هل لايزال ممكنا.. كيف يرى إسرائيليون وفلسطينيون "حل الدولتين" الآن؟
الحرة / ترجمات - واشنطن
19 أغسطس 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
سلطت حرب غزة الضوء مجددا على حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لايزال العديد من الدول تنظر إليه باعتباره الطريق إلى السلام، رغم توقف عملية التفاوض منذ أكثر من 10 سنوات.
وبعد أكثر من 10 أشهر على حرب غزة، ترى العديد من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة، أنه لا توجد طريقة للحل سوى إقامة دولة فلسطينية، لكن هذه الحرب تسببت "في أكبر انتكاسة منذ عقود لفرص السلام" وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال استعرض آراء من الجانبين بشان فكرة حل الدولتين.
وكان حل الدولتين الأساس لعملية السلام التي تدعمها الولايات المتحدة، التي بدأت باتفاقيات أوسلو عام 1993، التي وقعها ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، وفق رويترز.
وأكدت الاتفاقيات اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء السلطة الفلسطينية.
وكان الفلسطينيون يأملون أن تكون هذه خطوة نحو دولة مستقلة، والقدس الشرقية عاصمة لها.
لكن العملية السلام قوبلت بالعراقيل من كلا الجانبين.
من جانبها، نفذت حماس هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل العشرات من الإسرائيليين. ويدعو ميثاق الحركة المصنفة إرهابية لعام 1988 إلى زوال إسرائيل، رغم أنها قالت في السنوات الأخيرة إنها ستقبل دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وفي عام 2000، جمع الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، في كامب ديفيد للتوصل إلى اتفاق، لكن الجهود باءت بالفشل.
وتصاعد الصراع مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في الفترة بين 2000-2005. وسعت الإدارات الأميركية إلى إحياء عملية السلام دون جدوى، وانهارت المحاولة الأخيرة في عام 2014.
وتقول وول سترت جورنال إن "الطريق إلى حل الصراع في الشرق الأوسط واضح (للجميع) باستثناء الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد أدى العنف والاستيطان إلى تدمير الدعم الواسع لحل الدولتين".
ورغم أن أغلب دول العالم اتفقت على أن حل الدولتين هو الأنسب للصراع، فإن "المشكلة هي أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعودوا يؤمنوا بهذا الحل"، فقد أكد الهجوم الوحشي لحماس في السابع من أكتوبر الذي اسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، والرد الإسرائيلي المدمر، الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل أن "كل طرف لا يبالي بحياة الطرف الآخر".
ويقول خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية: "في الوقت الحالي، لا يعتقد الإسرائيليون والفلسطينيون أن الجانب الآخر بشر. وهذا ليس من سمات العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية الدائمة، ولكن هذا هو الوضع الذي نحن فيه الآن".
وتظهر استطلاعات أن دعم حل الدولتين كان يتضاءل منذ أكثر من عقد من الزمان.
وفي حين أظهرت استطلاعات الرأي من أواخر تسعينيات القرن العشرين، وحتى عام 2010، أن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين والفلسطينيين تؤيد حل الدولتين، فقد كان هذا التأييد في تراجع منذ ذلك الحين.
والآن لا يؤمن سوى 32 في المئة من الفلسطينيين بهذ الحل، وفقا لاستطلاع أجراه "مركز بيو للأبحاث" في يونيو. وبالنسبة للإسرائيليين، يؤيد هذا الحل 19 في المئة فقط، وفقا لاستطلاع أجراه المركز ذاته في مايو، تراجعا من 32 في المئة، قبل وقت قصير من السابع من أكتوبر.
بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، أدى هجوم حماس إلى تعميق الخوف من وقوع الدولة الفلسطينية تحت سيطرة المتشددين، وتحولها إلى منصة للإرهاب.
وقال غادي تاوب، المؤرخ في الجامعة العبرية في القدس، المعلق السياسي: "لقد أظهر هذا الجيل من الفلسطينيين وجهه. نحن نعرف ما هي نواياهم، لأنهم احتفلوا بالسابع من أكتوبر".
ونشأ تاوب لعائلة من نشطاء السلام، ودعم بقوة اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، لكنه أصيب بخيبة أمل بشأن إمكانية السلام بعد فشل الاتفاقيات واندلاع العنف.
وقال تاوب إن إسرائيل لديها الآن خيار واحد فقط هو "الاحتلال".
وتُظهِر استطلاعات المركز الفلسطيني أن دعم الفلسطينيين لحل الدولتين قد انخفض، منذ عام 2010 بالتزامن مع الاعتقاد المتزايد بأنه لم يعد قابلا للتطبيق.
وقال الشقاقي إن توسع المستوطنات الإسرائيلية وزيادة تأييد المستوطنين في السياسة الإسرائيلية جعل من الصعب على الفلسطينيين رؤية أي مجال للتسوية، كما ارتفع الدعم للعمل المسلح ضد إسرائيل.
فريد بواكنة، وهو كهربائي هادئ الصوت يعيش في مخيم جنين، حيث قُتل والده، برصاصة أطلقها جندي إسرائيلي على عتبة منزله بينما كان يحاول مساعدة رجل جريح في الشارع، قال: "إنه مخيم اللاجئين الوحيد حيث يمكن للناس رؤية أرضهم. ربما يستعيدها أحفاد أحفادنا".
ولا يرى بواكنة سوى حلين للصراع: "إما أن نموت ويعيشوا، أو نعيش ويموتوا".
وتظهر الجداريات في المخيم أطفالا يحملون مفتاحا كبيرا، رمز لحلم العودة. ويلعب مراهقون ببنادق لعب في شوارع ضيقة مليئة بثقوب حقيقية حدثت من جراء تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والمسلحين. وتخلد ملصقات ذكرى قتلى سقطوا، مؤخراً، وهم يحملون بنادق آلية، بعضهم من الصبية الصغار.
أما الشاب محمد عامر، فقال إنه إذا وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، فإنه سيدعم السلام بكل إخلاص. وقال: "المشكلة ليست فيما أريده. بل فيما ستقدمه إسرائيل. لن يعطونا حدود عام 1967. ولن يعطونا حتى حدود جنين".
وفي جنين، بؤرة الانتفاضة في السنوات السابقة، يتذكر حويل أن الشباب وضعوا أغصان الزيتون على سيارات "جيب" تابعة للجيش الإسرائيلي مع بدء عملية السلام السابقة. ويقول: "كنا نتوق إلى السلام. أردنا حياة طبيعية مثل أي شخص".
أما تاوب فيتذكر العمليات الانتحارية التي نفذها مسلحو حماس وغيرهم من المسلحين المعارضين لأوسلو، التي أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين الإسرائيليين.
وفي المقابل، استهدف المتشددون اليهود أيضا مؤيدي السلام: قتل مستوطن من أقصى اليمين النار على 29 فلسطينيا بمسجد في الخليل، وأطلق قومي متشدد النار على رابين في مسيرة من أجل السلام في تل أبيب.
ويقول تاوب: "كان لدينا سرد جاهز لهذا. لقد قلنا إن أعداء السلام هم المتشددون على الجانبين، ولابد أن نتحلى بالشجاعة ونعبر هذه المنطقة الصعبة".
ولكن تاوب لا يستطع أن يرى أي شريك فلسطيني ليس عنيفا. ويقول: "أدركت تدريجيا أنني أقول أشياء لم تعد صحيحة".
ويقول حويل: "رأى عرفات في هذه العملية فرصة سياسية، وشيئا من شأنه أن يقودنا إلى دولة. ولكن إسرائيل نظرت إليها باعتبارها ترتيبا أمنيا".
وبدأت السلطة الفلسطينية تبدو للبعض كأنها الشريك الأصغر لإسرائيل في إدارة الاحتلال. وتصور العديد من الفلسطينيين أن المسؤولين الجدد يهتمون بوضعهم الشخصي وميزانياتهم وسياراتهم الفاخرة أكثر من اهتمامهم بالتحرر الوطني.
وفي الوقت ذاته، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية خلال سنوات أوسلو.
ويقول عامي أيالون، رئيس جهاز "الشاباك" الٍأسبق إن التوسع الاستيطاني أدى إلى "جلب المزيد من الجنود، وحواجز الطرق، ونقاط التفتيش، والإذلال اليومي للفلسطينيين". ويضيف: "ما أرادوه إنهاء الاحتلال. لذا شعر الفلسطينيون بالخيانة".
وقال الناشط الفلسطيني، عيسى عمرو: "أنت تجلس على الطاولة من أجل السلام معي. وفي الوقت نفسه تبني المزيد والمزيد من المستوطنات. هل هذا يدل على حسن نواياك؟"
وأضاف: "كانت أوسلو مزيفة منذ البداية. كانت تتعلق بالسيطرة، وليس بالسلام".
وقالت داليا شيندلين، محللة السياسية الإسرائيلية، خبيرة استطلاعات الرأي، إن "الإسرائيليين يتذكرون فقط خيبة الأمل والإرهاب الفلسطيني. صورت الائتلافات اليمينية بقيادة (رئيس الوزراء بنيامين) نتانياهو الفلسطينيين على أنهم معادون بشدة ودعاة السلام الإسرائيليين على أنهم أعداء يساريون للدولة".
وعلى الجانب الفلسطيني، أقنع التوسع الاستيطاني في عهد نتانياهو عديدين أن إسرائيل ليست لديها أي مصلحة في "إنهاء الاحتلال" على الإطلاق. وتراجعت مكانة رئيس السلطة، محمود عباس، مع تجاهل إسرائيل له، وارتبطت السلطة الفلسطينية بالقمع والفساد.
وقالت شيندلين: "لا توجد عملية سلام حقيقية يمكن التحدث عنها. السلام بعيد جدا".
وبحلول عام 2023، حذر رؤساء الأمن الإسرائيليون نتانياهو من حدوث انفجار للصراع، ربما يشمل حماس وحزب الله ومسلحي الضفة الغربية، "ولم تنتبه وكالات الاستخبارات الإسرائيلية للإشارات (على حدوث عنف) قبل هجوم السابع من أكتوبر".
وتشير رويترز إلى رفض إسرائيل محاولات إقامة الدولة الفلسطينية بعد هجوم السابع من أكتوبر. وقالت إن إسرائيل ردت بغضب على قرار إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالاعتراف رسميا بدولة فلسطينية.
وفسرت مدريد ودبلن وأوسلو تحركاتها بأنها وسيلة لتسريع الجهود الرامية إلى تأمين وقف إطلاق النار في حرب غزة.
ورحبت السلطة الفلسطينية بهذه الخطوة، في حين استدعت إسرائيل سفراءها احتجاجا، قائلة إن مثل هذه التحركات قد تعرض سيادتها وأمنها للخطر.
كيف أصبحت السويداء السورية مركزا لصناعة وتجارة الكبتاغون؟
نسرين عجب, الحرة تتحرى
15 نوفمبر 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
"هجموا أهلنا الأحرار حرقوا المقر له، انسحب باتجاه البيت. بقي يقاوم حتى الليل"، وعندما دخلت الفصائل المسلحة منزل راجي فلحوط وجدوا مكبس "كبتاغون"، هكذا يصف قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي لـ"الحرة" كيف نالت تجارة الكبتاغون من محافظة السويداء في سوريا.
هذه الأحداث وقعت أواخر يوليو من 2022 عندما اندلعت اشتباكات دامية في السويداء السورية، حيث اقتحمت حركة رجال الكرامة أكبر فصيل محلي مسلح مقر راجي فلحوط، وهو زعيم ميليشيا قوات الفجر الموالية للنظام، والتي يحملها الأهالي مسؤولية الفوضى الأمنية وتجارة المخدرات في المحافظة.
فلحوط اختفى بعدها من دون أثر، تاركا خلفه بطاقة أمنية صادرة عن المخابرات العسكرية السورية وهاتفا محمولا غير مشفر، يكشف عن علاقته المشبوهة بحزب الله اللبناني.
حلقة برنامج "الحرة تتحرى" تسلط الضوء على ملف "الكبتاغون" داخل السويداء، والدور الذي لعبته دمشق والميليشيات الموالية لإيران وحزب الله، في تصنيع هذه المخدرات وتهريبها.
الكبتاغون تم تصنيعه لأول مرة عام 1961 كبديل للأمفيتامين والميثامفيتامين، المستخدمين في ذلك الوقت لعلاج اضطراب السلوك.
ولكن بحلول الثمانينيات، صنفته الحكومة الأميركية كمادة خاضعة للرقابة وغير مقبولة للاستخدام الطبي. مع ذلك، استمر تصنيعه غير القانوني، وتصاعد في السنوات الأخيرة في أوروبا والشرق الأوسط، وعمّد المصنعون إلى الجمع بين عدة منشطات عالية الإدمان بتأثيرات مركبة في حبة صغيرة مدمرة، بحسب موقع "درغز".
الأحداث التي وقعت في يوليو من 2022، تحدث عنها تقرير للمرصد السوري لحقوق الانسان، وقال "كان هناك عملية قتل لستة عناصر من قوات الفجر، التابعة للفلحوط، والتي تعتبر يد حزب الله والمخابرات العسكرية الضاربة في هذه البقعة من الأراضي السورية، وتشرف بصورة أو أخرى على تجارة المخدرات في السويداء".
لماذا السويداء؟
مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر قال إن "الاتجار بالمخدرات تحديدا، هو ما أعطى إيران ووكلاءها سببا للتوسع في السويداء ونفوذا فيها، كما يعتمد النظام على هذه التجارة بشكل كبير لتأمين إيراداته الخاصة وللحفاظ على تماسكه الداخلي".
وأضاف أن إيران هذه التجارة "تشكل اللاصق الذي لا يزال يربط النظام بهياكله، وتتولى إدارة المخابرات العسكرية على وجه الخصوص السيطرة على تجارة المخدرات في السويداء".
وتنبع أهمية السويداء لهذه التجارة غير المشروعة من موقعها الحدودي، حيث استغلته دمشق وحلفاؤها لتهريب الكبتاغون عبر الأردن باتجاه دول الخليج.
المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية، طايل المجالي "نحن وصلنا إلى مرحلة أن نقول إننا أمام حرب حقيقية في مسألة المخدرات عبر الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حرب حقيقية بكميات ضخمة، يتم تداولها".
وأشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية تكشف أنه في سوريا أكثر من 295 مصنع للحبوب المخدرة، منوها إلى أن أي مسألة أمنية من هذا النوع تعتبر "خطا أحمر".
"طوق النجاة"
الكبتاغون السوري يتم تهريبه عبر الأردن إلى دول الخليج. أرشيفية
مطلع 2017 انطلقت في كازخستان محادثات أستانا بحضور أطراف النزاع السوري، وبرعاية إيران وروسيا وتركيا.
كان الهدف المعلن إنهاء الصراع المسلح في سوريا، ولكن ووفقا لخبراء استغلت روسيا الوضع وقدمت طوق نجاة لبشار الأسد.
ويوضح ليستر أن روسيا اقترحت "مناطق خفض التصعيد، لأن النظام السوري كان يعاني من صعوبة مواجهة المعارضة على أربع جبهات رئيسية في آن واحد: إدلب، حمص، دمشق، ودرعا، ومناطق خفض التصعيد منحت النظام فرصة لالتقاط الانفاس وإعادة تنظيم قواته".
وقال "كانت خطة خادعة، ولكنها أفادت النظام بشكل كبير".
وفي 2018 استعاد النظام السوري مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة المعارضة من بينها درعا مسقط رأس الثورة، ما فتح الباب لتوغل أكبر تجاه السويداء.
عارف نصر، باحث في الشأن الإيراني قال "نعلم بأن السويداء حتى 2018 كانت من المناطق التي تواجد النظام الإيراني، أو ربما تواجد حتى النظام السوري قليل جدا، لكن بعد الصفقة التي حدثت بواسطة الجانب الروسي، استطاع النظام أن يأتي ويتحكم في الجنوب السوري. هذا الامر هو كان الفاتحة إلى دخول ميليشيات حزب الله وكذلك التواجد الإيراني".
تجارة بمليارات الدولارات
النظام السوري يستخدم تهريب الكبتاغون لتزويد خزانته بالأموال
الباحث السوري، مصطفى النعيمي يقول إن "الميليشيات عندما دخلت إلى هذه المحافظة بشكل خاص قامت بالعديد من العمليات منها، الإغراء عبر الأموال، ومنها أيضا عبر إغراق تلك المنطقة بالمخدرات".
ووفقا لتقارير دولية وحكومية، يعتبر النظام السوري لاعبا أساسيا في تصنيع وتهريب مخدر الكبتاغون. وهي تجارة غير مشروعة يقدر خبراء حجمها بعشرات المليارات من الدولارات.
ويشرح ليستر أنه 2023 تم مصادرة "ما قيمته بين 5 و6 مليارات دولار من الكبتاغون، ووفقا للمخابرات السعودية يتم مصادرة عشرة في المئة فقط" من حجم تجارة الكبتاغون.
وهذا يعني "أن حجم التجارة الكلي يتراوح بين 50 و60 خمسين وستين مليار دولار، إنها تجارة ضخمة جدا" بحسب ليستر.
راجي فلحوط
الأسد يلعب بورقة الكبتاغون
النشاط المشبوه لإيران وحزب الله في السويداء أثار غضب الفصائل المحلية، ومنها قوات شيخ الكرامة التي يقودها ليث البلعوس.
ويقول قائد فصيل "قوات شيخ الكرامة"، البلعوس إن "التدخل الخارجي من حزب الله وإيران بالمنطقة بشكل خاص. جاءت بالمخدرات والاتجار بالمخدرات. هذا شيء لمسناه عن طريق عملية لقوات شيخ الكرامة في 2018 ضد إحدى الأذرع الاقتصادية اليمنى لحزب الله بالمنطقة".
وأضاف هذا الشيء "لمسناه لمس اليد. الترويج والاتجار. يا للأسف في بعض أشخاص ولائهم لحزب الله وإيران بالمنطقة، يا للأسف من أبناء المنطقة يساعدوهم بهذا الشيء".
من أبرز هؤلاء راجي فلحوط، والذي كان مغتربا ميسور الحال من أبناء السويداء، قبل أن يعود لمسقط راسه ويصبح رجل النظام القوي في المحافظة.
وقال قائد تجمع أحرار جبل العرب، عبد الباقي إن فلحوط خرج "باستعراضات ليصبح عنده قوة كبيرة بالمحافظة عن طريق النظام، الذي زوده بالأسلحة، والسيارات، وبمهمات وصلاحيات، ليطغى لدرجة كبيرة".
وأضاف أن فلحوط أصبح "قاطعا للطريق، ويخطف وتابعا لشعبة المخابرات العسكرية"، وهو ما تسبب "في استنكار كبير من أهلنا بالسويداء وقامت عليه انتفاضة، ومن وقتها عاد هو هرب من المقر باتجاه الشام".
وبحسب لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي "يقود راجي فلحوط ميليشيا مرتبطة بالاستخبارات العسكرية السورية. وهو متورط أيضا في تهريب المخدرات، وخاصة الكبتاغون".
الحرب على الكبتاغون
كميات ضخمة من حبوب الكبتاغون تم ضبطها
كشف الستار عن عصابة الفلحوط كان البداية لحرب شنتها حركة رجال الكرامة على الكبتاغون.
لكن تلك الجهود لم تنجح في استئصال المخدرات من السويداء بشكل نهائي.
وقال الكاتب والصحفي السوري، أيمن الشوفي إن "المعامل الصغيرة التي تشبه معمل راجي فلحوط ما زالت موجودة هنا في السويداء، لدى العصابات اللي محسوبة على الجهات الأمنية، وعلى الأمن العسكري وعلى إيران. لا زال موضوع التصنيع قائما".
"رأينا بعض الفصائل المحلية الدرزية الكبرى تعلن الحرب على هذه التجارة، ومن وقت لآخر، قامت حركة رجال الكرامة بمبادرات محلية لمصادرة المخدرات، وألقت القبض على مهربين وأفراد مشتبه بهم، ولكنهم يحققون تقدما بسيطا، ثم يتوقف كل شيء فجأة لماذا؟ لأن النظام يتدخل ويجبرهم على ذلك عن طريق اختطاف أفراد من عائلاتهم أو كبار قادة الفصائل" بحسب مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، ليستر.
محاولة إسكات الأصوات المعارضة أخذت أشكالا أخرى، ففي 13 مايو 2023 أطلق مجهولون الرصاص على سيارة يستقلها قائد قوات شيخ الكرامة، ليث البلعوس وعائلته ما أدى إلى إصابات استدعت نقله إلى المستشفى.
قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي تحدث في لقائه مع "الحرة تتحرى" عن تعرضه هو الآخر لمحاولة اغتيال أيضا.
وقال قبل "فتره أربع سنوات تم ضرب صاروخ باتجاه بيتي على نية قتلي"، ولكنه نجا منه، مشيرا إلى أنه تعرض إلى أكثر من محاولة اغتيال.
الأردن و"شر" الكبتاغون
الحدود السورية الأردنية تشهد ضربات عسكرية لمواجهة "مهربي مخدرات"
تدفق الكبتاغون عبر الحدود وبكميات ضخمة استنفد صبر الجارة الجنوبية الأردن، ما دفعها لاستخدام سلاحها الجوي لضرب مواقع بعينها في السويداء.
وفي 2013 أعلن مسؤولون أردنيون ارتفاع كبير في حجم المخدرات المهربة عبر الحدود مع سوريا.
المدير الأسبق لمكتب مكافحة المخدرات في الأردن، أنور الطراونة يقول إنه تم ضبط 16 مليون حبة من حبوب الكبتاغون المخدّر خلال العام الماضي.
وحتى الآن من بداية العام تم ضبط 9 مليون حبة من حبوب الكبتاغون المخدر.
ظاهرة التهريب تفاقمت عبر السنوات، فالمملكة تعتبر نقطة عبور رئيسية باتجاه الأسواق المربحة.
ويوضح ليستر أن "الوجهة الرئيسية لتجارة الكبتاغون هي الخليج العربي، وهناك الطلب أكبر ويمكن لهذه الحبوب المخدرة أن تباع بأعلى سعر، والطريق البرية هي الأكثر اعتمادية ويجب أن تمر عبر الأردن ومن ثم العراق وصولا إلى الخليج".
بالتوازي مع ذلك ارتفعت نسب الإدمان بين الشباب الأردني، إذ تكشف الأرقام ضبط ما يقارب 35 ألف شخص بين متعاط وتاجر ومروج خلال عام 2023.
ويقول المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية، المجالي إنه "عندما يدخل عليك الشر لا بد أن تتلوث بهذا الشر، ولا ننكر حدوث تلوث لدينا في مسالة المخدرات بسبب هذا الشر الذي يدخل علينا من خلالهم".
من "نصيب" إلى "السويداء"
الدول العربية تعلن مرارا عن إحباط تهريب كميات ضخمة من الكبتاغون
أمام هذه الظاهرة قام الأردن بتشديد القبضة على المعابر الحدودية مع سوريا، ويقول ليستر إن "التهريب كان يمر من درعا لكن الخطوات التي اتخذتها المملكة في المعابر الحدودية الرسمية مثل معبر نصيب، والذي كانت تمر عبره معظم المخدرات أدت إلى توقف ذلك إلى حد كبير الآن".
بعد إحكام عمان السيطرة على معبر نصيب وبحسب خبراء تغير مسار الكبتاغون نحو السويداء التي تحولت بسبب طبيعتها الجغرافية إلى نقطة التهريب الرئيسية إلى الأردن.
ويلفت ليستر إلى أن الكبتاغون يتم تهريبه من السويداء لينقل إلى "الصحراء في الجنوب المنطقة الأقرب إلى الحدود الأردنية، وهناك يتم توزيعه على البدو لتهريبه، ويقود رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية العملية من خلال تقديم حوافز مالية للبدو، فهم يعرفون الطرق ولديهم اتصالات عبر الحدود في الأردن ويعرفون كيفية إدخال وإخراج البضائع".
المجالي، المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية يوضح بدوره أنه "لا يوجد حاجز طبيعي بيننا وبين سوريا"، ناهيك عن وجود صلة قرابة بين بعض من يقطن على الأرض الأردنية والأرض السورية، وذلك يسهل عملية التهريب.
وأضاف "تقريبا 80 في مما هو مضبوط كان على الحدود غير الرسمية من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية".
وبينما تكافح السلطات الأردنية لوقف التهريب، تنعكس الرؤية على الجانب السوري.
ويؤكد المجالي أن "التهريب من سوريا إلى الأردن يتم من خلال جهات رسمية، والدليل الأول أكثر من 25 قضية استخدم فيها الطائرات المسيرة"، وعندما تستخدم مثل هذه الطائرات لا بد التهريب يدعمه جهات رسمية.
وأضاف "عندما يكون عدد المهربين أكثر من 100 - 150 شخص لا بد من وجود جهة رسمية تعرفهم"، خاصة وأنهم يستخدمون أسلحة وذخائر لا تباع لأفراد، وإنما تباع لجيوش.
الفرقة الرابعة وتجارة الكبتاغون
قوات النظام السوري، الممثلة بالفرقة الرابعة، تسهل تهريب المخدرات . أرشيفية - تعبيرية
من التقتهم "الحرة" من أبناء السويداء أكدوا تورط وحدات النظام العسكرية في هذه التجارة غير المشروعة.
ويقول عبد الباقي قائد تجمع أحرار جبل العرب إنه عندما تصدوا لعصابات المخدرات بالسويداء بمنطقة صلخد، اكتشفوا معلومات من تلفوناتهم أن "أحمال المخدرات توضع بمفرزة الأمن العسكري في الهجانة، حتى تهريب المخدرات باتجاه الأردن باتجاه السعودية، التوثيقات كلها موجودة كيف عم يدخلوا نظامي عن طريق حواجز الفرقة الرابعة، حواجز الأمن العسكري، حواجز النظام عم يمر كل أحمال المخدرات، والضباط يسهلوا عمليات تهريب المخدرات".
وبقيادة شقيق الرئيس بشار الأسد، اللواء ماهر الأسد تعد الفرقة الرابعة المدرعة أقوى تشكيلات الجيش السوري، وهي مدرجة أيضا على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية.
ويؤكد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية أن المعلومات "تفيد أن الفرقة الرابعة متورطة في عمليات تهريب المخدرات في سوريا على نطاق واسع، بما في ذلك الكبتاغون، إضافة إلى مواد أخرى غير مشروعة".
الباحث السوري، مصطفى النعيمي قال "هنالك ضباط كثر هم متورطون في عملية نقل ونشر، وإنتاج الكبتاغون في مناطق سيطرة النظام السوري، تحديدا باتجاه السويداء. هم متورطون وهم يقومون بإدارته عبر الفرقة الرابعة، البوابة الرئيسية، التي كان من خلالها النظام السوري يدخل على السويداء وغيرها".
الدبلوماسية والكبتاغون السوري
صورة تعبيرية لشخص يعرض مخدر الكبتاغون
مطلع مايو 2023 وبعد أكثر من عقد على تعليق عضوية سوريا أعلنت جامعة الدول العربية عودة دمشق إلى مقعدها في المنظمة، ولكن ذلك كان مشروطا.
عضو لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا، هاني ميغالي يعتقد "أن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كان اتفاقا ضمنيا بأن تحد دمشق من انتشار هذا المخدر خاصة أن الأردنيين كانوا قلقين للغاية".
ويتفق ليستر معه وقال "اعتقد الأردن أن عودة دمشق ستشجعها على إيقاف تجارة الكبتاغون، وكان للسعودية الدافع نفسه تقريبا، ولكنها كانت مغامرة حمقاء".
وبحسب المجالي "لم تسفر الخطوة الدبلوماسية عن نتيجة على الأرض"، وقال إنه جرى "مفاوضات على مستوى وزراء الداخلية، وجرى مفاوضات على مستوى وزراء الخارجية، وأخرى على مستوى رؤساء اللجنة الأمنية بشكل عام، وحتى على مستوى القمة أيضا، ولكن النتيجة ما زال التهريب".
وزاد أن المملكة استنفذت "كل القنوات الدبلوماسية في معالجة موضوع تهريب المخدرات عبر الاراضي الأردنية، ولم نر استجابة للمفاوضات الدبلوماسية" وبالتالي أردنا حماية منطقتنا وبلدنا.
استمرار تدفق الكبتاغون دفع عمان لاستخدام القوة العسكرية لينفذ سلاح الجو الأردني ضربة على ريف السويداء استهدفت مرعي... أحد أكبر مهربي المخدرات في المنطقة.
وقال المجالي وهو مدير سابق لإدارة مكافحة المخدرات الأردنية إنه "بناء على ضبطيات سابقة، تكونت لدينا معلومات أكيدة بأنه يوجد مصنع للمخدرات في منطقة السويداء"، ليتدخل "الطيران الأردني ليقضي على المصنع وعلى من يشرف عليه".
إسكوبار المخدرات السوري
الأمن اللبناني أحبط محاولة تهريب الكبتاغون
ويؤكد الباحث السوري، النعيمي أن "مرعي الرمثان يعتبر هو ضابط الوصل ما بين الميليشيات الإيرانية وحزب الله وصولا إلى الميليشيات السورية، ويعتبر اسكوبار المخدرات السوري وهو عراب المشروع لنقل المخدرات إلى السويداء".
وائل الرمثان اسم آخر من العائلة ذاتها، ارتبط بحزب الله اللبناني وعالم المخدرات.
ووفقا لتقرير سابق لمركز جسور للدراسات في تركيا "تم إنشاء مستودعي مخدرات لصالح حزب الله في السويداء، وهما عبارة عن نفقين في الوادي، وأشرف على تجهيزهما حسن علي، القيادي بقوات الرضوان من حزب الله. وتم تكليف وائل الرمثان، وهو مهرب مخدرات من أبناء منطقة الشعاب بمحافظة السويداء، ليكون مسؤولا عن هذه المستودعات، حيث سيتم تخزين حبوب الكبتاغون المخدرة ومادة الحشيش، لحين تأمين نقلها للحدود وتهريبها إلى الأراضي الأردنية".
بحسب خبراء لا ينوي النظام السوري التوقف عن تجارة المخدرات في القريب العاجل، فدمشق تعتمد وبشكل كبير على عائدات بيع الكبتاغون كمصدر دخل أساسي.
ويؤكد ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط أن "ما نعرفه بشكل واضح هو أن شبكات النظام تحقق أرباحا سنوية بمليارات الدولارات من هذه التجارة غير المشروعة، لذا توقفت معظم حكومات المنطقة عن الإعلان عن كميات الكبتاغون المضبوطة، لشعورها بالإحراج بأن تطبيع العلاقات مع دمشق لم يؤد إلى تقليص لحجم التهريب".
واستمرار النظام في رعاية تهريب المخدرات عبر السويداء وإغراق المحافظة بهذه السموم، كان أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية صيف 2023.
"سرطان نظام بشار الأسد"
الحكومات العربية والغربية تتهم النظام السوري بإنتاج مادة "الكبتاغون" ـ أرشيفية
ويحذر عبد الباقي، قائد تجمع أحرار جبل العرب "اليوم نحن في عنا خطر حقيقي، أهلنا، الطلاب والطالبات، المدارس تتعرض لموضوع توزيع المخدرات".
وقال "نحن نستغيث، ونبعث رسائل لكل المجتمعات الدولية، أنقذونا من هذا السرطان، سرطان نظام المجرم نظام بشار الأسد".
في يونيو 2024 أقام النظام نقطة تفتيش عسكرية على دوار العنقود، في مدخل مدينة السويداء، ما أثار غضب السكان والفصائل المحلية فأزيل الحاجز.
وذكر ليستر أن أهالي السويداء "ليسوا أغبياء وهم يعرفون ماذا يعني ذلك، أن النظام يخلق بنية تحتية تمكنه من قمع أي شخص يعبر عن معارضته، لكن المثير للإعجاب هو أن الناس لم يستسلموا لتلك التهديدات".
وبعد أقل من شهرين عادت الأجهزة الأمنية وثبتت الحاجز بالتزامن مع إرسال تعزيزات عسكرية إلى المدينة، ومن التقتهم "الحرة" من أبناء السويداء تحدثوا عن الأهداف الحقيقية وراء هذا الإجراء.
ويؤكد عبد الباقي بدوره أن "النظام استخدم العصابات، والخلايا اللي كانت مع راجي فلحوط، وأعطاها السلاح والسيارات والأموال لإعادة تدويرهم".
وأضاف عندما شاهدناهم على الحاجز "الموجود عند دوار العنقود" رفض أهالينا في السويداء رفضا قاطعا أي إعادة لأي "سيناريو لتعويم العصابات" في المحافظة.
وبعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية تخلت السويداء عن حياد انتهجته لسنوات وخلقت لنفسها حالة خاصة من المعارضة لفوضى الميليشيات وغياب الأمن والاغتيالات وتفشي وباء المخدرات، ولنظام قمعي ادعى يوما حماية الأقليات في البلاد.