تيك توك يجتذب فئة الشباب في الولايات المتحدة . أرشيفية
تيك توك يجتذب فئة الشباب في الولايات المتحدة . أرشيفية

تواجه منصة تيك توك الشهيرة تحديا قانونيا حاسما في العاصمة واشنطن، حيث تخوض معركتها الأخيرة لتفادي قرار فرضته الإدارة الأميركية. ومع اقتراب الموعد النهائي في يناير 2025، تجد الشركة نفسها أمام خيارين صارمين: إما بيع عملياتها داخل الولايات المتحدة أو مواجهة حظر كامل.

وبوجود 170 مليون مستخدم في أميركا، أصبح تيك توك لاعبا رئيسيا في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن ارتباطه بالشركة الصينية "بايت دانس" يثير مخاوف كبيرة تتعلق بالأمن القومي الأميركي، الأمر الذي دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات قانونية قد تضع نهاية للتطبيق إذا لم تغير ملكيته بحلول الموعد المحدد.

وتسعى "بايت دانس" لإقناع القضاة في المحكمة الفيدرالية في واشنطن بأن الخيارات المفروضة عليها تتعارض مع مبادئ الدستور الأميركي.

ومع تصاعد الجدل، يبقى السؤال المثير: من يسيطر فعليا على خوارزميات تيك توك؟ وهو ما يسعى القضاة لمعرفته فعليا لاتخاذ قرار يوازن بين ضرورات الأمن القومي وحرية التعبير المكفولة بالتعديل الأول من الدستور الأميركي.

دفاع أساسه التعديل الأول

وتمحور دفاع تيك توك وحملته القانونية بشكل أساسي حول التعديل الأول للدستور الأميركي، حيث زعمت الشركة أن حظر التطبيق سينتهك حقوق حرية التعبير لملايين المستخدمين الأميركيين.

وفي جلسة الاستماع أمام المحكمة الفيدرالية في واشنطن العاصمة، الاثنين، جادل محامي تيك توك، أندرو بينكوس، بأن التطبيق منصة يستخدمها الأميركيون للتعبير عن أنفسهم والوصول إلى المعلومات.

وقال إن شركة "بايت دانس"، رغم أن مقرها في الصين، ليست شركة خاصة وليست مؤسسة حكومية.

وقارن المحامي بينكوس منصة تيك توك بوسائل إعلام مملوكة لأجانب مثل "بوليتيكو" و"بيزنس إنسايدر"، المملوكتين لشركات ألمانية، لكنهما تعملان بحرية في الولايات المتحدة من دون مواجهة قيود مماثلة.

لكن محامي وزارة العدل الأميركية، دانيال تيني، رد على تلك الحجج بالقول إن ملكية "بايت دانس" تشكل خطرا خاصا على الأمن القومي الأميركي.

وأعربت الحكومة الأميركية عن قلقها من أن الحكومة الصينية قد تستغل خوارزمية تيك توك للتأثير على الرأي العام الأميركي أو حتى التجسس.

وأشار تيني إلى أن شركة "بايت دانس"، الخاضعة للقوانين الاستخباراتية الصينية، قد تُجبر على تسليم بيانات المستخدمين الأميركيين، مما يجعلها تهديدا للأمن القومي.

وتنفي تيك توك هذه الادعاءات، مؤكدة أن بيانات المستخدمين مخزنة على خوادم في الولايات المتحدة كجزء من مبادرة "مشروع تكساس"، التي تهدف إلى فصل العمليات الأميركية عن "بايت دانس".

شكوك القضاة

ووسط هذا الجدل حول مخاوف الأمن القومي وحرية التعبير، يحاول قضاة المحكمة الفيدرالية الفصل في المسألة.

وأبدت هيئة القضاة الثلاثة في محكمة الاستئناف الأميركية في دائرة العاصمة، برئاسة القاضية، سري سرينيفاسان، شكوكا تجاه كلا الجانبين.

ففي حين أقر القضاة بجدية مخاوف الحكومة الأميركية المتعلقة بالأمن القومي، فإنهم تساءلوا أيضا عما إذا كانت حجج تيك توك بشأن حرية التعبير منطقية وأن إهمالها قد يضر يحق المستخدمين في التعبير.

وقالت القاضية، نعومي راو، إن عمليات تيك توك في الولايات المتحدة هي جزء أصيل من خطاب محمي بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي، مما يجعل القضية أكثر تعقيدا من مجرد مسألة أمن قومي.

وخلال هذا الجدل القانوني، أثار قضاة المحكمة أسئلة، مثل ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تقييد وسيلة إعلامية مملوكة لعدو أجنبي خلال زمن الحرب. وهذه الأسئلة تعكس تعقيد قضية تيك توك، التي ترتبط ملكيتها بحكومة أجنبية بينما مستخدموها بشكل رئيسي من المواطنين الأميركيين الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير.

لوحة إلكترونية تنشر إعلانا لمنصة تيك توك خلال مباراة كرة قدم في الدوري الأميركي لكرة القدم في ولاية كولورادو

أيهما أجدر بالرعاية؟

تتمحور النقاشات داخل المحكمة حول سؤال أساسي يحاول القضاء الوصول إلى إجابة عنه: أيهما أجدر بالرعاية، الأمن القومي الأميركي أم حرية التعبير المكفولة في التعديل الأول؟ ويشتد تعقيد هذه المسألة لأن بين الخيارين خطا دقيقا قد يصعّب مهمة القضاة الذين سيجدون أنفسهم يقررون وفق أكثر المعطيات والمرافعات حجة ومنطقية.

فحجة الحكومة الأميركية أن ملكية "بايت دانس" لتيك توك يمكن أن تسمح للحكومة الصينية بالتلاعب بخوارزمية التطبيق لنشر حملات تضليل أو للتجسس، هذا يدخل في صلب الأمن القومي الأميركي، والحكومة مسؤولة عنه.

وقد زادت هذه المخاوف بسبب التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك سجل الصين في استخدام التكنولوجيا للمراقبة والسيطرة.

هل يشكل "تيك توك" خطرا على المراهقين؟
تشهد محاكم في الولايات المتحدة دعاوى قضائية ضد بعض شركات التواصل الاجتماعي، بحجة تورطها في تشجيع مراهقين على الانتحار، بينما طالب ناشطون بضرورة تعديل بعض القوانين التي تعفي شركات التواصل الاجتماعي من المسؤولية عن ما ينشر فيها بواسطة المستخدمين.

وتعمل "بايت دانس"، الشركة الأم لـ تيك توك، بموجب القوانين الاستخباراتية الصينية، التي تتطلب من الشركات التعاون مع الحكومة الصينية في الأمور المتعلقة بالأمن الوطني الصيني.

وبينما تدعي "بايت دانس" أنها لم تشارك بيانات مع الحكومة الصينية، فإن مجرد إمكانية أن تكون مجبرة على القيام بذلك يكفي لإثارة قلق المسؤولين في واشنطن.

لكن تيك توك كانت قد واجهت تحديا كبيرا نسف دفاعاتها بشأن حماية الخصوصية ومحاربة التضليل.  

ففي عام 202، نشرت وثيقة تحمل عنوان "TikTok Algo 101" كتبها فريق الشركة الهندسي في بكين، تكشف ما لم تكن الشركة ترغب في أن يعرفه الجمهور.

وقدمت الوثيقة مستوى جديدا من التفاصيل حول تطبيق الفيديو المهيمن، مما يوفر لمحة كاشفة للسر الذي يمتلكه التطبيق، ونظرة ثاقبة لفهم الشركة للطبيعة البشرية وكيفية التاثير على المستخدمين.

ورفعت الوثيقة الستار الستار عن طبيعة اتصال شركة تيك توك مع الشركة الأم الصينية "بايت دانس"، تزامنا مع تحركات الحكومة الأميركية للتحقق مما إذا كان تطبيق تيك توك يشكل خطرا أمنيا على الولايات المتحدة، قبل أن تشرع جهات حكومية أميركية في حظره في مرافقها.

وحينها، لم تجد المتحدثة باسم الشركة، هيلاري ماكوايد، خيارا سوى تأكيد صحة الوثيقة التي قالت إنها كتبت لتشرح للموظفين غير التقنيين كيفية عمل خوارزميات تيك توك.

تواجه شركة بايت دانس تحديات قانونية في الولايات المتحدة بسبب علاقتها بالحكومة الصينية

ولهذا فإن الحجة التي تبنتها تيك توك لإقناع القضاة بموقفها تستند إلى التعديل الأول للدستور الأميركي، إذ تجادل بأن الحظر يعد انتهاكا لحقوق الأميركيين في الوصول إلى المعلومات والتواصل والتعبير بحرية.

وتستند الشركة في حجتها على حقائق تشير إلى أن تطبيق تيك توك بات مصدرا رئيسيا للتعبير الإبداعي والأخبار والمشاركة السياسية، خاصة بين الأجيال الشابة في الولايات المتحدة.

ووفقا لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في عام 2024، فإن 32 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة يؤيدون حظر تيك توك، مقارنة بـ 50 بالمئة في العام السابق.

فيما يجادل المدافعون عن التطبيق بأن القانون يستهدف تيك توك بشكل غير عادل بينما يتجاهل مشكلات الخصوصية ومراقبة المحتوى المماثلة الموجودة في منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

ماذا لو وقع الحظر؟

إذا انتصرت الحكومة الأميركية في هذه القضية، فسيتعين على تيك توك بيع حصته من "بايت دانس" بحلول 19 يناير 2024.

وإذا فشلت "بايت دانس" في بيع تيك توك لشركة غير صينية، فسيتم حظر التطبيق في الولايات المتحدة، وسيطلب من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل آبل وغوغل إزالة تيك توك من متاجر التطبيقات، مما يجعله غير صالح للاستخدام مع مرور الوقت.

وسيكون للحظر عواقب واسعة النطاق، وفق خبراء، ليس فقط على مستخدمي تيك توك ولكن أيضا على الاقتصاد الأميركي.

فقد أسهم تيك توك في إنشاء اقتصاد للمحتوى يقدر بـ 24 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح التطبيق منصة مركزية للحملات السياسية، بما في ذلك تلك الخاصة بنائبة الرئيس، كمالا هاريس، والرئيس السابق، دونالد ترامب، اللذين استخدما تيك توك للوصول إلى الناخبين الشباب.

وقد يؤدي الحظر إلى نفور ملايين المستخدمين الذين يعتمدون على تيك توك لتحقيق دخل مالي أو للتواصل الاجتماعي.

ويمكن أن يخلق حظر تيك توك، أيضا، سابقة للإجراءات الحكومية المستقبلية ضد منصات التواصل الاجتماعي المملوكة لأجانب، مما قد يغير مشهد الخطاب الرقمي في الولايات المتحدة لسنوات قادمة، وفق خبراء.

مستقبل المعركة القانونية

ومن المتوقع أن تستمر قضية تيك توك حتى ديسمبر، مع احتمال استئناف القرار أمام المحكمة العليا إذا لم يكن الحكم في صالح الشركة.

ورغم أن لدى تيك توك فرصة ما للفوز بالقضية على أسس التعديل الأول، يقدر خبراء قانونيون أن الاحتمالات ليست في صالح الشركة.

ووفقا للخبير القانوني ماثيو شتينهيلم، فإن احتمال أن يتمكن تيك توك من إلغاء القانون لا يتجاوز الثلث، وفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.

وتظل الحكومة الأميركية ثابتة في اعتقادها أن ملكية "بايت دانس" تشكل خطرا غير مقبول على الأمن القومي.

وقد أشارت إدارة بايدن إلى أن القانون لا يعد حظرا تقنيا، حيث يمكن لـ تيك توك تجنبه عن طريق بيع حصته لكيان غير صيني.

ومع ذلك، فإن إيجاد مشتر لشركة تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار في فترة زمنية قصيرة يمثل تحديا كبيرا، خاصة مع وجود قيود تصدير البرامج التي تمنع تيك توك من بيع خوارزمية التوصيات الخاصة بها، وهي جوهر عملها.

وخوارزمية تيك توك عبارة عن نظام توصيات يحدد مقاطع الفيديو التي ستظهر على صفحتك الفريدة والمخصصة لك فقط "For You".

هذا يعني أنه لن يرى مستخدمان نفس مقاطع الفيديو على صفحة "For You" الخاصة بهما، وقد تتغير مقاطع الفيديو التي تشاهدها بمرور الوقت بناء على سلوكيات المستخدم على التطبيق، وحتى حالته الذهنية.

وتجسد قضية تيك توك المعركة المستمرة بين حقوق حرية التعبير والمخاوف الأمنية الوطنية في العصر الرقمي.

ومع تعامل الحكومة الأميركية مع تأثير الشركات التكنولوجية المملوكة لأجانب، قد تكون لنتائج هذه القضية آثار دائمة على كيفية تفسير المحاكم للتعديل الأول للدستور الأميركي في ما يتعلق بالتكنولوجيا العالمية والمنصات الرقمية.

ومع اقتراب الموعد النهائي للقول الفصل في هذه القضية، تتوجه الأنظار إلى الإجراءات القانونية التي ستحدد ما إذا كان تيك توك سيظل جزءا من الحياة الأميركية أم سينضم إلى قائمة ضحايا الصراع التكنولوجي والأمني بين الولايات المتحدة والصين.

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".