بوتين ومودي وتشي
بوتين ومودي وتشي

سلط انسحاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن السباق الرئاسي في نوفمبر المقبل، الضوء على عدد من زعماء العالم المسنين، كما حفز ناشطين وسياسيين في عدد من البلدان لمطالبة رؤساء دولهم بالتنحي لصالح الأجيال الجديدة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وكان بايدن أعلن، في 21 يوليو، انسحابه من السباق الرئاسي قبل أقل من 4 أشهر على الانتخابات، وبعد أسابيع على الشكوك التي أحاطت بوضعه الجسدي والذهني.

وقال بايدن، البالغ من العمر 81 عاما، في بيان نشره على منصة "إكس"، "لقد كان أعظم شرف في حياتي أن أخدمكم كرئيس".

وأضاف: "أعتقد أنه من مصلحة حزبي وبلدي أن انسحب وأن أركز فقط على مهامي رئيسا إلى حين انتهاء ولايتي".

وفي الكاميرون بوسط أفريقيا، أظهر كثيرون رغبة واضحة في أن يمضي رئيس بلادهم، بول بيا، البالغ من العمر 91 عاما، في ذات المسار الذي مضى إليه بايدن، وأن يفسح المجال أمام الشباب.

ونقلت الصحيفة عن المدافع عن حقوق الإنسان في الكاميرون، لوكونغ كيفن، قوله: "سيبذل الرئيس بيا، الذي يتولى السلطة منذ 42 عاماً قصارى جهده للبقاء في المنصب".

والرئيس الكاميروني بيا، أحد عشرات القادة المسنين في العالم، إذ يبلغ عمر كل من الرئيسين الصيني، شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، 71 عاما، بينما يبلغ عمر رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي 73 عاما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو 74 عاما، في حين يبلغ عمر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، 88 عاما.

وفي أفريقيا، تبدو أعمار الزعماء أكبر مقارنة مع آخرين، إذ تضم 11 من أكبر 20 زعيما في العالم.

ويبلغ عمر كل من رئيس كوت ديفوار، الحسن واتارا، ورئيس غينيا الاستوائية، تيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو، 82 عاماً. بينما يبلغ عمر رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، 81 عاما.

وفي حالة لافتة، تولى نانغولو مبومبا، رئيس ناميبيا، البالغ من العمر 82 عاماً، منصبه في فبراير الماضي، بعد وفاة الرئيس الذي كان يبلغ أيضاً من العمر 82 عاماً.

وقال مستشار مؤسسة دعم الإعلام الدولي في زيمبابوي، رشويت موكوندو، إن "بايدن أظهر نضجا سياسيا من خلال خروجه من السباق الانتخابي، وهذا المستوى من النضج السياسي لا نراه في أفريقيا".

وأظهر بحث أجراه مركز بيو الأميركي، أن البلدان الأقل حرية لديها قادة أكبر سنا، مشيرا إلى أن بايدن يعد عاشر أكبر زعيم سنا في العالم.

وأشار المركز إلى أنه من بين التسعة الآخرين، هناك رئيس واحد فقط يقود دولة مصنفة على أنها "حرة" من قبل مؤسسة فريدوم هاوس البحثية، هو الرئيس الناميبي، مبومبا.

وقال المحلل السياسي الناميبي، راكيل أندرياس، إن بعض الناميبيين يضغطون منذ فترة طويلة من أجل قادة أصغر سناً، منوها إلى أن انسحاب بايدن أدى إلى تكثيف النقد للقادة المسنين.

وبحسب الصحيفة الأميركية، عندما كان رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي يغفو أثناء الاجتماعات، ادعى مساعدوه أن الأمر لا علاقه له بتقدمه في العمر، وأنه "يريح عينيه".

وقال الرئيس النيجيري السابق، محمد بخاري، الذي ترك منصبه العام الماضي، عن عمر يناهز 80 عاما، إن العمل لمدة 6 ساعات يوميا ليس مزحة.

وعلى النقيض من ذلك، تصدر رئيس أوغندا، يوري موسيفيني، البالغ من العمر 79 عاما، عناوين الأخبار عندما نشر مقاطع فيديو أثناء ممارسته تمارينه الروتينية خلال جائحة كورونا.

وفي المقابل، قال إلفيس نغول، وهو عضو بارز في حزب الرئيس الكاميروني، إن هناك "تبجيلا كبيرا لكبار السن لما يملكونه من خبرات"، مشيرا إلى أن "الثقافات السياسية تختلف من بلد إلى آخر".

ومع ذلك، صعد عدد من الرؤساء الأصغر سناً إلى السلطة في بعض الدول الأفريقية، لكن أغلبهم استولى على السلطة بالقوة، مثل زعيم مالي، آسيمي غويتا، البالغ من العمر 41 عاما، وزعيم غينيا، مامادي دومبويا، البالغ من العمر 44 عاما، ورئيس بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، الذي أصبح أصغر رئيس في العالم بعمر 36 عاما.

وصعد محمد ديبي البالغ من العمر 40 عاماً، إلى رأس السلطة في تشاد، وهو نجل الزعيم إدريس ديبي الذي حكم البلاد لفترة طويلة قبل مقتله في ساحة المعركة.

أما السنغالي باسيرو ديوماي فاي، البالغ من العمر 44 عامًا، فقد انتقل من زنزانة السجن إلى الرئاسة، بعد فوزه في الانتخابات، وسط ترحيب من الشباب في مناطق متعددة بأفريقيا.

وبرأي الصحيفة الأميركية، فقد أعطى انسحاب بايدن من السباق الرئاسي مزيدا من الأمل للشباب الأفريقي، على الرغم من أن الأمل في التغيير ضعيف على أرض الواقع.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟