بوتين يزور المعهد المشترك للأبحاث النووية في موسكو في 13 يونيو 2024
بوتين خلال زيارة سابقة إلى المعهد المشترك للأبحاث النووية في موسكو

"يجب اعتبارها إشارة واضحة".. بهذه الكلمات أجاب متحدث باسم الكرملين عن سؤال بشأن ما إذا كانت "التغييرات" التي طرأت على "العقيدة النووية" للبلاد، والتي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تشكل "تحذيرا للغرب"، لتزداد بذلك التساؤلات بشأن ما قد يحمله هذا للسلام العالمي.

وأعلن الكرملين، الخميس، أن "التغييرات" التي أدخلها بوتين على عقيدة الأسلحة النووية لبلاده، يجب اعتبارها "إشارة" لحلفاء أوكرانيا، إلى أنه ستكون هناك عواقب إذا شاركت في هجمات على روسيا.

وقال بوتين، الأربعاء، إن روسيا يمكن أن تستخدم أسلحة نووية "إذا تعرضت لضربات بصواريخ تقليدية"، وإن موسكو ستعتبر أي هجوم عليها "بدعم من قوة نووية، هجوما مشتركا"، حسب وكالة رويترز.

وأوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنه تمت صياغة تعديلات على وثيقة تسمى "أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي"، وهي التسمية الروسية الرسمية للعقيدة النووية.

وقال عندما سأله صحفيون عما إذا كانت التغييرات تمثل تحذيرا للغرب، إنه "يجب اعتبارها إشارة واضحة"، مضيفا: "هذه إشارة تحذر هذه الدول (الغربية) من العواقب المترتبة على مشاركتها في هجوم على دولتنا بأية وسيلة، وليس بالضرورة نووية".

وتابع أن العالم شهد "مواجهة غير مسبوقة" ناجمة عن "التدخل المباشر لدول غربية من بينها قوى نووية" في حرب أوكرانيا.

وأشار إلى أن القرار بشأن نشر الوثائق النووية أم لا سيُتخذ في وقت لاحق.

وكانت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، قد نقلت، أوئل سبتمبر الجاري، عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، القول إن موسكو "ستدخل تعديلات على عقيدتها النووية ردا على تصرفات الغرب" بشأن الصراع في أوكرانيا.

وتمتلك روسيا أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم، بنحو 6000 رأس حربي.

وتنص العقيدة النووية الروسية الحالية، على استخدام أسلحة نووية "في حالة وقوع هجوم نووي من قبل عدو أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة"، وفقا لمرسوم أصدره بوتين عام 2020.

ووفقا لخبراء تحدثوا إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن التغييرات التي جرى الإعلان عنها، الأربعاء، قد تمثل "خفضًا كبيرًا للعتبة النووية المعلنة لروسيا، وتوضح المزيد من المعايير لدى موسكو لتفويض الضربات النووية المحتملة".

وفي هذا الصدد، أوضح مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا في برلين، ألكسندر جابوييف: "هذه إشارات في الوقت الحالي، لكنها عدوانية للغاية والأكثر تحديدًا حتى الآن".

واعتبر جابوبيف في حديثه إلى الصحيفة البريطانية، أنه إذا نشرت روسيا عقيدة محدثة بالتغييرات التي اقترحها بوتين، فإنها "ستظل غامضة عمدًا بشأن عتبة الكرملين للانتقام".

ولفت إلى أن القضايا الرئيسية الناجمة عن حرب أوكرانيا ستبقى مفتوحة للتفسير أيضًا، مثل ما إذا كانت روسيا ستعتبر الهجمات على المقاطعات الأوكرانية الخمس التي تحتلها جزئيًا، اعتداءات على برها الرئيسي.

وأضاف جابوييف: "سيتعين علينا أن نرى إلى أي مدى هم على استعداد للذهاب في التعديلات (على العقيدة النووية)".

"تهديدات جوفاء"

من جانبه، اعتبر الباحث والخبير في الشؤون الأوكرانية، محمد فرج الله، في حديث إلى موقع "الحرة"، أن تصريحات بوتين "هي للاستهلاك المحلي، والدليل أنه سبق وأن أطلق العديد من التهديدات بشأن عدم اختراق خطوط حمراء كان وضعها الكرملين بوجه القوات الأوكرانية".

وتابع: "لكن تلك الخطوط الحمراء جرى ضربها عرض الحائط مرات عديدة، مثل استهداف العمق الروسي في مناسبات كثيرة، والتوغل بإقليم كورسك والسيطرة على مساحات شاسعة فيه، دون أن يقدم بوتين على استخدام السلاح النووي التكتيكي".

ونوه فرج الله بأن "اتفاقية بودابست لعام 1994، التي تخلت بموجبها كييف عن أكثر من ألفي رأس نووي، تنص على أن تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارها دولا ضامنة (مظلة نووية) لأوكرانيا، في حال تعرضت لهجوم نووي".

وشدد على عامل ثالث يتمثل في أن ما يعرف بـ"نادي الدول النووية"، بما في ذلك البلدان المحايدة في الصراع الأوكراني- الروسي، "ترفض بشكل حازم استخدام أي أسلحة نووية، باعتبار أن ذلك سيغير مجرى الصراعات والحروب بطريقة خطيرة للغاية على المستوى العالمي".

كما أشار إلى نقطة رابعة تتمثل في أن "العديد من القادة الكبار في الجيش الروسي، ورغم تأييدهم لغزو أوكرانيا، فإنهم مع ذلك يرفضون بشكل قاطع استخدام أي أسلحة نووية في الحرب، بسبب التبعات الهائلة والخطيرة على بلادهم من جراء مثل هذا القرار".

ولفت فرج الله أيضا إلى صعوبة استخدام تلك الأسلحة، موضحا أن "صاروخ (الشيطان -2) الذي من المفترض أن يصل مداه إلى أكثر من 11 ألف كم، فشل في 4 تجارب إطلاق حتى الآن".

وكان خبراء غربيون قد قالوا إن بوسع ذلك الصاروخ "حمل 10 رؤوس نووية، وتدمير دول بأكملها مثل بريطانيا وفرنسا"، وفق صحيفة "تلغراف" البريطانية.

من جانبه، قال الخبير الاستراتيجي الروسي، أندريه مورتازين، في حديث سابق لموقع "الحرة"، إن موسكو ستعدل "عقيدتها النووية" ليكون هناك "رد نووي وجوبي" على دول الغرب والولايات المتحدة في حال "تهديد سلامة الأراضي الروسية".

و"في حال تهديد كيان الدولة الروسية، فإن الرد الوجوبي سيكون على الولايات المتحدة مباشرة، لأنه لا يمكن استخدام السلاح النووي ضد روسيا إلا بموافقة أميركية"، وفق الخبير الاستراتيجي الروسي.

وأشار إلى أن العقيدة النووية الروسية "تنص على استخدام السلاح النووي في حالتين، الأولى هي تعرض روسيا لهجوم نووي، مما يستدعي الرد الجوابي، والحالة الثانية تعرض كيان الدولة الروسية لخطر وجودي"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

نظام مصاص الدماء الأميركي يمكن نقله على منصات منقولة
أوكرانيا والأسلحة بعيدة المدى.. "خطة النصر" كما يراها زيلنسكي
من المتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل، تسليط الضوء بشأن إمكانية السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ طويلة المدى التي تزودها بها الدول الغربية لتضرب العديد من الأهداف والمواقع العسكرية واللوجسيتية في العمق الروسي، وفقا لما ذكر العديد من الخبراء.

ولا يوجد "تفسير محدد" لمعنى تعرض الدولة لـ"خطر وجودي"، ولا يتم تحديد ماهية تلك التهديدات الوجودية، حسبما يضيف الخبير الاستراتيجي الروسي.

أما الخبير العسكري والاستراتيجي السوري، أحمد رحال، فقد اعتبر أن هناك "4 أسباب" قد تدفع روسيا لاستخدام السلاح النووي، وفق العقيدة الروسية.

وتتعلق تلك الحالات بـ"تهديد كيان الدولة، حتى لو باستخدام أسلحة تقليدية، وإذا تم توجيه ضربات باستخدام صواريخ باليستية، أو التعرض لضربات نووية مباشرة، أو التعرض لمخاطر السلاح الكيماوي والبيولوجي"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".