رغم أن العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية أضعفت إيران وروسيا وكوريا الشمالية، لم تقف هذه الدول مكتوفة الأيدي، بل لجأت، بالتعاون مع الصين، إلى تعزيز تحالفاتها كوسيلة لمواجهة النفوذ الأميركي العالمي.
ولكن، هل يمثل هذا التحالف الجديد عودة لـ "محور الشر" الذي أشار إليه الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن؟ وهل هذه "التحالفات الجديدة" قادرة على إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، أم هي مجرد تحالف مرحلي يستجيب للضغوط المتزايدة؟
يقول خبراء إن هذه الدول، عوضا عن الانصياع للضغوط الغربية، اختارت بناء شبكات معقدة من التعاون الاستراتيجي، مما أضاف تحديات جديدة ومعقدة أمام الهيمنة الغربية، وفق تقرير نشره موقع بلومبيرغ.
ومن خلال شراكات غير مسبوقة تشمل تقاسم التكنولوجيا العسكرية والتمويل، يحاول هذا التحالف الجديد إعادة رسم خرائط النفوذ العالمي، ويضع واشنطن أمام تحد جدي "لم يكن متوقعا" قبل عامين ونصف من غزو روسيا لأوكرانيا، وفق التقرير.
ومنذ أن غزت روسيا أوكرانيا، تعمقت العلاقات بين طهران وموسكو رغم التحذيرات الأميركية المتكررة.
وقد وجدت طهران، المخنوقة أساسا من العقوبات الاقتصادية الغربية، في حرب روسيا على أوكرانيا مخرجا يمكنها من خلاله تعويض ما تخسره بسبب تلك العقوبات.
وبدأت طهران بالفعل في تزويد موسكو بالصواريخ الباليستية، لدعم الجيش الروسي في حربه، مقابل تحقيق مصالح تسعى إيران إليها عبر روسيا.
في الوقت ذاته تواصل الصين تقديم الدعم العسكري من خلال توفير التكنولوجيا الحيوية لمجهود الحرب الروسي، وفق بلومبيرغ.
ويشير تقرير بلومبيرغ أيضا إلى أن هذه التحالفات اتسعت خلال العامين الماضيين لتشمل كوريا الشمالية، فتشكلت بذلك محاولة حثيثة "من أعداء واشنطن لتقويض النفوذ الأميركي العالمي وإعادة رسم موازين القوة الدولية".
على جانب الحلفاء، يقول تقرير بلومبيرغ إن واشنطن تجد نفسها "غير قادرة على إقناع بعض حلفائها المقربين مثل إسرائيل" بالالتزام بوقف إطلاق النار مع حماس، وهذا الأمر "يزيد من تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط".
تعميق التحالفات والتهديدات
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، "صريحا بشكل غير عادي" في زيارته الأخيرة إلى أوروبا، عندما قال إن "أحد الأسباب التي جعلت (فلاديمير) بوتين قادرا على مواصلة هذا العدوان هو الدعم الذي تقدمه جمهورية الصين الشعبية"، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست.
وأضاف بلينكن أن الصين "أكبر مورد للأدوات الآلية، وأكبر مورد للإلكترونيات الدقيقة، وكل هذا يساعد روسيا في الحفاظ على قاعدتها الصناعية الدفاعية".
وقال بلينكن إن التعاون العسكري المتزايد بين إيران وروسيا "يشكل تهديدا لأوروبا بأكملها"، وأن واشنطن "حذرت إيران بشكل خاص" من أن تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية سيكون "تصعيدا كبيرا".
ووفق تقرير مجلة إيكونوميست، فإن المسؤولين الأميركيين "مترددون" في مناقشة تفاصيل ما يعتقدون أن روسيا تقدمه لأصدقائها، لكن كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية، قال مؤخرا إن روسيا زودت الصين بغواصات وصواريخ وغيرها من التكنولوجيا العسكرية.
وبشكل منفصل، تقول أميركا إن إيران كانت مشغولة بإرسال مئات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا.
ويبدو أن العلاقات بين إيران وروسيا أخذت منحى تصاعديا منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022، وفق تقرير لمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديز، في ماساتشوستس.
ومع العقوبات الغربية المشددة على روسيا، وجدت موسكو نفسها في حاجة ماسة إلى شراكات جديدة، وخصوصا في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي.
وقدمت إيران طائرات بدون طيار إلى روسيا، لعبت دورا حاسما في الحرب الأوكرانية.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم إيران لروسيا معدات عسكرية مهمة تستخدمها في الصراع مع أوكرانيا، ما يجعل العلاقة بين الدولتين أكثر تعقيدا وذات أبعاد استراتيجية، وفق ما يقول روسوخ.
أما الصين، فقد وجدت في إيران شريكا استراتيجيا لتأمين احتياجاتها النفطية وسط العقوبات الغربية المفروضة على البلدين، بحسب روسوخ.
وتتمتع الصين وإيران بعلاقة اقتصادية متينة، خاصة في مجال الطاقة. فالصين تعتبر المستورد الرئيسي للنفط الإيراني، وتواصل شراء النفط الإيراني على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على طهران، ما يمنح إيران متنفسا اقتصاديا مهما.
ويكشف التقرير أن التحالف الغربي يواجه تحديات داخلية، إذ بدأت بعض الدول الأوروبية في إعادة النظر في سياستها تجاه إيران، وذلك نتيجة المصالح الاقتصادية والتجارية التي تربطها بطهران.
في المقابل، تتبنى الولايات المتحدة موقفا أكثر صرامة تجاه إيران وروسيا، ما يعكس تباين المواقف بين الدول الغربية في ما يتعلق بكيفية التعامل مع هذه الدول.
مواجهة العقوبات الغربية
ويقول التقرير إنه رغم العقوبات المفروضة على إيران وروسيا والصين، نجحت هذه الدول في تجاوز هذه القيود الاقتصادية عبر التعاون المتزايد في مجالات متنوعة.
ويشير إلى أن إيران لم تكن قادرة على مواجهة هذه العقوبات بمفردها، ولكن من خلال تعزيز التعاون مع روسيا والصين، استطاعت أن تجد حلولا لتخفيف تأثير العقوبات، لا سيما في المجالات الحيوية مثل الطاقة والدفاع.
وتشرح التقرير كيف أن التحالف بين هذه الدول يشكل تحديا مباشرا للهيمنة الأميركية في المنطقة، حيث تسعى روسيا والصين لتوسيع نفوذهما في الشرق الأوسط من خلال بناء علاقات أعمق مع إيران.
بالإضافة إلى ذلك، يظهر التعاون المتزايد بين هذه الدول أن هناك رغبة في تشكيل نظام عالمي جديد يكون أقل اعتمادا على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
هل هو "محور الشر"؟
وفي منتدى أسبن للأمن، الذي عقد يوليو الماضي في كولورادو في الولايات المتحدة، وصف جون ماكلولين، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، العلاقة المتنامية بين الصين، وإيران، وكوريا الشمالية وروسيا بأنها "السمة المميزة للعالم الحالي".
وحذر ماكلولين من أن هذه الدول "تعزز تعاونها ضد الولايات المتحدة وحلفائها". بينما يشير بعض المحللين إلى هذا التحالف باعتباره "محور شر" جديد، فإن الحقيقة هي أن هذا التعاون يستند إلى شراكات ثنائية مؤقتة مدفوعة بمصالح جيوسياسية متغيرة.
ويقول تقرير لمجلة فورين بوليسي إن وصف العلاقة بين هذه الدول بأنها "محور شر جديد" يذكر بالمصطلح الذي أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر، عندما كان يشير إلى العراق، إيران وكوريا الشمالية.
غير أن خبراء اليوم يرون، وفق المجلة، أن هذا المصطلح "لا يعكس حقيقة العلاقات المتغيرة بين تلك الدول" في إشارة على روسيا وإيران والصين وكورويا الشمالية.
ويقول تقرير المجلة إن التعاون بين الصين، وإيران، وروسيا، وكوريا الشمالية "ليس موحدا بقدر ما هو مدفوع بتحديات داخلية لكل دولة، إضافة إلى المعارضة المشتركة للسياسات الأميركية".
ويقول تقرير فورين بوليسي إن وضع هذه الدول الأربع تحت عنوان "محور الشر" أو "محور الاستبداد" لا يعكس المصالح المعقدة والطموحات المتنوعة لكل منها.
فالصين، على سبيل المثال، لديها علاقات اقتصادية واسعة مع دول الخليج، وهي حذرة من التورط في صراعات مباشرة بالشرق الأوسط.
في حين أن روسيا قد تكون أكثر ميلا لدعم إيران في قضايا مثل الصراع في سوريا، فإن الصين تتخذ نهجا أكثر حيادية، مما يعكس اختلاف الأولويات والمصالح بين البلدين.
ويعتقد خبراء أن سياسات واشنطن يجب أن تستند إلى الفهم الدقيق للدوافع الفردية لكل دولة، بدلا من الافتراض أن هناك تحالفا منسقا يعمل ضد المصالح الأميركية، وفق المجلة.