النساء الأفغانيات يعانين من قمع للحريات والحقوق. أرشيفية
النساء الأفغانيات يعانين من قمع للحريات والحقوق. أرشيفية

يثير قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذي أصدرته حركة طالبان، أواخر الشهر الماضي، مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان في البلاد، إذ يمثل بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، المسمار الأخير في نعش أحلام وطموحات النساء الأفغانيات.

ويتألف القانون من 114 صفحة و35 مادة تقنن وتوسع نطاق القيود المفروضة على حقوق وحريات النساء في أفغانستان، وتنضاف إلى سلسلة طويلة من القيود التي فرضتها حركة طالبان منذ عودتها إلى السلطة قبل ثلاث سنوات. 

وقبل الخطوات الأخيرة، كانت النساء الأفغانيات يعانين بالفعل من حظر التعليم بعد الصف السادس، ومنع عليهن العمل في معظم المجالات مع تقييد وصولهن  إلى الأماكن العامة مثل الحدائق وصالات الألعاب الرياضية وصالونات التجميل، والآن، تأتي الوثيقة الجديدة لتمنعهن أيضا من إسماع أصواتهن في الأماكن العامة.

وينص أيضا  على "وجوب ستر المرأة جسدها بالكامل في حضور الرجال الذين لا ينتمون إلى أسرتها"، وإخفاء وجهها "خوفا من الفتنة". والأمر نفسه إذا "اضطرت المرأة إلى مغادرة المنزل للضرورة".

"قمع منهجي"

وأوضحت "نيويورك تايمز"، أنه منذ أن عادت طالبان إلى أغسطس 2021، قامت، بشكل منهجي، بإلغاء الحقوق التي اكتسبتها النساء لا سيما في المراكز الحضرية الأقل محافظة، خلال الحضور الأميركي الذي استمر 20 عاما.

واليوم، تعد أفغانستان الدولة الأكثر تقييدا في العالم للنساء، والوحيدة التي تحظر التعليم الثانوي للفتيات، كما يقول خبراء للصحيفة.

وأثار نشر اللوائح الجديدة مخاوف من حملة قمع قادمة من قبل ضباط شرطة الأمر بالمعروف والنهي المسؤولين على تنزيل القانون.

وتحدد الوثيقة الأخيرة لأول مرة آليات الإنفاذ التي يمكن أن يستخدمها هؤلاء الضباط. في حين أنهم كثيرا ما أصدروا تحذيرات شفهية، فإن هؤلاء الضباط مخولون الآن بإتلاف ممتلكات الناس أو احتجازها لمدة تصل إلى ثلاثة أيام إذا انتهكوا قوانين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل متكرر.

وقبل الإعلان عن القوانين، كانت فريشتا نسيمي، البالغة من العمر 20 عاما والتي تعيش في ولاية بدخشان شمال شرق أفغانستان، تتمسك بأي بصيص أمل بشأن تحسن أوضاع النساء.

ولفترة من الوقت، كانت تستمد قوتها من شائعة سمعتها من زميلاتها في الدراسة مفادها أن الحكومة ستبث دروس الفتيات عبر التلفزيون - وهو تنازل من شأنه أن يسمح للفتيات بالتعلم مع بقائهن في منازلهن. 

لكن هذا الحلم تبدد بعد أن حظرت السلطات في ولاية خوست، شرق البلاد، مثل هذه البرامج من البث في وقت سابق من هذا العام. وكان ذلك إشارة إلى أن أجزاء أخرى من البلاد يمكن أن تنفذ حظرا مماثلًا.

الآن، تقول نسيمي لنيويورك تايمز، إنها محاصرة في المنزل، إذ أن القانون الجديد الذي يحظر أصوات النساء، يضمن فعليا أنها لا تستطيع مغادرة المنزل دون قريب ذكر. 

وأضافت أنها تخشى ألا يتحدث معها أي سائق سيارة أجرة، خوفا من أن يعاقب من طالبان، وألا يستجيب أي بائع لطلباتها.

"محوا وجودنا"

ووفقا لمحللين تحدثوا للصحيفة، فإن إصدار القوانين الأخيرة يعكس جهدا شاملا من قبل حكومة طالبان لتوحيد عمل جميع الوزارات تحت مظلة رؤية متشددة للشريعة الإسلامية، تهدف أيضا إلى محو أي تأثيرات غربية متبقية من فترة الحكم السابقة.

وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة والعزلة الناتجة عن هذه السياسات، تصر حركة طالبان على موقفها، رافضة بشدة أي محاولات خارجية لتخفيف القيود المفروضة على النساء.

وأثارت اللوائح الأخيرة، انتقادات واسعة النطاق من جماعات حقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة في أفغانستان. ووصفتها رئيسة البعثة، روزا أوتونباييفا، بأنها "رؤية محزنة لمستقبل أفغانستان" تمدد "القيود التي لا تطاق بالفعل" على حقوق المرأة.

وتجسد قصة وقالت مسرات فرامرز، 23 عاما، من ولاية بغلان في شمال البلاد واقع العديد من النساء الأفغانيات، إذ وصفت حياتها بقولها: "أعيش في المنزل مثل السجينة"، مضيفة أنها لم تغادر منزلها منذ ثلاثة أشهر.

من جانب آخر، تتحدث رحماني، البالغة من العمر 43 عاما، عن التحديات النفسية والاقتصادية التي تواجهها النساء.

فقد بدأت رحماني، الأرملة الأفغانية التي فضلت استخدام اسم عائلتها فقط خوفا من الانتقام، في تناول حبوب منومة كل ليلة لتخفيف القلق الذي تشعر به بشأن إعالة أسرتها.

وبعد منع النساء من العمل في المنظمات غير الربحية، تجد رحماني نفسها غير قادرة على توفير احتياجات أطفالها الأربعة. لكن الأمر لا يقتصر على الجانب المادي فحسب، بل امتد ليشمل فقدان إحساسها بذاتها وهويتها.

وقالت: "أفتقد الأيام التي كنت فيها شخصا، عندما كنت أستطيع العمل وكسب لقمة العيش وخدمة بلدي"، وأضافت بمرارة: "لقد محوا وجودنا من المجتمع".

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.