السنوار في الوسط وعلى يمينه هنية الذي قتل في طهران
السنوار في الوسط وعلى يمينه هنية الذي قتل في طهران

"كل شيء يبدأ وينتهي مع يحيى السنوار"، هذا ما قاله  الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ، في مارس الماضي بشأن الرجل الذي اختارته الحركة الثلاثاء لخلافة زعيمها إسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران الأسبوع الماضي.

واعتبر هرتسوغ أن العثور على السنوار، الذي كان في منصب زعيم الحركة في غزة قبل أن يخلف هنية، هو السبيل للإفراج عن الرهائن المختطفين في القطاع، مشددا حينها على أن "الحرب يجب أن تستمر"، وذلك بعد يوم من تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وخلال الأشهر الماضية، ادعى الجيش الإسرائيلي مرارا وتكرارا بأنه يقترب من السنوار، لكن المطلوب الأول في إسرائيل، الملقب بـ"الرجل الحي الميت" يواصل النجاة من محاولات اعتقاله أو تصفيته، مما يحرم إسرائيل من نصر معنوي تسعى إليه منذ بدء الحرب قبل عشرة أشهر. 

وبعد أقل من أسبوعين من هجوم السابع من أكتوبر، وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيشت السنوار بأنه "ميت يمشي على الأرض" في إشارة إلى أن إسرائيل مصرة على قتله.

وتتهم إسرائيل السنوار، زعيم حركة حماس في غزة إلى جانب محمد الضيف قائد هيئة أركان كتائب القسام، بالوقوف خلف هجوم السابع من أكتوبر على غلاف غزة، حيث يعتقد أنه لا يزال مختبئا في شبكة الأنفاق التي حفرتها الحركة على طول القطاع وعرضه.

وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الخميس الماضي أن الضيف قتل خلال عملية مشتركة بين الجيش وجهاز الأمن "الشاباك" في 13 يوليو الماضي عندما "أغارت طائرات حربية على منطقة خان يونس في قطاع غزة"، موضحا أنه جرى الآن التأكد "استخباراتيا أن الغارة أسفرت عن تصفية المدعو محمد الضيف، قائد الجناح العسكري والرقم اثنين لدى منظمة حماس الإرهابية".

وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد كشف في مقابلة بثتها شبكة "سي إن إن" الأميركية، في مايو الماضي، أنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعد وقت قصير من هجوم السابع من أكتوبر، أن بلاده ستساعد إسرائيل على الإيقاع بزعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، لافتا إلى أنه حذره من تورط إسرائيل في قطاع غزة، مقارنا ذلك بما حدث مع الولايات المتحدة في أفغانستان.

وقال بايدن: "قلت لبيبي (نتانياهو): لا ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبناه في أميركا، أردنا الوصول إلى (زعيم القاعدة القتيل أسامة) بن لادن، سنساعدك في الوصول إلى السنوار".

فمن هو السنوار الذي حيّر إسرائيل؟

خلال عقدين من الزمن عندما كان السنوار معتقلا في السجون الإسرائيلية. تعلم استخدام اللغة العبرية بطلاقة، وكان يتابع بنهم الصحف والقنوات الإسرائيلية المحلية.

وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن أكبر قادة حماس في غزة يستخدم الآن هذه المعرفة في الحرب مع إسرائيل.

يعتقد الضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية مايكل ميلشتاين، أن الضيف هو من نفذ خطة الهجوم، ولكن العقل الحقيقي، والعقل المدبر كان في الأساس يحيى السنوار".

ويضيف أنه "يفهم حقا كيف سيتصرف الإسرائيليون، وكيف يفكرون، وكيف سيردون".

بصفته زعيما لحماس في غزة، يعد السنوار جزءا من هيكل قيادة حماس المعقد والسري الذي يضم جناحها العسكري وذراعها السياسي.

في المجمل، هناك ما يقرب من 15 شخصا في القيادة السياسية العليا، والتي تحدد اتجاه حماس من خلال الإجماع، وفقا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

انتخب السنوار قائدا في غزة في عام 2017، خلفا لإسماعيل هنية، الذي تولى بدوره منصب رئيس القيادة العامة للحركة في العام ذاته.

وتقول الصحيفة إن هذا كان مؤشرا على التحول الأكثر تشددا الذي اتخذته حركة حماس.

ويعتبر مسؤولو الأمن الإسرائيليون السنوار أحد الأعضاء الأكثر تشددا في حماس وحلقة وصل بين القيادة السياسية والجناح العسكري، المتمثل بكتائب عز الدين القسام، بقيادة الضيف.

لم يظهر الضيف علنا منذ سنوات، لكنه أصدر بيانا مع وقوع هجمات السابع من أكتوبر، فيما ظل السنوار صامتا منذ شن الهجوم.

يقول أكرم عطا الله، وهو صحفي فلسطيني من غزة التقى السنوار عدة مرات، إن الهجوم على إسرائيل يشير إلى أن الحركة تستخدم أساليب أكثر عنفا لبناء نفوذ محتمل لأي مفاوضات مستقبلية.

ولد السنوار في أوائل الستينيات في مخيم للاجئين في قطاع غزة، وأصبح ناشطا طلابيا وكان قريبا من مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين.

وعندما تحولت حماس من حركة إسلامية إلى جماعة مسلحة في أواخر الثمانينيات، ساعد السنوار في تشكيل جناحها العسكري، وفقا لمسؤولين إسرائيليين.

وتنقل "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين في حماس القول إن السنوار ساعد كذلك في إنشاء وحدة أمن داخلي مهمتها مطاردة المخبرين.

20 عاما في السجن

في عام 1988، اعتقل السنوار وأدين فيما بعد بقتل جنود إسرائيليين وحكم عليه بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة.

في السجن، أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس المسجونين، كما أمضى ساعات في التحدث مع الإسرائيليين، وتعلم ثقافتهم و"كان مدمنا على القنوات الإسرائيلية"، كما يؤكد مسؤول كبير سابق في خدمة السجون الإسرائيلية للصحيفة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن طبيب الأسنان الإسرائيلي، يوفال بيتون، الذي قدم مساعدة طبية للسنوار عندما كان في السجن، حيث كان يعاني من مرض دماغي غامض، كاد أن ينهي حايته، "لكننا سارعنا إلى نقله إلى المستشفى حيث أُجريت له عملية عاجلة".

ويقول الطبيب الإسرائيلي إنه كان يبلغ من العمر 37 عاما، وكان يدير عيادة الأسنان في مجمع سجون بئر السبع، في صحراء النقب بجنوب إسرائيل، حينما أنقذ حياة السنوار.

وأضاف قائلا: "عندما خرجت من مقابلة بعض المرضى في أوائل عام 2004، وجدت العديد من زملائي مرتبكين بشكل واضح، وهم يحيطون بالسنوار، الذي كان يشكو من ألم في رقبته".

ويوضح بيتون أنه أبلغ زملاءه أن السنوار يعاني من مشكلة في دماغه، ويجب نقله إلى المستشفى، على وجه السرعة، وبالفعل جرى نقله إلى مركز سوروكا الطبي القريب، وأجريت له عملية جراحية طارئة لإزالة ورم في المخ.

ويشير الطبيب الإسرائيلي إلى أن السنوار شكره على الخدمة الطبية التي قدمها له، وقال له إنه "ممتن له بحياته".

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، وثق بيتون علاقة بالسنوار، إذ أمضى مئات الساعات كطبيب أسنان، وبعد ذلك ضابط استخبارات كبير في مصلحة السجون الإسرائيلية، ما مكنه من التحدث إليه وتحليل شخصيته.

ويوضح الطبيب أنه سأل السنوار ذات مرة عن مقترح حل الدولتين، فرفض الفكرة قائلا إن "فلسطين أرض المسلمين، ولا نستطيع التنازل عنها".

إسرائيل اعتقلت السنوار في عام 1988- أرشيف
"أنقذ حياته" قبل 20 عاما.. طبيب إسرائيلي يكشف جوانب من شخصية السنوار
كشف طبيب إسرائيلي معلومات جديدة عن حياة قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، حينما كان سجينا في إسرائيل، مشيرا إلى أنه أسهم في إنقاذ حياة السنوار بعد إصابته بمرض دماغي كاد أن ينهي حياته، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأميركية

بعد اختطاف حماس للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، تم وضع السنوار في الاعتبار في المفاوضات بين إسرائيل وحماس التي أدت لاحقًا إلى إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيًا مقابل إطلاق سراح الجندي.

صعود سريع

بعد إطلاق سراحه، صعد السنوار بسرعة في صفوف حماس، حيث اختير لقيادة الحركة في غزة في عام 2017.

ومنذ بدء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، بشأن الهدنة أو وقف إطلاق النار، بوساطة قطرية ومصرية، بدا أن السنوار هو من يتحكم بمسارها، ويمتلك الكلمة الأخيرة في ما يتعلق بمصير الرهائن الإسرائيليين المختطفين في غزة.

السنوار.. جدل وتساؤلات عدة
"انقطع وعاد للاتصال".. السنوار يعقّد "مفاوضات الهدنة" بين حماس وإسرائيل
سلطت تقارير غربية وإسرائيلية خلال الساعات الماضية الضوء على زعيم حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، وكيف أن سلوكه بات يحكم "مفاوضات الهدنة" التي وصلت إلى مراحل متقدمة، دون أن تصل حتى الآن إلى وضع اللمسات الأخيرة لعملية التنفيذ والإعلان الرسمي. 

كما يعتقد مسؤولو دفاع إسرائيليون، حسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" في نوفمبر الماضي، أن "قيادة حماس الخارجية لا تتمتع بنفوذ كبير" قياسا بنفوذ السنوار.

وأشار الوسطاء إلى أن هدف السنوار على المدى الطويل هو رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء الضغط العسكري الإسرائيلي على حماس، وضمان بقاء الحركة.

وجعلت إسرائيل من القضاء على السنوار عنصرا أساسيا في هدفها المتمثل في تدمير حماس.

وفي شهر فبراير، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات قال إنها للسنوار وهو يسير عبر نفق مع العديد من أفراد أسرته، وهي المرة الأولى التي شوهد فيها على ما يبدو منذ اختبائه قبل هجوم السابع من أكتوبر.

ونقلت شبكة "سي أن أن" قبل اغتيال هنية أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، قال خلال تجمع مغلق عقد في يوليو الماضي بولاية أيداهو الأميركية إن "السنوار ليس قلقا بشأن وفاته"، لكنه يواجه ضغوطا لقبول اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب مع إسرائيل.

لكن يبدو أن اغتيال هنية قد غير من موقف الحركة بكاملها بدليل اختياره على رأس المكتب السياسي. 

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، الذي يريد تعبئة سيارته، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".