موقع سقوط الصاروخ في تل أبيب الذي أطلق من اليمن الأحد
موقع سقوط الصاروخ في تل أبيب الذي أطلق من اليمن الأحد

في تطور دراماتيكي للصراع في الشرق الأوسط، أطلقت جماعة الحوثي اليمنية صاروخا باليستيا من اليمن إلى وسط الأراضي الإسرائيلية، الأحد، في أول هجوم من نوعه على هذا العمق.  

وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تعليقه على الهجوم بأن جماعة الحوثي "يجب أن تدرك أنها ستدفع ثمنا باهظا لأي هجوم على الأراضي الإسرائيلية".

ووفقا للمتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، فإن "الصاروخ الذي تم إطلاقه كان من طراز "فرط صوتي"، وقد قطع مسافة 2040 كيلومترا في 11 دقيقة ونصف.

وقال سريع إن دفاعات إسرائيل فشلت في اعتراضه بشكل كامل، في حين أشار مسؤول عسكري إسرائيلي إلى أن الصاروخ أصيب بصاروخ اعتراضي، لكنه لم يتم تدميره بالكامل، ما أدى إلى تساقط إجزاء من حطامه في مناطق مفتوحة وقرب محطة سكك حديدية، دون تسجيل إصابات مباشرة باستثناء إصابات طفيفة لأشخاص أثناء محاولتهم الاحتماء.

وأوضح الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني الأميركية، ديفيد دي روش، في مقابلة مع قناة "الحرة"، أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون كان صاروخا باليستيا تقليديا وليس فرط صوتي كما ادعت الجماعة.

وأشار إلى أن اعتراض الصاروخ تم بواسطة نظام "آرو 2" وليس "القبة الحديدية"، المتخصصة في الصواريخ قصيرة المدى.

وأكد دي روش أن الهجوم يعكس تصاعدا ملحوظا في قدرات الحوثيين على استهداف عمق إسرائيل، لكنه لا يزال ضمن نطاق الأسلحة التقليدية.

ورغم أن الحوثيين أعلنوا أن الصاروخ الجديد كان فرط صوتي، فإن دي روش أكد أن الصواريخ الفرط صوتية تتطلب قدرات إضافية للمناورة، وهو ما لم يظهر في هذا الهجوم. لكن الهجوم بحد ذاته يمثل تحديا كبيرا لإسرائيل، وقد يدفعها إلى توسيع قائمة أهدافها العسكرية في اليمن.

تصاعد القلق الإسرائيلي

أعقب الهجوم تحذيرات قوية من إسرائيل بشأن الرد المتوقع.

ويرى المستشار السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي، ألون أفيتار، في حديث لقناة "الحرة"، أن وصول صاروخ من اليمن إلى وسط البلاد "بالتأكيد حادث سيئ لإسرائيل، ولكنه في النهاية صاروخ واحد فقط وليس عددا كبيرا من الصواريخ".

وقال إن "هذا الحادث رغم أنه يمثل اختبارا للقدرات الدفاعية الإسرائيلية، فإن القيادة وسلاح الجو يعملان على التحقيق في ما حدث للوصول إلى استنتاجات مهنية وتحسين نظام الدفاع الجوي".

وأضاف أن "الرد الإسرائيلي سيأتي في الوقت والمكان المناسبين"، ما يزيد من حالة الغموض التي تحيط بالتوقيت المتوقع لهذا الرد ويزيد من قلق الحوثيين".

وأشار نتانياهو الأحد إلى الضربة التي نفذتها إسرائيل على ميناء الحديدة اليمني في يوليو الماضي، ردا على هجوم بطائرة مسيرة حوثية استهدفت تل أبيب.

ويبدو أن هذا التصعيد يشير إلى استعداد إسرائيل لتكرار هذه الضربات في حال استمرت الهجمات من اليمن.

توسيع دائرة الصراع

وقال الحوثيون الأحد، إن الهجوم الأخير على إسرائيل جاء ردا على "العدوان الإجرامي" على مدينة الحديدة. وأكد أن الحوثيين سيواصلون تنفيذ ضربات إضافية في المستقبل، مما يزيد من احتمالية تصعيد الصراع في المنطقة.

هجوم حوثي على تل أبيب

هل يتوسع نطاق "حارس الازدهار"؟

ومن المتوقع أن تدفع هذه الأحداث الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها في المنطقة.

ومنذ نوفمبر، ينفذ الحوثيون المدعومون من إيران، هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما لقطاع غزة الذي يشهد حربا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ميناء الحديدة تلقى ضربات إسرائيلية السبت
صحيفة إسرائيلية نقلا عن مسؤول: الغارات في اليمن تمت دون مشاركة أميركية
بعد قصف طائرات إسرائيلية أهدافا عسكرية تابعة للحوثيين، تنامت الاتهامات بمشاركة أطراف أخرى في الهجوم، مثل القوات الأميركية، أو حتى بمساهمة غير مباشرة من دول عربية بالسماح للطيران الإسرائيلي بالتحليق في أجوائها.

وفي مواجهة هجمات الحوثيين، أنشأت الولايات المتحدة تحالفا بحريا متعدد الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر في ديسمبر يحمل اسم "حارس الازدهار"، بينما أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة مماثلة في فبراير،  باسم "أسبيدس"، لمدّة عام قابلة للتجديد.

وردا على السؤال عما إذا كان تحالف "حارس الازدهار" قد يوسع عملياته ضد الحوثيين، أشار دي روش إلى أن الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس جو بايدن كانت حذرة في توسيع تدخلها العسكري في اليمن بسبب الاعتبارات السياسية الداخلية.

وقال: "حتى الآن، كانت الأهداف الأميركية تقتصر على ضربات محدودة ضد مخازن الأسلحة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، دون توسيع نطاق الأهداف ليشمل منصات الصواريخ أو مواقع القيادة والسيطرة".

ويرى دي روش أن التركيز الآن ينصب على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الخامس من نوفمبر، "وبعدها سيكون هناك إعادة تفكير في "حارس الازهار" وسيتم اتخاذ قرار بما إذا كان سيتم توسيع قائمة الأهداف أم لا".

وأضاف: "إذا كان هناك نزاع عام بين إسرائيل وحزب الله وانضم الحوثيون، قد يكون رد الفعل مختلفا، ولكن لا أظن أن الولايات المتحدة ستبادر الآن بالقيام بهذا الأمر".

وأوضح أن "إطلاق صاروخ باليستي ضد إسرائيل، هو أمر ذو مغزى ولكنه ليس ذو مغزى بالقدر الكافي الذي يستدعي ردا أميركيا". 

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟