دبابة يونانية في شوارع نيقوسيا في يوليو 1974
دبابة يونانية في شوارع نيقوسيا في يوليو 1974

في العشرين من يوليو مرت الذكرى الخمسون للغزو التركي لقبرص، الذي قسم الجزيرة إلى شطرين، وتأتي هذه الذكرى وسط تناقض حاد، فهناك حداد في الجنوب واحتفال في الشمال.

ومع بزوغ الفجر في الشطر الجنوبي للجزيرة المعترف به دوليا، دوت صافرات الإنذار عند الساعة 5:30 صباحا، ساعة بدء الغزو التركي في 1974 الذي يطلق عليه "عملية أتيلا".

وتقول صحيفة "الغارديان" إن الصافرات ذكرت القبارصة اليونانيين بوصول آلاف من القوات التركية الغازية إلى الجزيرة الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط، قبل 5 عقود.

لكن في الشمال، الذي تحتله تركيا، كان هذا الحدث مدعاة للفرح، إذ سافر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، جوا إلى الشطر الشمالي من قبرص، حيث أعلنت أنقرة في 1983 قيام "جمهورية شمال قبرص التركية" غير المعترف بها دوليا.

وأعلن الرئيس التركي، الذي حضر عرضا عسكريا في الجانب الآخر من المنطقة العازلة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، أن بلاده مستعدة لإقامة قاعدة عسكرية بحرية في شمال قبرص "إذا دعت الحاجة"، متهما اليونان بالسعي إلى إقامة قاعدة مماثلة في الجزيرة.

وفي خطاب، وصف إردوغان المنطقة الانفصالية، التي لم تعترف بها سوى أنقرة منذ إعلان الاستقلال من جانب واحد، بأنها "قرة أعيننا، وجزء من روحنا".

من جانبه، أكد الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، الذي يسعى لإقامة اتحاد فدرالي في إطار اقترحته الأمم المتحدة، أن إعادة توحيد الجزيرة هو المسار الوحيد للمضي قدما.

وقال خريستودوليدس، بعد مراسم دينية إحياء للذكرى في الشطر الجنوبي لنيقوسيا، آخر عاصمة أوروبية مقسمة: "مهما قال أو فعل السيد إردوغان وممثلوه في المناطق المحتلة، فإن تركيا، بعد مرور 50 عاما، لا تزال مسؤولة عن انتهاك حقوق الإنسان للشعب القبرصي بأكمله وعن انتهاك القانون الدولي".

وفي وقت سابق السبت، نشر رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، صورة لخريطة قبرص ملطخة بالدماء على صفحته على موقع "لينكد إن" مع عبارة: "نصف قرن منذ المأساة الوطنية لقبرص".

مقبرة تخلد ذكرى ضحايا الغزو التركي لشمال قبرص

وبمناسبة ما وصفته بـ "الذكرى المأساوية"، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، دعم الكتلة لآخر دولة عضو منقسمة في الاتحاد الأوروبي. وكتبت على "أكس": "يستحق القبارصة العيش في بلد موحد في ظل ظروف من السلام والتعايش والاستقرار والازدهار".

وتم تقسيم قبرص إثر غزو تركي للجزيرة، عام 1974، ردا على انقلاب دعمته اليونان، وشنت تركيا عملية أتيلا، بعد 5 أيام من أمر انقلاب أصدره المجلس العسكري في أثينا، وبدأ في تنفيذه بهدف ضم قبرص إلى اليونان.

لكن بذور الانقسام تعود إلى الستينيات عندما انهارت اتفاقية لتقاسم السلطة بين القبارصة اليونانيين والأتراك بعد استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1960.

وخلال الهجوم التركي، الذي استمر لمدة شهر منذ 20 يوليو 1974، تعرض آلاف الأشخاص للتعذيب والاغتصاب والقتل وبات آخرون في عدد المفقودين، وفق "الغارديان". 

وبحلول 16 أغسطس، كانت القوات الغازية قد استولت على 37 في المئة من شمال الجزيرة، مما أدى إلى نزوح حوالي 200 ألف قبرصي يوناني، و45 ألف قبرصي تركي، في هذه العملية.

ومنذ ذلك الحين، فشلت جهود إعادة التوحيد التي جرت بوساطة الأمم المتحدة على مدى عقود.

وتحظى الحكومة القبرصية اليونانية باعتراف دولي، وتعتبر ممثلة للجزيرة بأكملها وممثلة لقبرص في الاتحاد الأوروبي. ولا تعترف بجمهورية قبرص التركية سوى أنقرة.

وأصبح التوصل إلى تسوية للقضية القبرصية أمرا أكثر إلحاحا منذ اكتشاف كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في المنطقة البحرية بين قبرص وإسرائيل، في السنوات الماضية، وتزايدت أهمية ذلك في ظل الأزمة الأوكرانية وتأثيرها على واردات الغاز الروسية إلى أوروبا.

وفي خطاب السبت، وصف الرئيس القبرصي الذكرى بأنها مناسبة كئيبة للتأمل وتذكر الموتى. وقال: "مهمتنا هي التحرير وإعادة التوحيد وحل المشكلة القبرصية... إذا أردنا حقا أن نبعث برسالة في هذه الذكرى المأساوية... فهي أن نفعل كل ما هو ممكن لإعادة توحيد قبرص".

وتوقفت المحادثات منذ انهيار المفاوضات في منتجع كران مونتانا في جبال الألب السويسرية عام 2017، إثر تصاعد التوترات على طول خط وقف إطلاق النار.

وفي حديثه قبل العرض العسكري، السبت، بدد إردوغان الآمال في استئناف سريع لعملية السلام، مؤكدا من جديد دعمه لحل الدولتين الذي يرفضه القبارصة اليونانيون والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع.

وقال إردوغان إنه لا فائدة من استئناف المحادثات برعاية الأمم المتحدة بشأن مستقبل قبرص "من حيث تركناها"، وطلب تفاوضا مباشرا مع الجانب القبرصي اليوناني.

تختلف وجهات نظر أطراف دولية من الحرب الأوكرانية
تختلف وجهات نظر أطراف دولية من الحرب الأوكرانية

"إنهاء الحرب في أوكرانيا"، هدف أعلنته الإدارة الأميركية الأيام الماضية، وبدأت في العمل على تحقيقه، لكن تتقاطع السبل مع تباين وجهات النظر للأطراف المختلفة.

ولطالما كرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مرارا خلال حملته الانتخابية أنه قادر على إنهاء الحرب "السخيفة"، بل وقال إنها "ما كانت لتحدث أصلا لو كان في السلطة".

وقبل أيام، أعلن أنه أجرى مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين تتناول المسألة، وشرع في تشكيل فريق التفاوض.

وبالفعل، سافر وزير خارجيته، ماركو روبيو، إلى السعودية لحضور اجتماع، الثلاثاء، لكبار المسؤولين الأميركيين والروس في المملكة.

الحضور والغياب

لكن لن يكون هناك أي ممثلين لأوكرانيا. فقد أعلن متحدث باسم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن الأخير سيزور السعودية، الأربعاء، غداة الاجتماعات

الأوروبيون أيضا غير ممثلين على الرغم من أن المساعدات الأوروبية الكبيرة لأوكرانيا التي بلغت حوالي 140 مليار دولار.

وصرح الممثل الخاص للولايات المتحدة لروسيا وأوكرانيا، كيث كيلوغ، بأن الولايات المتحدة تهدف إلى إشراك "جميع الأطراف في عملية السلام" في غضون 180 يوما (بحلول أغسطس 2025 تقريبا). 

لكنه أشار إلى أن الدول الأوروبية الأخرى لن "تكون على الطاولة" في مفاوضات السلام ومع ذلك، ستأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار وجهات نظرهم.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الاثنين، إنه "لا يرى سببا" يستدعي مشاركة الأوروبيين في المحادثات، متهما إياهم بالرغبة في "مواصلة الحرب".

وعلى عكس سياسات الإدارة الأميركية السابقة التي عمدت إلى عزل روسيا وإشارك قادة كييف في المفاوضات، يبدو أن مشاركة أوكرانيا ليست في صميم مبادرة ترامب.

وقال ترامب إنه أجرى مطولة مع بوتين وسوف يبلغ الرئيس الأوكراني بفحواها.

خيارات وقف الحرب

وتجرى المفاوضات بينما لا تملك كييف خيارات كثيرة لتغيير الوضع العسكري على الأرض، وهذا يعني أن أي صفقة قد تشمل تنازلات من جانب أوكرانيا

وتسيطر القوات الأوكرانية بالفعل على مئات الكيلومترات المربعة في الداخل الروسي منذ الهجوم الذي شنته في أغسطس الماضي، لكنها تتعرض لانتكاسات منذ أشهر في الجبهة الشرقية من البلاد، وتوقف تقدمها بعدما دفعت موسكو بإرسال تعزيزات إلى المنطقة.

وفي المقابل، سيكون من مصلحة روسيا التوصل إلى اتفاق بعد تكبد الاقتصاد الروسي أعباء مالية ضخمة جراء استمرار الحرب، كما أن مثل هذا الاتفاق ربما يساعدها في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.

وفي ظل هذا الوضع، قال زيلينسكي في 15 فبراير إن القوات الروسية "على الأقل" بحاجة إلى الانسحاب إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الغزو الشامل في فبراير 2022.

وفي المقابل، تطالب روسيا بحوالي 20 في المئة من الأراضي التي تسيطر عليها بالفعل، وبمساحة من الأراضي في أربع مناطق لا تسيطر عليها كييف بالكامل.

وقد يكون الحل الوسط في مثل هذا الوضع، وفق "نيويورك تايمز"، هو تجميد القتال، وحل المسائل الشائكة في وقت ما في المستقبل، وهذا يشمل منطقة كورسك.

وفي حين ترفض موسكو استخدام كييف لمنطقة كورسك ورقة مساومة، فإنه إذا لم تتمكن موسكو من استعادة السيطرة عليها، سيعني الانسحاب من أراض أوكرانية تسيطر عليها.

وتسعى أوكرانيا أيضا إلى ضمان أمنها في المستقبل بعد التوصل إلى اتفاق.

وهذا يعني انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهو أمر ترى موسكو أنه يهددها أمنيا.

ويبدو أن الفكرة باتت مستبعدة

وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، قال في مؤتمر ميونيخ للأمن إن اتفاق السلام لن يتضمن مسارا لعضوية "الناتو" وإنه لن يتم إشراك قوات أميركية في أي بعثة لحفظ السلام.

ومع استبعاد فكرة انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، طرح زلينسكي فكرة نشر 200 ألف جندي أوروبي في أوكرانيا.

ويبدو أن هذه القوة الكبيرة لن تكون متوافرة على الأقل في المستقبل القريب.

بحث عن ضمانات

وتريد روسيا أيضا "ضمانات أمنية" بعدم محاولة أوكرانيا إعادة بناء قدرتها العسكرية واستعادة الأراضي المحتلة.

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن، أكد شركاء أوكرانيا الأوروبيون دعمهم لجهود الحرب الأوكرانية وصناعة الدفاع المحلية.

وهناك، التقى زيلينسكي بمسؤولي شركات تصنيع الأسلحة الأوروبين للحصول على الذخائر والأسلحة لتحسين قدرات دفاعات أوكرانيا الجوية وزيادة إنتاج المسيرات والصواريخ.

وكانت أوروبا قد سعت إلى بلورة رؤية لقوة أوروبية قبل نحو عام تقريبا، ثم باتت الفكرة أكثر إلحاحا مع ظهور مخاوف من أن المباردة الأميركية الجديد قد لا تكون طرفا مباشرا فيها.

وتقول أسوشيتد برس إن مجموعة من الدول الأوروبية، تتصدرها بريطانيا وفرنسا، تعمل بهدوء على خطة لإرسال قوات إلى أوكرانيا للمساعدة في فرض أي تسوية سلمية مستقبلية مع روسيا.

وقال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، في تصريحات حذرة يوم الخميس "لن أتطرق إلى قدرات معينة، لكنني أقبل أنه إذا كان هناك سلام، فيجب أن يكون هناك نوع من الضمان الأمني لأوكرانيا وستلعب المملكة المتحدة دورها في ذلك".

ومع ذلك، فإن شكل القوة ومن سيشارك فيها سيعتمد على بنود اتفاق السلام وكذلك على شروط كل دولة في نشر قواتها بالخارج.

وهناك بالفعل قيود دستورية في إيطاليا، ويتطلب نشر القوات الهولندية موافقة البرلمان، وألمانيا ستجري انتخابات في هذا الشهر قد تفضي إلى حكومة جديدة تتبنى سياسات مختلفة.

هانو بيفكلور، وزير الدفاع الإستوني، قال لوكالة أسوشيتد برس على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن: "نحن في مرحلة مبكرة للغاية".

وقال بن هودجز، القائد العام السابق للجيش الأميركي في أوروبا، الشهر الماضي، في ندورة لمركز السياسة الأوروبية "يجب أن تكون قوة (أوروبية) حقيقية (حتى) يعرف الروس أنه إذا اختبروها فسوف يتم سحقهم. ويمكنك أن تكون متأكداً من أن روسيا ستختبرها".

وأضاف: "إنهم ينتهكون كل اتفاقية. لذلك إذا أرسلنا قوة إلى هناك، فيجب أن يكون لديهم قوة جوية وقوات برية كبيرة وطائرات بدون طيار وطائرات مضادة للطائرات بدون طيار ودفاع جوي وصاروخي. كل ذلك".

الرد الأوروبي

ومن الواضح أن الأوروبيين سيجدون صعوبة في حشد قوة كبيرة وبسرعة.

وفي مقابلة الجمعة مع فاينانشال تايمز، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن فكرة نشر قوة ضخمة "بعيدة المنال". وقال: "يتعين علينا أن نفعل أشياء مناسبة وواقعية ومدروسة جيدا ومدروسة ومتفاوض عليها".

وأصر وزير الدفاع الأميركي على "الإشراف الدولي القوي على خط التماس"، في إشارة إلى خط المواجهة الذي يبلغ طوله حوالي 1000 كيلومتر بين روسيا وأوكرانيا.

ويتفق الجميع تقريبا على ضرورة وجود نوع من "الدعم الأميركي"، خاصة أن القوات المسلحة الأوروبية لطالما اعتمدت على الخدمات اللوجستية الأميركية والنقل الجوي والقدرات العسكرية الأخرى.

وفي مقر "الناتو، الأربعاء، تحدث ويزر الدفاع الأميركي عن الشروط التي قد توافق الولايات المتحدة بموجبها على قوة تزود أوكرانيا بـ "ضمانات أمنية قوية لضمان عدم بدء الحرب مرة أخرى".

وقال إن الحلفاء الأوروبيين لن يستفيدوا من عقيدة الأمن الجماعي للحلف إذا تعرضوا للهجوم. وأكد أنه "لن يتم نشر قوات أميركية في أوكرانيا".

وبوتين الذي قال من قبل إنها غزا أوكرانيا بسبب توسع أراضي الحلف بالقرب من حدود روسيا، فلن يقبل أي عملية يدرها حلف "الناتو".

ولم يكشف عن أي دور قد تلعبه الولايات المتحدة.

ومن وجهة نظر أوكرانيا، فإن أي عملية تقتصر على أوروبا لن تنجح. وقال وزير الخارجية الأوكراني، أندري سيبيا، يوم الخميس، إن أي "ضمانات أمنية مستحيلة بدون الأميركيين".