرة لوكهيد من طراز إف-35.

وفي الوقت نفسه، وفي إعادة تقويم للعلاقات الأميركية السعودية، عرض ترامب على الرياض مهلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا لحكام السعودية إن بإمكانهم القيام بذلك في الوقت الذي يناسبهم.

والآن، يتفاوض ترامب على استثمار نووي مدني تقوده الولايات المتحدة للسعودية، وهي صفقة أخرى تثير قلق إسرائيل.

ودفعت الدول التي تتبع المذهب السني أجندتها الدبلوماسية الخاصة. وجاء إعلان ترامب المفاجئ خلال جولته عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في تحول آخر كبير في السياسة الأميركية، بناء على طلب من السعودية ورغم اعتراضات إسرائيل.

وحتى ديسمبر، عندما أطاح أحمد الشرع بالرئيس السوري بشار الأسد، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض عليه.

ورحبت دول الخليج بالهدنة التي أعلنها ترامب مع الحوثيين في اليمن، وهم جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، والتي وضعت حدا لعملية عسكرية أميركية مكلفة في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان، الذي أعقب إجراء المحادثات النووية مع إيران، بعد يومين فقط من سقوط صاروخ حوثي على مطار بن غوريون الإسرائيلي.

وقال جوزانسكي وهو منسق سابق لشؤون إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يزيد موقف إسرائيل أكثر فأكثر كمخربة تقف في طريق ليس فقط الولايات المتحدة بل المجتمع الدولي، إذ تحاول تشكيل المنطقة بشكل مختلف بعد سقوط الأسد وحزب الله وربما إنهاء حرب غزة".

وفي حين التزمت حكومة نتنياهو اليمينية الصمت إزاء زيارة ترامب، عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن قلقها من أن مكانة البلاد مع أهم حلفائها آخذة في التراجع.

وانتقد سياسيون معارضون رئيس الوزراء لسماحه بتهميش إسرائيل بينما يعاد تشكيل تحالفات قديمة.

ووجه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي يستعد للعودة إلى الحياة السياسية، اتهاما لاذعا لحكومة نتنياهو، مجسدا بذلك الشعور بالقلق الذي يسيطر على كثيرين في المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

وقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق على أكس "الشرق الأوسط يشهد تغييرات في بنائه أمام أعيننا وأعداؤنا يزدادون قوة، ونتنياهو... وجماعته مشلولون، سلبيون وكأنهم غير موجودين".