اغتيال هنية يمثل رسائل مخيفة للنظام في طهران
هنية اغتيل في مقر إقامته بطهران

"هل يمكن أن يكون الإيرانيون متورطين بمقتل هنية؟" سؤال طرحه تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي"، في إشارة إلى انخراط أفراد من الشعب بالمساعدة في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بالعاصمة طهران.

التحليل الذي أعدته، كايلي مور-غيلبرت، وهي باحثة بقسم الدراسات الأمنية بجامعة ماكواري في أستراليا، يلمح إلى أن "اغتيال هنية يشير إلى الاستياء الشعبي من النظام في طهران".

اغتيال هنية لم يكن مفاجئا، إذ حاولت إسرائيل استهدافه أكثر من مرة، ولكنها تلك المحاولات تزايدت بعد هجوم السابع من أكتوبر الماضي، بعد أن أكد الإسرائيليون أن قيادات حماس "موتى يسيرون".

وتواجه المنطقة خطر اتساع دائرة الصراع بين إسرائيل وإيران وحلفائها بعد اغتيال هنية في طهران، الأربعاء، ومقتل فؤاد شكر القائد العسكري الكبير في جماعة حزب الله اللبنانية، الثلاثاء، جراء ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.

مقتل هنية لن يؤثر بشكل أساسي على مجريات الحرب في غزة، حيث إنه يقيم في قطر، ولكن اغتياله سيؤدي إلى "انتكاسة" في جولة محادثات وقف إطلاق النار، ما يزيد من تقويض الآمال بإطلاق سراح الرهائن، وهي نتيجة ربما تكون في غير موضع ترحيب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي تطاله اتهامات بعرقلة المفاوضات، وهو ما ينفيه دائما، بينما يهدد ائتلاف اليميني بالانسحاب من حكومته إذا تم الاتفاق.

واتهمت إيران وحماس إسرائيل بتنفيذ الضربة التي قتلت هنية بعد ساعات من حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

لكن مسؤولي إسرائيل لم يتبنوا الهجوم الذي فجر تهديدات بالثأر من إسرائيل وفاقم المخاوف من أن تتحول الحرب في غزة إلى صراع شامل في الشرق الأوسط.

قيادات حماس على رأس المطلوبين لدى الجيش الإسرائيلي
سياسة "الاغتيالات الإسرائيلية".. في ميزان المكاسب والمخاطر
على مدار عقود نفذت إسرائيل وواجهت اتهامات بالوقوف وراء عمليات اغتيال لقيادات الحركات الفلسطينية المسلحة أو الدول المعادية لها خلال فترات زمنية مختلفة، وكان آخرها مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بالعاصمة الإيرانية طهران.

وقال مصدران طلبا عدم الكشف عن هويتهما لحساسية الأمر لوكالة رويترز إن ممثلين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكذلك حركة الحوثي اليمنية وجماعة حزب الله اللبنانية وفصائل مسلحة عراقية سيحضرون اجتماعا في طهران، حيث سيجرى تقييما كاملا لإيجاد أفضل وأكثر الطرق فاعلية للرد على "إسرائيل".

ويلفت التحليل إلى أنه "من غير المفهوم أن غارة جوية انطلقت من خارج حدود إيران، كان من الممكن أن تتم من دون أن يتم اكتشافها في يوم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان".

وحضر هنية وزعيم حركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، بالإضافة إلى ممثلين كبار من حركة الحوثي اليمنية المتحالفة مع طهران وحزب الله، حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد في طهران الثلاثاء.

ولهذا "توقيت ومكان" اغتيال هنية تشكل إحراجا كبيرا لطهران، وتعطي رسالة مفادها أنه لا أحد في البلاد آمن، وهذا ما قد يعني "من شبه المؤكد أنه كان هناك مساعدة من إيرانيين داخل إيران".

ويبدو أن وجهة النظر الرسمية الإيرانية لا تعكس رأي كل المواطنين، إذ يوجد "تنامي للدعم الإيراني الشعبي لإسرائيل"، وحتى خلال الضربات الإسرائيلية على إيران في منتصف أبريل الماضي، رحب إيرانيون بالهجمات، مما دفع بطهران إصدار تحذير يهدد باعتقال أي شخص يقبض عليه وهو يدافع أو يدعم إسرائيل.

وأطلقت إيران وابلا من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل في 13 أبريل ردا على الضربة التي يعتقد أن إسرائيل نفذتها على مجمع قنصليتها بدمشق في الأول من أبريل، لكن جرى إسقاط كل الصواريخ والطائرات المسيرة تقريبا قبل أن تصل لأهدافها.

ويرجح التحليل أن تنامي الدعم لإسرائيل داخل إيران ليس حبا فيها بقدر ما هو تعبير عن الرفض و"الاشمئزاز" من النظام في طهران الذي يحكم البلاد منذ عام 1979.

وما حصل من اغتيال لهنية، ربما يعني أن "الاستبداد الوحشي" في إيران يشكل "تهديدا لأمنها الداخلي"، وأن القمع الذي مارسته السلطات أوجد جيلا جديدا من الإيرانيين "الذين قد تغريهم حوافز نقدية أو وعود بالإقامة خارج البلاد" للتعاون مع جهات من الخارج ضد النظام.

واستشهد التحليل بحوادث سابقة مثل الاستهداف الغامض للعقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، في 2020، إضافة إلى مقتل 6 علماء نوويين، علاوة على 7 مسؤولين يعملون بمجال الصواريخ والطائرات المسيرة، ناهيك عن انفجارات وقعت في منشآت نووية خلال السنوات الماضية، والتسريب لوثائق البرنامج النووي الإيراني، وكلها تؤكد وجود شبكات محلية.

ويبعث اغتيال هنية برسالة "مخيفة" على ما وصف التحليل موجهة للنظام الإيراني "حول مدى استعداد مواطنين للمخاطرة بالسجن والتعذيب وحتى الإعدام في سبيل مساعدة إسرائيل".

القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز
القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز

المواجهات التي اندلعت في اليومين الماضيين على حدود سوريا ولبنان، ليست الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد بل هي الثانية والأشد أيضا من حيث الخسائر التي خلفتها، وعلى مستوى نوعية السلاح الذي استخدمها الطرفان.

والاشتباكات بين قوات الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من حزب الله، ينشطون في عدة مواقع وقرى وبلدات حدودية، انتهت باتفاق بنص مقتضب بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية.

ورغم أن الاتفاق كان كفيلا بإيقاف الصواريخ والقذائف التي أطلقت من الجانب السوري باتجاه اللبناني وبالعكس، وتخفيف حدة التوتر التي عكستها تحركات وحشود القوات على الأرض، فإنه لا يمكن اعتباره "حلا شاملا ومستداما"، كما يقول خبراء ومراقبون.

لماذا قد لا يكون الاتفاق "حلا شاملا ومستداما"؟ لأن الأسباب التي تقف وراء اندلاع المواجهات للمرة الثانية على التوالي بعد سقوط الأسد لما هو أبعد من "حادثة اختطاف" أسفرت عن مقتل 3 جنود سوريين، واتهم "حزب الله" بالوقوف ورائها.

على العكس ترتبط الأسباب بالنوايا المرتبطة بفرض حالة من "الاستنزاف" على الأرض، كما يقول الباحث السوري، نوار شعبان، وبـ3 عوامل أشار إليها الخبير الاستراتيجي اللبناني، ناجي ملاعب، في حديثه لموقع "الحرة".

"عوامل واستنزاف"

ويعتقد شعبان، وهو باحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، أن "حزب الله" يحاول استنزاف قوات الإدارة السورية على طول الحدود السورية-اللبنانية، وهو الأمر الذي ينطبق على المواجهات الجديدة والتي سبقتها، في شهر فبراير.

كما تحاول الجماعة اللبنانية "جر وزارة الدفاع السورية إلى معارك مفتوحة"، بحسب حديث شعبان، في مسعى لاستنزافها واستغلالا من "حزب الله" للجبهات الأخرى المفتوحة ضد قوات إدارة أحمد الشرع. كالساحل مثلا.

ومن جهته، يشير الخبير الاستراتيجي اللبناني ملاعب إلى أنه لا يمكن فصل جولة المواجهات الجديدة بين القوات السورية و"حزب الله" عن التوقيت الذي جاءت فيه والمكان والسياق العام.

وأوضح لموقع "الحرة" أن "الإدارة السورية لاتزال تنظر إلى وجود السلاح بيد حزب الله على الحدود كعبء كبير يقتضي معالجته".

مسعى الإدارة السورية لمعالجة قضية سلاح الحزب الموجود على الحدود يأتي من منطلق المخاوف والمؤشرات التي تدلل على ضلوع الجماعة اللبنانية بما تشهده سوريا الداخلية من أحداث.

وكانت آخر هذه الأحداث عمليات التمرد التي جرت في مناطق عديدة بالساحل، فيما ردت عليها القوات السورية بحملة عسكرية تخللتها عمليات قتل ميداني استهدفت أفرد المكون العلوي.

ومن جانب آخر، لا يستبعد الخبير ملاعب أن تكون الجولة الجديدة من المواجهات مرتبطة بخصوصية المكان الذي جرت فيه وما قد يحتويه.

ويتابع حديثه: "لا يزال حزب الله يحتفظ بأسلحته في المكان الذي جرت فيه المواجهة".

وبالإضافة إلى ذلك لا يزال يعول ويتمسك بخطوط التهريب التي يعبر الحدود السورية-اللبنانية، منذ عقود، بحسب الخبير الاستراتيجي.

ماذا بعد؟

ويبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 300 كيلومتر. وكانت هذه الحدود في عهد نظام الأسد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك، خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها ما تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على المعابر غير الشرعية من جهة، بينما تقوم من جهة أخرى على عمل العصابات التي استخدمها "حزب الله" كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس "الاقتصاد الموازي" المرتبط به.

وقالت وزارة الدفاع اللبنانية، في بيان الاثنين، إن وزير الدفاع الوطني، ميشال منسى، أجرى اتصالا بنظيره السوري، مرهف أبو قصرة، وبحثا التطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية- السورية.

وأضاف البيان أنه جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين على أن يستمر التواصل بين مديرية في الجيش اللبناني، والمخابرات السورية.

ومن جهته، أكد المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع السورية اتفاق الجانبين على وقف إطلاق النار على الحدود، وتعزيز التنسيق والتعاون بينهما، بحسب ما نقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).

وكانت القوات السورية خاضت مواجهات حدودية مع "حزب الله"، في فبراير الماضي.

وبعد اشتباكات استمرت لأيام، حينها، وتركزت جهة مدينة القصير بريف حمص وسط البلاد،أعلنت وزارة الدفاع في دمشق أنها تمكنت من تأمين الحدود.

وأكد مدير التوجيه في الجيش اللبناني، العميد حسين غدار، في تلك الفترة لموقع "الحرة"، أن التنسيق بين الجيش اللبناني وهيئة الأركان السورية قائم لضبط الحدود "من خلال مكتب التعاون والتنسيق بين البلدين".

وقال غدار، إن "الجيش اللبناني يضبط الحدود ضمن الإمكانات المتوفرة لديه، وقد اتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك".

ويعتقد الخبير ملاعب أنه يوجد توجه رسمي على كافة المستويات في لبنان "يشدد على حصرية السلاح بالدولة اللبنانية. وكذلك الأمر بالنسبة لخيار السلم والحرب".

ويضيف: "وبالتالي انتقلنا من حالة الجيش اللبناني الذي كان يتماهى مع أعمال حزب الله في سوريا إلى الجيش الذي عاد إلى دوره الصحيح".

وفي حال لم تشهد المرحلة المقبلة دورا حقيقيا للجيش اللبناني ستكون نتائج أي مواجهة فردية على الحدود مع سوريا "كارثية"، وفق الخبير.

ولا تمتلك وزارة الدفاع السورية أي رفاهية لفتح أكثر من جبهة الآن، كما يقول الباحث السوري، شعبان.

وبينما يؤكد على ضرورة أن يتم التعاطي السوري مع هكذا نوع من أحداث "بمنطق الدولة" لا يستبعد الباحث أن يواصل "حزب الله" القيام بهجمات مماثلة، في مسعى منه لاستنزاف قوات الإدارة السورية في دمشق وولكي يحدث "بلبلة إعلامية" تعود عليها بالسلب.