جنوب لبنان
جانب من آثار قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أرشيف)

وسط تهديدات برد قوي، تتسارع الجهود الرامية إلى خفض التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، بعد الهجوم الذي استهدف الجولان، السبت، وأسفر عن مقتل 12 فتى وفتاة في أحد ملاعب كرة القدم ببلدة مجدل شمس ذات الأغلبية العربية.

وألمح خبراء، تحدثوا إلى موقع "الحرة"، إلى احتمالات بحدوث تصعيد خطير، معتبرين في الوقت نفسه أن تلك الاحتمالات قد تكون ضعيفة.

وقال الجيش الاسرائيلي إن صاروخا إيراني الصنع يحمل رأسا حربيا يزن 50 كيلوغراما، أطلقه حزب الله اللبناني قد تسبب بمقتل الفتية، في حين أنكر الأخير مسؤوليته عن ذلك.

ورغم الاستنكار الشديد لتلك الحادثة، دعت أطراف دولية وعربية إلى التهدئة وضبط النفس، خاصة بعدما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو إن بلاده "لن تتخطى هذا الهجوم القاتل"، منوها إلى أن "حزب الله سيدفع ثمنا باهظا لم يدفعه حتى الآن".

وفي السياق ذاته، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، الأحد، أن الجيش قد رفع جاهزيته إلى "المرحلة التالية" من القتال في شمال البلاد، متعهدا بضرب حزب الله بـ"صورة قاسية".

وقال هاليفي، خلال جولة تفقدية في بلدة مجدل شمس: "رفعنا جاهزيتنا إلى المرحلة التالية من القتال في الشمال. وسنضرب حزب الله بصورة قاسية وسنعيده إلى الوراء، كما سنحقق الأمن وسنعيد السكان في الشمال إلى ديارهم".

"تهديدات متكررة"

وفي حديثه إلى موقع "الحرة"، رأى الخبير العسكري اللبناني، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، أن التهديدات الإسرائيلية ليست جديدة، مضيفا: "اعتدنا منذ الثامن من أكتوبر، وعقب تدخل حزب الله في الحرب لدعم قطاع غزة أن نسمع تصريحات كثيرة عن وجوب شن عمليات عسكرية برية كبيرة في الداخل اللبناني، ولاسيما من جانب الوزراء المتطرفين أمثال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير".

ورأى الخبير اللبناني أن الظروف الإقليمية والدولية قد لا تسمح في الوقت الحالي بشن مثل تلك العمليات العسكرية، خاصة مع وجود دعوات للتهدئة وضبط النفس.

وبالفعل فإن وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن،  قد أكد من طوكيو، الأحد، أن بلاده لا تريد أن ترى أي تصعيد، مطالبا بضبط النفس.

وأضاف في تصريحات صحفية:" "كل المؤشرات تدل على أن الصاروخ كان بالفعل من حزب الله، ونحن نؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها من الهجمات الإرهابية". وفق وكالة فرانس برس.

وزاد: " نجري محادثات مع حكومة إسرائيل، ومرة أخرى أؤكد حقها في الدفاع عن مواطنيها وتصميمنا على التأكد من أنهم قادرون على القيام بذلك". 

وتابع: "لكننا لا نريد أيضًا أن نرى النزاع يتصاعد،  و لا نريد أن نرى توسعا. لقد كان هذا أحد أهدافنا منذ اليوم الأول، منذ 7 أكتوبر، وسنواصل القيام بذلك". 

وفي نفس السياق، أكدت فرنسا أنها ورغم تنديدها بالضربة على الجولان، فإنها تدعو في وقت نفسه إلى "تفادي تصعيد عسكري جديد".

"الأمر بيد أميركا"

من جانبه، نبه المحلل العسكري الإسرائيلي، المقدم المتقاعد كوفي لافي، في حديثه إلى "موقع الحرة" إلى أن أي تصعيد خطير مع حزب الله سوف يجر المنطقة إلى حرب شاملة وواسعة".

وشدد على أن الأمر يتعلق في الوقت الحالي بقدرة الولايات المتحدة على تأجيل ذلك.

وفي نفس السياق، أعرب المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرين، خلال محادثة لـ"موقع الحرة" عبر تطبيق واتساب، أن بلاده "غير معنية بالتصعيد حاليا بحيث يصل الأمر  إلى شن هجوم كاسح على لبنان لأن تكلفة ذلك سوف تكون كبيرة".

ومع ذلك نقل موقع "أكسيوس" الأميركي، السبت، عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن إدارة الرئيس جو بايدن، تشعر "بقلق بالغ" من أن يؤدي الهجوم على الجولان إلى "حرب شاملة" بين إسرائيل وحزب الله.

وقال مسؤول أميركي للموقع: "ما حدث اليوم (السبت) قد يكون المحفز الذي كنا نشعر بالقلق بشأنه، وحاولنا تجنبه لمدة 10 أشهر".

واعتبر الزميل الباحث في مبادرة الشرق الأوسط بكلية كينيدي بجامعة هارفارد، دانييل سوبلمان، أن الحادث بمثابة "تذكير بأن هذا النوع من إدارة الصراعات لا يزال ينطوي على اللعب بالنار، وأن الأطراف لا تملك السيطرة الكاملة على التصعيد".

وأضاف لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن ضربة السبت، كانت الأكثر خطورة على إسرائيل في 9 أشهر من القتال مع الميليشيات المتواجدة في لبنان.

وتتبادل إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية، القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، وأدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة.

وقد ردت إسرائيل في ساعات الليل على "ضربة مجدل شمس"، بشن غارات متزامنة على 7 مناطق مختلفة "في عمق وجنوبي لبنان".

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الغارات "استهدفت مخازن أسلحة وبنى إرهابية في مناطق شبريحة وبرج الشمالي والبقاع وكفركلا ورب ثلاثين والخيام وطير حرفا".

وحسب شتيرن، فإن تلك الضربات الإسرائيلية، جاءت كرد محدود حتى الآن، مشيرا إلى أن القادة السياسيين والعسكريين في بلاده سوف يختارون الوقت المناسب لشن عملية عسكرية كبيرة.

وتابع: "لا أعتقد أن إسرائيل سوف تنجر وراء تصعيد خطير كرد فعل عاطفي غير منضبط".

"بنسبة 50 بالمئة"

وفي المقابل، اعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي، كوفي لافي أن " الغضب في الشارع الإسرائيلي سوف يشتد، وبالأخص عند الطائفة الدرزية، وذلك لكي ترد اسرائيل على المجزرة نفذها حزب الله".

وتعقيبا على التحذير الذي وجهته طهران إلى إسرائيل من عدم "المجازفة" في لبنان، قال "التهديدات الإيرانية تزداد طالما هناك فعلا احتمال لقطع ذراع آخر من أيدي إيران في المنطقة".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قال، الأحد، إن بلاده تحذر من "تداعيات غير متوقعة وردود فعل" لأي تصعيد في لبنان"، معتبرا أن ذلك قد يؤدي إلى "توسيع عدم الاستقرار وعدم الأمن والحرب في المنطقة".

وعن احتمال إقدام إسرائيل على القيام بعملية عسكرية برية كبيرة في لبنان، رأى المحلل العسكري السوري، المقيم في الأردن، إسماعيل أيوب، في حديثه إلى موقع "الحرة" أن ذلك سوف "يكون بمثابة جنون عسكري، إن جاز التعبير، لأن تداعيات ذلك سوف تكون كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي".

وأوضح أيوب أنه، ومنذ نحو 9 أشهر، فإن "الردود والضربات المتبادلة بين الجانبين اتسمت بضبط النفس إلى حد كبير، وربما يعود ذلك إلى وجود قواعد اشتباك تتضمن عدم استهداف المدنيين".

وتابع: "رغم موقفي من حزب الله، ولكن لا أعتقد أنه قد تقصد استهداف مدنيين عرب ينتمون إلى أقلية دينية لأن ذلك سوف يؤثر عليه في لبنان والمنطقة بشكل عام، وأنا أميل إلى فرضية سقوط صاروخ اعتراضي، وهنا أيضا لا أظن أن الأمر كان مقصودا من إسرائيل".

وفي ذات السياق، استبعد ملاعب حدوث تصعيد خطير يؤدي إلى حرب شاملة، موضحا: " الجيش الإسرائيلي استدعى 240 ألف جندي من الاحتياط وهذا أدى لاستنزاف كبير في قدراته البشرية، بالإضافة إلى أن الدعم المادي والدبلوماسي من الولايات المتحدة قد بدأ يخف، خاصة بعد سقوط أعداد كبيرة من المدنيين في قطاع غزة لاسيما في مناطق من المفترض أنها إنسانية".

وزاد: "هناك نقطة مهمة أن هذه الحرب تحديدا ليست حرب جبهات أي لا يوجد تمركزات دفاعية مقابل هجمات، إذ أن إسرائيل تعتمد على الطيران في عملياتها الحالية، وفي المقابل تمكن الحزب من إلحاق ضرر كبير في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية مثل القبة الحرارية وأنظمة الرادار"، على حد قوله.

وشدد على أنه "حزب الله اكتسب خبرات كبيرة خلال العمليات التي يسميها عميات معقدة، التي تشترك فيها مجموعة من الصواريخ والمسيرات في نفس الهجمة، وهذا يقلق كثيرا الجانب الإسرائيلي لأن تلك الصواريخ قد تصل إلى بنك أهداف حيوي معد مسبقا".

وعلى نفس الصعيد اعتبر أيوب أن "حزب الله وبغض النظر عن موقفنا منه يمتلك مسلحين أشداء ونوعية متطورة من الأسلحة مقارنة بما تمتلكها الفصائل المسلحة في قطاع غزة، ولديه تجارب ميدانية في قتال الجيش الإسرائيلي".

وأردف: "وربما يكون قد حصل أيضا على وسائط دفاع جوي، إذ تمكن سابقا من إسقاط 4 طائرات مسيرة من نوع هيرمس 900 وهيرمس 450، كما أن سكان الجليل حتى الآن لم يستطيعوا أن يعودوا إلى ديارهم رغم اقتراب بدء السنة الدراسية، وبالتالي فقد يكون هناك رد غير منضبط من حزب الله يستهد المزيد من المدن"، في الشمال الإسرائيلي.

يشار إلى أن أكثر من 80 ألف إسرائيلي اضطروا إلى ترك منازلهم في العديد من المدن والبلدات في شمال إسرائيل منذ أن بدأت عمليات التصعيد بين الجيش الإسرائيلي وميلشيات حزب الله.

وبالتالي اعتبر أن أيوب هناك احتمالا بنسبة 50 بالمئة لأن تعمد إسرائيل إلى شن حرب واسعة النطاق على حزب الله، مردفا: "وضعت هذه النسبة لأنني أعتقد أنه لا يمكن لأي محلل عسكري أن يجزم بشكل نهائي بعدم حدوث ذلك التصعيد الكبير الذي سوف يكلف المنطقة برمتها أثمانا باهظة ينجم عنها الكثير من الضحايا كما يحدث في (الحروب الغبية) التي رأيناها سابقا".

وأما ملاعب، فاعتبر وفي سياق مرتبط بطلب وزير الخارجية اللبناني من الولايات المتحدة، أن تحث إسرائيل على "ضبط النفس"، أنه لن يكون هناك أي حرب مقبلة.

وشدد على أن "إسرائيل سوف تواصل السياسة التي كشف عنها رئيس أركان جيشها قبل شهرين، التي تستهدف تجفيف منابع حزب الله اللوجستية والقيادية".

وزاد: "لذلك لا أعتقد أنه سوف تكون هناك تداعيات كبيرة، وأظن حكومة نتانياهو لن ترضخ لدعوات اليمين لتوريط إسرائيل وحلفاءها الغربيين، خاصة إذا تدخل (محور المقاومة) بشكل أكبر في الصراع، وهذا أمر لا ترغب فيه الولايات المتحدة".

واتفق، المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، مع ما ورد آنفا، قائلا: "قد تكون هناك ضربات إسرائيلية قوية وشديدة، ولكن مع الحرص على عدم حدوث تصعيد خطير".

وختم بالقول: "ذلك أمر يحرص عليه حزب الله أيضا، خاصة بعدما نفى بشكل قاطع مسؤوليته عما حدث في مجدل شمس".

برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.
برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.

شهدت الأيام القليلة الماضية حدثين مهمين: الأول، تصويت الكونغرس الأميركي على تمديد الميزانية الفيدرالية حتى سبتمبر، وشمل ذلك الانفاق على جميع البرامج الرئيسية مثل الدفاع والضمان الاجتماعي. إضافة الى برامج أخرى منها البث الدولي.

ولكن بعد يوم واحد من التصويت، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلغاء تمويل البث الدولي، وإلغاء تمويل صوت أميركا، وراديو أوربا الحرة، وقناة "الحرة".

وفي خضم هذا الخلاف، يبرز سؤالان: من يتحكم بالإنفاق في نظامنا الدستوري، الكونغرس أم الرئاسة؟

وفي الوقت الذي ينفق فيه أعداء أميركا مئات ملايين الدولارات على الدعاية، هل هذا هو الوقت المناسبة لحكومتنا كي تستسلم في معركة الأفكار؟

لمناقشة دور البث الدولي في معركة الأفكار،  استضاف برنامج "داخل واشنطن" الذي يبث باللغة الإنكليزية على قناة "الحرة"، السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة الشبكة، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، في حوار حول مستقبل قناة "الحرة" وأهمية دورها الحيوي في المشهد الإعلامي العربي.

روبرت ساتلوف: رايان، لماذا لدى الحكومة الأميركية وجود دولي في مجال البث، وجود يمتد منذ الحرب العالمية الثانية؟

رايان كروكر: السبب في وجود البث الحكومي الأميركي هو ذاته الآن كما كان في الأيام العصيبة خلال الحرب العالمية الثانية عندما انطلق آنذاك أول بث لـ "صوت أميركا" من مدينة نيويورك. قيل حينها "سنخبركم بالحقيقة. بعض الأيام ستكون الأخبار عن الحرب جيدة بالنسبة لنا، وبعض الأيام سيئة. لكننا سنخبركم بالحقيقة".

وكانت هذه هي السمة المميزة للبث الممول من الحكومة الأميركية منذ ذلك الحين. وبالتأكيد، كانت هي البداية لشبكات البث في الشرق الأوسط. تم تأسيس قناة "الحرة" عام 2004 لمكافحة التضليل الإعلامي في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية حول الولايات المتحدة وما كانت تفعله.

لذا، نحن لسنا ذراعًا دعائيًا. نحن موجودون لنقول الحقيقة باللغة العربية للجمهور العربي عما يحدث فعليًا في منطقتهم وفي الولايات المتحدة. الأمر بسيط كما هو مهم.

ساتلوف: جيف، أنت رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال. كانت هذه الشبكة نتاج أحداث 11 سبتمبر. عالم ما بعد 11 سبتمبر. كيف حدث ذلك؟ ما هو الهدف الفريد لهذه الشبكة؟

جيفري غدمن: أعتقد أنه من العدل القول إن الهدف قد تطور مع مرور الوقت وتكيف مع المتغيرات. كما قال رايان، هي الشبكة الوحيدة الممولة من قبل الولايات المتحدة والتي تبث باللغة العربية. 

وهي بالطبع تشمل التلفزيون والوسائل الرقمية. تمتد تغطيتها إلى 22 دولة عبر العالم العربي، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ونحن نريد أن نسلط الضوء على القصة الأميركية.

نريد أن يكون لدى مستمعينا، ومشاهدينا، وقرائنا فهماً أفضل لما يحدث في الولايات المتحدة من خلال السياسة في واشنطن. 

نحن أيضًا مهتمون بالديمقراطية والتنمية. ونحن مهتمون بما تفعله دول مثل إيران والصين وروسيا عبر المنطقة. لذا أعتقد أن الشبكة اليوم ما زالت ذات صلة بشكل كبير، ولدينا مواهب رائعة تعمل لدينا.

ساتلوف: هناك العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. الشرق الأوسط ليس خاليًا من محطات التلفزيون والصحف والإذاعات. ما الذي يميز ما نقوم به؟

جيفري غدمن: الأمر صعب وبسيط في ذات الوقت. بمعنى أننا مستقلون صحفيًا، وهذا يحمي نزاهتنا الصحفية ويعزز مصداقيتنا مع الجمهور. ولكننا في ذات الوقت الشبكة الوحيدة التي تتماشى مع الأهداف الواسعة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

رايان كروكر: دعني أتناول هذا من زاوية أخرى. كما كنت أشير سابقًا، من نواحٍ عديدة، بدأت شبكات الشرق الأوسط للإرسال من خلال قناة "الحرة" في العراق. وأنا كنت سفيرا لمدة عامين، من 2007 إلى 2009. وكان العراق يتمتع حينها ببيئة إعلامية حرة للغاية. وأحد الأسئلة التي طرحتها كسفير أميركي كان: هل يمكن لأحد أن يخبرني ما الذي تقدمه هذه القناة ولا تطرحه بقية وسائل الإعلام الحرة المنتشرة في كل مكان؟

وقد عكست إجابة جيف حول تغطية الولايات المتحدة، حيث أن وسائل الاعلام "الحرة" لا تعني بالضرورة أن تكون "مسؤولة" أو "صادقة" أو "دقيقة" أو "موضوعية". 

لكن قناة "الحرة" تمثل كل تلك القيم، هذه القناة أكدت أنها تقول الحقيقة وتقدم الأخبار بدقة. وقد أقنعوني بذلك. ذهبت إلى الأستوديو، وأجريت مقابلة بنفسي، وتعرضت لأسئلة صعبة كسفير أميركي.

وما رأيته هناك هو ما أراه اليوم أيضًا: هذه المؤسسة موجودة لتقديم أعلى مبادئ الصحافة لمنطقة لا تتمتع كثيرًا بتلك المبادئ.

ساتلوف: سيقول النقاد إن هناك توترًا متأصلًا. فالإعلام الممول من الحكومة، بحكم تعريفه، يحتوي على توتر داخلي بين كونه إعلامًا حرًا، وبين من يمولونه، أي الحكومة التي تموله في الأصل. ما هو ردك على هذا الانتقاد؟ جيف؟

غدمن: هناك دائمًا توتر بين الإعلام المستقل والممول. وبالمناسبة، هذا ينطبق أيضًا على التمويل الخاص. 

هل تتذكر في عام 2016 عندما قال رئيس شبكة CBS للأخبار "إن دونالد ترامب قد لا يكون جيدًا للبلاد، لكنه مفيد جدًا لمساهمينا" جميع وسائل الإعلام العربية المستقلة في المنطقة لديها ممولين، حكومات تدعمها.

في حالتنا، الأمر صعب للغاية (خيط دقيق يجب تمريره) ولكن حتى الآن، كنا محظوظين بوجود جدار "Firewall" يحمي استقلاليتنا.

 نحن ممولون من قبل الحكومة الأميركية، ولكننا محميون من التدخلات السياسية. وهذا شيء سحري عندما يعمل بشكل صحيح. وحتى الآن، لقد نجح هذا النظام.

الرئيس التنفيذي لـ MBN: أميركا يجب أن تحافظ على صوتها الوحيد في الشرق الأوسط
في ردٍّ على قرار إلغاء منحة تمويل شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) من قبل الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (USAGM)، صرح الرئيس التنفيذي للشبكة، جيفري غدمن قائلاً: "تعد شبكة الشرق الأوسط للإرسال، التي تشمل قناة الحرة ومنصاتها الرقمية، والتي تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين في المنطقة، الصوت الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

ساتلوف: يمكنني فقط أن أضيف أن هذه هي الحلقة رقم 928 لي، ولم أتلقَ أبدًا، في ما يقارب 21 عامًا، طلبًا أو تعليمات أو انتقادًا أو مطالبات من أي شخص حول ما يقال أو ما لا يقال في هذا العرض. هذا أمر نادر.

غدمن: دعني أضيف أنني كنت رئيسا تنفيذيًا مرتين في "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" والآن أعمل رئيس تنفيذيا منذ 11 شهرًا في "شبكة الشرق الأوسط للإرسال". لم يتم إخباري أبدًا من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو أعضاء الكونغرس بما يجب فعله أو عدم فعله.

كروكر: وكمشاهد لبرنامجك من حين لآخر، روب، دعني أقول إنك قدمت كل وجهات النظر الممكنة من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، وهذا واضح جدًا أن ذلك لم يأت من إدارة هذه المؤسسة.

ساتلوف: ساخذ هذا على إنه إطراء! دعني أسألكما، هناك مهمة لهذه الشبكة، ولكن من ناحية ما، هي أيضًا عمل تجاري. كيف تقيس النجاح عندما تكون مهمتك هي الصحافة الحرة التي تحدثت عنها؟

غدمن: لدينا أدوات، رغم أنها غير كاملة، لقياس النجاح. في الأسبوع الجيد، نصل إلى 30 مليون شخص أو أكثر عبر المنطقة. ثم، بالطبع، من الناحية النوعية، بما أن جمهورنا هو أساسًا، إذا جاز لي القول، صناع القرار والأشخاص المؤثرين وفي الحكومة والإعلام وفي تلك المجالات ذات التأثير الكبير، لذلك لدينا الكثير والكثير من التفاعل والتواصل والشهادات.

إذن لدينا مقاييس كمية ونوعية. ولكن ربما يرغب رايان في إضافة شيء إلى ذلك.

كروكر: أعتقد أن ذلك صحيح تمامًا. كنت في المنطقة قبل أسبوعين فقط. بما في ذلك في العراق، في بغداد، وكنت أشارك في مؤتمر دولي نظمته الحكومة العراقية. وكانت قناة "الحرّة" هناك، مع كاميراتها، ومقابلاتها مع كل شخص مهم شارك في المؤتمر.

وكانت تلك هي القناة المفضلة من قبل المشاركين في المؤتمر للحديث معها. وأعتقد أن ذلك مؤشر واضح على الحضور والمهنية التي تتمتع بها هذه الشبكة.

غدمن: هناك معيار نوعي آخر. فبينما نواجه الآن قضايا تتعلق بتمويلنا، نسمع من "حزب الله" اللبناني، والمليشيات المدعومة من إيران في العراق، يحتفلون بزوال "الحرّة". هذا أيضًا اختبار للسوق، أعتقد.

ساتلوف: إذا توقفت "الحرة" عن البث، ما الذي سيفتقده الناس؟

غدمن: أعتقد أن الناس يقدرون الاستقلالية، كما قال رايان، والسعي وراء الحقيقة. وإذا جاز لي أن أقول بصراحة، نحن منصة نادرة، إن لم نكن الوحيدة، التي تقدم فرصة للسياسيين الإسرائيليين والمسؤولين والمجتمع المدني للتحدث. أعتقد أن ذلك في نظر العديد من جمهورنا يعد أمرًا مثيرًا للجدل ومطلوبًا، ويحظى بشعبية كبيرة مع فضول كبير.

أعتقد أن هذه هي بعض الأشياء التي ستُفقد على الفور.

كروكر: سنفتقد صوتا صادقا وموضوعيا في منطقة مليئة بالأكاذيب والتشويهات وأنصاف الحقائق والتضليل الكامل. 

وكما أشار جيف، عندما أصبح خبر إنهاء تمويل الشبكة، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة. وكانت هناك تغريدات، على سبيل المثال، تقول: "بضربة قلم واحدة، قضى ترامب على صوت التابعين، أولئك الذين يهاجمون إيران، والذين يهاجمون المقاومة الشعبية، والذين يهاجمون الميليشيات الموالية لإيران في العراق".

حسنًا، هذا بالفعل إشادة عالية لعرض موضوعي لمنطقة معقدة جدًا. لذا، عندما يفرح أعداء الولايات المتحدة، فهذا ليس شيئًا ينبغي أن نكون سعيدين بشأنه هنا في الوطن. وهم يفرحون بالإعلانات حول إلغاء التمويل لـ "الحرّة".

ساتلوف: دعني أسألك رايان، أنت واحد من أبرز وأمهر الدبلوماسيين الأميركيين الذين مروا على الشرق الأوسط. لماذا لم توافق على الخروج من التقاعد، كما يمكن القول، لتصبح رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

كروكر: كما قلت سابقًا، روب، كانت لي تجربة مباشرة خلال مسيرتي المهنية مع هذه المؤسسة، ومع قناة "الحرة" على وجه الخصوص. ورأيت عن كثب العمل الاستثنائي الذي كانوا يقومون به في العراق، عندما كنت سفيرًا هناك، من أجل نقل القصة الأميركية، بشكل صادق ودقيق، وأيضًا لنقل أخبار المنطقة، بشكل صادق ودقيق، مع تضمين وجهات نظر لم تقدمها أي وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية أخرى.

كما أشار جيف، قناة "الحرة" هي القناة العربية الوحيدة التي تجري مقابلات بشكل دوري مع الإسرائيليين، وهي منطقة، على الرغم من كراهيتها لإسرائيل على بعض المستويات، إلا أن لديها جوعًا شديدًا لمعرفة الأخبار الدقيقة حول ما يفكر فيه الإسرائيليون؟ ماذا يعتقدون ذلك؟ ونحن نوفر ذلك، بالإضافة إلى تقارير دقيقة أخرى.

لذا، كنت مشككًا في البداية حول دور القناة عندما وصلت إلى بغداد. لكنني كنت داعما قويا للمؤسسة عندما تركت العراق. وعندما أتيحت لي الفرصة للانضمام إلى مجلس إدارة الشبكة قبل عدة سنوات، اغتنمتها فورًا. وكان شرفًا وامتيازًا لي أن أصبح رئيسًا لذلك المجلس في الصيف الماضي.

ساتلوف: حسنًا، جيف، دعني أسألك. لقد أمضيت جزءًا كبيرًا من مسيرتك المهنية في صراع الأفكار، محاربًا ضد الأنظمة الاستبدادية، خاصة ضد الأنظمة في أوروبا الشرقية والكتلة السوفيتية السابقة. لماذا قبلت تحدي الشرق الأوسط بأن تصبح رئيسًا ومديرًا لشبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

غدمن: روب، هناك ثلاث إجابات قصيرة لذلك. الأولى، لقد طورت على مدار سنوات علاقات مودة وإعجاب من خلال تنظيم المؤتمرات والسفر إلى العراق والأردن ومصر والكويت وما إلى ذلك. لذلك، لدي مودة وإعجاب عميقين بالمنطقة. السبب الثاني ببساطة هو أنني أؤمن بالرجال والنساء في هذه المؤسسة، الذين لطالما أعجبت بهم، رجالًا ونساء من أعمق المواهب، والتفاني الكبير، والمعرفة والخبرة.

وأخيرًا، أُتيحت الفرصة لأن رايان كروكر اتصل بي في الربيع الماضي وطلب مني أن أتولى هذا الدور. وعندما يتصل السفير كروكر، يجب أن ترد، وعندما يطلب، يجب أن تقول نعم.

ساتلوف: خصصنا حلقة اليوم من البرنامج للحديث حول تهديدات غلق مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال، كما نعرف أن الكونغرس مرر مؤخرًا قرار الاستمرارية في انفاق الميزانية الفيدرالية على الأقل حتى شهر سبتمبر، هذا التمويل شمل هذه المؤسسة أيضا. لكن في اليوم التالي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستنهي المنحة وأنها لن تقوم فعليًا بتحويل الأموال التي أقرها الكونغرس للحفاظ على عمل الشبكة. بمعنى آخر، قرروا أنهم يريدون إغلاقها. تحدث عن هذا الصراع بين السلطات الدستورية بين الكونغرس والجهات التنفيذية.

كروكر: نعم، هذا هو بالضبط. روب، إنها لحظة فريدة في تاريخ أميركا يجب أن نوليها جميعًا اهتمامًا. تتعلق بسؤال السلطة التنفيذية، وامتيازات السلطة التشريعية، وولاية السلطة القضائية. وجميع هذه الأطراف تلعب دورًا، كما وصفت. بالنسبة لي، نحن نأمل بشدة أن يُسمع صوت فرعنا التشريعي، أي الكونغرس، الذي يخصص الأموال، في هذا الموضوع.

مصلحتهم أيضًا على المحك، وهي مسألة دستورية. لدينا أيضًا السلطة القضائية، ونحن نراقب عن كثب وبدقة لإمكانية تقديم تحدٍ قانوني لهذا. الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية لإيقاف البث، لأننا نرى هذا ليس فقط قضية لقناة الحرة وبقية المؤسسة، ولكن أيضًا مسألة أساسية في القانون الأميركي وتنفيذه.

روبرت ساتلوف: الدكتور جيفري غدمن هو الرئيس والمدير تنفيذي لشبكة الشرق الأوسط للإرسال، الشركة الأم لقناة الحرة. خدم لمدة أربع سنوات كرئيس ومدير تنفيذي لـ "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية"، وهي منظمة إعلامية ممولة من الحكومة الأميركية تبث في منطقة الإعلام الصعبة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.

وكان أيضًا مؤسسًا مشاركًا ورئيس تحرير لمجلة فكرية هامة تسمى "الهدف الأميركي"، ورئيسًا للمركز البحثي المؤثر "معهد ليجاتوم" في لندن، ورئيسًا ومديرًا تنفيذيًا لمعهد آسبن في برلين، ألمانيا.

روبرت ساتلوف: السفير رايان كروكر، هو رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، وعلى مدار مسيرته المهنية التي امتدت لـ37 عامًا، شغل منصب السفير الأميركي في ست دول مختلفة: أفغانستان، العراق، باكستان، سوريا، الكويت ولبنان، حيث مثل بلاده في غالب الأحيان في أوقات الصراع الشديدة ولحظات الخطر البالغة.

تكريمًا لخدمته الاستثنائية، تم منح رايان كروكر ميدالية الحرية في عام 2009، وهي أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. تقاعد من الخدمة الخارجية كسفير مهني، وهو أعلى رتبة في وزارة الخارجية الأميركية. ثم أمضى ست سنوات كعميد لكلية بوش للحكومة والخدمة العامة في جامعة تكساس. ووصفه الرئيس جورج بوش الابن بـ "لورنس العرب الأميركي".

روبرت ساتلوف: أود أن أشكركم. شكرًا لك، الرئيس والمدير التنفيذي جيفري غدمن، شكرًا لك، السفير رايان كروكر، وقبل كل شيء، شكرًا لجميعكم، مشاهدينا عبر الشرق الأوسط الذين كنتم داعمين مخلصين ومتابعين لهذا البرنامج وكل ما قامت به قناة الحرة. نحن لم نغادر. سنعود. ولكن شكرًا لكم.